السبت، 1 يونيو 2013

العراق دولة قانون أم دولة طوائف وعشائر؟

 

بداية علينا ان نوضح امراً يعتبر غاية بالاهمية حول مفهومي دولة القانون والديموقراطية ، وهو ان الديموقراطية هي الوليد الشرعي لنظام مؤسساتي محكوم بأطر قانونية وهذا النظام المؤسساتي هو الذي يحدد الحقوق والواجبات والاجراءات داخل المجتمع وأجهزة الدولة الاربع، ومن غير الممكن لأي فرد حتى وان كان على رأس السلطة وتحت اي شرط أو مسمّى التجاوز على اي اجراء قانوني أقرّ من قبل نواب الشعب (البرلمان) أو اي بند من بنود الدستور بأعتباره عقداً سياسياً ينظم العلاقة بين الاطراف السياسية لخدمة شعبها ووطنها وأجتماعياً تتحدد من خلاله شكل العلاقة بين فئات المجتمع المختلفة، ومن غير الممكن الفصل بين هذين العقدين مطلقاً لان الاخلال باحدهما يشبه الى حد بعيد قطع الحبل السري عن الجنين قبل الولادة مما يؤدي الى موته. أما اعتبار التوجه الى صناديق الاقتراع لوحده ودون توفر الشروط اللازمة لانتاج عملية سياسية وتسميتها ديموقراطية فانها تعتبر ضحكاً على الذقون، لماذا؟ لان عدم توفر قوانين وآليات واجراءات تسهل وتصون العملية الانتخابية من الغش والتزوير وسرقة الاصوات وما اليها من مخالفات اخرى، ستجعل من العملية الانتخابية اشبه بأي استفتاء كتلك التي كان ينظمها النظام البعثي الساقط أو غيره من الانظمة الدكتاتورية في بلدان مختلفة، وفي حالة العراق فأن القوى المتحاصصة تعمل جاهدة على جعل الانتخابات كأستفتاء لبقائها وحدها في السلطة دون مشاركة الاخرين. من خلال المقدمة الموجزة اعلاه نستخلص ان الديموقراطية هي سمة ملازمة لدولة اسمها دولة القانون، فهل دولة "القانون" التي تحكم العراق اليوم وتقاتل كي تستمر بالسلطة لدورات قادمة بشخص رئيسها قادرة على، أو استطاعت ان تقدم للعراقيين سياسة واضحة لبناء دولة قانون حقيقية ذات أجهزة  مؤسساتية تعتمد على قوانين وتشريعات تحدد واجبات وحقوق كل مواطن والاجراءات التي تنظم هذه الحقوق والواجبات، أضافة الى معرفة حجم ودور اية مؤسسة من مؤسسات الدولة؟ وهل نجحت في تجاوز مخلفات النظام العشائري الذي حجّمته ثورة 14 تموز خلال فترة حكمها القصير والبعث لسنوات عدة قبل ان يلجأ اليها لاحقا بقوة نتيجة حروبه الكارثية. ومثله مخلفات الصراع الطائفي غير المحسوس لعقود قبل ان يتجلى بصورة واضحة بعد انهيار انتفاضة آذار، والذي تطور الى صراع طائفي واضح المعالم وديني بعد الاحتلال نتج عنه هجرة مئات الالاف من اتباع الديانات غير الاسلام ومقتل الالاف منهم في ظل عجز الدولة عن حمايتهم.

 

دعونا هنا نتجاوز دور الطائفة المركزي كركن اساسي من اركان الحكم في عراق اليوم والذي اثبت فشله الذريع في تعزيز العقدين السياسي والاجتماعي الواجب توفرهما في دولة القانون، ولنركز على الدور العشائري وتغذيته من قبل دولة "القانون"، وانني هنا اعني بدولة "القانون" ذلك التحالف السياسي الذي يقود السلطة اليوم في العراق عملياً، وليس دولة القانون التي نسعى كعراقيين عابرين للطوائف والقوميات تحقيقها عبر وسائل سلمية وديموقراطية بعيدة عن العنف الذي اصبح سمة احزاب السلطة حتى وان حاولت ان تنأى بنفسها عنه.

 

لقد بدأت الازمة الاخيرة غير المنتهية لليوم - أزمة ما بعد الهاشمي - بعد أتهام حماية وزير المالية المستقيل او المقال رافع العيساوي، قبل ان يُتَهَم هو شخصيا بالارهاب وفقا لملفات يمتلكها دوماً السيد المالكي ضد مناوئيه وخصومه السياسيين، والتي يبقيها لحين حاجته اليها دون ان يأخذ بنظر الاعتبار وهو الحارس على أمن البلد والشعب واستقرارهما، الالاف من الضحايا الذين يتساقطون في مدن العراق المختلفة وآخرها ضحايا الاثنين الدامي (اليوم). هذه الازمة التي تطورت نتيجة ضيق افق الفرقاء المتنازعين الى ايصال البلاد الى شفا الحرب الاهلية والطائفية والتي نستطيع رؤية طلائعها بهذه التفجيرات الدموية التي ذهب ويذهب ضحيتها الابرياء ككل مرة.

 

لكن ووفق احد اهم المقربين من السيد رئيس الوزراء وعرّاب فتح القنوات واعادة البعثيين والارهابيين الى الحياة السياسية، فان دماء آلاف الابرياء الذين سقطوا ضحايا لعبة السيد رئيس الوزراء لا تعني شيئاً ما دامت بعيدة عن العرف العشائري! فهذا العرّاب صرح أنه (أبلغ وزير المالية المستقيل رافع العيساوي أن المالكي ليس لديه مشكلة شخصية معه وأن كل ما هو مطلوب منه إنهاء المشاكل التي تتعلق بالحق العام مع من قدموا شكاوى بحقه وكلهم من أبناء الفلوجة عن طريق الدية أو الفصل العشائري). أهكذا يا عرّاب دولة القانون تروى الابل؟

 

انني هنا لا اريد ان افترض بأن رافع العيساوي ارهابي، بل وطبقاً لملفات السيد المالكي فانني اعتبر العيساوي ارهابياً بالفعل والقول والعمل وساهم بشكل مباشر وغير مباشر بممارسة الارهاب منذ العام 2008 وفق تسريبات دولة "القانون"، ومن خلال اعتباري العيساوي ارهابياً سأطرح على عرّاب دولة "القانون" بعض الاسئلة متمنياً الاجابة عليها خدمة للحقيقة ليس الا، على الرغم من معرفتي المسبقة ان الحقيقة في عراق دولة "القانون" والطوائف تعني الكذب والمراوغة بل وحتى القتل لمصالح شخصية وحزبية وفئوية وعلى الضد من مصلحة شعبنا ووطننا.

 

أسئلتي هي، لمّا كان العيساوي ارهابي وقتل المئات ان لم يكن الالاف منذ العام 2008 لليوم وامتدت مساحة ضحاياه لتشمل مساحات واسعة من البلد ومنها على وجه الخصوص العاصمة بغداد، فلماذا حصر عرّاب دولة "القانون" ضحاياه ببعض ابناء الفلوجة فقط مطالباً اياه بدفع الدية او الفصل العشائري لذوي الضحايا؟ وماذا عن بقية الضحايا في المدن الاخرى كالرمادي وبغداد واخرى طالها بلا شك ارهاب العيساوي؟ وماذا عن الحق العام الذي هو من حق المجتمع ممثلاً بالدولة واخلال المجرم - وهو هنا العيساوي - بأمن المجتمع واستقراره وسلامته؟ وهل من يريد بناء دولة قانون يتنازل عن دماء الضحايا الابرياء ان لم تكن لهم عشيرة!؟

 

أن اكبر نكتة في تاريخ السياسة العراقية منذ تأسيس الدولة لليوم هي دولة "القانون" التي وضعت القانون على رف مهمل مقابل قانون العشائر، واستمرار النكتة هذه بالسلطة لفترة طويلة ستجعل العراق هزءا ومسخرة.

 

ضرب البوكسات في البرلمان اقل ضررا من دماء ضحايا الشعب.

 

 

زكي رضا

الدنمارك

27/5/2013

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق