الاثنين، 31 مارس 2014

هل السيد المالكي ولي أمر أم ولي دم؟


 
لقد كتب الكثير عن تصريح السيد نوري المالكي " الدم بالدم" بعد استشهاد الاكاديمي والاعلامي "محمد بديوي" بدم بارد على يد أحد عناصر الفوج الرئاسي ولو راجعنا ما كتب فاننا سنقف تقريبا على أمر مشترك واحد بين كل ما كتب، وهو ادانة ما حصل ومطالبة الجميع بتقديم القاتل الى المحاكمة القانونية لينال جزاءه وفق احكام القانون، وهذا ما حصل فعلا بعد ان تناقلت الاخبار نبأ تحويل الجاني الى محكمة الجنايات المركزية والتي ستحدد لاحقا موعدا للمرافعة فيها. وبذلك قطعت محكمة الجنايات المركزية الطريق أمام سماسرة الحقد والعاملين على تعميق الخلاف العربي الكوردي من كل الجهات بين ابناء شعبنا خدمة لمصالح انتخابية من استغلال هذه الحادثة رغم بشاعتها .

 

بقيت عبارة " الدم بالدم" التي اطلقها السيد المالكي في فورة غضب لاتليق بتصرف رئيس وزراء لم نراه يوما في اي منطقة حدث بها انفجار اودى بحياة العشرات من "مواطنيه"، ولا سمعنا يوما انه شكل لجانا للبحث عن قتلة المئات من الاكاديميين والاساتذة الجامعيين والاطباء والصحفيين والاعلاميين والرياضيين وغيرهم ليكون ولي دمهم وينزل العقاب بالجناة، محل خلاف بين مخالفيه الذين اعتبروا تصريحه هذا هو انقلابا على القانون وعودة لاعراف قبلية وعشائرية مطالبين بمعالجة المشكة قانونيا وهذا ما حصل بالفعل، وبين مناصريه الذين اعتبروا ان تصريحه هو من صميم الدين الاسلامي ولم يخلقه بنفسه في دفاع لو درسناه بدقة وحيادية فسنراه نوعا من الدعوة للثأر والقصاص. واعتقد ان مثل هذه الدعوة تعتبرتجاوزا على القانون ودعوة لأحياء قوانين العشائرية والقبلية التي علينا لو كنّا نريد فعلا بناء دولة قانون ومؤسسات ومجتمع مدني ان نقفز عليها. فهل صرخة السيد المالكي هذه هي دعوة لتطبيق القانون أم هي دعوة للثأر أم هي دعوة للقصاص؟ وهل المالكي ولي دم الشهيد أم ولي الامر "الحاكم"؟ وهل هناك فرق بين ولي الدم وبين ولي الامر "الحاكم"؟ 

 

 لا أريد في هذه المقالة أن أخوض في التسلسل التاريخي لمبدأ القصاص " كالكسر بالكسر والعين بالعين والسن بالسن وما يدخل في هذا الباب كالرجل بالرجل واليد باليد والدم بالدم من الناحية التاريخية والشرعية، كون الاسلام كدين يعتبر مرحلة متقدمة عن العشائرية والقبلية، ولكنني ارى من الضروري بعد اطلاق الكثير من التصريحات المؤيدة لما قاله السيد رئيس الوزراء " أنا ولي الدم " أن نتعرف على المعنى اللغوي للثأر والقصاص وهل هناك فرقا بينهما؟ كما علينا ان نسأل أن كان "ولي الدم" هو نفسه "ولي الامر"؟

 

يقول ابن منظور في لسان العرب شارحا معنى القصاص ( أن القصاص والقصاصاء والقصاصاء: القود وهو القتل بالقتل أو الجرح بالجرح). وجاء معنى القصاص في المعجم المعاصر( قِصاص:  1- مصدر قاصَّ،  2- أن يُوقَع على الجاني مثل ما جنى، النفس بالنفس والجرح بالجرح " والجروح قصاص ولكم في القصاص حياة" ).

 

ويقول ابن منظور في لسان العرب عن معنى كلمة ثأر، الثأر والثورة: الذّحل، أبن سيده: الثأر الطلب بالدم، وقيل الدم نفسه، أثآر و آثار، على القلب، حكاه يعقوب. أما في معجم المعاني الجامع فقد عرّفت كلمة ثأر على حالتين اولهما ان كانت فعلا فانها تعني: ثأربـ/ ثأر لـ/ ثأر من يثأر ثأرا فهو ثائر والمفعول مثئور. أما ان كانت اسما فانها تعني الدم نفسه وتجمع على شكل أثار وثارات. وكان المختار الثقفي قد رفع شعار يا لثارات الحسين "ع" بعد استشهاده في واقعة الطف، ولازال الشيعة يرفعون هذا الشعار في ذكرى استشهاد الامام السنوية بشهر محرم.

 

أما في معنى "ولي الامر" فأن أبن منظور قال:  في أَسماء الله تعالى : الوَلِيُّ هو الناصِرُ وقيل: المُتَوَلِّي لأُمور العالم والخلائق القائمُ بها ومن أَسمائه عز وجل: الوالي وهو مالِكُ الأَشياء جميعها المُتَصَرِّفُ فيها. قال ابن الأَثير: وكأَن الوِلاية تُشعر بالتَّدْبير والقُدرة والفِعل وما لم يجتمع ذلك فيها لم ينطلق عليه اسم الوالي "الوالي هنا ولي الامر". وجاء شرحه في معجم المعاني الجامع على حالتين اولهما ان كان فعلا فهو: وليَ/ وليَ على، لِه، ولاية وولايةً، فهو والِ، والمفعول مولىّ، وليَ البلد، حكمه وتسلط عليه، وليَ الشيء/ وليَ على الشيء: ملك امره وقام به، ولي فلانا/ ولي على فلان: نصره. وان كان اسما فهو: كل من وليّ أمرا أو قام به.

 

أما "ولي الدم" في اللغة فيعرّف كما جاء في معجم المصطلحات الفقهية من انه (ورثة القتيل)، أما لغويا وكما جاء في المعجم فأن "ولي الدم هو الآخذ بالثأر"  

 

بعد المقدمة اعلاه علينا ان نطرح سؤالا حول صفة السيد رئيس الوزراء ان كان وليا للدم مثلما قال أو وليا للأمر؟ وهل صرخته "الدم بالدم" كانت للقصاص أم للثأر؟ لانه من غير الممكن عقلا ولا شرعا ان يكون ولي الدم هو نفسه ولي الامر الا اذا كان القتيل يخص ولي الامر شخصيا، ومن غير الممكن كذلك ان يكون القصاص وهو جزء من الشرع هو نفسه الثأر الذي يعتبر عرفا عشائريا وبدويا ويظهر بوضوح في المجتمعات المتخلفة وعند غياب سلطة الدولة أو ضعفها.

 

 لقد اثبتنا لغويا خطأ ما جاء على لسان السيد رئيس الوزراء حول ما قاله عند جثة الشهيد "محمد بديوي" من أنه " ولي الدم" لأن ولي الدم هو الآخذ بالثأر ، فهل السيد رئيس الوزراء يريد الاخذ بالثأر لمقتل الشهيد "بديوي" أم القصاص له شرعا أم تطبيق القانون!؟ أسئلة اطرحها على السيد المالكي ومناصريه الذين دافعوا عن صرخته "الدم بالدم" ودافعوا عن قوله من انه "ولي الدم". أن المالكي يجوز ان يكون "ولي أمر" ولكن لايمكن ان يكون "ولي دم" وهذا ما يمكن التوصل اليه في "مسائل معاصرة في فقه القضاء" لسماحة المرجع الديني السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم في السؤال 18 من الباب 59 والذي جاء على الصيغة التالية " بالنظر الى ضرورة أشراف الحاكم على استيفاء القصاص، يرجى الاجابة عن ما يلي" هل يجب على ولي الدم أن يستأذن ولي الامر أو من عيّنه لذلك في استيفاء القصاص؟ ج_  لا يجب على ولي الدم " هنا ذوي الشهيد محمد بديوي" أستئذان الحاكم "هنا ولي الامر السيد المالكي" لان القصاص حق له "  وهنا ذوي الشهيد محمد بديوي"، ومقتضى اطلاق أدلته جواز استيفائه لحقه من دون أذن الحاكم "ولي الامر وهنا السيد المالكي".

 

أن جرائم الحدود والقصاص تعتبر من المسائل الشرعية في الاديان المختلفة ومنها الدين الاسلامي الذي لم يتركها للناس بل عالجها قرآنيا حيث ساوى النص القرآني بين الناس دون النظر الى مراتبهم واصولهم واعراقهم "ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب". ولكن السيد رئيس الوزراء تجاوز على النص القرآني عندما ترك آلاف الضحايا دون ان يقتص من قاتليهم الا قاتل الشهيد "محمد بديري وهذا حق قانوني وشرعي" والذي كان من الممكن ان يتجاوز على هذه الحادثة أيضا لو لم تكن الانتخابات على الابواب او كان على علاقة جيدة مع الاقليم، فهل هناك فرقا مثلا بين الشهيد "بديوي" والشهداء "كامل شياع" أو "هادي المهدي" أو "قاسم عجام"  أليسوا جميعا وغيرهم من المثقفين والادباء والصحفيين مواطني دولة ولي امرها السيد المالكي، فلماذا نرى فرقا بين موقفه تجاه الفريقين!؟  كما وان الاختلاط بين مفهومي ولي الامر وولي الدم وقعت فيه الحكومة العراقية "المالكي رئيسها" مرّات عدة قبل اليوم وذلك عندما اطلقت سراح ارهابيين ضمن صفقات سياسية مع حكوماتهم، حيث الشرع يمنح الحاكم "ولي الامر" حق في اطلاق سراح مدانين ولكن هذا الحق يتوقف عند حق الدم فهو لولي الدم. والآن اليس من حق اولياء دم الضحايا الذين اطلق سراحهم "ولي الامر اي المالكي" باقامة الدعوى عليه لانه تصرف بدماء ذويهم دون استشارتهم بأعتبارهم اولياء دم؟

 

أن صرخة المالكي لم تكن الا ثأرا من الكورد كون القاتل كوردي ودعاية انتخابية كون الانتخابات على الابواب متمنيا بعد تصريح صلاح عبد الرزاق رئيس ائتلاف دولة القانون في مجلس محافظة بغداد عن نية المحافظة قيام نصب يخلد الشهيد "محمد بديوي" في مكان الجريمة، أن لاتكون بابا لزرع الكراهية بين ابناء شعبنا من العرب والكورد، هذه الكراهية التي لم ينجح حتى الطاغية صدام حسين على رغم بشاعة وكثرة جرائمه زرعها. فهل سينجح المالكي وحزبه الحاكم من حيث فشل صدام وحزبه الحاكم؟ أم سيختار فتح قنوات اتصال مع معارضيه السياسيين من اجل التهدئة خدمة للصالح العام والالتفات لبناء الدولة التي دمّرتها سياسات البعث الهوجاء واكملتها سلطة المحاصصة؟

 

 من اجل مستقبل العراق وشعبه لنعمل على ان لا يرفع المالكيون رايات يا لثارات الشهيد محمد بديوي في سمائه. 

 

زكي رضا

الدنمارك

28/3/2014

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق