السبت، 18 يونيو 2022

الانقلابات وثورات الربيع!؟؟!

 


اسئلة لابد من اثارتها، ليس لخلط الاسئلة وارباك الفكر ، اكثر مما هو عليه، وانما هي محاولة لطرح السؤال في زمن جديد ، أخر، عما حصلت فيه الانقلابات، لا سيما والكثير تابع تطورات ثورات الربيع،  بما لها وما عليها، ان لم يكن له مساهمة هنا او هناك!!.
كل الاحداث تترك خلفها تغيرات ، وهذا امر طبيعي، احيانا تتجاوز تلك التغيرات حجم تلك الاحداث، وهذا يرتبط نوعا ما بحالة تماسك المجتمع من عدمه!! من قوة الوعي للحدث من عدمه.. الخ، و يبقى السؤال ليس العرش فقط وانما من يقف خلف العرش!؟

ماهي اوجه الشبه بين الانقلابات التي حصلت في الخمسينات وبين ثورات الربيع؟
هل كان المخرج والكومبارس هم ذاتهم، أو ذات البيئة، في الحالتين مع فارق قوة الاعلام والمعرفة بما كان يحصل سابقا على عكس الوضع الحالي!؟
وهل كان الكومبارس هم ذاتهم ممن أحاطتهم تلك الاجهزة التي دفعت وغذت لمدد زمنية طويلة الكثير من قوى ثورات الربيع ؟؟ التي جذبت جميع القوى في ظلها وظلالها، دون اي تمييز، فيما كانت النتائج حليفة لتلك القوى التي كانت مدعومة من الخارج، لا بل وكلاء الخارج كما هو في العراق وليبيا وفي تونس، الذي يختلف عن غيره بحاله ربما تفرد بها حتى في ظل حكومة زين العابدين بن علي … الا وهي وجود اتحاد الشغل الذي له قوته في الشارع التونسي و باعتقادي مثل ولازال قوة توازن في الوضع التونسي. وهنا لابد من الاشارة الى  ان المحركين الدوليين لم يقتصروا علاقاتهم على قوة او حركة سياسية بعينها بل وعلى عكس الخمسينات  يتمتعون الان بعلاقات مع جميع القوى تقريبا ويدعمونها،باختصار انهم يمدون الخيوط بكل الوانها مع الجميع.
هل كان الهدف من وراء الانقلابات انذاك اجهاض قوى حركات التحرر الوطني الناهضة انذاك ، لاحلال نتائج الانقلابات، بدلا من نتائج قد تحققها تلك الحركات ، كبديل لتحريك المياة الراكده من جانب وامتصاص غضب الناس من جانب اخر!؟! او بشكل اخر اجهاض التطور المجتمعي السلمي الذي نمت فيه حركات وطنية ورثت تقاليد الاستقلال والسيطرة على الثروات والروح الوطنية من سوح العمل المناهض للاستعمار والتوق للاستقلال!؟! تلك الحركات التي قفزت فوقها الانقلابات، لتبقي الاحتلال باشكال متعددة في تلك الدول  اقتصاديا وثقافيا وقانونيا. ان مراجعة سريعة لقوانين العراق سنجدها تدور بذات الصياغات منذ عام 1920 وليومنا، وهذا اسند بثقافة الزحف التي تعتمد على نسيان الحدث وتدور في فلك تحليل و تبرير ومعايشة نتائجه، بشكل اخر اشاعة ثقافة تسمح لهذه النخب بالاستمرار لا بل وتبرر بقائها وقبل ذلك وجودها.
ورغم الفارق الزمني، لكن،  ما حصل بثورات الربيع الذي تعددت الاهداف منها، ان اّخذت بسياقاتها بعد  ما حصل في الجزائر واحتلال العراق وبعدها فاتحة ثورات الربيع في تونس التي جلبت اشبه بتحالف قوى مختلفه عمودها كان اخوان المسلمين وهو مشابه لما حصل في مصر ايضا وقبل قطع الجيش! الطريق على حكم تلك القوى الفعلي، فيما غابت قوى كان صوتها عاليا في احداث الشارع أنذاك..!؟
ان القاسم المشترك بين فترة الانقلابات  وثورات الربيع باعتقادي!! هي بقاء الاقتصاديات مرهونة بسيطرة قوى النفوذ الخارجية!! استمرار القمع ضد الصوت الوطني، تجييش الشارع، وتطور الامر باحداث جيوش مليشاوية وشركات امنية لا علاقة لها بالامن الوطني لتلك البلدان ، بل على عكس مرحلة الانقلابات اصبحت حالة الارتهان بدلا من حاكم الى حالة ارتهان متعددة الاطراف افقيا وعموديا ، يجري فيها تخديم الارتهان من غالبية القوى التي فرضت هيمنتها على مقاليد الحكم، بالاضافة للكثير من المنظمات تحت شعارات ومسميات انسانية واغاثية ومساعدات وتطوير اجتماعي.

لقد برزت يد القوى الخارجية التي دعمت وساعدت الكثير من تلك القوى اثناء تلك الاحداث، بامرين على اقل تقدير الاول التنظيم للمظاهرات!! وتحرك بورصة الشعارات والمطالب اليومي بشكل تصاعدي وضع الحكومات في موقع متاخر في مواكبتها! والامر الثاني هو غياب قوى كان لها صوت قوي في تلك المظاهرات فيما بعد! ناهيك عن التنظيم والاتفاق على الشعارات في ساحات المظاهرات خصوصا مصر  وتونس  وسورية لاحقا... والذي يثير الشك، في زمن تفتقر فيه جميع الاحزاب في البلدان العربية الى المرونة والتنازلات لايجاد القاسم المشترك، او لمصلحة القاسم المشترك الوطني، في ظل غياب كامل لوعي من جانب ومطلب صيانة الامن الوطني من جانب اخر... والذي يدل عليه واقع الحال بما نعيشه من ارتهان يكاد ان يكون شامل.

ك. شنشل

 18-6-2022


 

السبت، 11 يونيو 2022

ماذا حقق ابطال حرب العراق ؟ في الذكرى الحادية عشر لاحتلال العراق - اوراق 1-5

 

 

كريم الربيعي 1


حلت اليوم ذكرى مرور 11 عاما على الحرب العدوانية على العراق، التي بدات في 19-3-2003، بقيادة الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها ،  والتي يسميها ابطالها " بعيون اليانكي" ،"حرب التحرير"،  والتي سبقها 13 عام من الحصار و 45 يوم من القصف التمهيدي و حروب استباقية اخرى في عمل حثيث لتهديم وتدمير البنى التحتية للعراق. هذه الحرب  التي  القي فيها على العراق كمية من القنابل تعادل 70 قنبله نووية كما جاء في تقرير على صفحة روسيا اليوم بتاريخ 21-3-2013  .

 

السبب خلف وفاة  احمد او حسن او دعاء  بالسرطان وفقدان عمر لبصره وولادة جارتك لطفل مشوه، وتكرر ذات التشوه الخلقي في عائلة الجندي الاميركي والبريطاني والكثير غيرهم  من الذين لم تهتم الصحافة باخبارهم كذلك، السبب هو الاسلحة المحرمة دوليا والتي استخدمها ملوك الطاقة في حروبهم . الطاقة التي اكد عليها القائد البريطاني تشرشل في خطابه الى قائد الاسطول البريطاني اللورد فيشر" عزيزي فيشر  ما هو مطلوب من الاسطول الان، وفي المدى المنظور هو ضمان وصول البترول الى بريطانيا العظمى: رخيص  في حالة السلام .مؤكد في حالة الحرب."[1]

 
كيف يكون رخيصا ومؤكدا ، لم تقولها تلك الجملة ... ولكن التاريخ الذي مضى قال لنا كيف، يذكر لنا الكاتب عبد الحي يحيى زلوم ماقدمه الاستعمار البريطاني  من اجل هذه الثروات والرقم المذكور هو قشة بما قدمته تلك الدول وشعوب المنطقة من ضحايا فقط ، ضحايا دون ان يحسب ما يترتب على تلك الضحايا من خسائر ، فيقول " قوات الاستعمار البريطاني فقدت 258 الف جندي  بين قتيل  واسير ومصاب في واحدة من اسوء الصراعات، الامر الذي يعكس مدى الاهمية  التي كانت توليها بريطانيا للخليج وثرواته النفطية"[2]  والكاتب يشير هنا الى الحملة التي اعقبت الحرب العالمية الاولى لاحتلال العراق اي حملة مابين النهرين .
 
كيف تكون اذن شراهة الولايات المتحدة الاميركية للحروب والقتل من اجل امتلاك الطاقة وهي التي تستهلك كما يذكر حسنين هيكل " من النفط 25 مليار و 915 مليون برميل سنويا"[3] .
 
وبهذه المناسبة اود ان اتقدم للقاري  بهذه المداخلة  كواحدة من مداخلات متعددة حول هذا الحدث  الذي قصم ظهر العراق ...وابرز ما يمكنني قوله مما يوسم هذه السنوات هو انها استمرار لاعوام الخيبة، وانها فوضى المِلل  التي كانت ولاتزال اساس العلل، واضعه الشعب في دائرة من مطاحن الموت التي لازال  يتسابق فيها صاحب الزيتوني والاسود والابيض وغيرهم كادوات تحت رعاية مباشرة لذات الراعي القديم الجديد ولكن بتدخل اذرع قوية تكمل بعضها البعض الا وهي التطرف الديني الذي دعمته وتدعمه  الدول المحيطة جميعها  ليشترك مع الاطماع الصهيونية في ظل حسابات المصالح الانكلو اميركية،  مستغلة ومحولة  الجزع والتململ والاحتجاج والكره الشعبي للدكتاتورية الى رايات طائفية وشوفينية لاذكاء نار الفتنة بين ابناء الشعب العراقي.
 
 كل هذا يقع على شعب ، اجياله  التي تقع عليها المسؤولية اجهضت قواها  لخطاء شعبي كبير تمثل في اللامبالاة او اللا موقف مما كان يحدث على اختلاف تنوعه قبل كل شيء، لا اقصد ما قام فية النظام انذاك فقط ولكن ايضا ما قامت فيه الاحزاب المعارضة وعمالة وارتباط الكثير منها،  وتحركها بالتالي وفق مصالح دول الجوار، والذي تعداه البعض للتنسيق مع العدو الصهيوني  ليكون غطاء لاجهزة هذا العدو في عملها داخل العراق وفي استهداف المنشات العراقية ايضا، واكمل بحروب متتالية وحصار اقتصادي مرعب على ارضية الخنق السياسي والعمل الدائم داخليا لمسح كل براعم الوعي والمعرفة وبشكل خاص في تسطيح القطاع التعليمي ليكتمل بتفكيك الاواصر الاجتماعية والنسيج الاجتماعي للمجتمع العراقي تحت ثقل العوز اليومي ، هذا الامر ساهمت فيه  كل الجماعات التي كانت تدعي المعارضة وكلا حسب موقعه وثقله في تحالف غير معلن مع النظام" رغم التنافر المعلن " والهدف هو تدمير العراق، وفي ظل كل هذا كان الموقف الشعبي والوعي المفترض به مواجهة كل ذلك يلهث ، مفككا وضائعا ومشتتا وغالبا ما كان لا يعنية  كل تلك الكوارث التي دبت رويدا رويدا في الوطن عموما.
 
تاتي الذكرى الحادية عشر لاحتلال العراق  والوطن يعيش حالة التشرذم ويقف على حافة الانهيار،  ومرة اخرى يقف الجميع ايضا يحفرون ليعجلوا من هذا التدمير، و ليمارسوا ذات الدور القديم،  مع فارق واحد، ان اللعبة اصبحت اكثر وضوحا  للمشاهد، ولاعبيها اكثر وقاحة في الافصاح عن مكنوناتهم، والقوى المشتركة فيها تعددت، وتكاد تتمزق الحجب عن الجميع.
 
حين اعلن التحالف الانكلواميركي اعلان الحرب وفق شعاراته صيانة المصالح  والامن القومي  للولايات المتحدة وحلفائها، بحجة امتلاك العراق للاسلحة الفتاكة التي تهدد مدن اوربية واميركية ، البسوا هذا لباس  حقوق الانسان والديمقراطية النفطي  لاستدرار عطف اكبر تنظيم في العالم الا وهو " تنظيم التلفاز العالمي " اولئك فاغري الافواه ومصدقي اخبار المؤسسات الاعلامية المعدة سلفا وممولي تلك الحروب بما يدفعوه من ضرائب، لم ينتهي الامر بهذا الحد، وكي يدفعوا البعض للبكاء اقامو حفلات جمع التبرعات والهبات لاعانة الشعب المنكوب و اعادة الاعمار... وبهذا استكملوا مستلزمات لعبة الموت والقتل المجاني من  الجيوش والتكنلوجيا المتطورة ودافعي الثمن على اختلافهم الداخليين والخارجيين، لتصل الفائدة عليهم ليس بالاثراء فقط بل بفائض الاعضاء البشرية التي جمعها تجار هذه المهنة والتي ازدهرت بتنامي  شبكات الاتجار بالبشر وخصوصا النساء والاطفال لاستخدامهم لاغراض شتى.
 
ليس سهلا ان يكتب عن هذه السنوات الحادية عشر، حيث الحدث لا يقف بحدود اسقاط النظام ، او هدم دولةاو كسر للشخصية العراقية ، او ما حصل من احداث في تلك السنوات بل  يسبقها الى سنوات طويلة والى تخطيط ودراسات، وسياسات دفع .. من اجل اصطياد الهدف، ستبقى غبارها تتفاعل وتؤثر في مستقبلنا جميعا عراقيا وعربيا وكذلك دوليا.
 
ولد العراق وولد معه حبل المشنقة....منذ دخول "المحرر" المحتل الاول وليومنا هذا والبلد محكوم عليه بالاعدام مع وقف التنفيذ.. انها الطاقة  التي يجب ان تكون لهم، و نحن الاسرى والذين يجب ان يكونوا ايضا مستهلكين وخدم ووقود  لمشاريعهم ايا كانت وليس اقل ايضا من مختبر خلفي لتجاربهم بكل انواعها وهذا ليس بمبالغة.
 
 
 
 
[1]هيكل /حرب الخليج ص 70 المصدر محفوظات الادميرالية البريطانية –الصندوق الخاص بتحويل الاسطول البريطاني من الفحم الى البترول. وهو صندوق يحتوي على 117 ملفا من التقارير والمراسلات.
[2]   كتابه حروب البترول الصليبية في الصفحة 62 نقلا عن  انطوني كيف براون Antony Cave Broun  في كتابه النفط الله الذهب.
[3]   حسنين هيكل في كتابه حرب الخليج اوهام القوة والنصر طبعة  1999  ص 73-71
 
 



كريم الربيعي 2

 


 

لم ولن يكن سرا للمطلع على ان اسباب الحرب على العراق كانت وكما اعلنها مرارا التحالف الانكلوامريكي " الولايات المتحدة الاميركية تمتلك السلطة التشريعية لاستخدام القوة في ضمان امنها القومي" [1]، وبانها شنت لغرض المصلحة القومية والامن القومي لاميركا وحلفائها بالدرجة الاولى تارة  وتارة اخرى  لتهديد العراق الامن والسلم الدوليين. هذا الحق الذي  لو طبقته الدول الاخرى لشنت حروب لا متناهية على اميركا لما  قامت به من اعمال عدوانية لا تعد ولاتحصى على شعوب العالم كرد لا بد منه على دولة عصابات المال.  جميع المسببات التي اعلنها  التيار البوشي العالمي جرى دحضها من رجالاته ذاتهم فيما بعد فهذا تنت يقول "" دعوني اقول ثانية : لم تجد السي اي ايه اي ارتباط على الاطلاق بين صدام و 11/9"[2] ولم يكن ايضا هناك ارتباط بين العراق وبين القاعدة " في اواسط سنة 2002، علمنا ان اقساما من الهيكل القيادي للقاعدة انتقلت الى ايران، وقد اصبح ذلك اكثر اثارة للمشاكل، ما ادى الى مفاتحة الايرانيين والتباحث معهم في النهاية وجها لوجه في كانون الاول /ديسمبر 2002 واوائل 2003، وفي النهاية وضع قادة القاعدة في ايران تحت الاقامة الجبرية على الرغم من ان الايرانيين رفضوا ترحيلهم الى مواطنهم الاصلية كما طلبنا"[3].  وادعاءات اخرى لاعادة حقوق الشعب العراقي وبناء الديمقراطية ؟!! والتي كشفت السنوات التالية كما التي سبقتها  ولازالت، وفي تجارب اخرى في بقع اخرى من هذا العالم  على زور وبطلان هذه الادعاءات، لا بل واعلن العديد من ابطالها  كذب تلك الحجج وكانت امثلتها بان يطلق رمز البوشية على الضرب بالحذاء وامام الملايين بانه جزء من حرية التعبيرعن الراي!! في اسوء وصف وتشويه  لاساليب التعبير عن الراي وحقوق الانسان، وكانت امثلة نشر الديمقراطية  تلك مفزعة كما بينتها فضائح ابو غريب  وجريمة حديثة وجريمة بلاك ووتر في قلب بغداد  واساليب التعذيب والسجون السرية ونقل السجناء خارج العراق وغيرها من اساليب اشاعة الفوضى وتسويف القيم والمباديء الانسانية ناهيك عن التشريعات والفساد  وعشوائية الاعتقالات وكانهم يريدون القول للشعب العراقي ترحموا على ايام الدكتاتور .. وهذا ما يحصل لدى الكثير اليوم.

 

لقد سبقت هذه الحرب حروب اخرى  ومشاريع كثيرة ومؤتمرات  منها "قانون تحرير العراق الذي اقره الكونغرس في سنة 1998 وخصصت مئة مليون دولار الى وزارة الخارجية لانفاقها على السعي الى انهاء صدام" [4]   و سبقتها اطر سياسية في تنظيم الجماعات العراقية من مؤتمر فينا شباط 1992 مرورا بمؤتمر صلاح الدين 31 تشرين الاول 1992 والذي اعلن للملاء عن وجه وقباحة القوى المتعارضة ! من خلال تبني سياسة المحاصصة والطائفية لعراق المستقبل، هذا المؤتمر توج فيما بعد بمؤتمر نيويورك 1999 و مؤتمر لندن14 ـ15 ديسمبر 2002 ، وبهذه المؤتمرات اكملت مؤسسة القرار الانكلو اميركي  اعداد وتحصين لاعبيها على الساحة العراقية بشكل جيد.

 

ماهي  مصلحة الامن القومي الاميركية وحلفائها..!!

 

ان مصلحتهم تكمن بامن  البلدان التي تشكل حلف الناتو وبالدرجة الاولى الدولة المتحالفة مع الناتو ومدللته " دولة الاحتلال الصهيوني" حيث كانت الحرب بمثابة الدفاع عن مصالحها الستراتيجية وتقوية شوكتها في المنطقة من خلال تدمير البنى التحتية للبلدان المجاورة واضعاف ان لم يكن تدمير مؤسساتها وخصوصا العسكرية منها وهذا ما حصل في العراق .. لتتبعه دول اخرى في المنطقة ومن دول المواجهة .

 

كما ان الطاقة وتامينها باستمرار وبارخص الاسعار  تعد احد الاسباب الرئيسية في تلك الحرب. ان ما تبينه الاحداث وبعد هذه السنوات هو اعادة المنطقة الى حالتها في بدايات القرن الماضي، وربما ابعد من ذلك، الى سنوات الاحتلال وتقاسم النفوذ مع الحفاظ على  الحصة الاكبر للاخ الاكبر !!

 

لقد حقق ابطال العم سام ومحركيهم لهذه الحرب اهدافهم في تدمير البنى التحتية للعراق وكذلك تدمير مؤسسات الدولة " الخاوية " نتيجة الدكتاتورية والحصار والحروب وعلى الخصوص منها تدمير المؤسسة العسكرية تماما ليحل ماكنها جيش مليء بعناصر الطاعة المخابراتية  وفيالق المليشيات المندمجه وروح الطائفية ايضا.. ناهيك عن ما حل بالمؤسسات الاخرى في الدولة  والتي بنيت على اساس المحاصصات وليس الكفاءات وروح المواطنة. كما بقت الوزراة الوحيدة التي جرى حمايتها والقطاع الوحيد الذي يجري تطويره هو قطاع النفط مقارنة بالقطاعات الاخرى ..حيث وصل انتاج النفط  اكثر من 2 مليون برميل يوميا...و بهذا قد حقق الفريق الاول " رب العمل" في الحرب الامريكية على العراق اهدافه بشكل جيد ...  اما الفريق الثاني في هذه الحرب هم الموظفين " من العراقيين " الذين يشكلون غالبية احزاب المعارضة ... والذين ان لم اقل عنهم كانوا خدمة اصلا لتلك المشاريع  ، فانهم ارتضوا ان يكونوا الواجهة لتنفيذ المشروع الانكلواميركي في العراق بوعي او دونه .

 

ابرز المشكلات السياسية التي  واجهت العراقيين في السبعينات وقبلها

 

 ليس غريبا ان قلنا ان ابرز تلك المشاكل كانت هي مصادرة الحريات وكم الافواة والتي تمثلت بتغييب حرية العمل السياسي والنقابي والانتقال السلمي للسلطة، والمِلل التي لم تتمكن يوما من وعي الانتماء الوطني، ومن جانب اخر كانت هناك المشكلة الكردية التي لم تجد لها حلا فكانت ارض خصبة لاستغلالها من قبل قوى عديدة ضد العراق بشكل عام وضد الشعب الكردي بشكل خاص، حيث كان حل هذه المشكلة يثير الرعب بالدول المجاورة ومن لهم مصلحة بانشغال العراقيين بحرب داخلية وخصوصا دولة ايران وعلى راسها الشاه انذاك والاحتلال الصهيوني، مضافا لتلك القوى العديد من البلدان العربية الاخرى المحيطة المغرقة بالرجعية والتخلف والقمع والتي كانت ترتعب من تاثيرنجاح تجربة سياسية منفتحة تقودها القوى التقدمية والوطنية في العراق، وكان مقال في جريدة يدعو مملكة ال سعود لتحريك وزير خارجيتها للاتصال مع الخارجية والحكومة العراقية، فكيف لو نجحت تجربة سياسية، مستمدة من تاريخ العراق الذي اسقط شعبه العديد من مشاريع الرجعية ورعاتهم!! هذه المشاكل جميعها وغيرها الكثير كانت تطفو على سطح النفط، وهنا .....ضاع الكثير .

 

 ** ما مكتوب على البوستر هو: اما معنا او ضدنا قول بوش الشهير وفي الاسفل الحرب تاوي الارهاب.

 



[1]  مقتطفات من خطاب لبوش في 7 اذار /مارس 2003 يوردها تشومسكي بكتابه في ص44 ف2  .

[2]  مذكرات جورج تنت/ في قلب العاصفة /  الفصل  18  ص 353.

[3]   مذكرات جورج تنت / في قلب العاصفة  /  الفصل الثالث عشر  ص  260 .

[4]  مذكرات جورج تنت / ص314 الفصل 16 /سبب الحرب

 

 

3


كريم الربيعي

 

 

هل حقق ابطال " التحرير " حلا للقديم الجديد من المشاكل!!!


لم تخلف الحروب يوما ما حالة من الازدهار  والامن للشعوب ، بل خلفت كوارث والام لا يمكن للبشرية لحد الان نسيانها، وهي ذات النتائج التي خلفتها الحروب في العراق، ومن هنا كان المفترق مع القوى التي دعمت الحرب وجمهورها الذي صفق لها، والكل يلبس جملهُ وصراخه ثوب  بناء الحياة الامنة والسلام والتقدم والحريات والديمقراطية .الخ من ماوهبت الكتب والقواميس السياسية من مصطلحات.

 

ان ماشهدته سنوات الغزو من محاصصة وفوضى وطائفية وانتاج ازمات ودماء وفساد اثبت بالقطع ،ان تلك القوى التي كانت قبل الغزو تدعي المعارضة للنظام لا يمكن منحها شهادة وطنية، على الرغم من انها لم ولن يكن لها دور في اسقاط النظام،  وارتضت ان يكون دورها  بروازا للسيناريوهات التي اعدها الحلف الانكلو اميركي. لقد تعاضدت  طموحات هذه الجماعات التي لم ترتقي يوما للمهام السياسية الوطنية  بل بقيت ضمن الاطر الثائرية والقبلية والمذهبية التي كانت العشائرية حضنا لها  مع تلك المشاريع التي رسمها الحلفاء، وعليه اثمرت جهودهم في المحاصصة والاثنية والمليشيات، والتي يمكن وضعها تحت شعار " لكل ولاءٍ لواءٍ " فكانون هم وجهاء العملية السياسية ومليشياتهم القوة العسكرية للترهيب والترغيب التي تحكم الشارع العراقي بلباس عسكري وامني، ربما البعض يبدي الاعتزاز بذلك، لانه يحلم حقا بدور وبمؤسسات عسكرية وامنية عراقية" اي على طريقة من القلة ". تلك المليشيات التي  امتهنت وبلباس حكومي مهنة القتل اليومي عبر الاغتيالات والتفجيرات وكبت الحريات  بدون اي رادع  ولازالت ناهيك عن سجونها السرية.

 

وهكذا استمرت المشكلة الاساسية، غياب عملية التداول السلمي للسلطة واحترام الحريات،  والتي هي اس ما تعرض له الشعب العراقي سابقا من حروب ومقابر جماعية وقمع، بقيت هذه المشكلة كما هي، لابل جرى تعميقها بتشريعات قانونية ذات لباس طائفي  وكذلك بتعميم وختم الاخرين بالجملة كارهابيين والعمل بكل حرص ودقة وحذلقة ايضا لانتاج الازمات بين مكونات الشعب العراقي وفي ظل كل هذا جري ويجري التنازل عن اراضي عراقية، تهريب الثروات التاريخية " الاثار والارشيف  " و تهريب النفط، نهب الاموال، تحول مناطق بكاملها  من ملكية الدولة الى ملكية اشخاص اخرين من اولئك الذين يملكون القوة والمليشيات اليوم، توقف الصناعات العراقية، هلاك اراضي زراعية  شاسعة ، حيث حول الكثير منها  ودون ادنى وعي تخطيطي  لمجمعات سكنية او منها من دمر لقطع المياه عنها، تراجع المستوى التعليمي في العراق وخصوصا الجامعات وهو النتيجة الطبيعية لتراجع مستوى التعليم على مستوى المدارس الابتدائية والثانوية.ولو جرت معاينة لنسب عمل الاطفال والهروب من التعليم وتعويمه من خلال الدورات التي تخرجها دوائر الوقف الاسلامي بشقيها سيدرك حجم ما سيواججه العراق مستقبلا.

 

حالة من الفوضى يجتمع بها اصوات الصلاة مع المدافع مع البكاء على مفقود او مقتول مع الفضائح التي تعم الشارع يوميا، لكنها كلها تسير وفق ايقاع واحد وتشير الى اتجاه واحد الا وهو دفع البشر للياس  للفوضى للخنوع ليجري بالتالي تطبيق الاجندة التي  من اجلها احتل العراقواحكام السيطرة على الطاقة فيه وتفتيت قوته كدولة اقليمية.

 

تلك الفوضى التي عمقها وجذرها  الغزو والتي توجت بحل الجيش العراقي بتاريخ 23 ايار وكما وصفها جورج تنت ابن المؤسسة الغازية قائلا" مرة اخرى وبدون اي بحث او مناقشة رسمية في واشنطن- على الاقل بدون مشاركتي انا او نوابي الكبار في ذلك امر بريمر في 23 ايار/ مايو بحل الجيش العراقي[1]  " فيما يضيف في  مجال اخر وفي صفحة 437 من كتابه  ما نصه "  وكما وصف لي لاحقا، كان هناك عقيد في الجيش الاميركي حاضرا، وهو ضابط ارتباط وكالة الاستخبارات الدفاعية مع احمد الجلبي والمؤتمر الوطني العراقي فقال" انني موافق على جمعهم جميعا واطلاق النار عليهم"" اي على  افراد الجيش العراقي  المنحل."

 

هؤلاء هم من نحلم ان يطبقوا مرحلة العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وبناء عراق ديمقراطي  يتساوى فيه الجميع ولا فضل لاحد فيه على اخر الا  بالعمل  واحترام القانون!!! لكنهم وللاسف قتله ولصوص وخدم رخيصين لتدمير بلد ذو تاريخ عريق  يؤرقهم ذلك التاريخ  الذي لا يرتقي له تاريخ رعاة البقر واللصوصية تماما كما فعل الدكتاتور مع كل عراقي يحمل راية علم وثقافة فكان مصيره القتل ايضا .

 

 ** اللوحة للفنان العراقي المرحوم احمد الربيعي.

 



[1]  ص 435 الفصل الثالث والعشرون  : المهمة لم تنجز  من قلب العاصفة جورج تنت

 

4


كريم الربيعي

 


ماذا حقق ابطال الاحتلال للعراق:

 

1-      فوضى التشريع وسياسة التركيع

 

اسس  فشل غانر لسلطة الحاكم بامره بريمر، والتي كانت عام الرغبات والثار من كل شي، له صلة بالدولة العراقية بحجة ان الحاكم كان صدام  "وبالتالي فكل المؤسسات حملت  ذنوب فهي حالة تعانق السادية في التبرير، وربما يكون السؤال مبررا وهو لماذا لم  يلغى الشعب ؟؟؟! ايضا!! ربما هذا هو ما  يريد مسلسل الارهاب اليومي تحقيقة!!"، وهذا ما توج ووفقا لرغبة بعض القوى بحل الجيش العراقي وقوى الامن، معززا ذلك بمجلس الحكم الذي بنى على اساس طائفي واثني بحت ، تحقيقا لتلك الجهود التي انطلقت في مؤتمر بيروت و فينا  ومؤتمر صلاح الدين ونيويرك ولندن، ليجري تشريعها في قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية الذي كان اشبه بمقبرة اوربية، خضراء مليئة بالاشجار والورود  يتمكن الفرد ان يرتاح في ظلالها لكنها مقبرة! ومرة اخرى يمضي الجميع بذات الخطاء الذي كان السبب بتدمير العراق، اللاعقل!؟ كان الواجب وباختصار شديد هو" انسحاب قوات الاحتلال، التوافق الوطني على دعوة الجيش وقوى الامن  للعودة للخدمة ، باستثناء من تلطخت ايديهم بدم الشعب والرتب العليا، حل جميع المليشيات، انتخاب حكومة تكنوقراط وليرفع الجميع شعار العدالة الانتقالية المصالحة الوطنية واجتثاث الاثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة، التي خلفها الحكم الدكتاتوري وحروبه بالاضافة لحروب المجتمع الدولي ، في المجتمع العراقي اولا واعادة بناء مؤسسات الدولة، المهمة الاولى للجميع ومشاركة الجميع على النهوض بواقع المجتمع نحو الافضل" هذه الامل لم يتحقق ولم يراود احد من الذين تقدموا المشهد السياسي بل اجتمعت ارادتهم وعلى اختلافهم مطالبين بتشريع قانون وانتخاب جمعية وطنية، لمواصلة سياسة التحطيم.

 

هذا القانون لم يؤكد التحاصص وزرع المفخخات في الحياة اليومية فقط بل اسس للدستورالعراقي الدائم في الكثير من مواده، اي انه كان الطعم الاول، لقانون جرى التصويت عليه ولدستور جرى التصويت عليه بطريقة الافتاء وليس المناقشات، بطريقة الرعب والتهديد والتخوين وليس بالندوات والحوار بين البشر لبناء عالمهم القادم وهذا ما يؤكده تصريح رئيس الجمهورية جلال الطالباني وهو الممثل الفخري للجمهورية وللشعب العراقي ، هذا التصريح كان منشور على صفحة الجيران يوم 27-10-2005 وعلى صفحة الدار العراقية للانباء ايضا . وهو تصريح في اجتماع له مع اعضاء من حزبه " الاتحاد الوطني الكردستاني" في مدينة قلاجولان في السليمانية، حيث وصف السيد رئيس الجمهورية المصوتين لصالح الدستور بـ " انصار الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان " ومن صوتوا بــ "لا" هم " انصار الارهاب وتنظيم القاعدة والشوفينية العربية ".

 

هذا  القانون حمل  الكثير من المواد  الفضفاضة والمفخخة ومن ابرز تلك المواد كان : هيكلية السلطات الفضفاضة  الذي حددته المادة رقم 4 – " الحكومات الاقليمية والمحافظات والبلديدات والادارات المحلية.

 

 و المادة السابعة " الثوابت الاسلامية المتفق عليها " ولم تحد تلك الثوابت !! وكيف يمكن تحديدها!! هل بقانون يصدر  

 

   فيما بعد! مثلا لناخذ الاعياد الصيام الزواج الخ. وكذلك وفي اخطر مادة لانتهاك الحقوق لابل ولتبرئة مسؤولي النظام ايضا هي المادة الثانية والعشرون من قانون ادراة الدولة والتي تؤكد في النص الاخير منها على " حسن النية " للمسؤول الذي يجرد شخص اوجماعة من الحقوق التي ضمنها القانون!! وهنا يمكن حتى لمن ارتكب الجرائم الكثيرة والبشعة في العراق ان يبرر ذلك بحسن النية ودافع الحفاظ على المصلحة الوطنية ! ان هذا النص ونص الفقرة  ح من المادة الخامسة عشرة لها ابعاد ودلالات اخرى !!خطيرة حقا.

 

هذا القانون الذي اسس لتشريع الدستور الدائم  وفق مبداء التهليل والفتاوي والتجريم والتخوين والترهيب ايضا في ظل دولة لا تتمتع بالاستقلال والسيادة دولة تدار مؤسساتها ووزاراتها من قبل خبراء ومستشارين اميركيين وبريطانيين وبوجود اكثر من 120 الف عسكري اميركي، دون حساب تعداد قوات التحالف، ناهيك عن قواعد وشبكات المخابرات الدولية لهذه الدولة ولحلفائها بما فيها مخابرات العدو الصهيوني. تلك الحملة التي جرت في ظل الترهيب والتخوين واشاعة الذعر من حرب اهلية  ان لم يجري التصويت على الدستور ، فماذا شرع الدستور، وعلى ماذا صوت الشعب ، هل صوت على التفجيرات اليومية والمفخخات والنهب وبيع اراضي العراق تارة باتفاقية الكويت واخرى باتفاقية 1975 مع الجارة ايران  ام على تفتيت البلد ام على مشروع تنظيم دولة؟

 

لقد كانت مقدمة الدستور تؤكد على تفاصيل دقيقة بتسمية مكونات الشعب العراقي وعلى طريقة  تعداد " السجناء " دون نسيان القومي والطائفي ، لتاتي المادة 14 منه لنقض هذه التسميات " في نصها العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسبب.. الخ وعلى هذا الايقاع من التناقضات يبدا الدستور وينتهي في جملة من الكوارث، التي يدفع المواطن ثمن افتاءه  عليها اليوم والتي نصت عليها المادة 2 "أ" و" ب " أي بعدم جواز سن قوانين تتعارض مع احكام الاسلام من جهة ومن جهة ثانية بعدم جواز سن قوانين تتعارض مع الديمقراطية. وهذا ما علق علية السيد اياد جمال الدين في لقاء منشور في صفحة القاسم المشترك الالكترونية بتاريخ 25-9-2005 مايلي" مسودة الدستور تؤسس لنظام ولاية الفقيه من نوع جديد، وذلك اذا قرأنا المادة الثانية من الدستور التي تنص على ان الدين الرسمي الاسلام، والاسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع والفقرة الثالثة من هذه المادة هي ان لا يسن أي قانون يخالف ثوابت احكام الاسلام. وفي الفصل الثالث الذي يتعلق بالسلطة القضائية حول المحكمة الاتحادية العليا والمتكونة من خبراء في القانون وخبراء في الفقه الاسلامي، هذه المحكمة سيكون لها حق النقض على قوانين البرلمان العراقي لتمييز ما هو موافق ومخالف لأحكام الاسلام، وهذا بالضبط مستنسخ عما هو موجود في الدستور الايراني بما يعرف بمجلس صيانة الدستور الذي يضم 6 من الفقهاء و6 من القانونيين لتمييز ما هو اسلامي وما هو غير اسلامي في القوانين. وهذا يعني ان هناك اشخاصا غير منتخبين لهم حق النقض(الفيتو) على اشخاص منتخبين. في تصوري ان العراق لا يستوعب نظاما مثل نظام ولاية الفقيه (المتبع في ايران)."وهذا ما يحدث اليوم من خلال تشريعين الاول هو الاحوال الشخصية الجعفرية والثاني القضاء الجعفري وربما كان الاول محاولة للتغطية على تمرير الثاني الذي لو مرر من قبل البرلمان فسيكون ذلك حجر الاساس في نظام ولاية الفقية الذي وضعت الكثير من احجاره هنا وهناك في عموم العراق بما فيه الاقليم.

 

ان هذه التناقضات ماهي الا عملية تكسيح او تعويق للدولة، على حسابات بسيطة وعلى سبيل المثال لو قلنا التشريعات الاسلامية لاتمنح المراة حقوقا متساوية على سبيل المثال .. بينما يمكن تشريع تلك القوانين وفق المواد الاخر التي لا تتعارض مع الديمقراطية، اي وباختصار وجود فريقين كلا منهم لدية مادة تمنحه حق الفيتو وحق الشكوى للمحكمة الدستورية!! وهنا يكمن وضع مستقبل الشعب في دائرة مغلقة ومفرغة ايضا.

 

يقول السيد هادي فريد التكريتي بدراسة له حول المسودة نشرت على الانترنت" اختلفت طوائفهم منذ 1400 عام فهل هم قادورن على التوحد؟ اذن ليتوحدوا اولا وليتحدثوا باسم الاسلام ثانيا ومن لا يصدق ما اقول فليرجع الى كتاب الملل والنحل للشهرستاني وسيرى العجب العجاب من الفرق والطوائف الاسلامية وكلها تقول بالشهادة وكلها تؤمن بالقران وما حوى وكلها تقاتل بعضها وتنكر عليها ايمانها فهل اصحابنا من غير هؤلاء".

 

هذه المواد ليس الا عينات لما عليه دستورنا الذي منح صلاحيته لسلطات الاقاليم ، ففي ظل  اقليم واحد والمشاكل دون حل فكيف ان وجدت اقاليم!!. ، الا ان التناقضات ومواد نفي النفي استمرت فعلى الرغم من ان المادة 13  اولا من الدستور الدائم تنص على " يُعدُ هذا الدستور القانون الاسمى والاعلى في العراق، ويكون ملزماً في انحائه كافة، وبدون استثناء. "

 

ثانياً :ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع هذا الدستور، ويُعد باطلاً كل نصٍ يرد في دساتير الاقاليم، او أي نصٍ قانونيٍ آخر يتعارض معه .

 

تاتي المادة 121 اولا وثانيا لتنقضها او تقوضها وكما نصت " المادة ( 121 ) :

 

اولاً :ـ لسلطات الاقاليم، الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفقاً لاحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصاتٍ حصرية للسلطات الاتحادية.

 

ثانياً :ـ يحق لسلطة الاقليم، تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الاقليم، في حالة وجود تناقض او تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الاقليم، بخصوص مسألةٍ لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية."

 

هذه التشريعات  جرى تعزيزيها ايضا  بهيئات كثيرة " مستقلة" كي تزيد من اشعال نيران التقاتل  لتحطيم بقايا المجتمع المتهاوي اصلا.

 

ومن الامثلة الاخرى ما ورد في المادة 5 على ان:السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية.

 

ومرة اخرى لم يجري تحديد ما المقصود اهو  قانون الشريعة، ام القانون الوضعي؟ ان كان الوضعي فهذه المادة تعطي الشعب الحق بتشريع قانونه وان يكون الشعب مصدر السلطة والتشريع كما تنص المادة اعلاه، واذا كان الشعب مصدر السلطات! فهذا يعني ان السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية مصدرها الشعب وبيد الشعب!! واذا اتفقنا على هذا النص فاين سيصبح ما نصت عليه المادة 2 في الفقرة " أ " بالاضافة الى المقدمة!! اليس الاجدر هو حذف المادة 5 اصلا كي يتناسب الامر مع ما نص عليه الدستور " الاسلام مصدر اساس للتشريع!!! وعليه يوكل الشعب امره الى اولياء الامر، فهم من يقولون لنا " متى نقول نعم وحتما سيصادروا " اللا" ومتى نفعل هذا وذاك " ويكون الحال كما ذكر السيد علي عباس الموسوي في دراسة له على الانتر نت "وفي الاسلام شعائر اساسية يجب على المسلمين اقامتها والحفاظ عليها، وهي تتجاوز الحالة الفردية للمكلفين الى المجتمع المسلم؛ وذلك كما تقدم في مسالة الحث على صلاة الجماعة، وان من يغيب عن جماعة المسلمين يجب على الامام ان يحذره، بل ورد في روايات اخرى عن الامام الصادق (ع) ان رسول الله (ص)هم باحراق قوم في منازلهم كانوا يصلون في منازلهم ولا يصلون الجماعة" [1].

 

ويكتمل الفشل في عدم ضمان وصيانة الحريات، وعلى الرغم مما حمله الدستور من نصوص وهي نصوص ليست بالجديدة كثيرا على الدساتير العراقية التي سبقت، الا انها لم تضمن او تصون حقوق العراقي، وابسط حق له هو حق الحياة الامنة.. لقد سقط منذ الاحتلال وحتى اليوم الكثير من الضحايا يتراوح عددهم مابين 120 الى 133 الف قتيل[2]   من بين المدنيين فقط ناهيك عن الخسائر في قوى الجيش والامن. ويكاد يودع العراق يوميا ما لايقل عن 40 مواطنا ضحايا للتفجيرات وكواتم الصوت ناهيك عن حالات اخرى للقتل خارج اطار القانون. ومن تلك الضحايا علماء العراق كما اشارت له جريدة المركز الدولي بالنص التالي  "نشرت جريدة المركز الدولي للاجهزة الاحصائية احصائية دقيقة حول اغتيال اكثر من 550 عالما عراقيا تم اغتيالهم بطرق عديدة وسجلت تلك الاغتيالات ضد مجهول كما اشارت الدراسة الى ان هنالك اكثر من 18 الف عالم وخبير واستاذ من مختلف الاختصاصات العلمية اجبرو بشكل وباخر على الهجرة ومغادرة العراق من خلال التهديد والوعيد او من خلال محاربتهم نفسيا هم او احد افراد عوائلهم"[3]وهذه  ماهو الا ضوء سريع على العشرات من تلك المواد التي تعارض بعضها البعض.

 

فيما اشارت احصاءات اخرى عن ضحايا الجيش العراقي اثناء الغزو والتي قدرت بـ"مقتل نحو مائة واربعة وثلاثين الف جندي عراقي. واذا اضفنا الى هذا الرقم الصحفيين وموظفي الاغاثة والعسكريين وقوات الامن، يرتفع الرقم الى نحو مائة وتسعين الفا. فيما جرح في هذه الحرب نحو نصف مليون عراقي وشرد أكثر من مليوني عراقي إلى الخارج ومثلهم في الداخل. وحسب معطيات الامريكيين، ادت الحرب الى مقتل نحو خمسة الآف امريكي وجرح اثنين وثلاثين الفا"[4]

 

لقد جهد الاميركيون انفسهم من تحقيق هدف مهم  مكنهم من البناء عليه  ومن استخدام الكثير من "الايدي العاملة الرخيصة" لخدمتهم في تنفيذ تلك المهمة الا وهي استمرار نزيف الدم والفوضى  وصدق جورج تنت حين قال" " كانت الخطوات التي تقوم بها الحكومة الاميركية تدق اسفينا بين مختلف الفئات  في العراق"[5] تلك الاسافين التي يمكن رؤيتها بوضوح في الدستور العراقي وغيره من القوانين العراقية  التي اقرتها الجمعية الوطنية او البرلمان العراقي فيما بعد، والتي لم تتمكن لا عمم او لحي او افندية الساسة العراقيين وكل زيفهم من تغطيتها.

 

هذه الفوضى اسست على اساس مقدمات كثيرة وكبيرة ومنها حرب عام 1991 التي يصفها نعوم تشومسكي  في كتابه الهيمنة ام البقاء ص 151/الفصل الخامس /الصلة العراقية  " الضريبة التي فرضتها حرب 1991، وما اشتملت عليه من تدمير متعمد لمرافق المياة والطاقة وشبكة الصرف الصحي، كانت باهظة للغاية وجاء نظام العقوبات الذي فرضته الولايات المتحدة وبريطانيا ليدفع البلاد الى مستوى الادقاع" وليس سرا ما يكشفة الكاتب عبد الحي يحيى زلوم في كتابه حروب البترول الصليبية صفحة 75 والذي نقل نشر احدى المجلات الاميركية مقالا لكاتب في عام 1979 طرح سؤالا محددا فيه ماذا نفعل لو اجتاح العراق الكويت وفي ذلك المقال فصل الكاتب فيه تفصيلا وسائل ضرب العراق واخراجه من  الكويت وهذا ما يشير على تعاضد الخطوط الداخلية والخارجية لايقاع العراق دولة وشعبا في فخ ، يمكن لمن يدعون الحق الشرعي باستخدام القوة لهم وليس لغيرهم ، بتدمير هدفهم فيما بعد، وهذا ما ورد في مجلة فورتشين Fortune Magazine  الصفحة 58 بتاريخ 7 ايار/مايو 1979 المقال المعنون " ماذا لو غزت العراق الكويت" والذي اعرب فيه كاتبه ايضا عن مصدر القلق الذي يشكله وجود الفلسطينيين واليمنيين العاملين هناك على دول الخليج.

 

لقد شكلت الخطوط الداخلية" الايدي العاملة الرخيصة" قوة لا يستهان بها فهي في مواقع متقدمة في الدولة واظلاع الدكتاتورية ومعارضتها وبين اوساط الناس ايضا " اقتصر دور السي اي ايه على تقديم المعلومات الى العسكريين عن اماكن قوات العدو وقدراتها، وتقدييم البيئة السياسية، وتنسيق  جهود شبكات المواطنيين المحليين من المناصرين الذين يمهدون الطريق امام تقدم قواتنا العسكرية، وينفذون عمليات تخريب وما شابه"[6] ويضيف كاتب تلك السطور " كان اول عمل قامت به الوكالة في شباط/فبراير 2002 هو احياء فرق السي اي ايه في جهاز الارتباط في شمال العراق. وعندما وصلوا في تموز/ يوليو، بدؤوا المساعي المضنية لتجنيد العملاء وانشاء شبكات من الاشخاص والقبائل الراغبين في جمع البيانات والعمل.. الخ.... كنا نراهم ينفذون اعمالا جريئة لتحدي شرعية النظام اينما كان ذلك ممكنا، وتخريب محطات السكك الحديدية الطرفية، واحداث فوضى في عقد المواصلات...الخ"[7]

 

ويكشف الكاتب بعض مما يمكن كشفه والمستور بالتاكيد اعظم حيث يقول " "قّدم الشهواني الى الوكالة في سنة 1991"،و  " سرعان ما اصبح الشهواني ، او " اللواء" كما كان يعرف لدى اتباعه العراقيين، مفتاح انشاء شبكة قوية داخل العراق لصالح الوكالة"   و" ساعد الشهواني في انشاء وقيادة المجموعة شبه العسكرية العراقية التي ترعاها الوكالة وتعرف باسم " العقارب"[8] وما هذه الا نمنمات من ما هو مخفي حقيقة.

 

ولم تكن عملية الانتخابات " والتداول السلمي للسلطة" بعيدا عن تلك الفوضى التي حدثت، وبعيدا عن القول ان السلطة التنفيذية التي تحكم وتسيطر على السلطة التشريعية ، ليس بحساب الاليات الطبيعية لتلك العلاقة ولكن ضمن الاليات المتبعة في العراق والتي تداخل فيها الديني بالسياسي ومصالح الكتل فيما بينها دون مصالح الوطن، لهذا دائما تغطي الاغلبية التشريعية الحكومة وتبرر لها افعالها في افضل الاحوال في هذا العالم ، فكيف الحال لدينا في ظل كل تلك التداخلات المشار لها.

 

لقد كان سلب الاصوات والتزوير في الاصوات الانتخابية بما فيها عمر الناخب وفتاوي التكفير ايضا، سمه جميع الانتخابات التي اجريت حتى الان، بالاضافة الى ما رافقها والذي يعتبر من باب تشريع التزوير ومن باب اخر افساد وفساد، فمثلا ذهاب الاصوات الى الاقوى  قبيل تعديل قانون الانتخابات يعد شرعنة للفساد ، ذلك القانون الذي حمل للبرلمان اعضاء لم يحصلوا على مئة صوت، والامر الاخر هو اعداد السكان الافتراضية ومحاولات الكثير من القوى تعطيل عملية الاحصاء السكاني ، هذا ما يمنحهم  تحديد اعداد من المرشحين اكثر وفقا لتلك الاعداد الافتراضية والتي تتفق مع مصالحهم، ولو اكتمل انتخاب مجلس الاتحاد لكان عدد النواب وصل الى 535 نائب " البرلمان الاتحادي 325 وبرلمان الاقليم 111 و100 لبرلمان الاتحاد او مجلس الاتحاد" فهل العراق بحاجة الى هذه الاعداد، لاسيما وان المحافظات لها ايضا مجالسها، وهذه الاعداد قابلة للزيادة المطردة خصوصا اذا تحولت بعض المناطق الى اقاليم .كل هذه الاعداد والحكومة ينقصها اكثر من اربع وزراء منذ انتخابات 2010 وليومنا هذا ؟ والارقام التي تشير لها جداول المفوضية المستقلة! للانتخابات عن اعداد الكتل والتجمعات والاحزاب  المشاركة في الانتخابات، وحدها "هذه الارقام "دليل على فساد ما يحدث!! ففي انتخابات 2010 تنافس 164 تجمع ضمن 12 ائتلاف او كتله غير الافراد، وفي مجالس المحافظات 337 كيان  اما لعام 2014 فهناك 227 يتوزعون على 257 كيان  و20 مرشح فردي هذه الارقام من التنظيمات والتي لو اضيف لها ارقام منظمات المجتمع المدني والتي تشير لها بعض  الاحصاءات الى "3580" 1749 منظمة مدنية و 1831 شبكة" منظمة وشبكة مسجلة مابين كانون ثاني 2011 وحتى 31 اب 2013 [9] ، هذه الارقام من احزاب ومنظمات دون الاشارة الى الاتحادات المهنية والاجتماعية، لو صحت وقسمت على افراد الشعب العراقي من سن 17 وما فوق لدللت على ان المجتمع منظم تنظيما اجتماعيا وسياسيا  بمستوى لم تشهده سويسرا او دولة اخرى، لاسيما وان الاحصاءات تشير الى نفوس العراق الافتراضية عام 2011 هي " 32665  مليون  منهم 16146 مليون دون سن الثامنة عشر و 5294 مليون دون سن الخامسة" [10]، ولكن واقع الحال يثبت ان هذه الارقام هي حالة من النفاق والافساد كما هي المليارات الكثيرة للميزانية والتي لم يعرف احدا اين تذهب !.   لقد اصبحت البرلمانات ومجالس المحافظات علامة للفساد اكثر مما هي هيئات للرقابة على الحكومة ، وتقديم القوانين التي تدفع  البلد باتجاه الوحدة والتقدم!! وربما هذه الامل لا يجوز على  كتل سياسية كانت ولازالت ضامنه لمخططات الغير، بل ان ذلك ماهو الا تاكيد على مار اتخذته تلك القوى من دور لها في خدمة مشروع تفتيت العراق.

 

ظاهرة الفساد هذه لم تتوقف بحدود الانتخابات والياتها ومكوناتها" ومنها التكتلات والتجمعات السياسية" ولا في المنظمات المدنية وانما تجاوزت ذلك لتشمل عملية الافساد التي رافقت الغزو والبست اسماء  منها نشر الديمقراطية واعادة اعمار العراق  وانهاض المشاريع الصغيره وغيرها الكثير تلك العمليات  التي نهب على اثرها مئات المليارات من الدولارات من ثروة العراق نقدا بالتوازي مع نهب ثروة النفط  على امتداد دائرة الحدود العراقية وابطالها هم وكلاء راعي الاعمار !! في البلاد. وليس غريبا ان تشير جميع التقارير ومنها تقارير منظمة الشفافية العالمية الى ان العراق واحد من بين الدول العشرة الاولى في العالم في الفساد المالي والاداري.ويتعدى هذا ايضا الى فساد الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب الذي ينضح في غالبيته  العظمى بروح التحريض والطائفية واثارة النعرات  بين ابناء المجتمع في ظل حجب  للمصادر التي تمويل ودعم تلك القنوات التي ازدهر سوقها اكثر من سوق  الفطر.

 

  الصورة المرفقة من الانترنت* 

 



[1]  الحر العاملي، وسائل الشيعة، باب 11، من ابواب صلاة،الجماعة، حديث 13، ج 8، ص 317.

[2] من ويكيليكس سجلات حرب العراق

[3]  الدكتور  غازي ابراهيم رحو/ هذا ماحدث لعلماء واساتذة العراق منذ عام 2003؟ منشورات الانترنت.

[4] غزو العراق... إحصاءات ودلالات 21.03.2013  http://arabic.rt.com/news/610805/ :روسيا اليوم

[5]  ص 437  الفصل الثالث والعشرون  : المهمة لم تنجز  من قلب العاصفة جورج تنت

[6]  مذكرات جورج تنت / ص 396 الفصل 21 الدبلوماسية بوسائل اخرى.

[7]  المصدر السابق صفحة 398

[8] المصدر السابق

 

[9]  تقرير معد باسم باسم عثمان ....

[10]   تقرير وضع الاطفال في العالم 2013 /عن اليونسيف.

 

 

5



كريم الربيعي

 

 استمرار غيبة الحقوق...

 

لقد استمرت غيبة الحقوق  ولم يطرء عليها تحس، ماحدث هو تبادل ادوار، المؤيدين السابقين معرضين للقتل والسجن والهروب، وبعض المعارضين  عادوا ، بقى الحال برئة واحدة ان لم يكن اقل ايضا، وتميزت الحالة باستهداف المحسوبين على النظام خارج القانون ومن تاب وانضوى بحزب اسلامي حافظ على حياته بعض الشيء. انتشرت فرق الموت التي تطارد قادة الوحدات العسكرية والطيارين والعلماء وفق قوائم معدة  ومدروسة سلفا ، وعجز من يسمون انفسهم بالسلطة  عن الاعلان عمن يقف خلف تلك القوى، ذاع صيت كواتم الصوت، والخطف من وزارات الدولة ودوائرها كما حصل في وزراة المالية ومع اعضاء اللجنة الاولمبية ومع احد الفرق الرياضية  ايضا والامثلة كثيرة، كل هذا وسط التفجيرات والقذائف  التي لم تترك حتى الذين في منازلهم والاعتقالات العشوائية التي  طالت اكثر من 150 الف معتقل وهذا المعلن عراقيا واميركيا قبل قرار العفو رقم 19 لسنة 2008، وتبقى التقديرات اكبر وتبقى السجون السرية التي تديرها مليشيات على اختلاف تنوعها وانتمائها ومنها مليشيات الاحزاب البرلمانية او المحمية من تلك الاحزاب لا يعلم فيها الا الله، وليس بالامر المستغرب ان وجد يوما ما على ارض  العراق سجون لدول جارة  او غيرها من التي تعمل مخابراتها على ارض العراق وبدعم وحماية من قوى داخل العراق.

 

فليس  بعيدا وكما وصف روزفلت عام  1933 موسيلني بانه " النبيل الايطالي الرائع"[1] ان توصف الادارة الاميريكة احبابها في العملية السياسية العراقية بالنبلاء وربما لمراعاة مشاعر الغالبية العراقية بانهم خدمة الدين. كيف لنا التصديق بالوعود الديمقراطية بينما واقع الحال يشير الى العكس دوما وكما" كتب الن توفلسون يقول انه على طول الخط، ظلت تواجه صناع السياسة(الاميركيين) تلك " المشكلة المؤرقة" كيف السبيل الى التوفيق بين الالتزام الرسمي بالديمقراطية والحرية وبين الحقيقة الطاغية وهي ان" الولايات المتحدة كثيرا ما تضطرالى اقتراف اعمال رهيبة للحصول على ما تريده"[2]

 

وربما هذا العنف والقتل اليومي والتازم والتازيم الدائم هو تاكيد جديد لقديم ، وكما وصفه السيد براي ويلسون حول الاميركيين اللاتينيين بقوله  "- فان الاميركيين اللاتينين- اولاد مشاكسين ، يمارسون جميع امتيازات وحقوق الكبار" وتلزمهم لذلك " يد قاسية، يد حازمة" [3] وهذا هو ما يحصل معنا اليوم . هنا يجب التركيز وباختصار على دور اميركا في رفع هذا الشعار والتغني به مقابل جميع اعمالها الاخرى في القتل والترويع والاغتيالات والانقلابات التي احدثتها في العالم  لكنها ولقوة اعلامها واموالها تمكنت من اعلاء وربما تثبيت وهم صوت الدفاع عن الحرية والديمقراطية في عقول الطربين بسياساتها.

 

ان هذا الواقع " واقع القتل والارهاب"لم يفرق بين ابناء الشعب العراقي على اختلافهم، حيث تداخلت مصالح الارهابيين مع مصالح سياسية للكثير من القوى ومصالح دول خارجية ايضا لتنتج حملة تهجير مصحوبة بالرعب والقتل والتفجيرات لاخلاء العراق وبشكل خاص من المسيحيين وابناء الطوائف الدينية الاخرى، وقد نجت تلك الحملة  كثيرا، ووصفها تقرير الأمين العام للأمم المتحدة إمام مجلس الأمن - كانون ثاني 2009 - حول العراق إن حملة تهجير المسيحيين في الموصل كانت ” مخططة بدقة ومنهجية بدافع سياسي وليس إجرامي“  .

 

لقد شكلت حملات التهجير والهجرة قلقا للكثير من دول العالم وللمنظمات الدولية  ولجميع الوطنيين العراقيين فقد حل العراق " ثالثا في اعداد اللاجئين بالعالم" [4] وقد ازدات تلك الهجرة بشقيها الداخلي والخارجي ابان وجود قوات الاحتلال جميعها والتي كانت اكثر من 150 الف عسكري، في حالة تثير السخرية الا وهي الطردية مابين عدد القوات الكبير لو اضفنا القوات العراقية باختلافها لهذا العدد وحجم جرائم الاغتيالات والتفخيخات والتهجير الذي كان يحصل وهذا ما يؤكد قول لنعوم تشومسكي حين يصف حالة كولومبيا حين ازدادت المساعدات العسكرية الاميركية لها ازدادت قوة العصابات المسلحة مما ادى لتهجير ما يقارب عن" 2مليون و700 الف يزدادون بمعدل الف يوميا" [5] بالاضافة الى طرد اخرين من مساكنهم وكذلك علميات الاغتيالات  السياسية. وهذا ما نلاحظه يتكرر اليوم من عملية هجرة  في محافظة الانبار ترافقا مع العمليات العسكرية والدعومات الاميركية وما سبقها من تصريحات للبدء بحرب عالمية ثالثة ضد الارهاب، حيث اشارت تقارير الامم المتحدة  الى اعلان" الهلال الأحمر العراقي يعلن نزوح 13 ألف عائلة من الفلوجة أعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين الجمعة 24 يناير/ كانون الثاني، أن أكثر من 140 ألف عراقي نزحوا من محافظة الأنبار"[6] ، وهذه من  انتاج الغزو وحلقة جديدة من حلقات التهجير التي تمر على الشعب العراقي، فبعد ان تركت السياسات الدكتاتورية ما يقارب 3.5 -4 مليون مهجر وهارب وملاحق سياسيا تركت الحرب الملايين ايضا من المهجرين الذين طافت بهم الدول المجاورة سوريا والاردن وتركيا ومصر وغيرها الكثير.

 

وبقت  المراة المستهدف الاول دوما و التي دفعت الثمن في العمل والشارع والمدرسة من خلال هيئات النهي عن المنكر التي تقودها بعض المليشيات، وفي ظل "رغبة" وصمت وليس عجز، السلطات التنفيذية من ردع تلك المليشيات التي تشترك اذرعها السياسية في العملية السياسية. واضافة للعنف اليومي العام الذي تعاني منه وصل العنف المنزلي عليها لمستوى 51.2% على المستوى الوطني  فيما في الاقليم 25.8% ناهيك عن ظاهرة ختان الاناث والقتل الذي يسجل تحت عنوان الانتحار واستمرار ظاهرة الزواج المبكر دون سن الخامسة عشر والتي شكلت على المستوى الوطني 5.5%. فيما المتزوجات دون سن الثامنة عشر يشكلن 23.4% على المستوى الوطني،  ناهيك عن تزايد اعداد الايتام والارامل بسب القتل اليومي ، هذه الارقام وفقا للمسح العنقودي متعدد المؤشرات  لعام 2011والذي صدر عن دائرتي الاحصاء الوطنية والاقليم ووزارة الصحة واليونسكو .

 

ان ابرز الجرائم التي تبقى شاهدا ووصمة عار على جبين من قاموا بالحرب ومن طبلوا لها هو ما استخدم من اسلحة كيمياوية ابتداءا من اليورانيوم المنضب وانتهاء بالفسفور وقنابل النابلم التي جرى استخادمها في مناطق عديدة من العراق من  الجنوب الى الفلوجة، تلك الاسلحة التي كانت السبب في الولادات المشوة خلقيا.. امراض السرطان المنتشرة بكثافة في العراق وغيرها الكثير الذي يمكن ان يقاس على الاحوال الاجتماعية لو جرت دراسات  متخصصة بهذه الخصوص .

 

وقد اثبتت الولايات المتحدة الاميركية نيتها مسبقا في استخدام تلك الاسلحة ضد العراق وحروبها الخارجية الاخرى وهذا ما دللت عليه جهودها ففي" 17-ايلول /سبتمبر 2002" عمدت الادارة راسا وعلى المكشوف الى " التخلي عن الجهود الدولية الهادفة الى تشديد بنود اتفاقية الاسلحة البيولوجية بشان الحرب الجرثومية" ناصحة حلفائها بوجوب تاجيل المشاورات الاضافية حولها مدة اربع سنوات" . وبعد عشرة ايام، في 23تشرين الاول/اكتوبر تبنت لجنة نزع السلاح التابعة للامم المتحدة قرارين حاسمين :الاول  يدعو الى اتخاذ اجراءات اشد صرامة لمنع عسكرة الفضاء الخارجي، وذلك " لتفادي خطر مميت على السلم والامن الدوليين". واعاد القرار الثاني التاكيد على برتوكول جنيف 1925، الذي " يحظر استخدام الغازات السامة والطرق البكتريولوجية ( الجرثومية) في الحرب" وقد اجيز كلا القرارين بالاجماع مع امتناع دولتين عن التصويت هما: الولايات المتحدة واسرائيل"[7].

 

ان ماحققة دعاة الحرب والتحرير هو فتح نهر من الدماء  و تطبيع العين العراقية على الدم ومناظر الجثث والاشلاء واصبح الموت امرا مالوف!!. ولازالت حتى اليوم لغة الخطوط الحمر والتهديد والوعيد تنطلق ومن منابر الدولة على لسان الساسة المشاركين في العملية السياسية  في خرق واضح للدستورهم ،الذي ارادوه هم، ولجميع مواثيق حقوق الانسان ومنها التي وقعها العراق والتي لم يطلع عليها الحاكمون ، بل ان ترديدهم لتلك الجمل ماهو الا ذر الرماد في عيون ابناء الشعب. ان هذا الملف ملف  اُثقل كثيرا .. لقد استمرت ذات  سياسة القمع والحروب  وكم الافواه ، وكان التغيير هو تحول الامر من سياسة الحزب القائد الى نهج الامام القائد وهذا ما تثبته وقائع الايام بالتفصيل الممل حيث كانت منظمات السلطة تجبر البشر على الدخول فيها بالاكراه  وتوزع كراساتها والان يجبر الطلاب من الفتيات لارتداء الازياء  التي يحددها مشايخ الدين وتوزع عليهم " الزناجيل" وغيرها ، نعم ان الادوات تغير لونها الا انها ذات الادوات وذات الفكر الاحادي المبني على القمع ومصاردة الراي الاخر الهادف الى تغييب الانسان.

 

ان ما يسعى له من يديرون البلاد اليوم هو خدمة مصالح رعاتهم  وقد حققوا الكثير منها وهم يقتربون اليوم من اطلاق الرصاصة الاخيرة التي ستجعلنا اسرى طوائف وامراء.....

 

ليس هناك من سبيل لانقاذ البلاد الا في صحوة وطنية يكون هدفها الاول والاخير امن البلد القومي مبنيا على اساس قوة وحرية المواطن وعلى اساس روح المواطنة التي تضمن للجميع حقوقهم ودون تمييز لاي سبب كان، شعارها شركاء في هذا الوطن على اساس امنه وازدهاره واستقلاله الحقيقي ومحاسبة كل من ارتهن لاجندة خارجية  واساء للشعب العراقي ايا كان وايا كانت صفته وفق القوانين الوطنية والمعايير الاساسية لمواثيق حقوق الانسان.

* الصورة المرفقة عن سوريا الان



[1]  نعوم تشومسكي / الهيمنة والبقاء/ ص81

[2]   المصدر السابق  الفصل الثالث ص84  .

[3] المصدر السابق  الفصل الثالث صفحة 78 .

[4]   تقرير للامم المتحدة / الانترنت/ تاريخ  30-6-2013  http://www.dananernews.com/News_Details.php?ID=3505

[5]   نعوم تشومسكي / الهيمنة والبقاء/ ص65

[6]  تقرير صحفي/ روسيا اليوم /24-1-2014 /http://arabic.rt.com/news/643589/

[7]  المصدر السابق الفصل الخامس  ص145-146 .