الأحد، 10 نوفمبر 2013


بين رسائل السماء وتأويلات البشر


 

إن الكتب السماوية كتب خالدة لا يطرأ على نصوصها تعديل مهما تغير الواقع الاجتماعي السياسي، ومن ثم فإن تفسيرات البشر لم تنقطع لتلك الكتب التي يؤمنون بها فضلاً عن تلك التي يؤمن بها غيرهم، ونستطيع أن نقرر ـ دون خوض في التفاصيل ـ "لا توجد جماعة لم تلتمس في كتابها المقدس ما يبرر العنف والقتل والإبادة، وأيضًا ما يبرر المسالمة والموعظة الحسنة، دون أن ينتقص ذلك التباين بطبيعة الحال من قدسية الكتب السماوية". إنه اختلاف بين اجتهادات البشر، ويعلم الله بمن اجتهد فجانبه الصواب ومن اجتهد فأصاب، ومن أَوَّل فتعسف في التأويل إفراطًا أو تفريطًا لغرض في نفسه ـ نفاقًا أو خوفًا أو طمعًاـ الأمر المؤكد أن الجميع قد وصفوا تأويلاتهم بأنها التأويلات الصحيحة المعتدلة المعبرة عن جوهر الدين.

لعل أحدًا لم يعد يجادل فيما أكدته دراسات علم النفس السياسي من تأثير الدين على السلوك، ولذلك لم يكن مستغربًا أن يلجأ البشر على اختلاف نوازعهم لالتماس السند الديني لتصرفاتهم أيًا كانت، فوجدنا "يهود" يلتمسون في آيات العهد القديم ما يبرر لهم القتل وسفك الدماء دون تمييز، ويغضون الطرف عن آيات تحرم القتل والسرقة والنهب وتنهي عن مجرد التفكير في الشر وتحذر من إيذاء الغرباء، ووجدنا مسيحيين يلتمسون في آيات العهد الجديد ما يبرر التعذيب والقتل رغم كثرة الآيات التي تدعو إلى التسامح والحب، ولم يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لنا كمسلمين فقد وجدنا من يعتبر أن كافة آيات التسامح والمسالمة قد نسخت ولم يعد أمام المسلمين سوى قتل من يخالفونهم العقيدة، ولعلنا لسنا في حاجة للخوض في تاريخ قديم نسمع عنه وقد نختلف حوله. يكفي أن ننظر حولنا الآن لنرى من يمارسون بالفعل أعمال القتل والتدمير معلنين أنها تمثل روح الإسلام وجوهره. إن قادة تنظيم القاعدة يعلنون أن "آية السيف" قد نسخت كافة آيات المسالمة، وعلى سبيل المثال فقد أعلن خالد الشيخ محمد الباكستاني الجنسية عضو تنظيم القاعدة متفاخرًا أنه قتل الصحفي الأمريكي دانيال بيرل في كراتشي عام 2002 وأنه قطع رأسه بيده اليمنى التي أثنى عليها ووصفها باليد المباركة، وفي المقابل نجد منا من يعلنون بشجاعة ووضوح أن ذلك الزعم بأن "آية السيف" قد نسخت 120 آية من آيات الدعوة لا أساس له من الصحة، وأن جوهر الدعوة الإسلامية كان ومازال هو التسامح والحرية.

والسؤال الآن: ترى هل على المرء أن يدافع عن كافة تصرفات من ينتمون لجماعته الدينية مهما كانت دموية تلك التصرفات؟ هل ثمة بشر لا يخطئون؟ ترى هل على المسلم أو المسيحي أو اليهودي أن يحمل على عاتقه وقائع مخضبة بالدم لأنها لصيقة بمن ينتسبون إلى دينه؟ هل تفرض الأخوة الدينية على المرء أن يضع في سلة واحدة أبناء جماعته الذين يدافعون عن التسامح والحرية مع من غامروا بحياتهم في سبيل القتل والترويع؟ هل من المقبول أن يدين المرء تعصب الآخرين وجرائمهم دون أن يدين وبنفس القوة تلك الجرائم المنسوبة إلى أتباع دينه؟

إن حقائق علم النفس السياسي ـ فضلاً عن وقائع التاريخ ـ تبرز حجم الخسائر الباهظة التي تكبدتها وتتكبدها البشرية من جراء تشويه طبيعة الالتزامات التي يفرضها الانتماء للجماعة سواء كانت جماعة دينية أو سياسية أو قومية أو حتى أسرية.

 خلاصة القول: ثمة خيط رفيع ينبغي أن يفصل بين رسائل السماء الإلهية وممارسات البشر الدنيوية، وإذا ما اختفى ذلك الخيط، أصبح في مقدور فرد أو جماعة أن يعلن أنه وحده صاحب القول الفصل في مقاصد السماء، وأنه ظِلُّ الله على الأرض والناطق الأوحد باسمه تعالى.. ألا يوقعنا ذلك فيما يشبه التأله "والعياذ بالله؟".

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق