الخميس، 27 ديسمبر 2012

غصب الفؤاد واغتصاب العباد داء اصاب البلاد

                                                                               -    كريم الربيعي   

مسلسل الفضائح في العراق لم ينتهي ، ولم تخفت ناره قليلا، بل على العكس انها تزداد يوما بعد اخر،  مسلسل تنحني له احتراما المسلسلات التركية  وما تقدمه من ثقافة وتفنن بالدروب الملتوية، لتزيد في انحطاط الارضية الثقافية في مجتمعاتنا التي ينخرها العث من كل حدب وصوب .

فمن فضيحة سرقة البنك التجاري  وازمة المجلس الامني الاعلى  والفساد في التحضيرات لمؤتمر النقمة العربية! وبعدها اعتقال حمايات الهاشمي مرورا بهروب الاخير الى تركيا والتي رفعت حدة التوتر ، الذي توج  بتحرك بعض القوائم من اجل سحب الثقة من رئيس الوزراء انذاك ، وما ان انتهت تصفيات بطولة سحب الثقة ،حتى سادت سحابة دورة جديدة من الخلاف على ما يسمى المناطق المتنازع عليها!! هذه الاحداث غلت بنار صفقات عقود النفط وتهريبه  وصفقات الاسلحة الامروروسية  وقانوني مجلس القضاء والمحكمة الاتحادية ، وقانون الانتخابات والمادة خمسة منه وقانون الاحزاب وعقدة تمويلها ومظاهرات الذات وليس مظاهرات الوطن، كل هذه البطولات  "للساسة" حدثت  في ظل مثلث يطبق على عنق المواطن العراقي،  اضلاعة  الخدمات ،  العنف بجميع مفرداته " التفجيرات والاغتيالات والخطف والقتل خارج اطار القانون"، والامراض الفتاكة  وغيرها الكثير من التوترات ، التي ربما حطت رحالها على اعتاب نهاية العام  بحادث الفتاة المغتصبة في الموصل واعتقال حماية العيساوي، كخميرةً لعام جديد سيكون على الاغلب عاصفا  بالازمات، ملتزما بالفوضى شعارا ، ليصح به قول الشاعر " لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم --ولا سراة إذا جُهالهم سادوا" [1]، فعلى خلفية جميع هذه الازمات التي لم تتحرك باتجاه الحل ،  ستاتي انتخابات المجالس المحلية ونتائجها وتشكيل المجالس وما سيرافقها من اتهامات في التزوير والاقصاء وفضائح الفساد التي يكشفها طبعا من سيشغل مقاعد تلك المجالس، في حالة وكان الكثير من ذوي الشان متكاتفين اليوم لدفع المواطن امام  باب مسدود، لقبول اجندة اولياء النعمة والمتمثلة بقرار مجلس الشيوخ الاميركي  بتايخ 26-9-2007 والقاضي بتقسيم العراق الى اقاليم سنية ، شيعية وكردية.

لقد علقت الكثير من الجهات الدينية  حول حالة اغتصاب فتاة في الموصل، وهذه الردود صحية ويجب ان تكون، اي ان مجتمع لا ينهض لوقف التجاوزات والعربدة باستغلال السلطة والنفوذ ، لا يستحق ان يحيا، ولكن، كي لا تكون تلك الوقفة كلمة حق يراد بها باطل، وددت التساؤل بصوت عالي .

لقد طالب ائمة محافظة الموصل في مؤتمر صحفي لهم  بما نصه "علماء محافظة نينوى يدعون كل أبناء العراق، الى عدم السكوت على الانتهاكات التي وقعت في الموصل ".  وطالب  امام وخطيب جامع الرحمة نيابة عن ائمة الموصل "اخراج قوات الجيش من داخل المدينة وفك اسر أحيائها التي قطعت سبل الوصول إليها"[2]

الشيخ امام وخطيب جامع الرحمة ايسر مهدي  وجهه دعوته الى العشائر وقوى المجتمع جميعها لادانة " حادث الاغتصاب " لا بل وعلقت، ووفقا للخبر ذاته،  بعض القوى الممثلة في مجلس محافظة نينوى، عملها احتجاجا على ذلك الفعل السيء.

ان ما تقدم حقا يدفع المرء للشعور بالفخر والاعتزاز، الذي  و للاسف تعارضه  " لكن"  وتفرض وجودها مرة ثانية ، لتمنعني من اظهار هذا الفخر والاعتزاز  ملحةٍ باسئلةٍ كثيرةٍ منها  :

1-      لماذا لم ترتفع هذه الاصوات وتعقد المؤتمرات وتعلق الاعمال  على قتل افراد الشرطة والجيش في المدينة؟؟ وعلى قتل المعلمين  والنساء؟؟ وعلى استهداف وتهجير المسيحيين ؟؟ وعلى استهداف و قتل ابناء الاقليات الدينية او القومية الاخرى؟؟ ولماذا لا تتعالى الاصوات والدعوات  لوضع حد للفساد والافساد في المدينة وغيرها من ربوع البلد؟ ولماذا لم  ترتفع وتعلق الاعمال احتجاجا  على سرقة ارض العراق  وثرواته ؟ لماذا  الى لا نهاية ..؟

2-      حين يجري الطلب باخراج الجيش ، من سيقوم بحماية المدينة؟ و التي تريد الجماعات المتطرفة السيطرة عليها واستخدامها قاعدة لاعمالها الارهابية ؟  هل الشرطة المحلية؟؟ هل قوات الامم المتحدة ؟؟ ام من؟ علينا حين نطلب سحب القوات، اقتراح الحلول ن لا سيما وان الموصل تاتي تقريبا بالمرتبة الثانية بعد بغداد من حيث اعمال العنف.

3-      هل ستوفر القوى الدينية والسياسية وقوى المجتمع المدني الحياة الامنة للفتاة التي جرى اغتصابها وتجنبها من القتل على يد اهلها  "غسلا للعار"، وهل سيصدر اصحاب الشان فتوى تحرم ذلك ؟؟ وهل سيحمون الاخريات ويدافعون عنهن لو خرجن معلنات ما تعرضن له؟

نعم يجب تقديم المتهم للقضاء، لكن ما حدث هو شيء لا يذكر من اصل الجريمة التي تحدث يوميا  ضد المرأة في العراق، ولم يقف الامر لهذا الحد بل ان بلدا بكامله يغتصب يوميا ارضا وثروات وحقوق، الامر الذي يدعوا  للاستغراب بان ترتفع كل هذه الاصوات متوعدة  ولكنها متناسية الاغتصاب الكبير !!  كفانا تهديدا وتوعدا، علينا ان ندعوا للتكاتف الوطني ، للعمل الوطني الذي يحترم المواطنة والحقوق الاخرى للبشر وتطوير القوانين وتطبيقها والالتزام بها وتحريم اراقة الدم العراقي تحت اي مسميات كانت او شعارات، كي ننهض كشعب من اجل حماية هذا البلد والحفاظ عليه وبناءه.

انه حقا لحلم ان ترتفع اصوات كل ذو شان وتاثير وراي عاليا بوجه الفساد والافساد والقتل والتهجير ومصادرة حق البشر بحياة امنه وبوجه كل من يتجاوز على حدود انسان اخر، وان يكون هذا الفعل دون تمييز ودون نوايا مبطنة لابل يجب ان يرتقي ليكون ثقافة انسانية لدى ابناء المجتمع العراقي، ان اغتصاب فتاة لمصيبة ولكنها نابعة من مصيبتنا الاكبر والتي اصابت البلاد  بغصب الفؤاد واغتصاب العباد وطغيان السواد.

 24-12-2012
[1] الشاعر صلاةُ بن عمرو بن مالك
[2] المدى برس 19-12-2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق