الأحد، 10 نوفمبر 2013

السيد ابو حسنين.... تره صارت يخني



نتيجة للانجازات الكبيرة التي حققتها وزارة الداخلية العراقية برئاسة وكيلها الاقدم السيد "ابو حسنين" والتي يلمسها المواطن العراقي على صعيد استقرار الوضع الامني المستتب تقريبا الا في بعض الحالات النادرة، والتي تعتبر عادية جدا نتيجة بعض الاختراقات هنا وهناك والتي لا تؤثر بشكل عام على طبيعة يقظة قوى الامن واستعدادها الدائم لملاحقة فلول الارهاب في كل نقطة من البلد وفق مصادر حكومية رسمية طبعا. خرج علينا الوكيل الاقدم السيد "ابو حسنين" في كلمة له امام مؤتمر للتيار الرسالي والذي نظم في فندق بغداد تحت عنوان "وقفة تضامنية مع حماة العراق" بتصريح ناري كالعادة، قال فيه أن ( قواتنا تمكنت خلال شهر تشرين الاول الماضي من قتل 1200 ارهابي في محافظة الانبار و50 أرهابيا في العاصمة بغداد، مطالبا مجلس النواب ومنظمات المجتمع المدني " بوقفة جادة لدعم القوات الامنية")!!!!. ولاندري لماذا استثنى "ابو حسنين" النشاط المبهر لقواته في محافظات صلاح الدين وديالى والموصل وبابل وغيرها خلال نفس الشهر، ام ان الارهابيين فيها كانوا في اجازة اعتيادية لقضاء عطلة سياحية على شواطيء الريفيرا!!! أو ان الوضع الامني مستقر للغاية فيها فلا اتاوات مثلا في الموصل وديالى ولاتفجيرات في مدن وبلدات صلاح الدين وعلى الاخص تلك التي تطال مراكز الشرطة التابعة لوزارة الداخلية برئاسة السيد" ابوحسنين"!!

 

ان تصريح السيد ابو حسنين شبيه لتصريحات مسؤولين كبار وكثر في الحكومة والبرلمان من الذين جعلوا العراق "گمره وربيعه" مثلما يقول المثل البغدادي. وبمناسبة هذا التصريح الناري للسيد ابو "حسنين" فانني تذكرت قصة قصيرة جدا ذهبت مضرب الامثال، سوف انقلها للقراء الكرام دون اي تعليق تاركا التعليق للروح العراقية القادرة على الضحك احيانا في احلك الفترات، اقول احيانا لان الضحك اصبح بضاعة كاسدة امام رواج الحزن اليومي الذي اصبح القاسم المشترك بين العراقيين منذ ان ادخلنا نظام العهر البعثي في نفقه المرعب والى يومنا هذا. تقول القصة القصيرة هذه...

 

كان لاحد الكذّابين صديق"يرگع" له الكذبات.. فضمهم ذات يوم مجلس كان البحث فيه يدور حول العيد.. فقال الكذّاب بشيء من الغرور:

 

-  آني مهاراتي بالصيد معروفه.. ويعرف الاخ " واشار الى صديقه المرگع" ليجيب صديقه قائلا.

-  هاي شنو؟ هاي مسألة مشهورة.

فاستمر الكذاب في حديثه:

- فرد يوم شفت 20 حمامة فوگ شجره.. ونيشنت بالبندقية عليهن وضربت واذا بالعشرين حمامة عالگاع!!

فتعجب الحاضرون.. ولكن المرگع اجاب:

هاي الشغله كلش معقوله.. لان البندقية چانت بندقية صيد والخرطوشه الوحده بيها 50 صجمه، ولو چانت 50 حمامه عالشجره هم چانن وگعن.

 

فتشجع الكذاب واستمر في حديثه:

 

وفرد يوم شفت درّاجه خاتله بين الشوك وضربتها ولمّن جيت عليها چانت مشويه ومملحه.

فقال المرگع:

هاي هم معقوله.. لان حضرتك من ضربت الدرّاجه التهب الشوك والگاع چانت صبخه والطير اتمرغل من الوجع والنار اللي بيه فتلگاه انشوه وتملح.

 

فاستئنس الكذاب بهذا التعليل واستمر في حديثه:

 

وفرد يوم شفت فختايه اموكره على نخله.. وضربتها ولمّن جيت عليها شفته صايره يخني..

 

فاندهش الحاضرون وسكت "المرگع"ولم ينبس ببنت شفة، فقال له الكذّاب:

 

متحچي اشبيك؟

فاجاب "المرگع"

 

ولك شحچي؟ المسأله ثخنت وصارت يخني.. هسّه آني البصل امنين اجيبه؟ الحمص من اجيبه؟ الطماطه منين اجيبها؟ الجدر امنين اجيبه؟

 

فضحك الحاضرون.. وعرفوا ان الصياد من طراز "الشيلمانچيه"

 

 

لو سلّمتم الامر لأهله – لذوي الكفاءة – لسلمتم،  الامام علي "ع"

 

زكي رضا

الدنمارك

9/11/2013

 

 

 

 

 

 

 

قانون الأحوال الشخصية (الجعفري) المقترح....هل هي عودة إلى الوراء!



عماد رسن

 

طرح وزير العدل العراقي حسن الشمري مسودتي قانون الأحوال الشخصية الجعفري وقانون القضاء الجعفري لتتم مناقشتهما وإقرارهما في البرلمان العراقي مستفيدا ً من الفقرة 41 من الدستور والتي تنص على أن للعراقيين حرية الإلتزام باحوالهم الشخصية, حسب دياناتهم ومذاهبهم أو معتقداتهم أو إختياراتهم, والمادة 42 منه والتي كفلت حرية الفكر والضمير والعقيدة لكل فرد عراقي. لا أعلم إن كان السيد حسن الشمري قد قرأ مسودة الدستور العراقي جيدا ً أم أنه وقع ضحية التناقض الواضح بين المادة الثانية من الدستور بين الفقرتين ..أ..التي تنص على أن لايسن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام والمادة ...ب...التي تنص على أن لايسن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية. لايهمني هنا حل هذا الإشكال الذي لايبدو أن له حلا ً لأنه يعبر عن تناقض واضح بين ماهو مرتبط بالغيب وماهو مرتبط بتجربة الإنسان, أو قل بين ما يُدعى بأنه سماوي وبين ماهو أرضي. ولكن, وبالرغم من ذلك التناقض الأساسي والجوهري بين هاتين المنظومتين من القيم والمبادئ والتشريعات فأن هناك ماهو مشترك ومتفق عليه بين ماهو إسلامي وماهو ديمقراطي لكنه يخضع بالتأكيد لتفسيرات متعددة تجعل من الصعب حدوث ذلك التوافق كمبدأ حرية العقيدة والمساواة. ولكن السيد حسن الشمري ترك تلك التوافقات وركز على كل مايناقض روح الديمقراطية في الفقرة ...ب...في مسودتيه, السؤال المطروح هو كيف؟

من الناحية المبدئية, تناقض بعض فقرات القانون المقترح كثير من مبادئ المساواة بين الجنسين كموضوع الميراث مثلا ً, بل يعود إلى الوراء فيما يخص وضع المرأة في المجتمع فهو يعتبرها ناقصة الأهلية حيث لاتستطيع تزويج نفسها وإن كانت أمرأة بالغة السن القانوني إن كانت بكرا ً ويشرعن ويمؤسس لزواج البنات القصر دون الثامنة عشر والتي تعتبر خطوة إلى الوراء بالنسبة لوضع المرأة في المجتمع مقارنة بقانون الأحوال الشخصية لعام 1959, ناهيك عن عدم خروج المرأة من البيت إلا بموافقة الزوج مما يرسخ للثقافة الذكورية الأبوية بشكلها الهرمي الذي يناقض مبدأ المساواة الذي أقره الدستور. كذلك يكرس ويميز هذا القانون على أساس الدين حين يمنع الميراث عن غير المسلم فيما يجيزه للمسلم الذي يرث من غير المسلم وهذا تناقض واضح وصريح مع مبدأ المساواة المنصوص عليه بالدستور بأن العراقيين متساوون أمام القانون بغض النظر عن معتقداتهم وجنسهم وعرقهم حسب المادة 14 من الحقوق المدنية والسياسية. الأكثر من ذلك أن تلك القوانين ستعارض الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية فيما يخص حقوق المرأة وحرية المعتقد وحقوق الطفل إلخ, ممايجعل الدولة ومؤسساتها في مواجهة منظمات دولية لها وزنها كمنظمات تابعة للأمم المتحدة. 

من جهة أخرى, هناك إشكالات عديدة ستحول دون تطبيق هذه القوانين من الناحية العملية, مثلا ً, إذا كان أحد المدعين يريد أن يحكم له حسب القانون الجعفري والآخر حسب الفقه المالكي أو الحنفي, فيما يخص الإرث, أو كيفية التعامل مع قضايا الزواج المختلط بين السني والشيعية أو العكس أو بين الأديان المختلفة. أضف إلى ذلك بأن تلك المنظومة القضائية ستتبع المذهب الجعفري الإثني عشري وكلنا يعرف بأن هناك الآلاف من المجتهدين والعشرات من مراجع التقليد في مختلف دول العالم وكل له رسالته الفقهية التي يختلف بها عن الآخرين وكل له مقلديه الذين لايستطيعون إتباع مرجع آخر فكيف سيتم التوافق على صيغة واحدة لمفهوم قوانين الفقه الجعفري. هل ستكون المرجعية الدينية هي المسؤولة عن تفسيرات تلك القوانين؟ إذا كان الجواب نعم, فنحن أمام سلطة قانونية جديدة لاتنسجم مع مبدأ الديمقراطية بتعدد المنظومات القضائية وأمام إحتكار تفسير النصوص القانونية الشرعية من قبل مدرسة واحدة ممايجعلها ذات سلطة ونفوذ كبيرين في المجتمع والأفراد وباقي المدارس والحوزات في داخل المذهب الواحد.

إذن, توجد هناك الكثير من الإشكلات العملية في تطبيق هذا القانون, ولكن, ومن الناحية المعيارية, إلى ماذا سيؤسس هذا القانون وهل يرسخ فعلا ً الديمقراطية كما منصوص في فقراته الأخيرة؟ أن هذا القانون, إذا أقر, وفي هذه الأجواء المشحونة بالطائفية, سيحث السنة على تشريع قانون مستوحى من الفقه الحنفي والمالكي والحنبلي وربما حتى من فقه أبن تيمية وأبن الجوزي بنسختهما السلفية وسيقر تحت نفس المبدأ, بل يجعل للمسيحين محاكمهم والأيزيديين والصابئة واليهود واللادينيين وهكذا. فهل نحن أمام منظومات قضائية متداخلية ومتشابكة بشكل لايمكن التغاضي عنه مما يخلق إرتباك قانوني وبالتالي اجتماعي بين الطوائف والأديان والقوميات والأعراق. نعم, أنه سيؤسس لدولة طائفية من خلال تقسيم منظومتها القانونية في تمييز لقوانينها للأحوال الشخصية. إذا كانت النتيجة ستكون كذلك, فكيف ستترسخ الديمقراطية, هل تترسخ بالتقسيم؟ نعم, أن ترسيخ الديمقراطية لاينسجم أبدا ً إلا مع ترسيخ مفهوم المواطنة ولابد أن تكون منظومته التشريعية والقانونية على أساس المواطنة وليس شيئ آخر, إلا أن مايطرحه الشمري هو تأسيس منظومة قضائية قائمة على أساس الإعتقاد والهوية الدينية. إذن, ستكون لنا منظومتان قضائيتان وتشريعتيان واحدة مدنية والأخرى دينية أو منظومات أخر إذا ما طلبت باقي الطوائف أن يؤسس نظم قضائية خاصة بها.

ولكن, أليس من حق المواطن في بلد ديمقراطي أن يكون حرا ً في إختبار قانون الأحوال الشخصية الذي ينسجم مع معتقده وثقافته النابعة من بيئته؟ بالتأكيد نعم, ولكن, نحن هنا أمام تعارض بين المصلحة الشخصية لفرد ما أو لمجموعة إثنية أو دينية أو طائفية مع المصلحة العامة التي يتوافق عليها الجميع. الحل يكمن في ماهي الكيفية التي تحل بها التاقضات في مجتمعات متعددة الثقافات والتي تقر بالحقوق الخاصة لمجموعة دينية أو ثقافية أو عرقية ككندا والسويد وبريطانيا, ولا أريد أن أذهب بعيدا ً لدول تركز على الفرد ولاتقر حق تلك المجموعات كفرنسا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية. لابد من وجود قانون للأحوال الشخصية على أساس المواطنة وليس العقيدة, ولكن من حق باقي الطوائف والأديان أن تتبع بعض القوانين الخاصة التي تميزهم كهوية مستقلة في الزواج والإرث وباقي القضايا, أي ترسيخ مبدأ التعددية وإحترام الهوية الفرعية,ولكن, يجب أن تنسجم تلك القوانين الخاصة مع روح الديمقراطية ولاتصتدم بمبدأ من مبادئ الدستور كحرية العقيدة أو مبدأ المساواة بين الجنسين مثلا ً, وإلا تكون الأولوية لمبدأ القانون المدني.

نعود للسؤال, هل هي عودة للوراء بمسودتي قانون الأحوال الشخصية الجعفري وقانون القضاء الجعفري؟ بالتأكيد نعم, بالخصوص وضع المرأة التي ستخسر كثيرا ً من حقوقها. أضف إلى ذلك فأن هذا القانون سيرسخ التعددية دون أن يدعم الديمقراطية. أن من المهم جدا ً رسم صورة مستقبلية لكل جهة من جهات المجتمع والدولة وبالخصوص نظامهما القضائي فهو وجهها الحضاري الأكثر بروزا ً. ولابد لهذه الصورة أن تنسجم مع الدستور ولاتناقض فقراته ومبادئه التي ليس فيها عودة للوراء بعد عقود طويلة من الدكتاتورية التي لانريد أن نستبدلها بأخرى تحت مسميات تدغدغ مشاعر الجماهير بإسم الدين والطائفة وماهي إلا قنابل موقوتة عندما تتحول إلى تناقضات داخل الدستور والتي تعيق كل تقدم ينشده المجتمع.

 

عماد رسن

      

هل المالكي يريد خوض حرب عالمية ضد الارهاب بقيادة حمّودي وابو حسنين!؟


كل شيء في العراق فاشل، فالخدمات فاشلة، والصحة فاشلة، والتعليم فاشل، والزراعة فاشلة، والصناعة فاشلة، ولكي لانستمر بتعداد أوجه الفشل فاننا سنطوي  صحارى العراق السياسية الفاشلة الى اكبر فشل تترتب عليه جبال نفايات الفشل مجتمعة اي الفشل الامني. والذي بسببه توقفت عملية اعادة بناء البلد لان الفشل هذا فتح شهية الساسة الفاشلين وفتح لهم ابواب الاثراء غير المشروع عن طريق سرقة ونهب ثروات البلد تارة بقوانين يصدرها لهم برلمانهم "الفلتة" وتارة بالسرقة العلنية ودون اي حياء. على اساس ان الحياء قطرة ومن الممكن تجفيفها بورقة من فئة المئة دولار التي كانت حلما يراودهم رؤيتها قبل ان تفتح لهم خزائن العراق عن طريق كلمة السر الجديدة "افتح يا عمو سام" بعد الاحتلال.

 

والفشل السياسي بالعراق يراد له ان يكون فشلا مستديما عن طريق ما يسمى بنظام المحاصصة سيء الصيت والسمعة بنفس "ابطالها" الذين فشلوا ويفشلون وسوف يفشلون في ترتيب البيت العراقي ليكون قادرا على الوقوف بوجه الارهاب الدولي او الاقليمي او الداخلي. هذا الارهاب الذي طلب الحاج ابو اسراء من الرئيس الامريكي اعلان حرب عالمية ثالثة عليه دون ان يخبرنا عن الحربين العالميتين السابقتين ضده، الا اذا كان يعتبر الحربين العالميتين الاولى والثانية كانتا ضد الارهاب!!، حينها يكون الحاج ابو اسراء قد افتى بفتوى اغرب من الخيال وتنطوي على جهل كبير بتاريخ حربين ضروس التهمتا عشرات الملايين من البشر بسبب حلم التوسع الامبريالي وليس الارهاب مثلما يعتقد، واذا اردنا ان نكون مجاملين مع الحاج فدعونا نقول انها زلّة لسان  ليس الاّ متمنين من جيش مستشاريه لاحقا ان ينتبهوا الى زلّات لسان الحاج قبل وقوعها.

 

ان محاربة الارهاب بحاجة الى مستلزمات عديدة منها جهاز استخباري وطني وقوي وفعّال، واسلحة ومعدات ذات تقنيات عالية ومتطورة، واموال كافية لتمويل اقامة دورات منتظمة وعلى مستوى عال لمنتسبي الاجهزة الامنية لزيادة فاعليتها، اضافة الى تعاون مشترك مع الاجهزة الامنية للبلدان التي تعاني من الارهاب او من تلك التي لها مصلحة حقيقية بمحاربة الارهاب. واذا كانت هناك بلدان ترفض ان تتعامل مع دولة ما بشكل مباشر فانها تتعامل معها بشكل غير مباشر عن طريق طرف ثالث سواء بعلمها او بدونه خصوصا ان كان الطرف الثالث بلدا كاميركا. ويبقى العامل الاهم عند الاجهزة الامنية هو الادارة وكفاءتها ونوعية الرجال القائمين عليها.

 

ولو اخذنا جهاز مكافحة الارهاب في عراق اليوم على سبيل المثال لاكتشفنا فشله حتى قبل مناقشة موضوعه، فالاختراقات الامنية والتفجيرات التي باتت تطال مختلف المدن العراقية وبنفس الاسلوب تقريبا توضح لنا بؤس الاجهزة الامنية وضعفها وعدم فاعليتها كونها تفتقر الى الاجهزة والمعدات المتطورة التي تستخدم بالعديد من دول العالم، وعلى الرغم من توفر اموالا طائلة عند الحكومة الا ان فسادها بدد الكثير من هذه الثروات ومن اشكال الفساد هذا شراء لعب اطفال على انها اجهزة كشف متفجرات راح ضحيتها اضافة الى المال العام ارواح الالاف من العراقيين الابرياء. ولضعف جهاز الاستخبارات العراقية نتيجة اختراقها من بلدان عديدة فان الثقة به اصبحت ضعيفة ان لم تكن معدومة، خصوصا وان القائمين عليه اثبتوا لشعبنا قبل الاخرين افتقادهم للحنكة والكفاءة لانهم اساسا يعملون باوامر ادارة غير مهنية ولا تعرف عن هذا العالم المخابراتي الواسع اي شيء تقريبا.

 

على الرغم من كل هذا الفشل المدوي في الحد من العمليات الارهابية بالعراق وليس القضاء عليه، وعلى الرغم من ان العراق يفتقد الى قائد سياسي محنك قادر على التعامل مع ابناء شعبه كمواطنين عراقيين دون النظر الى مذهبهم ودينهم وقوميتهم، وعلى الرغم من تكريس واقع النظام المحاصصاتي الطائفي وما جناه البلد منه من دمار سيستمر حتى انهاء شكل المحاصصة اللعين بالحكم، وبدلا من تسويق الحاج ابو اسراء نفسه كحامي للنظام الديموقراطي الحقيقي وليس المحاصصاتي مثلما يريد وحزبه القائد. نراه يقف بالبيت الابيض مطالبا الولايات المتحدة باعلان الحرب "العالمية الثالثة" على الارهاب عبر مؤتمر يعقد ببغداد لهذا الغرض!!! ولا ادري هل كان الحاج جادا في طرحه لمبادرته هذه ام انها مزحة او زلّة لسان ومن يضمن استقرار الوضع الامني حينها، ام ان لاجهزة الحاج الامنية خطتها الجاهزة والمعروفة وهو منع التجوال في بغداد طيلة ايام المؤتمر ولواستمرت شهرا ومنع دخول اي مركبة وانسان وحيوان اليها!!، اي سجن سكان العاصمة ببيوتهم !؟ فان كانت خطة اجهزة الحاج الامنية لذلك اليوم هي ما جئت به وقد فعلتها مرة عند انعقاد مؤتمر الجامعة العربية فهذا يعني فشل الوفد العراقي بهذا المؤتمر حتى قبل انعقاده.

 

ولا أدري على ايّا من الرجال الابطال يريد الحاج ابو اسراء الاعتماد لمشاركة العراق في الجهد الدولي عبر مؤتمر لمحاربة الارهاب، فأن كان يعني حمّودي صاحب صولات وجولات المنطقة الخضراء فانني اطمئنه من ان حمّودي وان كان بطلا صنديدا الا ان بطولاته لاتتجاوز المنطقة الخضراء المقدسة، ومحاربة الارهاب الدولي بحاجة الى تواجد الرجال الابطال في مناطق مختلفة من العالم من دون حمايات آبائهم واقربائهم. وان كان يعتمد على رفيق دربه ووكيل اقدم وزارته ابو حسنين، فانني اطمئنه من الان على فشل اختياره لان الرجل اثبت فشله الذريع بمحاربة الارهاب حتى داخل بغداد التي يتحصن بمنطقتها الخضراء ناهيك عن باقي العراق، على الرغم ان الارهاب في عهده وصل الى لفظ انفاسه الاخيرة مرات عدة حسب تصريحات وزارته، كون الرجل ليسا مهنيا ومهارته الوحيدة لشغل هذا المنصب الحساس هو عضويته في حزب الدعوة القائد.

 

الحاج ابو اسراء محاربة الارهاب بحاجة قبل كل شيء الى رجال دولة وانت والذين معك في الوزارة والبرلمان لستم برجال دولة بل رجال سلطة همّها الاول والاخير سرقة ثروات البلد المنكوب وشعبه بكم. وان من الامور الكبيرة هو الاعتراف بالفشل وتصحيحه فهل تعتبر نفسك وكل المتحاصصين بالبلد فاشلين؟ وان لم تكونوا فاشلين من وجهة نظركم فهل تريدنا منحكم  40 عاما من عمر الوطن لتعترفوا بفشلكم!؟

 

ما أغلى الوطن على القلوب الطيبة المنبت " فولتير"

 

زكي رضا

الدنمارك

3/11/2013

 

 

 

   

 

 

 

 

 

 

أصدقاءُ الماء


 مصطفى سعيد

 أصدقاءُ الماء
يسألني الأصدقاء

لا سيما اللدودين

عن جدوى دواويني

حبري المهدور

في ظل شهـيـدٍ

خرج مقتفياً أثر الخلود, ربما لن يعود         

يسألون بشغفٍ عن بناتي

السابحات على ملء ياسمينهن

في هذا العرش النحس

يسألون عن القيامة

حين أرضعت جبهتي

درس الشتات

يسألون عن قصيدةٍ

لن تكتب بعد عقدين

أو التي انتدبتُ إلى يدها

لأدلق فيها غيمة كبت

مع قطعةٍ صغيرةٍ من حلوى الموتِ

 

يسألني الأصدقاء

لا سيما الصادقين

سبب تأخري عن تسديد القسط المريح لكيمياء الموت

يتبارز الرماة أمامي

يتقاذفون عدمي البارز

بقبعاتٍ حريريةٍ  حمراء

كيف أجرؤ لأردَّ على سؤالهم بسؤالٍ

ما الذي فعلهُ الإسكافي حين دبغ  وشم سلالاتكم

هل نسي مسمار الضمير الصغير لجلودكم العظمى,

في فم أممٍ متحدة

أنا ظل الظمأ

سوريٌ كرديٌ أقف أمامكم بزيٍ شعبي,

يَـجمعُ ردائه أربعة عشرَ زراً ذهبياً

حيك على كتف ماء

أنا الماء

أنا دين لغتي

للزيتون خلاصة اخضراري

أنا الشام يا أبتِ

الله ثم السلام أكبر همي

أنا عفرين يا أمي عاصمة دمي

من صمت الشمس اسمعوا حكاياتي

حين أضعتُ تفاحة حبٍّ أزرق,

تلك التي تعيد صقل آلهة الأرض

 

يسألني الأصدقاء   

لاسيما الأموات

هل تكفيكم إجابتي يا أشجار العائلةِ

لا أعرف من اختطف تفاحتي

حين كانت يدُ الغريب تنبشُ فداحة فديتي

البر والبحر متكالبان أمام خيمتي

كيف أقنع أبي حين بترت أصابعه في مصنع الزيت

أن القصيدة سيدة الطبابة

لكنها لا تعيد له أصابع يده

كيف أقنع فجر العيد

حين أدار عمي لنا ظهره

أنه لن يرانا كل عيدٍ

أو ذات مقبرة

ماذا سيفعل إن أخبرتهُ

أن قصيدتي تصيبني بكل الأمراض حتى تلفظ اسمه

هل سيفهم أعدائي

ليس لفقدان الحب أي سببٍ

سوى الخيانة

يا أصدقائي .

 

 

20 /10 / 2013

 

مصطفى سعيد


 

الوزيرة رقم (1)


نزيهة الدليمي الطبيبة العراقية التي عشقت السياسة.. دخلت حكومة عبد الكريم قاسم عام 1959 وماتت منسية في المنفى الألماني


باريس: إنعام كجه جي

منذ سنوات، وقدر العراقيين أن يموتوا بالجملة. ومن نجا بنفسه وهاجر بعيداً عن بلاد الويلات، مات بالمفرد وهو يطبق الفم على مرارة الغربة، والجفنين على حلم لم يتحقق بالعودة الى الأرض الأُولى. هكذا رحلت عن عالمنا قبل أيام، منفية في ألمانيا، الدكتورة نزيهة الدليمي. وبين تلك الطبيبة السمراء الخجول التي استدعاها عبد الكريم قاسم الى وزارة الدفاع ليبلغها بقرار اختيارها وزيرة للبلديات، عام 1959، وبين المرأة المريضة التي أمضيت ثلاثة أيام من شتاء 2004 في ضيافتها بمدينة بوتسدام الألمانية، خمسة عقود تقلبت فيها أحوالها وأحوال العراق بشكل لا يكاد يصدّقه العقل.

حين اتصل بها، في ذلك الصيف البغدادي القائظ، مرافق الزعيم طالباً اليها الحضور الى وزارة الدفاع، لم تكن الطبيبة الشيوعية تملك ثمن التاكسي. لقد فتحت عيادتها للفقراء مجاناً وكانت تشتغل بالسياسة أكثر من عملها في الطب. لذلك ركبت الباص رقم 4 الذاهب الى الباب المعظم، حيث تقع وزارة الدفاع، ثم نزلت وسارت مسافة طويلة تحت الشمس الحارقة، من البوابة الخارجية حتى بلغت مكتب قاسم، وهي تتساءل عن السبب الذي دفعه لاستدعائها. لم يكن المنصب يخطر ببالها. فلما قال لها الزعيم إنه بصدد استحداث وزارة جديدة للبلديات ويريد منها أن تقترح هيكلاً لها وتكون وزيرتها، نظرت اليه بدهشة وقالت له: «أنا مواطنة بسيطة وطبيبة لا تفهم شيئاً في الوزارات». لكنه ضحك وشجعها قائلاً إنه يثق بها وبقدرات النساء على المشاركة في بناء البلد.

صارت نزيهة الدليمي وزيرة. وكانت أول وزيرة، لا في العراق فحسب بل في كل البلاد العربية. ولما أُعلن خبر تعيينها نزل رفاقها الشيوعيون الى الشارع وأطلقوا الهتاف الذي ارتبط باسمها في أذهان أجيال سابقة من العراقيين: «نزيهة صارت بالحكم موتوا يا بعثية».

ذهبت اليها في بوتسدام لعمل فيلم وثائقي عنها. ورأيت سيدة أنهكتها المنافي بدون أن تخدش طيبتها وحنانها وذكاءها وحس النكتة الكبير لديها. بل إنها ما زالت تلك المتطوعة للنضال، المهمومة بمصير الشعب، الساعية لمعرفة كل أحداث العالم، بدون أن تتمكن من استيعاب أن الجيش الأميركي دخل بغداد أو أن تصدّق أن الشيوعيين صاروا في مجلس الحكم.

ولأنها تجاوزت الثمانين وضربتها جلطة أعاقتها عن السير بدون سند، كانت هناك ممرضة ألمانية تأتي لرعايتها وإعداد الطعام لها، مرتين في النهار، والعناية بنظافة شقتها. وشكرتُ، بيني وبين نفسي، الألمان على هذا الكرم الانساني الذي لم يقدر عليه العرب، فبدون هذه الممرضة ما كان يقدّر لنزيهة الدليمي أن تجد من يلقي عليها تحية الصباح، ولا من يعرف من جيرانها في ذلك البرج الاسمنتي الكالح أن العجوز نزيلة الطابق الحادي عشر كانت وزيرة في بلدها وناشطة نسوية يعود اليها، والى رفيقاتها، الفضل في صدور قانون للأحوال الشخصية يضمن للنساء الكثير من حقوقهن الأساسية.

روت الدكتورة نزيهة حكايتها مع الحزب الشيوعي وهي جالسة في مطبخها الصغير مثل أي جدّة لم يسعدها الزمان بزوج ولا ولد أو حفيد. وقالت إنها تأثرت في المدرسة الابتدائية بمعلمتها سعدية سليم التي تزوجت، فيما بعد، من حسين الرحال، وكان مؤسس الحلقات الماركسية وصاحب جريدة «الصحيفة». ولما انتقلت الى المدرسة الثانوية لم يتوقف فضولها في متابعة أحداث البلد، فقد كانت منبهرة بجدتها، تلك الفلاحة الأُمية القادمة من عشيرة من عشائر الدليم، في ريف المحمودية، والتي وهبتها الطبيعة ذكاء فطرياً بحيث كانت تتردد على نساء العائلات البغدادية القديمة وتتوسط المجالس وتحكم بينهن في منازعاتهن وتقول رأيها في سياسة الحكومة وفي قرارات نوري السعيد، أشهر رؤساء الوزارات في تاريخ العراق.

كان البلد يغلي بالأحداث السياسية. فقد وقعت حركة رشيد عالي الكيلاني قبل أن تنهي نزيهة الدراسة الثانوية ببضعة أسابيع، وهرب الوصي على العرش من العاصمة، وتصوّر الناس أنها نهاية النفوذ البريطاني. وفي تلك الأيام نزلت الطالبة نزيهة الى ساحة المدرسة لتهتف ضد الاستعمار. لكن المديرة استدعتها ونصحتها بالابتعاد عن السياسة «لأنها تقضي على من يشتغل بها». وكانت المديرة، صبيحة ياسين الهاشمي، تعرف ما تقول، فهي ابنة رئيس الوزراء الذي اغتيل في وقت سابق. لكن الطالبة المندفعة لم تكن تفهم معنى كلمة سياسة ولا تدري أن الهتاف ضد الانكليز سياسة. وهي قد تخرجت من الثانوية بمعدل عال، الأمر الذي أتاح لها دخول كلية الطب التي لم تكن تقبل، قبل تلك السنة، سوى أبناء الأطباء والعائلات الميسورة. في الكلية تعرفت نزيهة الى جمعية نسائية لمقاومة الصهيونية والفاشية وانضمت الى صفوفها بدعوة من رفيقتها طالبة الحقوق فكتوريا نعمان. وهي الجمعية التي تحول اسمها، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، الى رابطة المرأة العراقية. وكانت أثناء دراستها الطب تنخرط في حلقات النقاش السياسي بين الطلبة، فالكلية كانت بؤرة تعكس ما كان يدور من صراع بين الحركة الوطنية في البلد وبين أهل الحكم. حتى إذا أنهت الدراسة، كان رأيها قد استقر على أن تدخل حزب «التحرر». وهو حزب كان يلقى هوى في نفوس طائفة من الطلبة. وتقول إنها حضرت اجتماعاً واحداً لذلك الحزب وأخبرهم المسؤول أن وزارة الداخلية لم تجزه وترك لهم حرية الانتماء الى الحزب الشيوعي الذي كان سرياً أيضاً. وهكذا كان. وأصبحت نزيهة الدليمي، مع أواخر الأربعينات، عضواً في الحزب الذي ستعطيه كل حياتها وسيعطيها مقعداً في لجنته المركزية ومنصباً وزارياً وسنوات طوالاً في المنافي.

لم يكن أحد من أُسرتها يعرف بنشاطها. لكن إلقاء القبض على أحد رفاقها وإدلاءه بأسماء الناشطين في الحزب ترتب عليه استدعاؤها للتحقيق أمام بهجت العطية، مدير الأمن آنذاك. ولم يكن أمامها مفرّ من أن تخبر والدها بالأمر، وتقول إنها قرأت على وجهه الخوف للمرة الأُولى، ولم يتركها تذهب وحدها بل رافقها الى دائرة الأمن «لأن بنات العائلات لا يدخلن تلك الأماكن بمفردهن».

تدهشني المرأة العجوز وهي تستعيد وقائع لقائها ببهجت العطية. فهذا الرجل الذي كانت الأدبيات الثورية قد صوّرته على هيئة ذئب من الذئاب البشرية، كان حسب وصف المناضلة الشيوعية رجلاً كيساً ومثقفاً و«هواية حبّاب». لقد ناقشها في مبادئها وخاطبها بحنان أبوي وقال لها إنها بنت من عائلة مستورة تحتاج الى عملها وإنها تستطيع أن تخدم البلد من خلال الطب. ثم صارحها بأن هناك من وشى بها فأنكرت علاقتها بأي نشاط سياسي. وكانت النتيجة حرمانها من التدريب ونقلها الى مستشفى الكرخ، ثم الى السليمانية، ثم الى كربلاء، لإبعادها عن الحزب.

تفرغت الدكتورة نزيهة للطب وخاضت حملات لمكافحة الأمراض السارية في الريف طوال النصف الأول من الخمسينات. وكان عملها في القرى النائية وفي الأهوار فرصة للتعرف على أحوال النساء ومعاناتهن ومشاهدة الفقر والمرض على الطبيعة. وهي تذكر أن الأهالي كانوا يقاطعون البعثة الطبية إذا قصد أفرادها بيت شيخ المنطقة، لذلك كانت تفتح صناديق الدواء في أول كوخ تصادفه فيأتي الفلاحون بالعشرات لطلب العلاج.

حين قامت ثورة 14 تموز (يوليو) 1958، كانت نزيهة في بغداد، تنام فوق سطح بيتهم في شارع المغرب مثل كل العراقيين في أشهر الصيف. ومن هناك سمعت صوت الراديو يلعلع بالبيانات في بيوت الجيران وشاهدت المظاهرات تنطلق من الأعظمية وتتجه نحو الباب المعظم وبعضها يحمل صورة جمال عبد الناصر. ووسط الجموع شاهدت سكرتير الحزب الشيوعي، سلام عادل، وكانت تراه لأول مرة غير متنّكر، وقال لها إنه قادم من دائرة بريد الأعظمية بعد أن أرسل برقية تأييد للثورة باسم اللجنة المركزية للحزب. وهي تشرح لي أن تلك البرقية كانت علامة لخروج الحزب من العمل السري الى العلني، كما أنها كانت اشارة عن موقف الحزب موجهة الى الجهات الخارجية. صارت رابطة المرأة العراقية جمعية علنية تضم 40 ألف فتاة وسيدة. وعقد أول مؤتمر لها في ربيع العام التالي للثورة، وانتُخبت نزيهة الدليمي رئيسة لها. ولم يشهد أبوها ولا جدّتها تلك المناسبة لأنهما كانا قد فارقا الحياة، لكن والدتها ذهبت الى المؤتمر وجلست بعباءتها سعيدة بين الصفوف.

في عمر الخامسة والثلاثين تسلمت نزيهة الدليمي مديرية البلديات العامة لتجعل منها وزارة تتبعها كافة المؤسسات المتخصصة في الخدمات البلدية. ولم تكن المهمة سهلة، فقد كانت الوزيرة تجوب العراق وتعقد الاجتماعات مع كل رؤساء البلديات. كما جاءت بهيئة قانونية لوضع مسودة قانون ينظم انتخاب أعضاء المجالس البلدية باعتبارها مستقلة عن الحكومة. لكن عبد الكريم قاسم لم يسمح بذلك المشروع، في حين وافق على مشروع آخر تقدمت به رابطة المرأة لقانون جديد للأحوال الشخصية، الهدف منه إصدار تشريع مدني موحد لكل الأديان والطوائف، ينظم قضايا الزواج والطلاق والنفقة والإرث وحضانة الأبناء وغيرها.

تتعب محدثتي من الذكريات، فتقترح عليّ أن نطبخ رزاً وفاصوليا للعشاء لأنها سئمت من الوجبات الألمانية عديمة المذاق. وكانت لديها في البراد أسياخ من الكباب الجاهز، أعدتها لها ابنة أخيها المقيمة في برلين، في زيارتها الأخيرة. وبعد الشاي قمنا للنوم على أمل استكمال الحديث في الصباح التالي. وكانت مثل شهرزاد معاصرة تقسّم قصصها الشيقة على مراحل، ولا تسكت عن الكلام الذي صار مباحاً بعد تقادم الزمن عليه.

أقامت الرابطة لجاناً في الأحياء السكنية، في بغداد وباقي المدن، لدراسة مشكلات المرأة وأخذها بنظر الاعتبار في القانون المقترح. وأشرفت على المشروع الناشطة روز خدوري (توفيت في بغداد قبل سنتين) وعملت معها تربويات وقانونيات وطبيبات وسيدات من كبيرات السن والخبرة، يعرفن التقاليد الاجتماعية وما يجوز ولا يجوز. ونقلت تلك الملاحظات الى اللجنة المكلفة بصياغة القانون والمؤلفة من مشرعين ورجال دين وممثلين عن الوزارات المعنية.

هكذا صدر القانون رقم 188 لسنة 1959 ورحبت به الأوساط المتنورة بينما هاجمه آخرون بضراوة لأنه ساوى في الميراث بين الذكر والانثى. وكانت نزيهة الدليمي هي كبش الفداء. وهي تقول إن الذين حاربوها كانوا من «الخصوم السياسيين ومن الرجعيين». الأوائل لأنها شيوعية والتوالي لأنها امرأة. أما الزعيم فقد أخذ منها البلديات وجعلها وزيرة بلا حقيبة حتى خريف 1960.

كان رذاذ الحملة عليها قد بلغ أُسرتها وأصاب والدتها وأُخوتها، فارتأى الحزب أن تغادر العراق، وذهبت بالفعل الى موسكو وظلت هناك لحين قيام انقلاب البعثيين على عبد الكريم قاسم في 1963، فانتقلت الى براغ وساهمت في تشكيل حركة الدفاع عن الشعب العراقي، مع الشاعر الجواهري، والدكتور فيصل السامر، وشاكر خصباك، وأرسلت الحركة برقية الى الرئيس عبد الناصر تطالبه باستخدام نفوذه لوقف ما يجري في العراق من تصفيات، وردّ الرئيس المصري ووعد خيراً. وفي تلك الفترة كتب الجواهري قصيدته الخالدة «يا دجلة الخير». كما دفعت الحركة الرفيق خروتشيف لكي يرسل برقية الى بغداد للتوسط في تخفيف الحكم على ثلاث شيوعيات حكمن بالاعدام، هن سافرة جميل حافظ، وزكية شاكر، وليلى الرومي. وتم إنقاذ حياتهن.

أواسط ستينات القرن الماضي، بعد انقلاب عبد السلام عارف على البعثيين، بدأ الحزب الشيوعي بإعادة كوادره الموجودة خارج العراق، وكان اسم نزيهة في آخر القائمة، فعادت بشكل سرّي في بداية 1968 وفوجئت بعزاء مقام في بيت الأُسرة. لقد توفي أخوها بسكتة قلبية تاركاً ثلاثة أبناء، وكانت قد حضرت عقد قرانه قبل تركها العراق. ورغم أن الحزب كان قد أعاد النشاط لرابطة المرأة العراقية وتمت استعادة كوادرها، لكن انشقاقاً فيه دفعه الى وقف نشاطها تلافياً للمشكلات في صفوفها. بقيت الدليمي في الوطن عشر سنوات. وهي لم تتزوج لأن الجيدين من رفاقها كانوا في السجون، حسب قولها، ولأن النضال التهم أجمل سنوات عمرها. وفي عام 1977 غادرت العراق ولم تعد إليه. وهي قد درست، في منفاها، تاريخ بلدها في مراحله المختلفة، وتاريخ الحركة الوطنية فيه، على أمل أن تؤلف كتاباً يحمل نظرة نقدية لتلك الحركة. كما ظلت تتلقى، في بوتسدام، مطبوعات الحزب الشيوعي، وكانت تقرأ كثيراً وتشاهد التلفزيون وشاركت في ملتقيات قليلة قبل أن تصاب بالعارض الصحي الذي أقعدها. وعلى المنضدة الصغيرة، بجوار سريرها، شاهدت مصحفاً وكتاباً عن حياة لينين. ولما لمحت استغرابي من اجتماعهما قالت «لا تعارض بينهما طالما أن لينين كان يريد خير البشرية». وقالت أيضاً إنها نادمة لأنها لم تمارس الطب بشكل كاف، تلك المهنة التي أحبتها، لكنها أحبت الوطن أكثر منها. «كيف أشتغل في الطب ووطني يخضع للحماية البريطانية؟».

عاشت نزيهة الدليمي 85 عاماً وماتت، والعراق تحت الاحتلال الأميركي، والقوات البريطانية عادت الى البصرة بعد نصف قرن من الجمهورية. ماتت وفي العراق اليوم، من الأجيال الجديدة، من لم يسمع باسم نزيهة الدليمي.

بين رسائل السماء وتأويلات البشر


 

إن الكتب السماوية كتب خالدة لا يطرأ على نصوصها تعديل مهما تغير الواقع الاجتماعي السياسي، ومن ثم فإن تفسيرات البشر لم تنقطع لتلك الكتب التي يؤمنون بها فضلاً عن تلك التي يؤمن بها غيرهم، ونستطيع أن نقرر ـ دون خوض في التفاصيل ـ "لا توجد جماعة لم تلتمس في كتابها المقدس ما يبرر العنف والقتل والإبادة، وأيضًا ما يبرر المسالمة والموعظة الحسنة، دون أن ينتقص ذلك التباين بطبيعة الحال من قدسية الكتب السماوية". إنه اختلاف بين اجتهادات البشر، ويعلم الله بمن اجتهد فجانبه الصواب ومن اجتهد فأصاب، ومن أَوَّل فتعسف في التأويل إفراطًا أو تفريطًا لغرض في نفسه ـ نفاقًا أو خوفًا أو طمعًاـ الأمر المؤكد أن الجميع قد وصفوا تأويلاتهم بأنها التأويلات الصحيحة المعتدلة المعبرة عن جوهر الدين.

لعل أحدًا لم يعد يجادل فيما أكدته دراسات علم النفس السياسي من تأثير الدين على السلوك، ولذلك لم يكن مستغربًا أن يلجأ البشر على اختلاف نوازعهم لالتماس السند الديني لتصرفاتهم أيًا كانت، فوجدنا "يهود" يلتمسون في آيات العهد القديم ما يبرر لهم القتل وسفك الدماء دون تمييز، ويغضون الطرف عن آيات تحرم القتل والسرقة والنهب وتنهي عن مجرد التفكير في الشر وتحذر من إيذاء الغرباء، ووجدنا مسيحيين يلتمسون في آيات العهد الجديد ما يبرر التعذيب والقتل رغم كثرة الآيات التي تدعو إلى التسامح والحب، ولم يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لنا كمسلمين فقد وجدنا من يعتبر أن كافة آيات التسامح والمسالمة قد نسخت ولم يعد أمام المسلمين سوى قتل من يخالفونهم العقيدة، ولعلنا لسنا في حاجة للخوض في تاريخ قديم نسمع عنه وقد نختلف حوله. يكفي أن ننظر حولنا الآن لنرى من يمارسون بالفعل أعمال القتل والتدمير معلنين أنها تمثل روح الإسلام وجوهره. إن قادة تنظيم القاعدة يعلنون أن "آية السيف" قد نسخت كافة آيات المسالمة، وعلى سبيل المثال فقد أعلن خالد الشيخ محمد الباكستاني الجنسية عضو تنظيم القاعدة متفاخرًا أنه قتل الصحفي الأمريكي دانيال بيرل في كراتشي عام 2002 وأنه قطع رأسه بيده اليمنى التي أثنى عليها ووصفها باليد المباركة، وفي المقابل نجد منا من يعلنون بشجاعة ووضوح أن ذلك الزعم بأن "آية السيف" قد نسخت 120 آية من آيات الدعوة لا أساس له من الصحة، وأن جوهر الدعوة الإسلامية كان ومازال هو التسامح والحرية.

والسؤال الآن: ترى هل على المرء أن يدافع عن كافة تصرفات من ينتمون لجماعته الدينية مهما كانت دموية تلك التصرفات؟ هل ثمة بشر لا يخطئون؟ ترى هل على المسلم أو المسيحي أو اليهودي أن يحمل على عاتقه وقائع مخضبة بالدم لأنها لصيقة بمن ينتسبون إلى دينه؟ هل تفرض الأخوة الدينية على المرء أن يضع في سلة واحدة أبناء جماعته الذين يدافعون عن التسامح والحرية مع من غامروا بحياتهم في سبيل القتل والترويع؟ هل من المقبول أن يدين المرء تعصب الآخرين وجرائمهم دون أن يدين وبنفس القوة تلك الجرائم المنسوبة إلى أتباع دينه؟

إن حقائق علم النفس السياسي ـ فضلاً عن وقائع التاريخ ـ تبرز حجم الخسائر الباهظة التي تكبدتها وتتكبدها البشرية من جراء تشويه طبيعة الالتزامات التي يفرضها الانتماء للجماعة سواء كانت جماعة دينية أو سياسية أو قومية أو حتى أسرية.

 خلاصة القول: ثمة خيط رفيع ينبغي أن يفصل بين رسائل السماء الإلهية وممارسات البشر الدنيوية، وإذا ما اختفى ذلك الخيط، أصبح في مقدور فرد أو جماعة أن يعلن أنه وحده صاحب القول الفصل في مقاصد السماء، وأنه ظِلُّ الله على الأرض والناطق الأوحد باسمه تعالى.. ألا يوقعنا ذلك فيما يشبه التأله "والعياذ بالله؟".

 

القتلة يحكمون العراق

 

تمتاز مواسم الانتخابات في بلدان العالم المختلفة بميزة تكاد ان تكون مشتركة ان لم تكن متطابقة، وهي منافسة الاحزاب المشتركة في السباق الانتخابي بتقديمها افضل ما لديها من سياسات اقتصادية واجتماعية عبر برامج واضحة للجمهور من اجل كسب اصواتهم. أما الحزب الحاكم فيها فأنه يعمل على كسب اصوات الناخبين من خلال ما انجزته حكومته من برنامجه الانتخابي الذي حصل بموجبه على اصواتهم "الناخبين" التي اهّلته لرئاسة الحكومة. ومن المؤكد ان العملية الانتخابية تعتمد في البلدان الديموقراطية على وعي الناخب الذي لايضع صوته الا في الصندوق الذي يلبي مصالحه، أما في البلدان الديموقراطية العالم ثالثية ان جاز التعبير فان الاحزاب السياسية المتنفذة وخصوصا في حالة عدم وجود قانون للاحزاب تعرف جيدا ضعف الوعي عند الناخبين، وتعمل جاهدة على استمرار غياب الوعي هذا او تحويله من العقل الى الجيب، حيث عادة ما تصرف الاموال الطائلة وجميعها تقريبا من السحت الحرام لشراء ذمم الناس واصواتهم.

 

في العراق ولعدم وجود اية برامج انتخابية للاحزاب الحاكمة سوى يافطات الطائفية فان الاحزاب الحاكمة لاتحتاج الى جهد كبير للتأثير على الناخبين، حيث انها تبدأ بكسب اصواتهم مبكرا عن طريق الشحن الطائفي والذي يتطور الى عمليات قتل على الهوية وتفجيرات كلما اقتربنا من موعد الانتخابات. والذي يقوم بهذه العمليات الاجرامية مجرمون عتاة ينفذون اجندة منها داخلية ومنها خارجية، ويبقى العامل الحاسم في مواجهة هذا الشكل المنفلت من الارهاب هو الحكومة التي عليها ان تكرس امكانياتها الهائلة في الحد من هذه العمليات واعتقال القتلة. ولكن السؤال الذي يبقى دون جواب هو، ماذا لو كانت الحكومة طرفا في الجريمة ، وماذا لو كان رأس السلطة شريكا في الجريمة عن طريق التستر على المجرم او المجرمين، والانكى هو، ماذا لو عرف راس السلطة بجماعة اجرامية تمارس القتل على الهوية ويتحالف معها لتشكيل حكومة برئاسته؟

 

بعد عودة الحاج ابو اسراء من زيارته الى الولايات المتحدة الامريكية تعرض للنقد من قبل احد اهم حلفائه من الذين لو لاهم لما كان الحاج اليوم رئيسا لوزراء العراق وهم الصدريون، والذين يشكلون مع المالكيين والمجلسيين اعمدة البيت الشيعي الرئيسية التي تهيمن على الحكومة العراقية. ولان الحاج لايتحمل النقد مطلقا فأن مكتبه "بايعاز منه" شنّ هجوما عنيفا على مقتدى الصدر متهما اياه بالقاتل والمرتشي وفارض الاتاوات على الناس. اذ اوضح مكتب الحاج قائلا " أن من حق مقتدى أن يمارس الدعاية الانتخابية المبكرة، لكن عليه ايضاً أن لا يستخف بعقول وذاكرة العراقيين الذين يعرفون جيدًا من قتل ابناءَهم في ظل ما كان يسمى بـ(المحاكم الشرعية) سيئة الصيت، ومن الذي كان يأخذ الاتاوات والرشاوى وشارك في الفتنة الطائفية والقائمة تطول (في اشارة الى الصدر".

 

ان المتابعين للشأن السياسي العراقي يعرفون جيدا صحة ما جاء به مكتب الحاج خصوصا حول عدم الاستخفاف بعقول العراقيين وذاكرتهم حول تلك الايام السوداء والتي ستبقى تكلل وجه المحاصصة الطائفية بالعار لسنوات طويلة. ولكن ما فات المكتب هو ان الحاج لم يستخف فقط بعقول العراقيين وهو يخفي ادلة جرمية عن العديد من مناوئيه الذين هم شركاء في حكومته من الذين ساهموا بقتل المئات ان لم يكن الالاف من العراقيين لسنوات طويلة، ولم يهدد بها الا عندما اراد ان يستفاد من تلك الادلة شخصيا وليس وطنيا ومن امثال هؤلاء الشركاء نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي. كما وفات مكتب الحاج انه هدد امام العديد من وسائل الاعلام من انه يمتلك ملفات عن دور سوريا في تدريب وتمويل وشحن البهائم البشرية للعراق، الا انه وبقرار من فيلق القدس على ما يبدو قد بلع تهديده هذا ليساهم بعدها وعلى ذمة الامريكان بفتح اجواء العراق لمساعدة النظام السوري الذي ساهم بقتل الالاف من العراقيين كما ذكر الحاج بعظمة لسانه. ويبدو ان مكتب الحاج كما الحاج نفسه سريع النسيان اذ انه "الحاج" وللتهرب من استجوابه في "برلمان الشعب" نسى تصريحات الحاج حول الوثائق التي يمتلكها والتي لو عرضها لانقلب "البرلمان الى حلبة ملاكمة حينما قال وباللهجة المحكية "تصير بوكسات".

 

اريد القول هنا ان الحاج لم يستخف بعقول العراقيين لاخفائه الادلة الجرمية فقط بل اصبح مجرما حقيقيا مساهما بالقتل العمد عندما تحالف مع مقتدى الصدر. ان الذي يتحالف مع قاتل من اجل ان يكون على راس السلطة لايفرق بشيء عن القاتل الاصلي وهو شريكه في جريمة القتل، ان الذي يتحالف مع مجموعة تفرض الاتاوات على الناس شريك بفرض الاتاوات، ان الذي يتحالف مع من يمتلك محاكم شرعية لقتل ابناء العراق يعتبر شريك في ادارة تلك المحاكم، ان من يتحالف مع مثيري الفتن الطائفية يعتبر هو الاخر مثيرا لتلك الفتن.

 

من خلال تحالف الحاج ابو اسراء مع عصابة الصدر حسب وصفه هو لاغير فان يداه وحزبه ملطختان بدماء ابرياء شعبنا، فهل سيمنح شعبنا اصواته للقتلة واللصوص ومثيري الفتن الطائفية سنة وشيعة، الجواب للاسف الشديد نعم لان الوعي مثلما قلنا انتقل من الراس الى الجيب وان بقي في الراس فانه يشغل نصف الرأس الشيعي أو نصفه السني.

 

 

ان الحكام المستبدين كالحشرات القذرة لاتعيش ابدا في جو نظيف، ولاتنصب شباكها الا حيث الغفلة السائدة والجهالة القاتمة " الاسلام والاستبداد السياسي".

 

زكي رضا

الدنمارك

7/11/2013