محمد ناجي
طرحت جريدة (المصري اليوم) السؤال التالي على القراء :
هل تعتقد بأن عام 2013 سيكون عام الديمقراطية والمساواة في العالم العربي ؟
وقد وجدت السؤال بالصيغة المطروحة مبالغا في التفاؤل ،
أو لنقل متسرعا وبعيدا عن فهم طبيعة ما جرى ويجري ليس في مصر وحدها بل في كل
المنطقة ، وهو يستلهم وينطلق من أكذوبة (الربيع العربي) التي يرددها الجميع ، بدعم
إعلامي ومالي من قوى ذات مصالح وأهداف تتعارض وتطلعات شعوب المنطقة في الحرية
والديمقراطية والكرامة الانسانية ، ودول ذات أنظمة سياسية وبنية إجتماعية متخلفة ،
وربما اسوأ من أنظمة الطغيان التي سقطت .
مما لاشك فيه أن التفاؤل مطلوب ، وهو سمة من سمات
الحياة ، التي تسير دائما إلى الأمام ، ومن لايواكب مسيرتها يتخلف عن الركب ،
و(يعش أبد الدهر بين الحفر) ، ولكن للأسف هذا هو واقع حالنا منذ قرون وحتى اليوم ،
من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر !
شخصيا لا أعتقد بان عام 2013 سيكون عاما للديمقراطية
والحرية والمساواة ، بل سيكون أسوأ من سابقه ، والسبب الذي يسطع كالشمس في عز
الظهيرة ، هو صعود قوى تعتمد على ترسانة وتراث ضخم لطغاة اليوم والامس . قوى تدفع
بثقافة الاستبداد (ثقافة السلطان) إلى ذرى جديدة . خاصة وهذه الثقافة التي تتمتع
بميزة (المحلية – الأصالة – الدين - التقاليد) تستقر عميقا ، وتنتشر بالطول والعرض
في خلايا وثنايا العقل والروح والمنظومة السياسية والثقافية العربية ، لا يمكن أن
تزول وتنتهي عفوياً أو بمجرد سقوط الطاغية ، بل بوجود معادل نوعي ، ثم متفوق لثقافة
بديلة ، ثقافة الحقوق والحريات ودولة المؤسسات والمجتمع المدني ، أي (ثقافة
الانسان) ، حيث يكون الانسان وحقوقه وحرياته وكرامته محور كل النشاط السياسي
والثقافي في الدولة والمجتمع ، ومثل هذه الثقافة ، إن وجدت اليوم ، فهي محدودة
الانتشار والتأثير في الحياة اليومية ، وبالتالي بحاجة لنضال وجهد سياسي وثقافي
معرفي أكثر ، ووقت طويل أبعد من عام 2013 ، لكي تنتشر وتترسخ في حياة الناس
اليومية وتمتلك القدرة على تحقيق الديمقراطية والمساواة في العالم العربي ، فكيف
والحال بصعود قوى أصولية سلفية تعيش في الماضي وعليه !
ولذا لا نتفق مع من يذهب بعيدا في التفاؤل ، إعتمادا
على أكذوبة (الربيع العربي) فهذا غير واقعي ، بل بحد ذاته دليل على سذاجة وغفلة العقل
السياسي والثقافي العربي ، سهل الإختراق ، والذي يمرر ويستهلك مايلقي به الآخرون عليه
دون تمحيص وإن كان فيه السم الزعاف . فالذي حدث ويحدث أقرب بظروفه وطبيعته العفوية
المشحونة بالعاطفة والإنفعال إلى أن نسميه (الغضب العربي) ، وهو لم يرقى في كل
الحالات إلى مستوى (الربيع) الذي ينتج عن نضج وتطور الوعي والممارسة السياسية
والثقافية .
وهذا لا يعني أننا ننظر بسلبية لما جرى ويجري ، بل
بالعكس ولكن بواقعية وموضوعية ، حيث لا يمكن للمتابع أن يتجاهل خروج رجل الشارع من
سلبيته وشعوره بالثقة والقدرة على الفعل والتغيير ، وأن يسقط أعتى الطغاة ، رغم كل
إمكانياتهم العسكرية والمالية والماكنة الدعائية وجيش المبخّرين والمطبّلين ، الذين
عملوا على تلميع صورهم وإحاطتهم بهالة من العظمة والجبروت ، وصوّروهم أنصاف آلهة ،
مقابل تصغير المواطن وتهميشه وتسطيح عقله وشل قدراته بتعزيز شعوره بالعجز والاحباط
.
وحتما سنرتكب خطأ حين نتجاهل الوجه الآخر للصورة ، وحقيقة
عودة المنطقة إلى الخلف ، وصعود وسيادة قوى سياسية متخلفة وظلامية إلى الواجهة ، وتفكك
النسيج الاجتماعي وفقدان الحد الأدنى من الثوابت السياسية وتراجع الهوية الوطنية ،
ومعارك القبائل وحروب الطوائف في كل بلد .
وهاهو شعب مصر الأكثر عراقة وتحضرا بين شعوب (الربيع
العربي) ، منقسم على نفسه ، بصورة لم نعرفها عنه من قبل ، ويعيد إنتاج الاستبداد ويظل
يراوح – رغم معارضة البعض - في نفس مستنقع الاستبداد ، حيث يتكرر نفس الهتاف
للحاكم الجديد ، ولكن بصيغة تراثية هذه المرة )) حفيد العُمريْن :
الفاروق وبن عبد العزيز ، أو : دخل الإسلامُ مصرَ بتولّى مرسى ! أو فتح المرسى
مصرَ ، كما فتحَ الرسولُ مكةَ ! وطاعتُه كطاعة الله ! أو قول خطيبُ الجمعة في احد
مساجد القاهرة : إن مَن لا يقولون فخامة الرئيس ، ليسوا من الدين فى شىء ! أو حين أجاز آخر «الكذبَ»، بعدما حرّمه
اللهُ ، من أجل دستور مرسى ! () .
ولكن ... ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ......
muhammednaji@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق