الأربعاء، 27 فبراير 2013

بيني وبينك


                                                                    بشرى الهلالي
 
أحاول أن أقول شيئا.. منذ مدة.. ولا أستطيع..
لماذ يصعب علينا الكتابة عن الفرح بينما يسهل الكتابة عن الألم؟
أدمنّا الحزن؟ أم اننا بتنا نخجل من مجرد الاعتراف بلحظة سعادة نسرقها في غفلة من الزمن؟
أعصر الكلمات.. افتش فيها عن نسمات (عصاري) الصيف البنفسجية.. كيف للكلمات ان تتحرر من رأس تعودت عيناه مرأى مفارز التفتيش والحواجز؟
أحمل لحظاتي معك في قارورة عطر.. وأهرب حتى من نفسي.. من شرطي يجري خلفي بسياط الرعب..
وهج أعمدة النور.. أضواء السيارات الكاشفة تتحدى ظلام الليل.. لكني أفقد الرؤيا.. فأشباح الخوف تغتال النور..
أريد أن أقول لك شيئا.. هو شئ بسيط لكنه أكبر مني.. فهناك في أعماق الروح أوجاع تتراخى بكسل.. تدير ظهرها وهي تغادر مسكنا أستأجرته طويلا دون عقد ايجار.. ليتها ترفع يدها مودعة فيكون الوداع الأخير..
سأكمل ما أنوي قوله.. ألا ترى اني أحاول؟ ليس ذنبي إن كان لساني مقيدا بحزام أمان.. وخطواتي تقودها اشارات المرور.. لقد علمونا ان الضحك (فأل شر)، والبكاء يطهر الروح.. علمونا ان الحزن رقي.. والفرح سذاجة. مازلت أتذكر ماقالته أمي لي مرة: (الناس تحسد عالضحكة.. فلا تضحكي كثيرا).. لكني لا أملك غير الضحك ياأمي.. وهل يملك الفقراء غير أجسادهم وحواسهم؟ انها المساحات الوحيدة التي تعطيهم حق السيادة.. لا أريد سوى أن أمارس حقي في السلطة على جسدي وحواسي.. وها أنذا أجرب الفرح.
لن أدعي البطولة.. فأنا لم أقاتل بحثا عنه.. هو من هطل مع أمطار هذا الشتاء.. أدرك أن أعشاش الحزن أحكمت أساساتها في محيط الروح.. فلم ينث بركاته بل اندفع سيلا جارفا في شقوق أرض بور..
هو ذاك ما أبكاني؟ خوفي من أن يطرف جفني فلا أراك، فيهجرني الفرح؟
نعم بكيت.. غسلت دموعي بقع الحزن المتراكمة على نسيج أيامي..
هه.. بكيت أيضا.. في كل مناسبة نبكي!! حقا لسنا حتى تلاميذ في روضة الفرح.. فمنذ بدء الخليقة عقدت شمس بلدي ظفائرها بشرائط سوداء.. وتعودت الامهات أن يترقبن الغائبين منذ الغروب بفأل الخوف من مجهول.
هل أبالغ؟ هناك في صندوق اسمه الماضي يغفو أطفال الذكريات، وبين أجفانهم رقدت براءة أيامنا.. هنــــــــــــــــــــــاك.. حيث كانت صباحاتنا عذراوات ومساءاتنا عرائس وليالينا ملونة. كنا نطارد الفرح كفراشات في حقل ذهبي السنابل.. حتى عندما تلوثت حقولنا برائحة البارود، لم نكف عن الحلم.
اعلم.. قلت الكثير.. ولم أقل لك ماأريد قوله.. أخبرتك اننا لانجرؤ على لمس الفرح.. قد يتهموننا باغتصابه، فهو لم يعد من مستلزمات المرحلة، لذا وضعوه في صندوق زجاجي في متحف ما أو ربما في قبو..
 ان أردت الحق.. فلأننا جبناء.. جنود مهزومون.. نحارب من أجل كل شيء، الوطن، القائد، الدين، العقيدة، الخبز، المال.. كل شئ الا حقنا في أن نفرح؟ هل تعلم لماذا؟
بالطبع تعلم، فأنت من علمني ذلك.. لأننا نسينا اننا بشر، وعندما تذبح انسانيتك لا تعود بحاجة للفرح لأنك لن تعرف قيمته.
أظنني قلتها.. أخيرا.. حتى وان خرجت ضمن الكلام.. من اللاوعي ربما.. لكنها ليست (زلة لسان)..
..انت.. لم تعلمني الفرح.. بل وهبتني الشجاعة على النزول الى القبو بحثا عنه..
هل تظن ان علي ان أقول، أكتب ذلك؟ لا أظن.. فلم يستطع أحدا يوما فك طلاسم الروح.. ظلت لغزا أبديا.. والنزول الى قبو الفرح يحتاج الى روح محارب.. .. وحدك من يمتلك هذي الروح..
 
 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق