الثلاثاء، 6 مايو 2014

شريعة المُثلة تؤسس للرفق بالإنسان والحيوان حيّا وميتا


د. نضير الخزرجي
بعد ربع قرن من الهجرة اعتدت في كل زيارة الى العراق منذ عام 2003م أن أتجول في العاصمة العراقية بغداد أتمتع بمناظرها وشوارعها وآثارها واستأنس بحركة الناس ذات اليمين وذات اليسار، كل منشغل بالحياة اليومية، وفي العام 2008م وبعد أن تراجعت بشكل كبير عملية الخطف والقتل على الهوية الطائفية بفضل الاجراءات الحكومية، طفنا في شوارع بغداد كعادتنا، وعند مرورنا بشارع "أربع شوارع" في منطقة اليرموك، استوقفتنا مشاهد محلات بيع السمك المسقوف المشوي على الفحم، فأبدى زميلي انبهاره بالمنظر وبعفوية طلب مني الدوران بناظري والتمتع بمشاهد شوي الأسماك في الهواء الطلق، فابتسم السائق وعرف انني وصاحبي لسنا من أهل بغداد، فقال وبنبرة الخارج للتو من معركة رابحة: أتدرون ماذا كانوا يشوون هنا بدلا من الأسماك؟ تساءلنا بنبرة الجاهل بالأمر ونحن نعرف بما سيخبرنا به؟ أجاب: كانوا يشوون البشر المخطوفين بدلاً من الأسماك.
 كان هذا الشارع الذي ننعم بالمرور به الآن من الشوارع الخطيرة والمحظورة في الأعوام 2006- 2008م لكثرة عمليات الخطف والذبح والتنكيل والمثلة وشوي الأجساد، وراح محدثنا ينقل صوراً من عمليات القتل والفتك والتنكيل التي جرت في شوارع بغداد خلال هذه الفترة بدفع من جهات سياسية ومؤسسات دينية عراقية وغير عراقية وجدت في الحرب على الهوية المذهبية ضالتها للكسب الحرام على حساب النفس المحترمة، ومحاولاتها الحثيثة لتغيير الهوية السياسية التي تشكلت بعد عام 2003م كأمر طبيعي لما أفرزته صناديق الاقتراع، ولما هو عليه حقيقة الواقع الديموغرافي والسكاني لبغداد نفسها بخاصة وعموم العراق بعامة.
وتزاحمت في الذهن صور قتل الإنسان والتنكيل به التي جرت في تلك الفترة العصيبة من تاريخ العراق الحديث، وتداعت الذكريات المرّة وأنا أتصفح كتيب "شريعة المُثلة" للفقيه المحقق آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي، الصادر حديثا (2014م) في بيروت عن بيت العلم للنابهين في 48 صفحة متضمنة لمقدمة للفقيه آية الله الشيخ حسن رضا الغديري مع 22 تعليقة على 75 مسألة فقهية تعرض فيها الفقيه الكرباسي إلى جريمة "المُثلة" وأحكامها.

إنسانية الإنسان أولا
من الواضح ان التشريعات، إنما وضعت لتنظيم حياة الإنسان والإنسانية، ولا يخلو مجتمع، صغر عدد أفراده أو كثر، من التشريعات إن كانت دينية أو قانونية أو عرفية أو مجتمعية أو أسرية، وإذا كان الغموض يلف بعض التشريعات وهي بحاجة الى تفسير وتوضيح من خبراء التشريع أو القانون، فإن هناك من الأمور ما هي واضحة لا تتعلق بدين أو تشريع بعينه، يتفهما الإنسان بانسانيته، وإن كانت هي الأخرى بحاجة الى تشريع، ولعلّ مسألة "المُثلة" والتنكيل بالإنسان من الامور التي يستقبحها العقل الإنساني ويرفضها رفضا قاطعاً، لتعارضها تماماً مع انسانية الإنسان إن كان موحدا أو غير موحد.
فالمُثلة التي تعني كما يعرفها الفقيه الكرباسي: (التنكيل بجسم الميت بقطع شيء منه أو ما شابه ذلك)، مرفوضة في ساحة الحرب، فمن باب أولى مرفوضة في خارجها، وبتعبير الفقيه الغديري في المقدمة: (فإن المُثلة من أسوأ الأعمال وأقبحها عند الشارع الحكيم والخالق الكريم، فهي نوع من السبوعية، فعلى هذا لا يجوز للمُقاتل في المعركة أو خارجها أن يمثّل بعدوِّه وإن كان كافراً، فهذا يدل على حرمة الإنسان في الإسلام، هذا الدين الالهي العظيم لا يسمح بأيّة إهانة لأبناء البشر مهما كان الشخص طالحا وعمل عملاً غير صالح، فاحترام الإنسان مُقدَّم على كل شيء، وأقوم من كل ما دونه). فإنسانية الإنسان عند التشريعات مأخوذة بنظر الاعتبار بشكل جدي لا لبس فيه، ولهذا كما يضيف الفقيه الغديري: (والعقيدة لا تسوّغ ما ينافي أصل الإنسانية بأي حال من الأحوال وبأية صورة من الصور حتى مع الكفار والمشركين وعبدة الأصنام وأعداء الإسلام، فالتمثيل بما هو غير مسموح به لما فيه وَهنٌ لأصل الإنسانية بغض النظر عن معتقد الشخص وأعماله)، من هنا فإن الفقيه الكرباسي يؤكد أن حرُمة المُثلة لا تقتصر على المسلم، إذ: (لا فرق في حُرمة المُثلة بين أن يكون المجني عليه مُشركاً أو كافراً أو غير ذلك).
بل ولتعزيز إنسانية الإنسانية، فإن المشرع الإسلامي شدّد على الحرمة في ساحة الحرب نفسها، ولهذا فإن من تعاليم الإسلام ما ورد على لسان النبي الأكرم محمد(ص) من وصاياه للجيش: "سيروا باسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله، ولا تغلوا ولا تمثّلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا صبيّا ولا امرأة، ولا تقطعوا شجراً إلا أن تضطروا إليها"، ومن وصاياه(ص) أيضا: "قاتلوا من كفر بالله ولا تمثّلوا".
 ولا تقتصر الرأفة التي بشّر بها الإسلام على ذات الإنسان نفسه، بل تعداها الى الحيوان، وقد اشتهر عن النبي محمد(ص) قوله: "إياكم والمُثلة ولو بالكلب العقور". وإذا كانت المُثلة محرّمة على الحيوان ومحرمة على الإنسان الميت لحرمته حيّا وميتاً، فمن باب أولى لا يجوز التنكيل والمُثلة به وهو حي، وفي ذلك يرى الفقيه الكرباسي أنه: (كما لا تجوز المُثلة بالأموات، فإنه لا يجوز الموت صبراً للأحياء حتى وإن كان الحي يستحق الموت)، بل حتى في مجال ذبح الذبيحة ينبغي استحضار الرحمة والاحسان، فقد ورد عن نبي الإسلام(ص): "إن الله كتب الاحسان على كل شيء .. وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحدَّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته"، وعن حفيده الإمام محمد بن علي الباقر(ع): "فليحذر أحدكم من المُثلة وليحد شفرته، ولا يعذب البهيمة".
والتنكيل أو المُثلة أو تقطيع أوصال الإنسان صابراً وهو حي يكشف عن معدن الإنسان الجاني، وعن ماهيته وطينته، وبتعبير الفقيه الكرباسي: (إن المُثلة إن تمّت فتدل على الحقد والكراهية التي يكنّها طرف لآخر) والتاريخ القديم والوسيط والحديث يحتفظ في ذاكرته بصور بشعة عن المثلة مارستها المجتمعات البشرية أفرادا ومجموعات بالضد من الآخر، ولأن الفعل تنفر منه الفطرة الانسانية، فإن الجناة ينسبونه لهذا الدين تارة ولذاك تارة أخرى تنصلاً من المسؤولية الذاتية، مما يخلق الانطباع لدى الآخر بأن الدين يميل الى العنف ويشجع على التنكيل والتعذيب، في حين ان الدين وبخاصة الاسلام يهدف في تشريعاته حياة الإنسان وخيرها في الدارين، ولذلك اعتبر القرآن قتل الإنسان بغير وجه حق قتلاً للإنسانية وان احياءها إحياء للبشرية، قال تعالى: (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) المائدة: 32.

بين القصاص والمُثلة
ربما تقفز الى الذهن شبهة المُثلة على تشريعات القصاص التي سنّها الإسلام، حيث يقتضي في القصاص كما هو مسنون به العمل بالمثل، فمن قطع اصبع انسان عامداً متعمدا فحكمه المثل، وكذا في بقية أجزاء البدن، فحرمان الإنسان من جزء من أجزاء بدنه يقتضي العمل بالمثل مع الطرف الجاني ضمن شروط خاصة مرجعها القانون وحاكم الشرع، إلا ان يعفو المجني عليه أو ولي الدم في حال القتل، فكما تحرم التشريعات المُثلة بالانسان حياً وميتاً تحكم عليه بالمثل إن أساء للآخر، فالقصاص ليس من المُثلة، فكما ان إحياء النفس إحياء للإنسانية فان القصاص في الموارد التي يحكم بها حاكم الشرع هي الاخرى حياة فيها ردع وتخويف عن الاتيان بمثلها، وكما قال تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة: 179.
وإذا كان القصاص يتحقق فيه العمل بالمثل، فإن أحراز المثلية لا تتحق في المُثلة حتى وإن كان المعتدى عليه مسلماً، فالتنكيل تعبير آخر عن انحراف في السلوك وانعدام للأخلاق، والانحراف لا يُقابل بانحراف مثله حتى وإن بدا الأمر من باب "رد الحجر من حيث أتى"، وهذا ما يؤكد عليه الفقيه الكرباسي بالقول: (والاحتجاج بالمعاملة بالمثل ليس دليلا شرعيا ولا هي قاعدة اسلامية لتُعتمد في مثل هذه الموارد، وإن ذهب اليه بعض الفقهاء من المذاهب الاسلامية)، ولذلك كان صبر النبي محمد(ص) على التمثيل بعمِّه حمزة بن عبد المطلب في معركة أحد هو صبر مقدرة، ولم يفعل بالمثل مع تمكنه من ذلك، من هنا فإن الفقيه الكرباسي يؤكد: (إذا مثّل العدو بالمسلمين فلا يكون مسوغاً لأن يعاملوه بالمثل، بل على المسلم أن لا يمثِّل بهم)، كما: (إذا حُملت رؤوس قتلى المسلمين إلى أمرائهم، فلا يجوز للمسلمين المعاملة بالمثل في ذلك)، ولا يمكن الاستدلال بالحلية على تصرفات بعض قادة المسلمين على فرض صحة أصل الحدث، وهنا يؤكد الفقيه الكرباسي وهو الذي يحقق في النهضة الحسينية عبر موسوعته الكبيرة (دائرة المعارف الحسينية) التي بلغ المطبوع والمخطوط منها نحو 900 مجلد طُبع 86 مجلداً: (وأما ارسال المختار برأس ابن زياد إلى الامام السجاد(ع) أو محمد بن الحنفية فعلى فرض ثبوته لا يدل على صحّة عمله، بل الذي يُستشف أنّ حمل الرؤوس كانت عادة جاهلية استهواها البعض ومارسها على خلاف ما أمر به الرسول-ص-).
بل من رحمة الإسلام أنه نهى عند قصاص الموت العمل بالمثل (فلو أنه ثبت القصاص أو الحدّ على مجرم بالقتل فلا يجوز أن يُقتل تصبّراً، بل الواجب أن يُقتل بما يريحه حتى وإن كان هو فعل ذلك)، فإن كان النهي قائما عند قتل البهائم تصبّرا، فمن باب أولى نهيه عند قتل الانسان حتى في مجال القصاص.
يا ترى في مقابل صور الرحمة الإلهية، والرفق بالحيوان والإنسان في الروح والأبدان، بأية خانة يمكن وضع الصور المؤلمة والمقرفة والمقززة للتنكيل والمُثلة بالآخر حيّا أو ميّتاً التي تجري اليوم في بعض البلدان العربية والإسلامية، على خلفية الضد الديني والمذهبي تحت لافتة نصرة الدين والمذهب!!
بالتأكيد .. ما حرّمته الفطرة الإنسانية، وما حرّمه الشرع الإسلامي، لا يحلله أدعياء الدين والمتطفلون على الشرع، والمتفيقهون الذين يجدر بهم أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله.


الأحد، 20 أبريل 2014

ما بعد إنقراض الرجل الأخير



د.ماجدة غضبان المشلب

                         أجل..

هو من إرتقى عرشه حيث ترتفع الأبصار فلا ترتد إلا و الصبا رحيق بقائها ، و رعشة النبض في شريان جنين يولد..

 و قد بدا و كأنه للسحاب رفيق ، و حِجر تتلاطم فيه ذروات طيشه و عبثه..

 بزته الموغلة في نزقها جعلت من زغب جسدي ينتصب ما أختال أمام ناظري..

أيمكنني الإدعاء بعد يقين أبهرني بإتقاده انه ما كان بهيئة يسيل لها اللعاب؟؟..

 أبرقت عيناي ، و أستبشر شوق أمطاري بجذل الهطول..

 تأرجحت العروق في بدني ، و شهق النسغ في مسراه ، و أنا أستشعره يجتاحني لبرهة من الزمن.. فأمد لقلوعي نسيجها اللامتناه حتى يقظة عطائه المتفجر..

إقتربت منه فدانيت قدسية تفرده ، و آنتحت بي رغبة اقتطاف محرماتها..

بين أضلاعه تقيم الملائكة طقوسها ، و تمرغ وجوهها بطراوة عشب الربيع الغَرور..

إستكانت ديباجة بزوغه دون حراسة.. دون تحذير يمنعني أو يمنع غيري من الطامعين في إغتنام فرصة إمتلاكه..

من سيجرؤ على إتهامي بالإثم لو أنني الساعة قد غرقت فيه لأعرف معنى الإرساء عند موانئه الشبقة؟؟

 أتراه قبس لأعين أجهلها.. ام أنه لم يلوث بعد بمطامع البصر دون البصيرة؟؟..

سافرت بحدقتين يكسوهما التوق حتى آخر خيط ضوء مرئي.. و ترقبت أذناي إلتقاطها لومضة صوت غريب..

كان للفضاء أن يدعوني للإختلاء به.. و للشمس أن تبارك وجودي معه..

الطبيعة بكل مقتنيات خالقها تحولني الى كتلة رغبة لا مناص من طاعتها..

رغم جذوره الضاربة في عمق إحمرار الأصيل.. لم تر عيناي غبار القـِدم الذي إكتنف زفيره العطر.. مثلما لم ألمس ترفا على محياه..

 رائحته تشد أي طارق لسبيله.. و قد ولهني حتى قبل أن اشتهي إصطفاءه لنفسي..

جمر يتقد كدأب موقد شتاء على تحدي نثيث الثلج يغمرني بدفء لذيذ.. تموج في جسد النسيم يحملني كبذرة لقاح تفوح ذكورة ، و تسعى ذائبة في فرط حبورها نحو الإتحاد بميسم لزج..

تلمست تناقض الغسق على هضيباته ، و رباه الناضحة بأغصانها الغضة.. و قدح في جسدي بركان صهواته المتأرجحة بين فردوس و آخر..

أمرت جسدي بالإذعان لهواه.. و ترنحت بين صباه و كهولته.. أطلقت العنان لفحيح المسامات ، و هي تستنشق هوام أفيونه..

تنحى قوس قزح عن مواضع سحبي النديفة.. و آستقر بزهوه بين نهدين ضجرين من مداعبات بحر مأسور عند شطآن أنوثة..

تدفق وجده من سرة الكون حتى معصم الشبق.. و طفا الشهد على سندس عشق يذوب بين إستبرق و آخر حتى بطون الأرائك..

الباب الذي فتح ذات صراط مستقيم بين شرنقة ، وعزف جناحي فراشة ، قد أغلقته ساق الريح العارية عن موبقات خريف..

العرش ، و الفضاء يكسوان طريقي نحوهما بخطى عودة مستباحة.. و الغلمان ينكبون على فوهة ثورة..

الذبول يضطجع كطريق خرف لا تتخطاه قوافل الحجيج حتى ينال ما أخضر منها و ما أينع..

دبت أناملي في توحدي المستديم به.. دب الحياء من ماض لم تفارق جاهليته حرير ثوب الشمس قبل إرتمائها بين زندي الغروب..

صغائر الرمال تتحدى السيوف القائمة على قلاع عيني ، فتقتلع منابت النجوم.. و شتلات الضوء اليانعة عند الرايات الحمراء..

تنهدت الكثبان في روحي.. و تجعدت أهلتي في سماوات تتلاشى خلف غضب آلهة لم تمنحني تربة عبادتها.. و لا سديم حريتها..

أطلقت تنهيدة قريش الأولى ، ثم الثانية ، و توزعت ذراتي بين ذراعي جماع مدنس بجبروت إبليس..

ترجل السائل المرتضى بين فخذي الغسق ، و مس نهايات نهار مقدس ، فَتِح كل فرج يسيل بغيثه نحو الغد.. و دَسَّت أعواد القصب بين اثداء هور يمور..

إستنفذ الشهيق كل هوى يمتطي أكاذيبه.. و أرخت القلوع تعنتها عند كل مرسى..

خبا الضوء.. إبتلت لوحة المفاتيح بشاطيء فرات توسد الشاشة.. همدت ساقان.. قذف القلب صلواته.. و لقح فؤاد إعرابية.. و اغلق حاسوب بين متاهات الأقمار الصناعية..

سأنتخب كي لا أساهم في بيع وشراء وأغتصاب القاصرات "قانونيا"



يوم الجمعة الماضي 11/4/2014 كان اليوم المدرسي الاخير لطلبة المدارس بالدنمارك قبل بدء عطلة عيد الفصح. وكانت المدينة الصغيرة التي أعيش فيها تعجّ بطلبة المدارس خصوصا الابتدائية منها كون دوامهم اليومي ينتهي قبل الاخرين. وأثناء تجولي في أحد الشوارع القريبة من محل سكني حيث احدى هذه المدارس رأيت العشرات من التلاميذ الصغار بنينا وبناتا وهم فرحون ببدء عطلتهم هذه، وكانوا مع معلمّيهم في رحلة درّاجات الى احدى الغابات القريبة من المدرسة مع حقائبهم وخوذهم الواقية، وما شدّني اليهم فرحا بطفولتهم البريئة للحظات فقط قبل ان أنتقل بتفكيري كلّه الى طلبة وطني الصغار، هم آباء وأمهات هؤلاء البراعم الصغيرة والبانية لمستقبل بلدهم لاحقا، الذّين وضعوا ثقتهم بالسياسيين الذّين انتخبوهم لبرامجهم وتعهدهم ببناء نظام تربوي وتعليمي وصحي يمنح اولادهم الثقة بالنفس ويضعهم على اول الطريق لبناء انفسهم ووطنهم مستقبلا.

حينها فقط قررت أن أتجاوز تعهدي لنفسي ، ذلك الذي قطعته بعدم اشتراكي بالانتخابات، ليس لثقتي بالقانون الانتخابي، ولا بنزاهة المفوضية "المستقلة" للانتخابات، ولا بقانون الاحزاب الذّي لم يرى النور لليوم، ولا ثقتي بعدم أستغلال المال العام من قبل الاحزاب المتنفذة، ولا ثقتي بعدم تجيير الاعلام "الحكومي" لصالح أحزاب السلطة، ولا أطمئناني بعدم تزوير نتائج الانتخابات والتلاعب بها، لا أبدا. لانني اعرف جيدا من ان القانون الانتخابي فُصٍّلَ على قياسات أحزاب السلطة لاستمرار هيمنتها على المشهد السياسي، وأعرف جيدا ان المفوضّية "المستقلة" للانتخابات فقدت استقلاليتها بعدما هيمنَ عليها حزب معين، وأعرف جيدا أن لا قانون احزاب بالبلد لان هذه الاحزاب لا تريد الاعلان عن مصادر تمويلها. كما وأعرف جيدا استغلال اموال الدولة وامكانيات الوزارات للمصالح الشخصية والحزبية التي يراها الجميع الا اعضاء مفوضية الانتخابات!، كما وأعرف جيدا ان هناك صناديقا للاقتراع ستبدّل بالكامل بعد أغلاقها أضافة الى الغاء الالاف من الاصوات الانتخابية بأتلافها أو العبث بها لتكون باطلة، وأعرف جيدا ان الاعلام الحكومي هو اعلام حزبي وفئوي، وأنا متأكد من ان القانون الانتخابي شهد الكثير من الشد والجذب والتهديد بعدم المشاركة بالانتخابات من قبل احدى الكتل التي تتربع وتهيمن على مقدرات البلد الا اذا تمت الموافقة على أملاءاتها وهذا ما حصل بالفعل. أذا لماذا غيّرت رأيي فجأة وقررت الادلاء بصوتي في انتخابات الثلاثين من نيسان الجاري أن جرت؟

الذي جعلني أن أغيّر رأيي فجأة هو مشاهدتي لاولئك الطلبة الصغار ومقارنتي لاولياء أمورهم الذين منحوا اصواتهم لساسة يحفظون طفولة اطفالهم من عبث العابثين ويعاملونهم كأطفال ليس الا ، موفّرين لهم كامل الرعاية حتّى بلوغهم سن الرشد، بأولياء أمور تلامذة بلدي الصغار الذّين يمنحون أصواتهم لساسة فاشلين لم يستطيعوا توفير سبل العيش الكريم لهم لدورتين انتخابيتين على الاقل ليتوجوها بأغتصاب طفولة بناتهم الصغيرات القاصرات تحت اسم ديني وطائفي هو ، القانون الجعفري. غيّرت رأيي لانني اريد ان اكون صادقا مع ضميري الانساني اولا ومع اطفال بلدي ثانيا عسى ان اساهم مع بقية شرفاء العراق بألغاء هذا القانون الذي يغتال الطفولة ليشبع شهوات رجال لا أظنهم سالمين سلوكيا، غيّرت رأيي لانني لا اريد ان اكون شاهد زور على استغلال قاصرات بلدي جنسيا تحت اي مسمى كان. غيّرت رأيي لابريء نفسي وانزهّها مما قد يثقل كاهلي من شذوذ اصحاب هذا القانون والذين سيصوّتون عليه جنسيا.

سأشترك بالانتخابات من اجل هذه الفتيات الصغيرات وامنح صوتي للقوى الوحيدة التي تحلم ببناء مجتمع مدني يحفظ لهنّ طفولتهنّ وكرامتهنّ ويؤمن لهنّ ولعوائلهنّ سبل العيش الكريم ويمنع بيعهنّ وشرائهنّ كجواري لاغتصابهنّ قانونيا تحت بند الدين والمذهب، ولشعبنا الأمن ولوطننا السلام والتقدم. سأمنح صوتي لقوى التيار الديموقراطي وقائمتهم الرقم 232 البديل الوحيد المنشود لعراق معافى
.


زكي رضا
الدنمارك
14/4/2014 

 

الأربعاء، 9 أبريل 2014

الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية العراقية تنطلق في يوم الكذب العالمي ....؟!



شه مال عادل سليم

في حين يحتفل في العديد من الدول في الأول من شهر إبريل باطلاق النكات وخداع بعضهم البعض وتحصل مواقف كثيرة ‏معظمها طريفة وبعضها محزن جراء كذب الناس في مثل هذا اليوم , بدأ في العراق اليوم 1 نيسان ( يوم كذبة ابريل ) الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية العراقية المقرر إجراؤها في 30 أبريل (نيسان) الحالي بعدما كادت البلاد تدخل في فراغ قانوني لولا عدول مجلس مفوضية الانتخابات عن قرار استقالته مساء أول من أمس, واعلن  سربست مصطفى، رئيس مجلس المفوضية، خلال مؤتمر صحافي عقده في مقر المفوضية بحضور أعضاء مجلس المفوضية وممثل الأمم المتحدة في العراق( نيكولا ميلادينوف )إنه : استجابة للدعوات الرسمية وغير الرسمية والمحلية والدولية التي وجهت إلى مجلس المفوضين في مفوضية الانتخابات، قرر أعضاء المجلس سحب استقالتهم) ......والتي كانوا قد قدموها الثلاثاء الماضي، مبينا أننا (لم ولن نكون سببا في تدمير الوضع الأمني وسياسة العراق أكثر وأكثر) . وأضاف مصطفى ( لقد كيلت لنا اتهامات كثيرة لكن هذا لم يمنعنا من الاستمرار في عملنا وفق القانون) ، مبينا ( استنادا للدعوات التي وجهت للمفوضية وتقديرا للدور الذي تقوم به الأمم المتحدة بدعم مفوضية الانتخابات وزيارة ميلادينوف لنا اليوم قررنا سحب استقالتنا الجماعية) ....

و يرى بعض الخبراء في كشف  الخداع الإستراتيجي لكيانات والمرشخين بان  يجب على العراقيين على الاقل التمعن في معرفة مكر و خداع وكذب بعض السياسيين اللذين سيضعون لهم السم في العسل من اجل مصلحتهم الشخصية حيث نرى برامج  اتتخابية كثيرة حبلى بالوعود والالتزامات ولكن اثبت التجارب السابقة بانها غير واقعية وغير قابلة للتحقيق ....!!

وعليه يجب على الناخبين ان يتذكروا  (كذبة نيسان ) لكي لا يستغفلوا وتنطلي عليهم الاكاذيب كما كذب البعض في حملاتهم السابقة.

وعليه يجب ان نكون حذرين ونختار الاصلح والأكفاء ....وان نختار الشخصيات المعتدلة والواقعية والتي تتمتع بالمصداقية الشعبية .....

اخيرا .....

السؤال الذي يطرح نفسه في هذا اليوم هو : هل سيتمكن البعض من تمرير كذبة نيسان على بعض المواطنين المحتاجين والمتمسكين بالوعود من قبل النفوس الضعيفة ؟

هل يمكن للأحزاب العراقية أن تقوم بحملات نظيفة وصادقة في مستوى المرحلة الراهنة في يوم الكذب العالمي ....؟!

 

 

 

قرچ نيسان ... حنان الفتلاوي مثالا


 
كأي أول من نيسان كنت قد هيأت نفسي لاستقبال مزحة ثقيلة من صديق ما، كوني ومعي الكثيرون بالتأكيد قد عانينا من هذا اليوم الذي اصبح الاول منه "عيدا" للكذب البريء ولكنه لايخلوا احيانا من مصيبة قد تأتي بشكل عرضي بعد ان يتم تصديق كذبة ما. ويبدو أن استنفار حواسّي بأكملها والتهيؤ لكذبة نيسان العام الجاري هذه المرّة كانت في غير محلّها، فبدلا من ان يكون خبر أحد الاصدقاء كذبة وبالتالي استطيع التجاوز عليها ضاحكا عليها كوني قد هيأت نفسي لها، اكتشفت أن ما نقله لي الصديق وبعد نقاش قصير ورابط فيديو أنها لم تكن كذبة بل كانت حقيقة، ولكون تلك الحقيقة كانت مؤلمة وغير قابلة للتصديق فانني كنت اتمنى ان تكون كذبة حتى وان كانت مزحة من النوع الاكثر من ثقيل.

 

لقد قال لي صديقي هذا ان السيدة "حنان الفتلاوي" قالت في برنامج تلفزيوني بُثّ من على قناة السومرية " أشو آني أريد توازن باليستشهدون من ينقتلون سبعة شيعة أريد گبالهم سبعة سنّة ليش أولادنا ينذبحون شنهو الثمن اللي ايحصلون عليه – الحديث عم احداث الرمادي-". فلم اتمالك نفسي وذهبت في ضحكة طويلة قائلا له: كفاك يا رجل انني اعرف ان اليوم هو الاول من نيسان وان كذبتك هذه لن تنطلي عليّ ولا على أي عاقل في بلدنا. أيعقل أن السيدة حنان الفتلاوي النائب"ة" عن دولة القانون بقيادة السيد المالكي والحالم ببناء وطن لجميع العراقيين بغضّ النظر عن اديانهم ومذاهبهم وقومياتهم تصّرح مثل هذا التصريح؟ ماذا ابقت وقائمتها الانتخابية للارهابيين والطائفيين أذن؟ لا لاأصدّق "فحنان الفتلاوي" المحجبة والمؤمنة والقيادية في قائمة انتخابية يقودها حزب قدّم الكثير من الشهداء من اجل الاسلام، أيعقل أنها لم تقرأ سورة فاطر في القرآن الكريم " ولا تزر وازرة وزر اخرى"!؟ ماذا تقول، "حنان الفتلاوي" التي تريد وقائمتها بناء دولة القانون والمواطنة تعالج مشكلة القتل بالقتل هل هي متخلفة وطائفية الى هذا الحد!؟ أتركني يا رجل أمن الممكن أن يقود العراق ساسة بهذا النفس الطائفي وينتمون الى دولة القانون بقيادة حزب الدعوة الاسلامية!، اتركنا من هذا الهراء؟ لا أظن أنها قالت ذلك حتى ولو على سبيل المقارنة فهي تعرف جيدا ان للمقارنة حدود لايمكن تجاوزها وخصوصا من ساسة يقودون البلد؟ أنني واثق من أنها لم تقل ما نقل عن لسانها حتى لو تم تصوير الامر كدعاية انتخابية، لانها وورائها دولة القانون من غير الممكن ان يستخدموا دعاية انتخابية معمّدة بالدم!. ولكن صديقي هذا اقسم بأغلظ الايمان من أن ما جاء به عن لسان "حنان الفتلاوي" حقيقة وليست كذبة نيسان ولكي يؤكد لي الامر قام بارسال رابط يؤكد الواقعة!!

 

بعد مشاهدتي الرابط وبغض النظر عن المناسبة التي طالبت فيها "حنان الفتلاوي" تطبيق مبدأ العين بالعين والسن بالسن العشائري القبلي كما زعيم قائمتها رحت ابحث عن صفة يمكن اطلاقها على هذه المرأة "السياسية"، فلم أجد مستميحا القراء الكرام وبعد مشاهدة العديد من الروابط وهي تعارك هذا وتتجاوز على ذاك بلسان سليط الا صفة "قرچ" و"القرچ" كلمة تركية تستخدم بنفس المعنى في العراق ولسنا هنا بصدد تعريف الكلمة فهي معروفة للعراقيين وكثيرة الاستخدام.

 

أن التحريض على القتل والعنف يضّران بأمن وسلامة المجتمع ويحاسب عليهما القانون الجزائي في كل دول العالم، ولم يبحث القانون عن الاسباب التي تدفع المحرضين لتحريضهم هذا أن كانت قومية أو دينية أو طائفية كما تحريض النائب "ة" حنان الفتلاوي ولا عن طريقة بث التحريض ان كانت عبر لقاء تلفزيزني او كتاب او مقالة أو عبر أية وسيلة أخرى، بل حددت العقوبات وفق القوانين الجزائية المرعية بكل بلد. والان والانتخابات على الابواب وشاهدنا همّة المفوضية "المستقلّة" العليا للانتخابات التي تديرها شخصيات حزبية قريبة جدا من الحكومة وهي تمنع البعض من الترشيح للانتخابات كونهم انتقدوا السيد رئيس الوزراء، فهل تستطيع هذه المفوضية أن تطعن بترشيح السيدة "حنان الفتلاوي" كونها تحرض على القتل والعنف والكراهية بين ابناء شعبنا، أم لها رأيا آخر كونها مقرّبة من السيد رئيس الوزراء وقيادية في قائمته وتتصدر كل المعارك الكلامية التي تخوضها دولة القانون كما رفيقها السابق والحالي "علي الشلاه".

 

كم اتمنى أن يكون الرابط مفبركّا ويكون الحديث كله كذبة نيسان

 

رابط حديث السيدة "حنان الفتلاوي"


 

زكي رضا

الدنمارك

1/4/2014

 

 

 

 

      

 

 

 

 

 

 

 

 

حين يقتل الاف الجنود انفسهم


كان هذا عنوان مقال كتبه روني لوكبيرغ، محرر الشؤون الثقافية في جريدة السياسة الدنمركية "politikken "بتاريخ 5-4-2014 تناول فيه حالات الانتحار، و القتل بين الجنود الاميركيين، ممن شاركوا  في الحروب، على يد زملائهم . وهنا نص المقال:

حين يقتل الالاف انفسهم...

 هناك اكثر من  100.000 جندي اميركي انتحر منذ 11-9-2001  . قام ايفان لوبيز يوم الاربعاء الماضي بقتل ثلاث جنود امريكيين في قاعدة فروت هود في تكساس ثم قام بالانتحار. لوبيز  صنف من " الجنود الاقل خطرا "،حيث تزوج وللمرة الثانية  ويسكن  قرب القاعدة العسكرية في شقة مع زوجته وطفلته الصغيره. يصفه اصدقائه وفقا للواشنطن بوست بانه شاب هاديء من بورتو ريكو حيث كان من عازفي الالات الايقاعية المهرة. ولكن وعلى الرغم من امكانية انتهاء الحروب  في ساحات المعارك، الا ان اثارها تستمر طويلا بعد ذلك في قتل الناس .

  لوبيز  الذي كان في العراق مصاب بنوبات من الخوف، شيء ما بداخله قد انكسر، ولكن لايمكن للاخرين رؤية هذا في الفحص الذي اجرى له قبل شهر من  حادث وفاته. لقد كان  يعاني من انقباض وكأبة وهو تحت المعالجة الدوائية،  ولكن هذا بصراحة لم يدق جرس الانذار في قاعدة فروت هود.

لم تكن المرة الاولى التي  يقتل بها جندي اميركي زملائه، عام 2009 قتل 13 جندي على يد الميجور نضال حسن اثناء خدمته كمعالج نفسي ، الا انه اصبح متطرفا اسلاميا وله علاقات مع القاعدة. وفي الوقت الذي عين فيه  في الجيش الاميركي ، اصبح هو عدوا و يتوجب عليه العمل بالضد منا، وقد صدر عليه الحكم بالموت .

وبشكل عام حدثت الكثير من عمليات القتل في القواعد العسكرية الاميركية ، مما دعا وزير الدفاع الاميركي"  تشاك هاغل " للقول قبل اسابيع ، ان التهديدات ضد الرجال والنساء في الجيش في حالة تصاعد وتاتي من داخل الجيش."

وبعد احدى حوادث القتل العمد التي حصلت في واشنطن عام 2013 ، حيث قتل 12 جندي  على يد زميلهم . ، خلصت احدى التحقيقات  التي اجرتها وزارة الدفاع الى انه لامر صعب على الدفاع ان " تجد ، او تمنع و تتفاعل فى  ذات اللحظة، عندما يكون البعض  ممن  يعملون معنا ، موظف حكومي، شخص عسكري   او صله اخرى،  يقرر ان يرتكب جناية  تجاه مؤسسته و شعبه" بكلمة اخرى الدفاع توفر اعدائها الذين لا تستطيع حماية نفسها منهم، وبطريقة ما اصبح الجيش الاميركي بحالة حرب مع ذاته.

اكثر الارقام التي تصدم  هي عدد الاشخاص المنتحرين ممن خدموا في الجيش الاميركي، و كمعدل ينتحر جندي واحد منهم كل 65 دقيقة. هذا يعادل 22 جندي ينتحر في اليوم اي اكثر من 8000 في السنة.

هناك اكثر من  100.000 جندي اميركي انتحر منذ 11-9-2001  ، في ذات الوقت يجب الاشارة الى  ان الاف من الجنود الذين كانوا في الخدمة  هم ايضا مشردين دون ماوى  ويعيشون في الشوارع  وحالات الموت بينهم ليس بالضروري  يتم تسجيلها وبعض الولايات تتحفظ على  فتح سجلاتها .

لم يعد الامر من التابوات او الممنوعات ، لقد جرى ذكر رؤوساء امريكيين مختلفين هذه المشكله عدة مرات ، بقولهم ان هذه الارقام  عاليه  ويجب ان نفعل شيء تجاه هذه الامر. كما واقيمت هناك لقاءات عامة مع اضاءة الشموع ووقفات تذكر رسمية ايضا.

ثقافيا  كانت هناك قصص معروفة وخلال العشرة سنوات  شاهدنا فلم حول الحياة البائسة ، حياة الجنود حين يعودون الى اوطانهم من شدائد الحروب التي لا تطاق الى عدم الاكتراث الغريب وحياة لا تحتمل.

نحن نعرف ان الانقباض النفسي لا ياتي مباشرة بعد الخدمة ، الكثير من الجنود الاميركيين  في الحرب الفيتنامية  شعروا اولا  في حالة الانقباض او الصدمة النفسية  10-12 سنة بعد عودتهم الى الوطن.

ان اكثر المنتحرين  هم من الرجال ومن الاعمار مافوق الخمسين . هذا يعني ان التكاليف البشرية من حرب العراق وافغانستان سوف تكون اكبر واكبر بعد العشر سنوات القادمة. وهكذا وببساطه عاديه عرفت  ولكنها لم تناقش كجانب جدي حين جرت مناقشة ذهابنا للحرب  كان التركيز ينصب عن ماذا ننجز في الحرب هناك  واين تكون، ولكن نحن لا نتحدث حول كيف ستدمر الحرب حياة الالاف من البشر الذين يجري ارسالهم كجنود.

الصحقي الاميركي نيكولاس  كريستوف  قام بعملية حسابية  مفادها ، مقابل كل جندي اميركي سقط في الحرب هناك 25 جندي ينتحر بعد الحرب ، ويجب  علينا ان نتذكر حين تبداء لحظات الحشد العسكري  تتصاعد معها حمى التاييد وحين تنتهي  ينسى اولئك  ماحدث. الحرب لا تصيب من تشن ضدهم فقط ، انها تصيب كذلك قاعدة عريضة وبعمق في االدول التي قررت ان تكون قائدة لهذه الحرب.

ترجمة : ك. الربيعي عن البوليتكن" السياسة " الدنمركية

*ملاحظة يبقى  كاتب المقال يعبر بمقالته عن تاثيرات ووقع الحرب ونتائجها على مجتمعات الدول التي تقود الحرب ولكنه اطلاقا لم ياتي بكلمة واحدة عن ماهو حال البلدان التي تقع عليها الحرب!! الخسائر المنظورة من البشر والثروات؟ التاخير الذي تسببه الحرب على التمنية!! الامراض النفسية والصحية الاخرى التي تتركها! المشاكل الاجتماعية التي تتركها! ثقل هذه المشاكل على واقع المجتمع المستقبلي !! اخراج  اعداد القتلى والمعوقين والجرحى الاخرين من مسار المشاركة التنموية الى ثقل على المجتمع  من خلال العلاج والاعالة وغيرها.... وغير ذلك الكثير.... لم يرحم الكاتب هذه الشعوب في كلمة واحدة.

 

الاثنين، 31 مارس 2014

كي لا يجري لي عنق مواد المعاهدات والصكوك الدولية لحقوق الانسان حسب المزاج....... الى زهير المالكي


                                                                                                                          كريم الربيعي


 الكتابة ليس  رص للجمل وليست تنصيص  تقاربا مع " التفخيذ" وليس هي اخذ نصوص الغير وتقديم كلمة على اخرى  .... الكتابة ان يكون لديك موقف او تصور او صورة عن شيء ما يمكنك وصفه بكلمات معينة وان اعتمدت على نصوص الغير فعليك ان تذكر  اصحاب النصوص  لسبب بسيط ان الكلمة امانة  وعدم ذكر اصحاب الحق سرقه لحقوقهم ..... والبقية لديك

لقد كتبت عن قانون الاحوال الشخصية الجعفرية، وبدات بعبارة نظرة قانونية، " ونصصت " على وزن  "فخذت"  حقيقة للمواد التي اقتطفتها من المواثيق الدولية لحقوق الانسان..... ان اقتباس النصوص  وتشويه ما مقصود بها لا يختلف عن "  التفخيذ" واغتصاب القاصرات الذي اتى فيه قانون الاحوال الشخصية الجعفرية.

ولا اود الاطالة في الرد مذكرا ان معاهدات وصكوك حقوق الانسان لا تتجزء ولا يمكن لوي عنقها  كما فعل ابناء العراق الغيارى!؟!  الذين شكلوا لكل طائفة جمعية حقوق انسان وادعوا انها تقوم على مواثيق ومعاهدات حقوق الانسان!!! كما اود تذكيرك  ان العراق كان من الدول التي وقعت على اعلان  حقوق الانسان في 10-12-1948 . ذلك الاعلان الذي تنص مادته الثانية  على أن "لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر".

وعلى هذه الاسس تبنى الدولة .. دولة المواطنة وليست دولة الطائفة  الحاضنة للبؤس والفساد والتمييز، ولهذا فان مشروع هذا القانون و لما له من صبغة طائفية على المجتمع العراقي  يجب رفضة لصالح تشريع قانون مدني للاحوال الشخصية يساوي بين جميع المواطنيين، ان رفض القانون هذا لا يعني التمسك بقانون 188 لسنة 1959 وكانه انزل من السماء ، بل يجب تطوير هذا الاخير لما يتناسب مع العصر الذي نعيشه و يرتقي ايضا الى تاسيس للدولة المدنية . ان ما يتعارض مع معاهدات وصكوك حقوق الانسان هو التمييز  بين البشر، ان المادة الثامنة عشره من الاعلان العالمي لحقوق الانسان نصت على أن "لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر، ومراعاتها، سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة".

وقد تم تحويل هذا الحق إلى التزام قانوني للدول المصدقة " والعراق منها" في المادة الثامنة عشره من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي تنص على أن:*

1-       لكل فرد الحق في حرية الفكر والضمير والديانة. ويشمل هذا الحق حريته في الانتماء إلى أحد الأديان أو العقائد باختياره، وفي أن يعبر، منفرداً أو مع آخرين بشكل علني، عن ديانته أو عقيدته سواء أكان ذلك عن طريق العبادة أو التعبد أو الممارسة أو التعليم.

2-      لا يجوز إخضاع أحد لإكراه من شأنه أن يعطل حريته في الانتماء إلى أحد الأديان أو العقائد التي يختارها.

3-       تخضع حرية الفرد في التعبير عن ديانته أو معتقداته فقط للقيود المنصوص عليها في القانون والتي تستوجبها السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.

واكد الإعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد في المادة الثالثة منه على " يشكل التمييز بين البشر على أساس الدين أو المعتقد إهانة للكرامة الإنسانية وإنكاراً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ويدان بوصفه انتهاكاً لحقوق الإنسان والحريات الأساسية المعلنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والواردة بالتفصيل في العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، وبوصفه عقبة في وجه قيام علاقات ودية وسليمة بين الأمم." واكدت المادة 5 في فقرتها الخامسة ايضا على حدود الحرية الدينية والقانون العام بنصها التالي   " يجب ألا تكون ممارسات الدين أو المعتقد التي ينشأ عليها الطفل ضارة بصحته الجسدية أو العقلية، أو بنموه الكامل، مع مراعاة الفقرة 3 من المادة الأولى من هذا الإعلان." علما ان الفقرة 3 من المادة الاولى من الاعلان  بشان القضاء على جميع اشكال  التعصب والتمييز القائمين على اساس الدين او المعتقد ، تنص على "- لا تخضع حرية المرء في إظهار دينه أو معتقده إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية الأمن العام أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق العامة أو الحقوق والحريات الأساسية للآخرين." فيما اكدت المادة السابعة من الاعلان الإعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد على" تكفل في التشريع الوطني الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان، بحيث يتمكن كل فرد من الاستفادة من هذه الحقوق والحريات عمليا."

 

تقول الدكتورة فيوليت داغر في كراسها حول" الطائفية وحقوق الانسان " في اخر صفحة منه ما يلي"لقد زرعت سنوات الحرب والموت في جل معاني الحياة بحيث فقدت هذه الكلمة قيمتها في ذاتها، وكلما استعاد المجتمع الاعتبار للحياة كقيمة، يعيد طرح القضية الحتمية الاقوى من كل قانون، قضية الوجود المشترك الذي يستدعي حياة مشتركة، وما من حياة مشتركة تستحق هذه التسمية دون قاسم اعلى مشترك، اعلى من الانتماء الطائفي، هذا القاسم اسمه حق  المواطنة  الكاملة والمتساوية في ظل دولة القانون."

 

*25 تشرين الثاني/نوفمبر 1981، أصدرت الجمعية العامة الإعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد.

الدم بالدم عرف بدوي أيها السيد المالكي

 

كالعادة كان بريد بغداد اليوم مغمسّا بالدم الذي تشتيهه قوى الارهاب من جهة وميليشيات حكومية من جهة ثانية، وكالعادة ايضا كان الاسفلت البغدادي كما اسفلت شوارع العراق مسرحا لجريمة بشعة بحق اعلامي واستاذ جامعي هو الشهيد "محمد بديوي" وليضاف اسمه الى قائمة طويلة من شهداء الكلمة التي تؤرق الطغاة في كل الازمنة وفي مختلف الاماكن.

 

لسنا هنا بصدد تبرير الجريمة وكيف نستطيع ذلك ودماء الشهيد "بديوي" لم تجف بعد من على اسفلت "الجادرية"، كيف نستطيع ان نبرر الجريمة والقاتل معروف ان لم يكن بالاسم لحد هذه اللحظة فهو معروف المكان والجهة التي تتبناه والتي ستسلمّه الى العدالة بلا شك لينال عقابه، كيف نستطيع تبرير الجريمة والضحية ليست شخصا بذاته بل هو "كلمة" عليها ان تجوب فضاءات العراق لتوصل ما تبقى من حقيقة في هذا الزمن اللئيم الى من يحتاجها لبناء وطن يتهاوى بفعل المحاصصة الطائفية القومية اللعينة.

 

المنطق يقول ان تبرير جريمة كهذه سيؤدي الى تبرير جرائم سابقة واخرى لاحقة ونفس المنطق يقول ان الضحية لم تكن الاولى ولن تكون الاخيرة، ولو استقرئنا المنطق بشكله "المنطقي" فعلينا البحث عن كل الجرائم المرتكبة ليس بحق الصحفيين والاعلاميين والسياسيين فقط بل وبحق كل الابرياء من العراقيين الذي ذهبوا ضحية طغم سياسية تنهب ثروات البلد باسم الطائفة والقومية وصراعاتهم السياسية العقيمة، لنؤشر بعدها على القتلة لتقديمهم الى محاكم قانونية عادلة، السنا في ظل دولة القانون وننهل من خيره وعطائه!؟

 

لم نرى السيد المالكي حريصا على الدم العراقي الا اليوم حيث انتظره الجميع ليرفع جثّة الشهيد المغدور بيديه "الكريمتين" كدعاية انتخابية ويا ليته لو اكتفى بذلك، بل رأيناه منفعلا ليضيف الى طائفيته وعشائريته،  بداوته بابشع صورها متناسيا انه على رأس اعلى سلطة تنفيذية بالبلاد ليقول " الدم بالدم". لا يا حاج صدقني ما هكذا تروى الابل وليست هذه من اخلاق زعماء البلدان ناهيك عن سياستهم. ألم تستشير مستشاريك ليخبروك من انك تمثل القانون بالبلد وان قائمتك الانتخابية تسمى "دولة القانون" لذا عليك ان تكون حذرا بأنتخاب الكلمات في مثل هذه المواقف؟ ولماذا لم يراك ابناء شعبنا لليوم في موقع انفجار ارهابي قتل العشرات منهم بين صبية ونسوة وشيوخ وعجائز؟ ولماذا لم يراك ابناء شعبنا في مناطقهم عندما غرقت مدنهم ودخلت المياه الثقيلة الى داخل بيوتهم؟

 

السيد رئيس الوزراء هل دماء الشهيد البريء "محمد بديوي" لها لون غير لون دم الشهداء " كاوه كرمياني" و "كامل شياع" والشهيد "هادي المهدي" الذي قتل لانه انتقدك شخصيا وغيرهم الكثير من شهداء الكلمة والفكر؟ واذا كان قاتل الشهيد "كرمياني" معروفا وسيحاكم ان لم يكن اليوم فغدا، فهل علينا ان نسألك من هم قتلة "شياع والمهدي" ولماذا لم تتابعوا قضيتهم لليوم؟ السيد رئيس الوزراء من الذي اطلق سراح قاتل الشهيدين ولدي السيد مثال الالوسي ضمن صفقة سياسية؟ هل تعرفه أم علينا الاشارة اليه؟

 

اننا في العراق بحاجة الى ارساء دولة المؤسسات التي تحاسب القتلة والمجرمين من خلال محاكم قانونية وليس عن طريق المنطق والثأر البدوي، وان حديث النبي محمد "ص" عندما قال في العقبة الاولى حين سأله بعض اليثاربة عن عهودهم مع اليهود أذ قال " الدم بالدم والهدم بالهدم" كانت وليدة ظرف تاريخي معين، وان كان السيد المالكي استوحى مقولته " الدم بالدم" من حديث النبي محمد "ص" آنف الذكر فالاولى له اتمام الحديث " والهدم بالهدم" وليشن حربه على الكورد ويهدم مدنهم أن استطاع وأراد لأن الجاني كوردي ومن ضمن حماية رئيس للجمهورية لازال في منصبه خلافا للدستور نتيجة غيابه بسبب المرض. أما اذا لم يستوحي ماقاله من حديث النبي محمد "ص" بل هي من بنات افكاره فأنه بدوي، وستكون بداوته وطائفيته وعشائريته معاولا بيد حزبه ودولة لاقانونه ليهدموا بها ما تبقى من البلد.

 

البداوة ليست سوى مرحلة تاريخية ولّت بتقدم المجتمعات نحو المدنية التي يناصبها المالكي العداء.

 

زكي رضا

الدنمارك

22/3/2014

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هل السيد المالكي ولي أمر أم ولي دم؟


 
لقد كتب الكثير عن تصريح السيد نوري المالكي " الدم بالدم" بعد استشهاد الاكاديمي والاعلامي "محمد بديوي" بدم بارد على يد أحد عناصر الفوج الرئاسي ولو راجعنا ما كتب فاننا سنقف تقريبا على أمر مشترك واحد بين كل ما كتب، وهو ادانة ما حصل ومطالبة الجميع بتقديم القاتل الى المحاكمة القانونية لينال جزاءه وفق احكام القانون، وهذا ما حصل فعلا بعد ان تناقلت الاخبار نبأ تحويل الجاني الى محكمة الجنايات المركزية والتي ستحدد لاحقا موعدا للمرافعة فيها. وبذلك قطعت محكمة الجنايات المركزية الطريق أمام سماسرة الحقد والعاملين على تعميق الخلاف العربي الكوردي من كل الجهات بين ابناء شعبنا خدمة لمصالح انتخابية من استغلال هذه الحادثة رغم بشاعتها .

 

بقيت عبارة " الدم بالدم" التي اطلقها السيد المالكي في فورة غضب لاتليق بتصرف رئيس وزراء لم نراه يوما في اي منطقة حدث بها انفجار اودى بحياة العشرات من "مواطنيه"، ولا سمعنا يوما انه شكل لجانا للبحث عن قتلة المئات من الاكاديميين والاساتذة الجامعيين والاطباء والصحفيين والاعلاميين والرياضيين وغيرهم ليكون ولي دمهم وينزل العقاب بالجناة، محل خلاف بين مخالفيه الذين اعتبروا تصريحه هذا هو انقلابا على القانون وعودة لاعراف قبلية وعشائرية مطالبين بمعالجة المشكة قانونيا وهذا ما حصل بالفعل، وبين مناصريه الذين اعتبروا ان تصريحه هو من صميم الدين الاسلامي ولم يخلقه بنفسه في دفاع لو درسناه بدقة وحيادية فسنراه نوعا من الدعوة للثأر والقصاص. واعتقد ان مثل هذه الدعوة تعتبرتجاوزا على القانون ودعوة لأحياء قوانين العشائرية والقبلية التي علينا لو كنّا نريد فعلا بناء دولة قانون ومؤسسات ومجتمع مدني ان نقفز عليها. فهل صرخة السيد المالكي هذه هي دعوة لتطبيق القانون أم هي دعوة للثأر أم هي دعوة للقصاص؟ وهل المالكي ولي دم الشهيد أم ولي الامر "الحاكم"؟ وهل هناك فرق بين ولي الدم وبين ولي الامر "الحاكم"؟ 

 

 لا أريد في هذه المقالة أن أخوض في التسلسل التاريخي لمبدأ القصاص " كالكسر بالكسر والعين بالعين والسن بالسن وما يدخل في هذا الباب كالرجل بالرجل واليد باليد والدم بالدم من الناحية التاريخية والشرعية، كون الاسلام كدين يعتبر مرحلة متقدمة عن العشائرية والقبلية، ولكنني ارى من الضروري بعد اطلاق الكثير من التصريحات المؤيدة لما قاله السيد رئيس الوزراء " أنا ولي الدم " أن نتعرف على المعنى اللغوي للثأر والقصاص وهل هناك فرقا بينهما؟ كما علينا ان نسأل أن كان "ولي الدم" هو نفسه "ولي الامر"؟

 

يقول ابن منظور في لسان العرب شارحا معنى القصاص ( أن القصاص والقصاصاء والقصاصاء: القود وهو القتل بالقتل أو الجرح بالجرح). وجاء معنى القصاص في المعجم المعاصر( قِصاص:  1- مصدر قاصَّ،  2- أن يُوقَع على الجاني مثل ما جنى، النفس بالنفس والجرح بالجرح " والجروح قصاص ولكم في القصاص حياة" ).

 

ويقول ابن منظور في لسان العرب عن معنى كلمة ثأر، الثأر والثورة: الذّحل، أبن سيده: الثأر الطلب بالدم، وقيل الدم نفسه، أثآر و آثار، على القلب، حكاه يعقوب. أما في معجم المعاني الجامع فقد عرّفت كلمة ثأر على حالتين اولهما ان كانت فعلا فانها تعني: ثأربـ/ ثأر لـ/ ثأر من يثأر ثأرا فهو ثائر والمفعول مثئور. أما ان كانت اسما فانها تعني الدم نفسه وتجمع على شكل أثار وثارات. وكان المختار الثقفي قد رفع شعار يا لثارات الحسين "ع" بعد استشهاده في واقعة الطف، ولازال الشيعة يرفعون هذا الشعار في ذكرى استشهاد الامام السنوية بشهر محرم.

 

أما في معنى "ولي الامر" فأن أبن منظور قال:  في أَسماء الله تعالى : الوَلِيُّ هو الناصِرُ وقيل: المُتَوَلِّي لأُمور العالم والخلائق القائمُ بها ومن أَسمائه عز وجل: الوالي وهو مالِكُ الأَشياء جميعها المُتَصَرِّفُ فيها. قال ابن الأَثير: وكأَن الوِلاية تُشعر بالتَّدْبير والقُدرة والفِعل وما لم يجتمع ذلك فيها لم ينطلق عليه اسم الوالي "الوالي هنا ولي الامر". وجاء شرحه في معجم المعاني الجامع على حالتين اولهما ان كان فعلا فهو: وليَ/ وليَ على، لِه، ولاية وولايةً، فهو والِ، والمفعول مولىّ، وليَ البلد، حكمه وتسلط عليه، وليَ الشيء/ وليَ على الشيء: ملك امره وقام به، ولي فلانا/ ولي على فلان: نصره. وان كان اسما فهو: كل من وليّ أمرا أو قام به.

 

أما "ولي الدم" في اللغة فيعرّف كما جاء في معجم المصطلحات الفقهية من انه (ورثة القتيل)، أما لغويا وكما جاء في المعجم فأن "ولي الدم هو الآخذ بالثأر"  

 

بعد المقدمة اعلاه علينا ان نطرح سؤالا حول صفة السيد رئيس الوزراء ان كان وليا للدم مثلما قال أو وليا للأمر؟ وهل صرخته "الدم بالدم" كانت للقصاص أم للثأر؟ لانه من غير الممكن عقلا ولا شرعا ان يكون ولي الدم هو نفسه ولي الامر الا اذا كان القتيل يخص ولي الامر شخصيا، ومن غير الممكن كذلك ان يكون القصاص وهو جزء من الشرع هو نفسه الثأر الذي يعتبر عرفا عشائريا وبدويا ويظهر بوضوح في المجتمعات المتخلفة وعند غياب سلطة الدولة أو ضعفها.

 

 لقد اثبتنا لغويا خطأ ما جاء على لسان السيد رئيس الوزراء حول ما قاله عند جثة الشهيد "محمد بديوي" من أنه " ولي الدم" لأن ولي الدم هو الآخذ بالثأر ، فهل السيد رئيس الوزراء يريد الاخذ بالثأر لمقتل الشهيد "بديوي" أم القصاص له شرعا أم تطبيق القانون!؟ أسئلة اطرحها على السيد المالكي ومناصريه الذين دافعوا عن صرخته "الدم بالدم" ودافعوا عن قوله من انه "ولي الدم". أن المالكي يجوز ان يكون "ولي أمر" ولكن لايمكن ان يكون "ولي دم" وهذا ما يمكن التوصل اليه في "مسائل معاصرة في فقه القضاء" لسماحة المرجع الديني السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم في السؤال 18 من الباب 59 والذي جاء على الصيغة التالية " بالنظر الى ضرورة أشراف الحاكم على استيفاء القصاص، يرجى الاجابة عن ما يلي" هل يجب على ولي الدم أن يستأذن ولي الامر أو من عيّنه لذلك في استيفاء القصاص؟ ج_  لا يجب على ولي الدم " هنا ذوي الشهيد محمد بديوي" أستئذان الحاكم "هنا ولي الامر السيد المالكي" لان القصاص حق له "  وهنا ذوي الشهيد محمد بديوي"، ومقتضى اطلاق أدلته جواز استيفائه لحقه من دون أذن الحاكم "ولي الامر وهنا السيد المالكي".

 

أن جرائم الحدود والقصاص تعتبر من المسائل الشرعية في الاديان المختلفة ومنها الدين الاسلامي الذي لم يتركها للناس بل عالجها قرآنيا حيث ساوى النص القرآني بين الناس دون النظر الى مراتبهم واصولهم واعراقهم "ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب". ولكن السيد رئيس الوزراء تجاوز على النص القرآني عندما ترك آلاف الضحايا دون ان يقتص من قاتليهم الا قاتل الشهيد "محمد بديري وهذا حق قانوني وشرعي" والذي كان من الممكن ان يتجاوز على هذه الحادثة أيضا لو لم تكن الانتخابات على الابواب او كان على علاقة جيدة مع الاقليم، فهل هناك فرقا مثلا بين الشهيد "بديوي" والشهداء "كامل شياع" أو "هادي المهدي" أو "قاسم عجام"  أليسوا جميعا وغيرهم من المثقفين والادباء والصحفيين مواطني دولة ولي امرها السيد المالكي، فلماذا نرى فرقا بين موقفه تجاه الفريقين!؟  كما وان الاختلاط بين مفهومي ولي الامر وولي الدم وقعت فيه الحكومة العراقية "المالكي رئيسها" مرّات عدة قبل اليوم وذلك عندما اطلقت سراح ارهابيين ضمن صفقات سياسية مع حكوماتهم، حيث الشرع يمنح الحاكم "ولي الامر" حق في اطلاق سراح مدانين ولكن هذا الحق يتوقف عند حق الدم فهو لولي الدم. والآن اليس من حق اولياء دم الضحايا الذين اطلق سراحهم "ولي الامر اي المالكي" باقامة الدعوى عليه لانه تصرف بدماء ذويهم دون استشارتهم بأعتبارهم اولياء دم؟

 

أن صرخة المالكي لم تكن الا ثأرا من الكورد كون القاتل كوردي ودعاية انتخابية كون الانتخابات على الابواب متمنيا بعد تصريح صلاح عبد الرزاق رئيس ائتلاف دولة القانون في مجلس محافظة بغداد عن نية المحافظة قيام نصب يخلد الشهيد "محمد بديوي" في مكان الجريمة، أن لاتكون بابا لزرع الكراهية بين ابناء شعبنا من العرب والكورد، هذه الكراهية التي لم ينجح حتى الطاغية صدام حسين على رغم بشاعة وكثرة جرائمه زرعها. فهل سينجح المالكي وحزبه الحاكم من حيث فشل صدام وحزبه الحاكم؟ أم سيختار فتح قنوات اتصال مع معارضيه السياسيين من اجل التهدئة خدمة للصالح العام والالتفات لبناء الدولة التي دمّرتها سياسات البعث الهوجاء واكملتها سلطة المحاصصة؟

 

 من اجل مستقبل العراق وشعبه لنعمل على ان لا يرفع المالكيون رايات يا لثارات الشهيد محمد بديوي في سمائه. 

 

زكي رضا

الدنمارك

28/3/2014