الجمعة، 14 ديسمبر 2012

وجهاً من وجوه الازمة العراقية


ان ما حصل في العراق من حروب داخلية وخارجية  وحصار وقمع قبل  حرب 2003 واثناء الحرب وبعدها، من  قتل وتدمير وقمع وسرقات  وتغييب للعقل والانسان، والذي وصل حد التجهيل اليومي،واختصر وصفه في تقرير الامم المتحدة – الاهداف الانمائية للالفية في العراق-  تحت عنوان –" العراق ينتظر جيلا من الاميين "[1] كل هذا يدفع لا بل و يفرض على القوى التي صنعت تلك الماساة وساعدت عليها، ان تجد وسائل كثيرة، لابقاء دوامة العنف واللااستقرار، كي لا يصل الشعب يوما الى حقيقة ما حصل، او التقاط انفاسه لمعرفة  ذلك وحساب نتائجه، خوفا من هزةٍ شعبيةٍ ، قد تفرض المطالبة بمحاسبة الجميع ، والتي ربما لم تكن نتائجها "حميدة" على تلك القوى التي عاثت ولازالت ...فسادا.

 ان جزء من "علاج" هذا الامر اي تجنب حالة الثورة الشعبية او الوعي الشعبي لعمق الجريمة التي ارتكبت بحق العراق كدولة وتاريخ وشعب، والتي لا تقل خطورة عما ارتكبه النظام ومن دعمه قبل ذلك، هو ابقاء دوامة العنف مستمرة وتفعيل دوامة الازمات السياسية، ناهيك عن ادخال الشعب وعلى ارضية العنف في حالة من الصراعات الدينية عبر تثوير الفتاوي والدعاوي بهذا الاتجاه او ذاك ، مراهنين ان تؤدي  النتائج من تلك الوسائل الى حالة كبيرة من الاحباط  وفقدان الامل بين المواطنين وفي صفوف من يتصدر حركات التغيير، وهذا هو المطلوب، حيث سيقوم غالبية الناس والفقيرة منها بترديد عبارة " عمي انريد انعيش "خليهم شيريدون يسوون.... يسوون" " اني شعليه"  تمام كما تمكنوا من قبل من دفع الناس لترديد عبارة " لياتي شارون ويخلصنا من صدام" او نوافق حتى اذا اتى شارون واسقط صدام" هذه الشعارات التي ادخلوها الى عقول البشر من خلال عملية العصر الاقتصادي  وربط الاحزمة على البطون  في حصارهم  انذاك من جانب واطلاق يد النظام بالحروب والقمع والتنكيل واشاعة روح اليأس، من جانب اخر ليكتمل المشهد  "بمخبرت" الاحزاب التي كانت ترفع شعارات معارضة النظام، "اي ربط الكثير منها باجهزة مخابرات دولية واقليمية، كي يطمسوا معالم جريمة النظام و المجتمع الدولي بحق الشعب العراقي والتي لازالت مستمرة حتى اليوم.

ان ما يدفع " الجماعات السياسية "  المهيمنة على القرار في العراق على اختلافها  وحماتها الدوليين  من تعميق حالة اللا استقرار المتمثلة في العنف  والتفجيرات والقتل  واثارة الفتن والنهب العام لثروات البلد  والمزايدات القومية الفضفاضة التي لا تهدف الا لزيادة التطرف القومي وبالتالي المزيد من الدماء والانقسام والتفتت، ما هو الا  محاولة من هذه الجماعات  لتجنب ساعة الحساب الشعبي، على الطريقة العراقية ، وهم يدركون تلك الطريقة جيدا!  لهذه تعمل هذه "الجماعات السياسية" ومن خلفها حماتها الدوليين  على فرض هيمنتها السياسية بكل الاساليب والاشكال، ومنها تغييب العقل الوطني من خلال التشويش اليومي الذي يمارس عليه وبشكل حاد، كي تحافظ هذه " الجماعات ومن خلفها" على مصالحها  وليس مصالح العراق وشعبة وامنة القومي.

ان السنوات الماضية، اي منذ ظهور الازمة في العراق، منذ نهاية السبعينات تقريبا وحتى يومنا هذا  تشير الى خلو العراق من القوى السياسية بالمفهوم العلمي للكلمة، اي ان قوى قائمة على اساس طائفي ديني وعشائري ومليشياوي مسلح  او تابعة لخارج الحدود وتدار من هناك!!  وليس لديها اي برنامج  ذات بعد وطني ورؤى مستقبلية، و لاتمتلك بعض المصداقية  تجاه ما تطرحه من شعارات، ولا اريد القول مصداقية كاملة!!، ناهيك عن الامر المهم جدا  الا وهو جهلها في العمل السياسي وما يترتب عليه ، وعدم ادراكها بوجود الخط الاحمر الا وهو الامن الوطني او القومي للبلد والذي  يجب ان لا يتمكن احد تجاوزه او اللعب عليه ايا كانت الاسباب، لا يمكن اعتبارها قوى سياسية نابعة من حراك  يحمل مشروع سياسي مستقبلي، بل ان هذه الجماعات ومن نفخ بها الروح ،  عملت ولاتزال على تغييب الشارع العراقي ، بقوة السلاح والسياسات الرجعية والفساد والافساد والعنف والحروب والحصار والتجهيل  .

 وهنا لابد من الاشارة  وعلى خلفية الامراض التي استشرت في المجتمع العراقي  فان تلك الجماعات لايمكن ان تمنح  لا شهادة حسن سلوك ولا اثبات خلوها من تلك الامراض.  اذا كان الفساد على المستوى الشعبي ، فكيف  سيكون الصوت الانتخابي نزيه مثلا!! او من جرى انتخابه نزيها!! او كيف يكون ابطال الماعز والجاموس ابطالا و قادة قوميين في ذات الوقت ؟؟  

 لهذا فان " القوى السياسية " مفهوم اجوف في العراق وخصوصا حين غادرت تلك الاحزاب العقل الجماعي لجمهورها منذ زمن و ارتبطت بشيخ دين يفتي لها!! او جهة مخابراتية لدولة قريبة او بعيدة توجهها وتقبض منها !! او تعتمد العشيرة اساس لها!! وتبقى بعض القوى ذات النفوذ الضعيف  والتي لا يمكنها ان توصل قناعاتها وافكارها للجميع  ولا تاثيرها بسبب من التغييب والجهل في المجتمع، الذي تدفع غالبيته دفعا للحرب على خلافات" لا ناقة لهذه الاجيال بها ولا مصفحة" ، حيث تحتاج هذه القوى لوقت طويل كي تؤثر، اذا احسنت الحفاظ على نفسها و باختيار من ينشطون فيها وتحديد اهدافها.

اعتقد ان ادراك حالتنا واسبابها يعد امر اساسي لوضع طرق واساليب عمل جديده تتناسب مع واقعنا، كما تقلل ان لم نقل تبعد عن حالة التطير والجزع التي تصيبنا في بعض الاحيان. ان ماعليه مجتمعنا اليوم لا يمكن الغائه بفتوى او مقال وانما الفتوى والمقال وغيرهما ان وظفتا جديا قد تساهم بالاتجاه الافضل لتطوير الوعي ، نحو مجتمع افضل متطور وهذا لا يتم اساسا الا بتطوير التعليم وتوسيع رقعة الحرية وكف ايدي الظلام والمشايخ التي تحكم زورا باسم الدين عن تهديد العباد.

10-12-2012

كريم الربيعي
 
1 نشر في  جريدة الزمان  بتاريخ 6-8-2010 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق