الثلاثاء، 8 أكتوبر 2013

العنف والعدوانية في زمن الكوليرا... مرتضى القزويني مثالا

 

كان اكثر الكتاب المناهضين للحكم الفاشي البعثي يصفون عهدهم بعهد الطاعون البعثي، لما سببه من خراب ودمار على مختلف الصعد بحق الانسان والوطن منذ الفتوى التي اباحت لهم قتل الشيوعيين والوطنيين العراقيين اثر انقلابهم الدموي الذي ادخل البلد الى نفق مظلم برضا المؤسسة الدينية ومباركتها لهم الى يومنا هذا. تلك المؤسسة التي لم تنسى حينها ولليوم الموقف الرجولي والبطولي لقادة ثورة تموز ضد حلفائها من عشائر واقطاع والاهم منهما موقف ثورة تموز ضد حلف السنتو وبريطانيا راعية الحركات الدينية في العالم الاسلامي ليومنا هذا، اضافة الى موقفها من الحبل السري للمؤسسة الدينية اي ايران سواء كانت شاهنشاهية ام خمينية والتي لازلت صوره "الخميني" بالحجم الكبير تحتل وسط بغداد برضا الحكومة الطائفية والمؤسسة الدينية والاحزاب الاسلامية الشيعية في عملية امتهان للوطن وقدسيته، اذ لايرى كل من يحمل ذرة من كرامة ووطنية سببا واحدا يدعو الى تقبيح وجه بغداد الخربة "القبيحة للاسف الشديد بآلاف الصور" بصور الخميني والخامنئي.

 

ونتيجة طبيعية لجنوح الاوضاع في البلد من سيء الى اسوأ منذ الاحتلال لليوم ولعدم استطاعة القوى الطائفية والقومية من تلك التي تمتلك القرار السياسي في ترسيخ دولة القانون لبناء وطن معافى من ادران البعث وطاعونه المميت، ولان العنف والارهاب قد افلتا من عقالهما ليدمرا بشكل ممنهج بقايا بلد وشعب كان يتوقع ان يلملم "ساسته" الجدد جراحه فان الطاعون البعثي بقي مستمرا بصيغته الطائفية القومية. ولكي نميز بين العهدين الكارثيين بالعراق من ناحية الوباء اللذان يحملانه اطلقنا اليوم صفة الكوليرا والتي اريدها اسلامية طائفية مقارنة بالطاعون البعثي الذي لازالت بعض مناطق العراق وخصوصا في المناطق "السنية" تحتضنه ومجرمي القاعدة ليهددا السلم الاهلي نتيجة ارهابهم الغير محدود، اضافة الى عجز الحكومة وافتقارها الى حلول سياسية لبناء اسس جديدة في العلاقات بين ابناء الوطن الواحد، تحد من العنف والعنف المضاد الذي ازهق لليوم حياة مئات الالاف من ارواح الابرياء اما لكونهم شيعة او لكونهم سنّة، حيث يقتل "الشيعي" بعدوانية وعنف "السنّي" ويقتل "السنّي" بعدوانية وعنف "الشيعي". ولم يقف الامر على قتل ابناء المذهبين لبعضهما البعض نتيجة الدور الغير واع للعديد من رجال دين الطائفتين والاحزاب الدينية الطائفية وعجز وفشل الحكومة فقط، بل تعداه الى قتل وتهجير ابناء الاديان والطوائف غير الاسلامية  وتدمير البنى التحتية وضرب مصالح الدولة وتفجير بيوت الله الذي يدّعون عبادته. وبدلا من ان يلتفت رجال دين الطائفتين لاصلاح امر دينهم بالحكمة والموعظة الحسنة نراهم يحرضون على العنف علانية فمنهم من يقف تحت منصات العار مهددا العملية السياسية برمتها وبالتالي السلم الاهلي  "كرجال الدين في تظاهرات المناطق "السنية"، ومنهم من يريد ان يستغل ضعف الوعي السياسي عند الجماهير وتعاطف الدولة معه بالتحريض على العنف لقتل الشيوعيين والعلمانيين في سابقة خطيرة قد تعيد مجازر شباط الاسود وبشكل اكثر عنفا الى واجهة الاحداث ثانية. ومن "رجال" الدين هؤلاء رجل دين ايراني يدعى مرتضى القزويني وقزوين محافظة ايرانية تقع الى الشمال الغربي من ايران وعاصمتها تحمل نفس الاسم. وقبل ان استطرد في مقالتي هذه ساعرج على لسان العرب لمعرفة المعنى اللغوي "للعنف" و"العدوان" الذي يتميز به العديد من رجال دين الطائفتين الذين قسموا المجتمع طائفيا اليوم وهم في طرقهم لتقسيم البلد .

 

العنف في اللغة:

 

يعرف معجم لسان العرب (العنف) بأنّه الخُرقُ بالأمر، وقلة الرفق به، وهو ضد الرفق. عَنُفَ به وعليه، يعنُفُ عنفاً وعنافة واعنفه وعنفه تعنيفاً، وهو عنيفٌ إذا لم يكن رفيقاً في مالا يُعطي على العنف.

والعنيف: الذي لا يُحسن الركُوب وليس له رفق بركوب الخيل واعنف الشيء: أخذه بشدة. واعتنف الشيء: كرهه.

والتعنيف: التعبير واللوم، التعنيف، التوبيخ والتقريع واللوم

وعنف: العين والنون والفاء، أصل صحيح يدل على خلاف الرفق وقول الخليل: العُنف ضد الرفق. تقول عَنفَ، يعنف عنفاً، فهو عنيف، إذا لم يرفق في أمره.

العدوان في اللغة:

 

هو الظلم الذي يتجاوز فيه الحدّ، وهو مصدر من عدا يعدو عدواوعدوّا وعدوانا وعداءالّتي تدل على تجاوز الشيء وتقدم لما ينبغيان يقتصر عليه، قال الخليل: التعدّي: تجاوز ما ينبغي ان يقتصر عليه، والعادي: الذي يعدو على الناس ظلما وعدوانا. ويقال: عدا فلان طوره، ومنه العدوان، قال: وكذلك العداء والاعتداء. قال: الظلّم الصّراح، والاعتداء مشتق من العدوان. اما حول تعريف العدوان اصطلاحا..

 فان المناوي يقول: العدوان أسوأ الاعتداء في قول او فعل او حال.

والجرجاني يقول: العداوة: ان يتمكن في القلب قصد الاضرار والانتقام.

اما الراغب بيقول: العدو هو الذي يتحرى اغتيال الاخر ويضادّه فيما يؤدي الى ضرره.

 

كما ويعرف العدوان بأنه كل فعل يتسم بالعداء تجاه الموضوع أو الذات ويهدف للهدم والتدمير، نقيضاً للحياة في  متصل من البسيط إلى المركب. ويكون العدوان مباشراً على فرد أو شيء هو مصدر الإحباط في صور مختلفة سواء باستخدام القوة الجسمية أو بالتعبير اللغوي أو الحركي.

أما (شابلين) فيعرف العدوان بأنه هجوم أو فعل معاد موجه نحو شخص ما أو شيء ما. كما يعني الرغبة في الاعتداء على الآخرين أو إيذائهم والاستخفاف بهم أو السخرية منهم بأشكال مختلفة بغرض إنزال أضرار عقوبة بهم أو إظهار التفوق عليهم(1).

ويعرف (دولارد وميللر) العدوان باعتباره فعلاً يكون هدفه إصابة الكائن(2).

أما السلوك العدواني فيعرف بأنه تهديد لحياة الآخرين.

ويعرف الغضب بأنه عدم الرضا عن شيء يجري(3).

وهنا يفرق المؤلف بين السلوك العدواني والغضب بقوله أن الأفراد العدوانيين، يمضون في عدوانيتهم حتى يصبحوا خطراً ويتمثل في سلوكهم العنف الخطير، أما الغضب فينتهي بانتهاء الموقف الذي أحدثه.

ويرى (برو كوفيتز)، أن السلوك العدواني يفترض انه مسبوق بوجود إحباط(4).

ولكن ليس دائماً، فربما يؤدي الإحباط المتكرر إلى استثارة السلوك نحو العدوان، وربما تكون ردة فعل تسمى أحياناً بالغضب، وخاصة إذا لم يتحقق للهدف استجابته النهائية .. فليس كل عدوان يكمن خلفه إحباط، وليس كل غضب يكمن خلفه دوافع للسلوك العدواني*.

 

ان تامين حياة الانسان وحقوقه سواء كان هذا الانسان فردا او جماعة او تنظيما سياسيا او نقابيا او غيره من اشكال التجمعات التي يكفلها الدستور هو الذي يترجم مفهوم سيادة دولة القانون وليس شيئ آخر. وهو الذي يمنع اي شكل من اشكال الاضطهاد والتعسف التي تقوم بها الدولة او الجماعات الكبيرة على التي اقل منها عددا، كما وعليها اي الدولة بمحاسبة من يدعو الى العنف والكراهية والعدوان وفقا للقانون سواء كان صادرا من حزب او منظمة او جماعة سياسية او غيرها، او كان صادرا من جهة اعلامية مرئية ام مسموعة ام مقروءة، او كان صادرا من شخص ما وبغض النظر عن المركز الاجتماعي والسياسي لهذا الشخص على اساس ان المواطنين سواسية امام القانون ومنهم كذلك المقيمون والاجانب الذين لاتوجد اتفاقات رسمية بين بلديهما تنص على افضليتهم بالتمتع بمحاسبة قانونية في بلدهم الاصلي عند ارتكابهم جرما يحاسب عليه القانون. وتعتبر الدعوة الى العنف والتحريض عليه من اولى اسس الانفلات الامني الذي يتطور بتجاهل الدولة له لاسباب مختلفة "تعتبر شريكا في هذه الحالة" الى ما يهدد السلم الاهلي والمجتمعي والذي يؤدي الى انتاج حرب اهلية تتحمل الدولة مسؤوليتها الاخلاقية فيه لعدم منع العنف واعتقال من دعا وروج اليه وفق القانون.

 

ان الدعوة والتحريض على القتل التي افتى بها المدعو مرتضى القزويني تعرضه وقناة الانوار الفضائية الى المسائلة القانونية  امام القضاء العراقي، حيث تقول المادة "170" من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 " يعاقب بالسجن مدة لاتزيد على عشر سنوات من حرض على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المواد 156 – 169 ولو لم يترتب على التحريض اثر" وهذا يعني معاقبة الذي اطلق التحريض والوسيلة التي اطلق تحريضه من خلالها ان كانت مقروءة او مسموعة او مرئية، وان لم تحدث جريمة نتيجة تحريضه لعدم قناعة احد بما جاء به . كما وينص القانون الجنائي العراقي على اعتبار من اطلق التحريض على القتل شريكا فيها حيث تقول المادة 48 من قانون العقوبات اعلاه " يعد شريكا في الجريمة من حرض على ارتكابها فوقعت بناء على هذا التحريض" اما المادة 49 من نفس القانون فانها تنص على " اعتبار المحرض فاعلا اصليا للجريمة اذا كان حاضرا اثناء ارتكاب الجريمة او ارتكاب اي فعل من الافعال المكونة لها". اما الدستور العراقي فانه ينص صراحة في المادة 29 رابعا" تمنع كل اشكال العنف والتعسف في الاسرة والمدرسة والمجتمع" . ان قناة الانوار الفضائية هي الاخرى تعتبر محرضة على الارهاب لبثها خطب وبيانات تحرض على العنف والكراهية ويجب معاملتها وفقا للقوانين الاعلامية العراقية التي اغلقت لنفس الاسباب قنوات فضائية عديدة ولعدة مرات كالجزيرة والبغدادية وغيرهما، لانهما كانتا تدعوان بشكل صريح الى الكراهية والقتل وخصوصا قناة الجزيرة ما يؤدي الى اشاعة الفوضى في المجتمع والمساس بامنه. ان التحريض على القتل اضافة الى انه مرفوض اخلاقيا وقانونيا، فانه مرفوض دينيا ايضا ولكن لمن يعرفون الدين وليس تجّاره من سارقي قوت الفقراء او المساهمين بسرقته لانه سيؤدي الى تكفير الاخرين واتهامهم بالمروق والخروج عن الدين ما يجعلهم عرضة للاذى الجسدي والمعنوي من مريدي رجل الدين ذاك او غيرهم ممن يوصفهم الادب الديني بالغوغاء، وهذا ما يتعارض مع القوانين العراقية السائدة اضافة الى القوانين الدولية التي وقع العراق عليها باعتباره عضوا مؤسسا للعديد من المنظمات الدولية التابعة للامم المتحدة والمهتمة بحقوق الانسان.

 

ان الذين يفجرون بيوت الله هم الطائفيون السنة والشيعة وليس الشيوعيين والعلمانيين يا مرتضى، ان الذين يسرقون المال العام دون ان تنبس وامثالك ببنت شفة هم الطائفيون من احزاب الاسلام السياسي وليس الشيوعيين والعلمانيين يا مرتضى، ان الفاسدين والمرتشين هم احزاب الحكومة التي انت جزء منها وليس الشيوعيين والعلمانيين يا مرتضى، ان من يسرق اموال الارامل والايتام ويجعلهم جوعى لسرقة بطاقتهم التموينية هي حكومتك الطائفية وليس الشيوعيين والعلمانيين يا مرتضى، ان من يرهن الوطن عند بدو الصحراء او ابناء جلدتك في طهران هم طائفيي المذهبين وليس الشيوعيين والعلمانيين يا مرتضى، ان الذي يقطع عن ابناء النهرين مياه الانهار هم حماة طائفيي السلطة في طهران وانقرة وليس الشيوعيين والعلمانيين يا مرتضى، ان الذين يسيئون لمقدسات المسلمين هم انتم ونظرائكم في الطائفة الاخرى وليس الشيوعيين والعلمانيين يا مرتضى. يا مرتضى انظر بضمير حي ان بقي لك منه شيئا الى من هم حولك من البائسين والمعدمين الذين سرقت وامثالك من المعممين والسلطة التي تتغاضى عن جرائمكم وقارنها بما تمتلك وامثالك من ثروات واعرضها على الدين لنرى ان كانت منه شيئا، يا مرتضى ان من حرّف القرآن هو انت وليس الشيوعيين والعلمانيين حين حرفت ما جاء في سورة آل عمران عندما اضفت آل محمد الى الآية التي تقول " ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالم اجمعين"، وسؤالي هنا موجه الى المرجعية الدينية في النجف وكل علماء الدين الاسلامي ان ما هو عقاب من يحرف كلام الله ويتهم الامام السادس عند الشيعة بقوله ان القرآن محرف لانهم "السنة" حذفوا عبارة آل محمد من الاية المذكورة.  

على الشيوعيين والعلمانيين في التيار الديموقراطي يامرتضى ان يقيموا عليك وعلى قناة الانوار دعوى قضائية بتهمة التحريض على القتل والترويج له، وان لم يفعلوا "لظروف قاهرة" فعلى العلمانيين والشيوعيين خارج العراق ان يتحركوا لتقديم شكاوى قضائية بحقك وحكومة العراق التي لاتحاسبك امام المحاكم الاوربية بتهمة التحريض على القتل العلني واشاعة الكراهية وتهديد السلم المجتمعي بالعراق لخطر الانزلاق الى حرب اهلية حيث سيذهب ضحيتها مئات الالاف من الابرياء. ختاما اود ان اقوللك يا مرتضى من انك لست برجل دين لان رجل الدين يدعو الى الالفة والتسامح او هكذا يجب ان يكون، لانك عبارة عن مشروع طائفي وجاهل ومتطرف وخبيث وفي خدمتك وسيلة اعلامية على الدولة اغلاقها قبل ان يسبق السيف العذل، مرتضى انك وباء بل انك الكوليرا بعينها.

 

 

ايها الشيوعيون العراقيون ايها العلمانيون من اين حشرت عليكم البهائم اليوم.

 

1-فرج عبد القادر طه، موسوعة علم النفس والتحليل النفسي، مصدر سابق، ص480.

2-  ت. أ أنسكو و. ج. سكوبلر، علم النفس الاجتماعي التجريبي، ترجمة عبد الحميد صفوت إبراهيم، مطابع جامعة الملك سعود/الرياض (1993)، ص380 .

3- ديانا هيلز وروبرت هيلز، العناية بالعقل والنفس، ترجمة عبد علي الجسماني، الدار العربية للعلوم، بيروت (1999)، ص218.4- 4 ت. أ. انسكو و ج. سكوبلر / مصدر سابق "غوغل"*.

 

زكي رضا

الدنمارك

25/8/2013

اضاءات في العقل نـــــــــــــــزار حيدر



   في واحدة من اعظم اقوال الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) استاذ ائمة كل المذاهب الاسلامية ومنها المذاهب الاربعة، والذي نعيش هذه الايام ذكرى استشهاده في الخامس والعشرين من شهر شوال (148 للهجرة) يقول عليه السلام {من كان له عقل كان له دين، ومن كان له دين دخل الجنة} وهو قول يستمده الامام من السلسلة الذهبية التي تبدا بجده رسول الله (ص) والذي قال {قوام المرء عقله، ولا دين لمن لا عقل له} او قوله (ص) {إنما يدرك الخير كله بالعقل، ولا دين لمن لا عقل له} وكذلك في قول امير المؤمنين عليه السلام {لا دين لمن لا عقل له} وقوله عليه السلام {ما آمن المؤمن حتى عقل}.

   هذا يعني ان العقل هو المحور وليس الدين، وان من يحاول فهم الحياة والدين والاخرة بلا عقل واهم وعلى خطا، ولعل سبب كل مصائبنا اليوم وكل هذا الاقتتال والقتل والذبج والتدمير والتكفير والغاء الاخر والكراهية وغير ذلك من الامراض العويصة التي ابتليت بها شعوبنا، سببه اننا نحاول ان نفسر الحياة بالدين او نهتدي اليها بالدين، او اننا نطل على الدنيا والدين والاخرة بلا عقل، اي بالدين المجرد عن العقل.

   فلو سالنا سائل، ترى ايهما اهم العقل ام الدين؟ لاجبناه مسترسلين، بالتاكيد هو الدين، فهو المحور وهو المبتدا والمنتهى، اما مدرسة اهل البيت عليهم السلام فتجيب نقيض ذلك، اذ يقول الامام الصادق (ع) مثلا، وكما مر آنفا، ان العقل هو الاساس، فبه يدرك الدين وبه تدرك الحياة وبه تدرك الاخرة، وكل شيئ.

   تعالوا معا نتدرج في فهم الموضوع لحساسيته، قبل ان نقبله او نرفضه، وذلك من خلال طرح السؤال التالي: ايهما خلق الله اولا، العقل ام الدين؟ اذا اجبنا على السؤال بشكل سليم يعتمد النص والمنطق، عندها سنعرف ايهما اهم وايهما هو المحور، لان المخلوق الاول هو الذي يهدي الى كل مخلوق آخر، اليس كذلك؟ اذ لا يعقل ان يهدينا المخلوق الثاني او الثالث او الرابع، مثلا، الى المخلوق الاول، فايهما خلق الله اولا؟.

   يقول تعالى في محكم كتابه الكريم {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} والعرض تزامن من خلق الانسان، ما يعني ان الله تعالى خلقه اولا، ثم تتالت بعثة الانبياء والرسل، لان في لحظة الخلق لم يرسل نبي او رسول بدين لاحد.

   يقول رسول الله (ص) {أول ما خلق الله العقل قال له: أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم علي منك، بك آخذ وبك أعطي وبك أثيب وبك أعاقب} وفي حديث آخر عنه (ص) {اول ما خلق الله العقل} وقول الصادق والكاظم عليهما السلام {ان الله جل ثناؤه خلق العقل وهو اول خلق خلقه من الروحانيين عن يمين العرش من نوره}.

   اما امير المؤمنين عليه السلام فيقول شارحا فسلفة بعثة الرسل والانبياء {فَبَعَثَ فِيهمْ رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إلَيْهِمْ أنْبِيَاءَهُ، لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِىَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ} وهذا يعني ان العقل كان مخلوقا عندما بعث الله الرسل والانبياء بالدين والرسالات، والدليل على ذلك هو وصفه عليه السلام بان الدين لاثارة العقل، ما يعني انه كان مخلوقا عند البعثة.

   كما ان الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام يقول في هذا الصدد {ان لله على الناس حجتين، حجة ظاهرة وحجة باطنة، فاما الظاهرة فالرسل والانبياء والائمة عليهم السلام، واما الباطنة فالعقول} وهي اشارة واضحة الى ان العقل، الحجة الباطنة، سبق الدين، الحجة الظاهرة.

   ولكل ذلك وردت النصوص الكثيرة التي تمجد بالعقل وانه محور الدين والعلم والفهم والحكمة والعمل الصالح وكل شيئ، منها على سبيل المثال لا الحصر{العقل اقوى اساس} {العقل صلاح كل امر} {العقل حسام قاطع} {العقل رسول الحق} {العقل افضل موجود} {لا غنى اخصب من العقل} {لا غنى اكبر من العقل} {اغنى الغنى العقل} {زينة الرجل عقله} {الجمال في اللسان، والكمال في العقل} {اصل الانسان لبه، وعقله دينه} {مثل العقل في القلب، كمثل السراج في وسط البيت} {لا يستعان على الدهر الا بالعقل}.

   تاسيسا على ذلك، نفهم بان العقل هو الاهم وهو المحور، ولذلك فان الله تعالى يحاسب بالعقل وليس بالدين، وهو الذي يتميز به كل انسان عن الاخر، فلقد ورد عن رسول الله (ص) قوله {اذا بلغكم عن رجل حسن حال فانظروا في حسن عقله، فانما يجازى بعقله} وعن انس بن مالك قال: اثنى قوم على رجل عند رسول الله (ص) فقال رسول الله (ص) كيف عقله؟ قالوا: يا رسول الله نخبرك عن اجتهاده في العبادة واصناف الخير، وتسالنا عن عقله؟ فقال: {ان الاحمق يصيب بحمقه اعظم من فجور الفاجر، وانما يرتفع العباد غدا في الدرجات وينالون الزلفى من ربهم على قدر عقولهم} وقوله {ان الرجل ليكون من اهل الجهاد، ومن اهل الصلاة والصيام، وممن يامر بالمعروف وينهى عن المنكر، وما يجزى يوم القيامة الا على قدر عقله} وكذلك ما اشار اليه الامام محمد الباقر عليه السلام في معرض ذكره للحديث القدسي الشريف عن الله تعالى انه اوحى الى موسى عليه السلام {انا أآخذ عبادي على قدر ما اعطيهم من العقل} وقوله عليه السلام {انما يداق الله العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا}.

   ولاولوية العقل، فان الله تعالى اوجب على الانسان ان يؤمن بالعقيدة عن عقل وليس عن تقليد، ولذلك حرم الله تعالى الايمان باصول الدين وهي، التوحيد والنبوة والمعاد،  بالاضافة الى العدل والامامة، بالتقليد، وانما فرض الايمان والاعتقاد بها بالعقل فقط.

   والان....لنعرف ما الذي يترتب على العقل؟ اي ما هي فائدة العقل، لا زال هو المحور؟.

   اولا: سرد التاريخ وقصص الامم الماضية للعاقل، فلا يستفيد منه الجاهل {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ* إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد} و {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.

   ثانيا: الايات للعاقل، اما الجاهل فلا تفيده في شيء {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ} و {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ}.

   ثالثا: وعي القرآن بالعقل {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}.

   رابعا: العبادة بالعقل وليس بالجهل {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}.

   خامسا: الانتاج في الحياة بالعقل {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ}.

   سادسا: القانون والنظام للعقلاء {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ* كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} و {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

   سابعا: الدين والانذار والاخرة (حسن العاقبة) للعقلاء {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ* وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}.

   ثامنا: وان افضل الحديث من العقلاء وللعقلاء {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}.

   تاسعا: الحكمة، التي تعني وضع الشيء في موضعه بالتدقيق في الزمان والمكان، للعقلاء {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}.  

   عاشرا: الوحدة بالعقل، اما الجاهل فيفرق الامة {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لّا يَعْقِلُونَ}.

   حادي عشر: سوء الخلق بانعدام العقل {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}.

   ثاني عشر: حسن الاختيار والتمييز بين الحق والباطل وبين الحسن والاحسن، بالعقل {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ* هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ}.

   ثالث عشر: التقليد والتحجر ورفض التطور في الفكر والرؤية سببه انعدام العقل {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ}.

   رابع عشر: التقوى بالعقل {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}.

   اذن، العقل اولا، ثم كل شيء آخر، فاذا غاب عن الحياة تحول الدين، مثلا، الى خطر عظيم يشرعن القتل والذبح والتدمير والتكفير والغاء الاخر وثقافة التمييز ويزرع الكراهية والتفرقة، ويحث على الجهل والتخلف والعبودية، وينشر ثقافة العصبية التي تعتمد مبدا احتكار الحقيقة، وهذا ما نراه شائعا اليوم في مجتمعاتنا.

   العقل، اذن، هو المحور، فهل هو كذلك اليوم على ارض الواقع؟. 

      بمرور سريع على الحال التي نمر بها، لا يبدو اننا اتخذنا من العقل محورا في حياتنا، فهو اما غائب او مغيب او تقوده العاطفة او يسيره الدين المؤطر بمصالحنا الذاتية واجنداتنا السياسية الانية، بعد ان تحول بالنسبة لكثيرين الى تجارة لتضليل البسطاء من اجل السيطرة على عقولهم وخيراتهم.

      اننا نقرا الدين بلا عقل، ونقرا التاريخ والقرآن الكريم بلا عقل، كما اننا نقرا النصوص ونطالع الكتب ونتلقى الفتوى ونستمع الى المحاضر، نفعل كل ذلك بلا عقل، وكاننا منحنا عقولنا اجازة مفتوحة وتركنا الاخرين يفكرون بالنيابة عنا، فتحولنا الى اجهزة استنساخ لا تعي ما تقرا ولا تفهم ما تسمع ولا تستوعب ما ترى، حتى بات حالنا كما وصفته الاية الكريمة {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} فندعي الدين ولا دين لنا.

   ولاننا كذلك، تحولنا الى امعات، ننفذ بلا وعي وبلا بصيرة، على عكس قول الله تعالى على لسان رسوله الكريم {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} او قول الصادق من اهل البيت عليهم السلام {العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا تزيده سرعة السير الا بعدا} لماذا؟ لان امتلاك البصيرة يشترط حضور العقل، فاذا غاب العقل غابت البصيرة، وان من يغيب العقل وهو يقرا النص او يستمع الى متحدث او يطلع على فتوى او يطالع كتابا او تفسيرا، انما هو يغيب البصيرة، فالاخيرة ليست نتاج القراءة او المطالعة او الاستماع بلا عقل، ابدا.

   لماذا سيطر الفكر التكفيري اليوم على الساحة؟ ولماذا تسلط علينا فقهاء البلاطات الحاكمة الذين يصدرون فتاواهم تحت طلب الحاكم الجائر؟ لماذا سيطرت على عقولنا ثقافة المنامات والخرافات؟ لماذا قادنا علماء السوء من جهلة وفساق وعملاء وانصاف العلماء؟ لماذا وظف المشبوهون دماءنا وارواحنا ومعاناتنا وخيراتنا وبلداننا لتحقيق سياسات مشبوهة راحت تدمر البلدان وتقتل الانفس وتزهق الارواح؟ لماذا قادنا المتطرفون اقتياد الشاة الى مسالخها؟ لماذا {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}؟.

   الجواب، وبكل بساطة، لاننا غيبنا العقل من حياتنا اليومية عندما تصورنا ان الدين يعوض عنه او ان النص او الفقيه او الخطيب او المفتي او التاريخ او السلف يمكن ان يكون كل ذلك بديلا عنه، فسقطنا في الفتنة ونحن نظن اننا خرجنا منها او ابتعدنا عنها، وشعارنا (اعصبها براس العالم واخرج منها سالما).

   ان تغييب العقل ينتج التقليد الاعمى الذي بدوره ينتج عبادة الشخصية، والتي تنتج بدورها عملية صناعة الطاغوت، والتي تفننا بها ايما فن، وتميزنا بها ايما تميز، والا لماذا لم تنتج شعوب الغرب طغاة مثلنا؟.

   لقد غيبنا العقل حتى بتنا اضحوكة في هذا العالم، غيبناه فقادتنا فتاوى مضحكة وخطب مهزلة وكلام مسخرة واجوبة على استفتاءات ما انزل الله بها من سلطان، غيبناه فتحولت حياتنا كلها الى خصومة في خصومة، نتخاصم مع ذباب وجوهنا اذا لم نجد من نخاصمه، وصدق الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) الذي يقول {اياكم والخصومة، فانها تشغل القلب، وتورث النفاق، ومن زرع العداوة حصد ما بذر، ومن لم يملك غضبه لم يملك عقله} فانظروا كيف غلب غضبنا عقولنا؟ غيبناه فتحولنا الى جيش من الجهلة والاميين، اذا من اخلاقنا، على حد وصف الامام الصادق (ع) {من اخلاق الجاهل، الاجابة قبل ان يسمع، والمعارضة قبل ان يفهم، والحكم بما لا يعلم} لماذا؟ لانه {لا عدو اضر من الجهل} على حد قوله (ع).

   ان العقل هو حاضر ومستقبل، ليس فيه ماض، الامر الذي يميزه عن الدين الذي هو ماض وحاضر ومستقبل، بمعنى آخر فان المرء يحتاج عقله لحاضر افضل ومستقبل احسن، كيف؟.

   ان العقل يهدي للتي هي اقوم بالتاكيد وبالشروط التالية وهي: ان لا يقدم عليه صاحبه شيئا، ليكون هو القائد ابدا، وان لا تقوده العاطفة او المصالح الضيقة، وان يتم تنشيطه باستمرار سواء بالنص او بعبر التاريخ او بالفكر الجديد، من اجل ان لا يركن الى السبات او الخلود، وان يفكر بتجرد وموضوعية بلا انانية، وان يقدم الصالح العام على الصالح الخاص، حتى الصالح الخاص المشروع يلزم ان ياتي في اطار الصالح العام، من اجل ان لا نفقد احد اثنين، الفرد والمجتمع، على حساب الاخر.

   عندها يمكن ان يكون العقل من اجل حاضر افضل ومستقبل احسن، وذلك من خلال:

   الف: بناء الشخصية، باء: بناء المجتمع، جيم: صناعة مقومات الحماية سواء من الجهل او الاستبداد او فتاوى التكفير والقتل او ما اشبه.

   ان تحسين الاداء في الحاضر، من اجل مستقبل افضل، يعتمد على العقل اولا واخيرا، من خلال:

   اولا: توظيفه في عملية الاختيار، فالعقل هو الوحيد القادر على ان يمحص الامور ليختار الافضل والاحسن، فمثلا، في القران الكريم كل شيئ وعلى كل الاصعدة، فمن الذي يختار من بين هذا الكم؟ انه العقل بكل تاكيد في اطار الحاجة الزمكانية، وكذلك، ففي التاريخ الكثير من العبر والتجارب والخبرات، فمن الذي يختار من بين كل هذا الكم ما يفيده في حياته اليومية؟ بعيدا عن الترف الفكري؟ انه العقل بكل تاكيد.

   لنضرب بسيرة ائمة اهل البيت (ع) مثلا في ذلك، فكلنا نعرف بان سيرتهم متعددة الادوار الا ان الهدف واحد لا غير، فمن الذي يختار من بين هذه الادوار الدور المناسب لهذه المرحلة او تلك؟ انه العقل بلا شك، فهو الذي يختار من بين عدة خيارات، فاذا غيبنا العقل تهنا في زحمة الخيارات ولم ننتفع بشيء.

   ثانيا: تحديد الاولويات، الفكرية منها والعملية، فيقدم ويؤخر حسب حاجة الزمان والمكان، ولا يحقق المرء ذلك الا بالعقل، فهو القادر على تحديدها، فيقدم امرا ويؤخر آخر، فاذا غاب العقل اختلطت الاولويات، وضاعت الاستراتيجيات وتشابكت علينا ملايين التكتيكات التي تضيع الجهود والزمن والثمار.

  ثالثا: العقلانية، والتي تعني الاختيار بين واجبين مثلا، او بين مستحبين، ولذلك قال امير المؤمنين عليه السلام {ليس العاقل من يعرف الخير من الشر، ولكن العاقل من يعرف خير الشرين} فمثلا، لقد منح الله تعالى الحق لذوي القتيل بالقصاص، وفي نفس الوقت شرع العفو، فمتى يختار ذوو القتيل القصاص ومتى يختارون العفو؟ ومن الذي يساعدهم على حسن الاختيار في اطار عقلانية موضوعية ليس فيها ضرر ولا ضرار؟ انه العقل فقط الذي يساعدهم على اختيار عقلاني متوازن لا يضر بالفرد ولا يضر بالمجتمع، انه اختيار صعب وفي نفس الوقت فانه اختبار للعقلانية، فلا القصاص، وهو حلال، نافع دائما وفي كل الظروف، ولا العفو، وهو جائز كذلك وممدوح، نافع ومفيد في كل الظروف.

   وهكذا بالنسبة للكثير من القيم والمفاهيم، كالعدل والاحسان، وهما خلقان من خلق الله تعالى، فمتى نختار هذا ومتى نختار ذاك؟ انه العقل الذي يساعدنا على حسن الاختيار في اطار العقلانية، فلولاه لاخترنا الخيار الصائب في الوقت الخطا، او ربما جاز لنا ان نقول اننا سنختار الخيار الخاطئ في الوقت الخطا.

   لقد قال احد الحكماء (حتى الشيطان يجد ضالته في الكتاب المقدس) لان في النص تبيان لكل شيئ، فلكل امرئ حاجة فيه وحجة، هذا، اذا ما غاب العقل او غيب لسبب من الاسباب، لذلك نرى مثلا ان الخوارج قاتلوا الامام امير المؤمنين عليه السلام بالقران، وان الامام قاتلهم بالقران كذلك، وعلى مر التاريخ فان الكل كفر الكل بالقران، وان كل (خلفاء المسلمين) حكموا بالشرعية بعد ان وجد لهم فقهاء البلاطات ما يبرر لهم ذلك في القران، فالقاتل والمقتول والمنحرف واللص وشارب الخمر والمنتهك لاعراض الناس والذي يلعب بالقرود وترقص بين يديه الغواني والحريم والغلمان، هؤلاء كلهم (خلفاء) حكموا بالشرعية بنص قرآني، لا يجوز لاحد ان ينتقدهم، بل انهم تحولوا اليوم لدى الكثير من الناس الى مصدر للشرعية، لاصدار الاحكام في القضايا السياسية والادارية وفي ممارسة الحكم والسلطة.

   لقد حدث هذا عندما غيبت الامة عقلها، فتحولت الى امعة تسير خلف الحاكم وفقيهه بلا وعي وادراك وتمييز وارادة، وان ما يجري اليوم هو استنساخ للماضي وللاسف الشديد، فنرى مثلا ان فقيها معتوها مخرفا كشيخ موزه وفقيهها، يتلاعب بمقدرات الامة بلا وازع من ضمير، من دون ان يساله احد او ينتقده او يستفسر منه او يحاسبه او ياخذ على يديه، يصدر فتاواه المتناقضة بالجملة بلا رقيب.

   وبصراحة اقول: فلو بقي العقل مغيبا فترة اخرى من الزمن، لتحولت بلداننا الى مسالخ للبشر، والى خربات ينعق فيها الغربان، اذ لا يبدو في الافق اي حل لحد الان، كما ان النفق مظلم كله، ليس فيه اي بصيص من نور في نهايته، وبالعقل وحده يمكن ان نفيق من هذه الماساة.

   وان العقل الذي يمكنه ان ينقذنا هو العقل الذي يتميز بما يلي:

   اولا: لا يتوقف عند التاريخ ولا يقدس الماضي ولا يستنسخ تفسير السلف، لا لنص ولا لحدث.

   ثانيا: يستفيد من التاريخ كدروس وعبر فقط، فلا يتعامل معه كشرعة للحاضر الا بعد ان يغربله بعقله، فلا يستنسخه استنساخا.

   ثالثا: يطور فهمه للماضي بما يخدم حاضره ومستقبله، فلا يأسر نفسه في سجن الماضي او يقولبها بقالبه.

   رابعا: لا يتعصب ولا يتطرف، بل يتميز بالتوازن والعقلانية والوسطية.

   خامسا: ان يلغي من قاموسه ثقافة الانتماء الى السلف او ما يسمى بـ (السلفية) فـ {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} اما ان نرد على كل من سألنا عن علة هذا الاختيار او ذاك بالقول {حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} و {إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} فان الحياة لا تستقيم بمثل هذه العقلية الخرافية المتحجرة والظلامية التي تنتمي الى الماضي ابدا.

   ليس كل ما شهده الماضي يمكن ان يكون مفيدا لحاضرنا، وليس كل ما كتبه السلف او عمل به او فهمه من كتاب الله تعالى او من سيرة الرسول الكريم (ص) يمكن ان ننتفع به اليوم، انها قراءات قديمة يمكن تحديثها وتطويرها بما ينسجم والواقع، فهي ليست قوالب ثابتة وجامدة ابدا.

   علينا ان نهتم بما يشغلنا اليوم وبهمومنا وما نحتاجه، وليكن التاريخ معينا لنا على ذلك لا بديلا عنه.

   ان تحول التاريخ الى سقف في الوعي والفهم والاستنباط يضر بنا اكثر مما ينفعنا، لانه سيحجر عقولنا.

   ان سر عظمة الاسلام هو انه يعتمد العقل، فاذا غاب العقل غاب الاسلام، وكذلك القران الكريم، فاذا غاب العقل غاب الاخير، وهذا يتطلب منا ان نتعامل مع السلف كبشر اصابوا واخطاوا، وانهم اخذوا من الدين والقرآن ما نفعهم، في ظل حاجتهم الزمكانية، وان علينا ان ناخذ منهما ما ينفعنا كذلك في ظل الزمكانية التي يحترمها الاسلام ايما احترام، والا لما كنا مسلمين اليوم، لانه لن يكون دينا خاتما وخالدا من دون ذلك.

   24 آب 2013

*ملخص المحاضرة التي القيت في مركز الامام علي (ع) في العاصمة الاميركية واشنطن بتاريخ السبت (24) آب 2013

عدنان الاسدي بين الترخيص والعجز

 
 

صديق لي نصحني يوما بان لا اتناول اية شخصية سياسية بشكل مباشر في مقالاتي لان هذا ليس في صالح العملية السياسية التي علينا ان ندعمها بكل الوسائل الممكنة كي يتجاوز الوطن المحنة التي يمر بها، ناسيا بأن المحنة التي يتحدث عنها عمرها تجاوز العشرة اعوام وان الذين يطيلون عمر المحنة هذه هم انفسهم الذين تصدوا لانهائها منذ اليوم الأول للاحتلال وليومنا وفشلوا في حلها فشلا ذريعا وان لا افق في حلها ما داموا متفقين فيما بينهم على توزيع المغانم من خلال سلال اتفاقياتهم، التي يعيدون ترتيبها دوما في مواسم الانتخابات عن طريق تأزيم الوضع السياسي والذي ينعكس بشكل كبير على الوضع الامني مما يساهم مساهمة كبيرة في الاستقطاب الطائفي الذي هم بحاجة ماسة اليه لتجاوز مرحلة الانتخابات بسلام.

 

وبدوري سألت صديقي هذا سؤالا حول ردة فعله وشعوره لو انه فشل في تأدية مهمة موكلة اليه بعد عشرات المحاولات ان لم تكن المئات ولسنوات ليس امام الاخرين بل امام نفسه وشكل ذلك الشعور. فأجابني وبمرارة بعد ان سحب نفسا عميقا كاد ان يحرقه انه سيشعر بالخجل ان لم يكن بالعار لفشله هذا لانه انسان واع ومتعلم وحتى لو كان اميا والكلام لازال له فعليه ان يتعلم من عدد المحاولات وطول المدة هذه شيئا ولو بسيطا على الاقل. عندها اجبته وردا على نصيحته "تحذيره" من انني كي لا اشعر بالعار قررت ان لا اخجل من نقد اي "سياسي" مهما كان حجمه ومركزه في المافيا لانهم جميعا لا يخجلون على الاطلاق، لذا تراهم يكذبون في كل الامور مهما كان حجمها ودون اي خجل لا من وازع اخلاقي لان الاخلاق اصبحت بضاعة بالية وكاسدة في عرف المافيا ولا من وازع ديني لان الدين تجارة ليس الا.

 

ولهذا السبب انتخبت عنوان مقالتي اليوم لتتناول شخصية لها ثقلها الكبير في السلطة "المافيا" العراقية اي الوكيل الاقدم لوزارة الداخلية عدنان الاسدي "ابو حسنين" وهو في الوقت نفسه قيادي من الصف الاول في حزب الدعوة الحاكم ويد المالكي وعينه في ضرب ومراقبة مناوئيه. وسبب تناولي اياه في هذه المقالة هما امران اثنان ومرتبطان ببعضهما بشكل كبير، وهما ترخيص وقبضة "امنية" والتي حوّرتها لتكون عجزا "امنيا" لانها بنظري هي الاقرب للحقيقة من كلمة قبضة "امنية" لغياب الامن حتى عن المنطقة المقدسة "الخضراء" احيانا.

 

 "كان" من المقرر ان تخرج مظاهرة دعت اليها منظمات شبابية واخرى من المجتمع المدني في 31 من الشهر الجاري ليس لاسقاط النظام ولا حتى لاصلاحه "لغياب العطار" بل لالغاء تقاعد البرلمانيين ونواب الجمعية الوطنية واعضاء مجالس المحافظات والاقضية والنواحي لما تسببه هذه الرواتب الخرافية من ثقل على كاهل الميزانية وبالتالي على كاهل المواطن. وعوضا عن ان يسارع الاسدي منح المتظاهرين التراخيص القانونية للتظاهرة وفق ما حدده الدستور العراقي كحق من حقوق المواطن خصوصا وانه يعيش في ظل دولة قانون حزب الدعوة من جهة، ولان التظاهرة ليست عدوانية ضده ولا ضد حزبه بل هي لسلب اللصوص حقهم بالسرقة مستقبلا من جهة اخرى، رأيناه يقف مستأسدا ورافضا منح منظمي التظاهرة الترخيص اللازم لها دون ذكر اية اسباب والتي بنظري لا تحتاج الى جهد كبير لمعرفتها بعد ان شاهدنا طريقة قمع قوات حزب الدعوة للتظاهرات التي سبقتها، والتزام نفس هذه القوات الصمت المطبق والغريب لمظاهرات الصدريين وعصائب اهل الحق وتلك التظاهرات التي خرجت لنصرة مختار العصر اي المالكي من دون اية موافقات رسمية وبحماية القوى الامنية لحزب الدعوة ، اضافة الى عجزه عن انهاء تظاهرات المنطقة "السنية" والتي استغلتها قوى ارهابية ومعادية للعملية السياسية لتجعل اسقاط النظام هدفا اساسيا لها!!

ان منع تظاهرة ال31 من آب القادمة عن طريق عدم ترخيصها رسميا او قمعها عن طريق الاعتقالات واحاطة ساحة التحرير والطرق المؤدية اليها بقوات حزب الدعوة والاسلاك الشائكة تعني من بين امور عدة، خوف السلطة من اية تظاهرة مطلبية تنطلق من ساحة التحرير تحديدا لما لها من رمزية نتيجة تغيير العديد من الحكومات في تظاهرات انطلقت من ساحات تحرير تلك البلدان، ومنها حماية السلطة للصوص وتأمينهم من اية محاسبة قانونية ليحتفظوا برواتبهم الخرافية لان رجال السلطة انفسهم هم مشاريع مستقبلية لنهب رواتب تقاعدية بنفس الحجم، كون عصابات الجريمة المنظمة قد تختلف فيما بينها حول نسب السرقة لكنها لا تختلف مطلقا حول مبدأ السرقة. ولا ادري الى متى يستطيع الاسدي وارباب نعمته من سجن المارد الجماهيري داخل قمقمه، والا يحسب حساب ذلك اليوم الذي ينزع المارد الحبيس لباسه الطائفي لينطلق في فضاء الوطن وليس غيره، هذا كان الامر الاول في المقالة .

 

اما الامر الثاني فانه يرتبط الى حد كبير بمنع التظاهرة نهاية آب الجاري ولكن بطريقة تضحك الثكلى بعد ان اكدت وزارة الداخلية التي يديرها "ابو حسنين" بالوكالة احكام قبضتها على الشارع. "يا الهي" عن اي قبضة  تتحدث الوزارة والخروقات الامنية والاغتيالات والتفجيرات وقتل الابرياء امام الكاميرات اصبحت سلعة عراقية يومية واصبحنا كما يقول المثل العراقي "فرجه للرايح والجاي"، هل تعي وزارة الداخلية ما جاء في بيانها من ترهات ؟، وهل تستطيع الوزارة ان تضحك على ذقون الناس الى هذا الحد ؟ ومن منحها هذا الحق الذي هو الباطل بعينه ؟.

ان الوزارة لا تريد ان ترى ابعد من ارنبة انفها في معالجة الملف الامني الذي يسوء يوما بعد يوم على الرغم من الامكانيات المادية والبشرية الهائلة التي خصصت لها.

السيد الاسدي ارى من الضروري منح وزارتكم ميدالية ذهبية بالفشل المزمن ولو كانت هناك ميدالية من نوع آخر اكبر من الذهب لكنتم قد حصلتم عليها.

احترموا عقولنا قليلا كي نحاول ان نحترمكم وقولوا ان بيانكم حول احكام قبضتكم على الشارع يعني منعكم لاية تظاهرة مطلبية وخوفكم منها، لانني واثق ان الخرق الامني الذي سيبدد تصريحاتكم ذات الوزن الثقيل والتي لا تتحمله كواهلكم قادم، ليس "لقوة" الارهابيين بل لضعفكم الذي لمسناه منذ سنوات.

 

هناك من يرى نفسه امام المتظاهرين اسد كبير وهناك من يراه الاخرون امام الارهابيين ارنب صغير

 

زكي رضا

الدنمارك

26/8/2013

    

  

 




مرحبا بكم في الصين الشركة المساهمة - ترجمة كريم الربيعي



الصين ومن خلال طرق او اساليب برنامجها الاقتصادي ، تسير في طريقها للسيطرة على  جزء كبير من السوق العالمية . فالى جانب روح المنافسة فان الاقتصاديون مندهشون من التطور والنمو المطرد الذي تشهده البلاد باتجاه تحولها لقوة اقتصادية عالمية . هذا يطرح سؤال : هل ان الشيوعية مازالت مع ذلك فاعلة ؟

المترجم:  بهذه السطور جرى التقديم لهذا التقرير  الطويل حول  تطور الصين الاقتصادي . كمنت رغبتي بالاحتفاظ بهذا التقرير منذ ذلك التاريخ 2007  وليومنا،  لما احتواه من معلومات قيمة ، لا اريد القول بسلبها وايجابها وانما على تنوعها وتعارضها ايضا، اقدمه الان للقاريء متمنيا ان يكون دافعا للتامل ببعض السلوكيات والاساليب سواء في التفكير او العمل  في هذا البلد الذي يفوقنا بالنفوس والمساحة فنفوسه  40 مرة ضعف نفوس العراق وبالتاكيد فان المشاكل وغيرها ايضا مضاعف .

المقال مترجم من الالمانية للدنمركية  من قبل  توني بيدرسن ونشر في جريدة البوليتكن " السياسة " الدنمركية في 6 ايار 2007 اي قبل  اربع سنوات .نشر للمرة الاولى في جريدة  دير شبيغل الالمانية  وحمل اسم الصحفيين  اندريس لونس و ويلاند ويكنر .

الرجال التسعة:

تسع رجال ببدلاتهم السوداء يلتقون خلف  الجدار الاحمر العالي .مكان لقاءاتهم السري وسط بكين و يسمى" زونغ نان هاي" او  الجزيرة الوسطى. يقع زونغ نان هاي  في الجزء الممنوع او المحظور من المدينة سابقا، وكان مكان للقيصر يقضي وقته في النظر في قضايا المحاكم ومكان لمحظياته بالاضافة الى الذين يعملون في المحاكم الاميرية .

لازالت بعض البنايات صامدة، منذ العهد الاقطاعي،  جنبا الى حنب مع البيوت المخصصة لموظفي الحكومة ، ذات الالوان الرمادية والبيضاء ، والتي شيدت ، حين اسس الحزب الشيوعي الصيني مكاتبه الرئيسية في بكين.

الرجال التسعة يشكلون ما يسمى اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب ، وهي من اللجان التي لها الكثير من الصلاحيات السياسية  النافذه او القوية في البلاد، هؤلاء التسعة، يلتقون  في نهاية الطرف الجنوبي من هذا الملاذ. حيث تجري لقائاتهم في مقرهم هذا باجواء  غاية من المهنية. اعضاء المجموعة او اللجنة لم يجري انتخابهم من الشعب،  وليس لديهم الرغبة او الاهتمام ان تجري مشاهدتهم او ملاحظتهم خلال اجتماعاتهم تلك، فالكاميرات ممنوعة وليس هناك شيء من المرح اوالربت على الاكتاف او الوجوه المبتسمه التي يمكن رؤيتها في الاخبار التلفزيونية.

لا احد يعرف كاريزما  الاعضاء في هذا التجمع الكئيب . الرئيس هو جينتاو 64 عام، رئيس البلاد وسكرتير الحزب الشيوعي  الصيني ورفاقه الثمانية الاخرين يعدون من كبار التكنوقراط" شيوخ التكنوقراط" هكذا لو ترجمت حرفيا .

الرئيس هو جينتاو  ابن لتاجر شاي من مقاطعة جيانغسو، درس هندسة الطاقة الكهرومائية  والاخرين درسوا  المعادن او الجيولوجيا.

المناقشات التي تحصل والقرارات التي تتخذ  في هذه الاجتماعات  تجد صداها او تاثيرها على مليار و300 مليون مواطن صيني، وبدرجة اعلى ايضا على بقية انحاء العالم. ان لم يكن هذا الغنى او المملكة الغنية ،بلدا ، لكان من الممكن ان نسميها "  شركة الصين الشيوعية المساهمة"  وعليه ستكون اللجنة الدائمة للمكتب السياسي بمثابة الهيئة الادارية  العليا للشركة.  وان لم يكن الرئيس هو جينتاو  شيوعيا لاطلقنا عليه اسم المدير العام للشركة التجارية، وبالتاكيد سيحصل على الكثير من عروض العمل ومن جميع انحاء العالم. المتنافسون في الغرب يحلمون بالتاكيد فقط بهكذا نجاح كما هو نجاح هو جينتاو وتلك القيادة الشيوعية  للحزب  الشيوعي الصيني وماحققته.

لم يمر يوما الا وحمل مفاجات وارقام جديدة، تدهش من هذه القوة الاسيوية. في الوقت الذي يحاول به العديد من زعماء العالم من جورج بوش  في اميركا وميركل في المانيا للعمل بانفراد على  القيام باصلاحات خاصة في اقتصاديات السوق التقليدية لبلدانهم ، يميل العالم الراسمالي وبحسد الى النمو الاقتصادي الحاد للصين، وهذا يطرح السؤال  التالي : هل ان الشيوعية مازالت مع ذلك فاعلة ؟.

 

الاغاني الصينية من القمر:

 يثير نمو الصين الاقتصادي المطرد وتحولها لقوة اقتصادية عالمية  القلق في الكثير من البلدان والاوساط في هذا  العالم، فالبلدان الصناعية الغربية ، قلقه من فقدان اماكن العمل ، ولدى السياسيين يتجسد القلق ؛ بالخوف من تغيير موازين القوى ، واخيرا وليس اخرا  لدى الاقتصاديين  بسبب صعوبة فهم هذه الظاهرة" اي الظاهرة الصينية".

تقوم النظرية الاقتصادية على الافتراض التالي؛ ان قوى السوق الصرفة فقط هي التي  تدفع النمو الاقتصادي،ويكمن دور الدولة فقط في تامين المنافسة دون ان يسيء احد استخدام قوى السوق بشكل غير ملائم. هؤلاء الاقتصاديين تعززت قناعاتهم اكثر فاكثر بعد سقوط جدار برلين  واصبحت لديهم ادله وافرة على ان افتراضاتهم  تلك كانت صحيحة.  وهم يرون ان الاقتصاديات المخططة في بلدان الكتلة الشرقية كانت فاشلة وتركت خلفها الفقر بدلا من الازدهار والاراضي البور الغير منتجه.  بينما وعلى العكس من تلك الافتراضات،  تقوم الصين على المزج ما بين الاقتصاد المخطط والراسمالية الجامحة ، وهذا ما لم يرد ذكره في كتب التعليم الاقتصادي، وبهذا الاسلوب ، فان الصين على وشك غزو اسواق العالم، واقتصادها ينمو10%  ، ان لم يكن اكثر، عاما بعد عام. وكأن  كل شي يلمسه الرئيس الصيني هو جينتاو و اعضاء اللجنة الدائمة  للمكتب السياسي ، يتحول الى ذهب ،  ويمكن مقارنة بلدهم بشركة تجارية تمتاز بانخفاض اسعار سلعها، الامر الذي مكن الصين بالفعل من توفير احتياطي للعملات الصعبة  بمبلغ 1000 مليار دولار[1] .

 ان جمهورية الصين الشعبية وعلى اية حال ، قد أخذت مكان لها في مقعد القيادة، جنبا الى جنب  مع الولايات المتحدة الاميركية ، القوة الاقتصادية العظمى في العالم ، وهذا ما سيمكنها من المشاركة  اليوم في تحديد مصير قيمة الدولار .

لقد تجاوزت الصين  في عام 2005 كلا من  فرنسا وبريطانيا، واصبحت رابع اكبر دولة اقتصادية في العالم ، هذا الموقع وصلت له من خلال النجاحات التي حققتها القيادة الشيوعية ، وفي خضم جميع هذه المؤشرات الايجابية من مؤشرات النمو، الا انه جرى وببساطة نسيان احتساب ما يشكله قطاع الخدمات الهام  في  الاحصاءات الاقتصادية الصينية . ان ذلك النمو اثار اعجاب الاميركي " رودرك  ماكفاركهار" المختص في  الصينولوجيا"[2] " فهو معجب لتلك النتائج التي حققتها الصين  " لم يحدث  ان تحقق وفي وقت قصير من قبل هذا الغنى الكبير بين الكثير من الناس " كما يقول.

ان استمرارعملية النمو الاقتصادي على ذات الوتيره سيدفع الصين  لتجاوز المانيا  التي تعد القوة الاقتصادية الثالثة في العالم  خلال سنتين " اي ان هذا يفترض ان يكون قد تم عام 2009"  وليس من المستبعد ، ان تقدم الولايات المتحدة الاميركية موقعها الاول للصينيين يوما ما. لقد كانت الصين مزود  البضائع الثاني للسوق الاميركية بعد اليابان عام 2005 ، الا ان الستراتيجيين في بكين غير سعداء للمرتبة الثانية هذه ، ولذلك فهم يعملون  ويطورون وسائلهم وبرامجهم من اجل اغراق السوق العالمية بالبضائع الرخيصة الثمن  مثل  الملابس" التي شيرتات" ومحركات الاقراص  وبدرجة عالية  التكنلوجيا الصينية عالية الجودة. ففي خطته الخمسية للسنوات القادمة وضع الحزب الشيوعي الصيني  لنفسه هدفا طموحا ، الا وهو وضع الصين  في الصدارة العالمية  في مجال البحث  والتكنلوجيا، كما وتنص الخطة الخمسية على ارسال مركبة فضاء صينية  الى القمر بالاضافة الى بث او ارسال صوتي من الفضاء الى الارض من خلال ارسال 150 اغنية بوب منها اغنية صينية بعنوان"  نحن نحب بلدنا الصين".

الحزب الماركسي:

لم يحصد النجاح هذا، الحزب الشيوعي الصيني فقط ، وانما  المدن الصينية  الكبيرة حيث الحياة فيها اكثر امنا  من مدن كثيرة  مثل ساو باولو في البرازيل  وبوغوتا في كولومبيا  وهي اكثر تنظيما ونظافة من مدن اخرى مثل  العاصمة الكينية نايروبي  وسويتو في جنوب افريقيا. اما الحياة الثقافية في بكين وشنغهاي فهي حياة غنية ،  والاتصالات واسعة النطاق حيث صلات الانترنت السريعة  التي تغطي المدن وكذلك التغطية للتلفونات الخلوية التي  وصلت تغطية شبكاتها  الى المدن الريفية الصغيرة .

زعيم الحزب هو جينتاو ورفاقه في المكتب السياسي ، اسماء لامعة في  تنظيم الحزب،وهم يمثلون قمة الهرم ، ليس وحدهم من يقف خلف هذا التحول الكبير وانما  الجميع ساهم ويساهم به من خلال المسؤولية التضامنية التي يبدونها على تلك الستراتيجيات التي تقف خلف هكذا معجزة اقتصادية. ويتشاور المكتب السياسي  دائما وبانتظام مع  المستشارين  والخبراء للحصول على المشورة والتقارير عن احدث التطورات في مجال البحوث والصناعة ؛ ويمكن ان تكون تلك التقارير حول كل شيء من التكنلوجيا الحيوية الى  التامين الصحي".تلك المشاورات  تسمى ايضا حلقات دراسية وحيث انها تحصل في بلد شيوعي، فانها تتضمن بشكل طبيعي بعض المفردات الاساسية مثل محاضرات  حول تاريخ الثورة الصينية  وعن النظرية الماركسية.

الحكومة الصينية ومجلسها الاستشاري  يقودها المدرس المثال  ذو 64 عام  وين جيا باو رئيس وزراء الصين ، الذي يقف مسؤلا عن النشاط اليومي للحكومة والتي تجتمع ثلاث مرات شهريا على اقل تقدير وفي مبنى  يقع على مرمى حجر من مكاتب المكتب السياسي، وتقوم على خدمة تلك الاجتماعات نساء جميلات  في ملابسهن الحمراء والقفازات البيضاء  ويقدمن للمجتمعين الشاي الاخضر القادم من حقول  منطقة  واي وان  الواقعة في مقاطعة جين اكسي.

وبالاضافة الى وين جيا باو تتكون الحكومة المصغرة من اربع  نواب لرئيس الوزراء  و خمسة اعضاء من المكتب الاستشاري الحكومي منهم امين السر والسكرتير العام.  الفريق يتالف من ثماني  رجال و ثماني نساء ، يقومون على تنظيم وادارة العمل في 28 وزراة وهيئة منها البنك الوطني  ومكتب الرقابة المالية . وتمتد مسؤولية الحكومة ايضا على  وكالة الانباء الصينية  شينخوا واكاديمية العلوم ودائرة الجمارك ومعهد الارصاد الجوي  وكذلك ادارة المباني الحكومية  التي تقدم  المساكن لكبار المسؤولين  مع السيارات بالاضافة الى اماكن قضاء الاجازات. جميع هذه المهمات مجموعة بيد  لون جياو باو ومكتبه الاستشاري والتي تشكل  " شركة الصين الشيوعية المساهمة "،  حيث يدير المكتب الاسشاري الحياة اليومية  في الصين من خلال كم هائل من الخطط والمراسيم والمذكرات والاجراءات والتدخلات. وتعد الخطط الخمسية والقرارات والاوامر والانظمة الاخرى وجها من وجهي العملة  في الصين الغنية ، التي يشكل وجهها الثاني  الرسمالية الجامحة التي عينها على الارباح ، عندما يتعلق الامر بتحقيق الارباح فليس هناك افضل من مصلحة الشيوعيين الصينين .القاعة الشعبية الكبرى في بكين  مثال جيد على ذلك ، قبيل التئام  المؤتمر الوطني لنواب الشعب وقبيل استقبال الرئيس هو جينتاو لضيوفه الاجانب في ذلك البناء المذهل ، الذي يضم اكثر من 300 غرفة و قاعة، تلك القاعات التي زينت جدرانها باللوحات الفنية العملاقة من مشاهد الثورة –قامت الحكومة و ببساطة بتاجيرهذه القاعة ، ففي الاونة الاخيرة  استاجرت شركة فورد الاميريكية لصناعة السيارات  القاعة من اجل عرض احدث انواع السيارات التي صنعتها،  وهكذا الحال بالنسبة  لسلسة مطاعم كنتاكي فرايد تشكين فقط اختارت ركنا هادئا في قاعة الشعب لتعقد  مؤتمرا لاكثر من 2100 من  رؤساء مطاعمها في الصين.

غريبة لكنها فعالة:

يوصي  اقتصاديي اوربا و اميركا  بالاسواق المفتوحة مع القليل من التنظيم والضبط من اجل مواكبة العولمة   والتصدي للتحدي القادم من الصين، وقد يكون هذا صحيحا ، على الرغم من انه  يبدو متناقض ظاهريا ، في ان الحزب الماركسي الللينيني ، الذي يحكم الصين، منطقيا  يستغل وباستمرار جميع مزايا الراسمالية  وبذات الوقت يرفض  التخلي عن  الادارة الحكومية او التخطيط الحكومي  للاقتصاد.

ان البنك الاكبر في الصين  هو بنك " ICBC"  اجرى مؤخرا اولى نشاطاته في البورصة ، هي الاكبر من اي وقت مضى، عندما عرض اسهم بقيمة 22 مليار دولار في اسواق الاوراق المالية في هونغ كونغ وشنغهاي. وهنا يجري الحديث عن  النصر للشيوعيين الصينيين، حيث ارتفعت قيمة البنك  الى اكثر من 200 مليار دولار ، في ذات الوقت الذي تحتفظ به الحكومة في بكين في  سيطرتها وتحكمها على هذا البنك " ICBC".

كما ان الدولة تملك اكبر ثلاث شركات للاتصالات السلكية واللاسلكية في البلاد، وقد نفذت الحكومة منذ عامين تنقلات بين كبار المدراء والمسؤولين في تلك الشركات وعلى عموم البلاد. فهل الصين واحدة من اكثر البلدان الغير ديمقراطية!! وهي على وشك ان تكون مثالا  يحتذى به بالنسبة للبلدان الديمقراطية  عندما يتعلق الامر في الاساليب الفعالة  لحل المشاكل؟ ان الصين ترفع اصبعها [3]" اصبع نجاحها" لجميع المشككين والمنتقدين  الذين يعتقدون  ان الماركسية اللينينية  والراسمالية  غير متوافقة او تتعارض  مثل الماء والنار؟

الصين تسمي نظامها العجيب ب"اقتصاد السوق الاشتراكي ذو الخصائص الصينية" وهو الاسم الذي يشير الى مرونة ايديولوجية هائلة. وعلى العكس من ذلك  قد لا يكون اقتصاد السوق اشتراكي  والخاصية تلك قد تكون وهم ليس الا  .

الا ان الحزب الشيوعي اثبت مهارة  وقدرة عالية  لاعادة  اختراع او اكتشاف افكاره الجيدة وباستمرار  واستخدامها في وقت الحاجة. انه لحزب مرن جدا ويشبه بستان الخيزران اثناء العاصفة  ،لقدرته على التدقيق والتعديل والتحديث الدائم لشعاراته.

لقد احتفظ باسم الحزب الشيوعي  كواجهة مالوفة خلف قادة البلاد  الذين ومنذ وقت طويل يعيدون تعريف الاهداف والسياسة المركزية للحزب ، ويبقى هدفهم اليوم هو بناء الصين الكبيرة والقوية  والامة التي لا يمكن ان تخضع للعالم الخارجي  والتي عليها ان  تلعب دورا مهما في الحياة الدولية " وبغض النظر،عن اي الاسماء  يتسمى الحزب بها،  فان الوظيفة الاساسية والهدف المهم  كان دائما  هو الانتقال بالبلد من العصور  الوسطى الاقطاعية  الى مجتمع عصري" كما يقول الخبير الاقتصادي  شي شاومين من مؤسسة الاصلاحات الاقتصادية الصينية .

النضال الطبقي الثوري ، الذي كان فيما مضى العمود الفقري للحزب، يجري تنقيته" تجميله"،منذ فترة طويلة،  من الخطاب الرسمي الجديد، ففي خطاب الرئيس هو  يشير دائما وعلى العكس  الى " المجتمع المتناغم "  الذي يجب ان لا يضايق او يزعج احد بانه استعار  ذلك من مفهوم كونفوشيوس الفيلسوف العظيم الذي كانت  أفكاره تحترم في أوقات الإقطاعية ، بينما نظر إليه على أنه زنديق في عهد ماو.

اجواء التنقيب عن الذهب:

النظرية حول الزعماء او النواب  الثلاث  والتي كتبت من قبل  رئيس مجلس النواب السابق جيانغ تسمين،فتحت الباب امام دخول  اصحاب الاعمال كاعضاء في الحزب ، وبدلا من الصراع الطبقي ، هناك اليوم قائمة من المفردات مثل الديمقراطية  والمساواة والعدالة والاستقامة  والصدق  وقوة الحياة  والمجتمع القانوني".

هناك ما يزيد عن 70 مليون عضو اليوم في الحزب الشيوعي الصيني، الذي يعد من اكبر الاحزاب في العالم، ويحكم خمس سكان العالم، لكنه وعلى اية حال لا يزال تنظيم سري يتكون من عدد لا يحصى من قادة المجموعات  وفرق الادارة  والمفوظين ومراكز البحوث  والمكاتب المركزية  وجزء من اللجنة المركزية لحماية الاسرار . ويعد الترابط مابين الحزب الشيوعي والمؤسسات الحكومية  والبلديات ، وثيق جدا، ويتمتع اعضاء الحزب فيه بنفس امتيازات  الموظفين الرسميين  من المعاشات الى التامين الصحي.

 يمكن للمرء الاعتقاد بان اقتصاد السوق سوف يمر بظروف صعبة  في النظم الخاضعة لرقابة مشددة، ولكن الامر عكس ذلك في الصين ، البلد الذي وكانه مصاب  بحمى التنقيب عن الذهب  تشابه ما مرت فيه الولايات المتحدة الاميركية  في ايام الرواد. وعلى الرغم من ان الحزب والحكومة  المركزية تنظم او تضع الخطط  الا ان هؤلاء ال 70 مليون من اعضاء الحزب والمواطنين الصينيين  يملكون دائما الحرية لايجاد المبادرات الجديدة التي تحفز وتدعم المعجزة الاقتصادية للصين. وطالما استمر النمو ، فهذا يعني ان هناك تقريبا ضمان، في ان الحزب يستطيع  ان يحافظ على قبضته  الحديدية على السلطة.

ان تجربة الصين الراسمالية استهدفت في بدايتها بعض المناطق المختارة، ولكن منذ عام 1990 اتسعت التجربة لتشمل جميع انحاء البلاد. ان الستراتيجية الشيوعية في بكين حافظت  دائما على عين يقظة امام جميع الاحداث لضمان ان لا يفقد الحزب  السيطرة على الثورة الصناعية  في البلاد .وقد لعبت الادارة القيادية  لهيئة التنمية الوطنية والاصلاح  دورا محوريا في هذه العملية.

 صباح كل يوم  ومنذ الساعة 08:00 يحتشد 890 من المفوظين في احدى المباني الرمادية ذات السقوف الصينية التقليدية. ما كاى ، رئيس اللجنة ومساعديه يصلون في سيارات الاودي السوداء. ، اما الآخرين، فمنهم من يأتي سيرا على الأقدام أو بواسطة الدراجات الهوائية ، والعديد منهم يرتدي ملابس مريحة. وقبل أن يذهبوا  إلى مكاتبهم توزع عليهم بعض الرسالة الترويجية عن بعض الباعة المتجولين الذين يبيعون بطاقات الانفاق المصرفية الوهمية بـ  6دولار فقط وبخصم 13 دولار تقريبا.

 هذه المفوضية  لها هيبة  بين الشركات الاجنبية ورجال الاعمال ، لانها صاحبة الكلمة الاخيرة  في منح الاجازات للمشاريع الكبيرة . وفد من شركة هونغ كونغ ، التي تريد التنقيب عن النفط في شمال الصين ، ينتظر خارج البوابة الرئيسية التي يحرسها  رجال الشرطة، وعادة ما يجلب رجال الاعمال معهم ملفاتهم او مجلدات سميكة من الوثائق التي يأملون في ان تقنع اللجنة بأن مشاريعهم لن تشكل تهدد على المصالح الوطنية للصين.

الاميرة الحمراء:

وزيرة التجارة الصينية ذات 57 عاما ، بو شي لاي، يقع على راس جدول اعمالها ، التخطيط والرصد، بو تنحدر من عائلة شيوعية ، وقف والدها شي لاي  في اكتوبر 1949 الى جانب ماو تسي يونغ  في ساحة تيانانمين في بكين حين اعلن  ماو عن قيام جمهورية الصين الشعبية. هذا يجعل من بو  واحدة من الامراء الحمر ، وهو مصطلح لرفاق الحزب الكبار، الذين بالاضافة لتاريخهم الحزبي ، هناك تاريخ نضالي ايضا لاوليائهم ، مما يدفع بهم لتولي مناصب عليا في الحزب وفي الشركات المملوكة للدولة.
لقد ساهمت بو شي لاي ايضا من خلال مجهودها الكبير  لتحقيق ذلك النجاح. فقد كانت رئيسة لحكومة مقاطعة ليونينغ شمال شرق الصين، المقاطعة التي لديها العديد من مصانع الدولة المتصدعة ، ولكن بو تمكنت  من سحب شركة بي ام دبليو الألمانية لصناعة السيارات للعمل في المقاطعة، و كجزء من الصفقة اتفقت مع شركة  بي ام دبليو بان تقوم الاخيرة على تقديم المساعدة للشركاء المحليين في مصنع بريليانس لصناعة السيارات لانجاح مشروع تصنيع سيارة تشونغ هوا الوطنية.
لقد كان شعار حكومة بكين ومنذ عام 1990  هو 'زو جوكو' الذي يمكن ترجمة الى " البحث في الخارج" ، والهدف منه هو المحاولة لتحفيز الاقتصاد الصيني من خلال توفير الخبرات والشركاء من خارج الصين.  بو ووزارتها وزارة التجارة لديها نشرة كاملة من المبادئ التوجيهية التي تسهل تحقيق شعار " زو جوكو" من خلال ضمان المعلومة والمعرفة  لكل مدير في الحياة التجارية في الصين ، بالاماكن التي يجب عليه التسوق منها . احدى تلك الأماكن هي ألمانيا ، حيث تريد الحكومة ان تستثمر الشركات الصينية في  مجال صناعة الالكترونيات ، ومصانع الأدوية وشركات الشحن" التخزين، الارسال، والتصاريح الكمركية او بيانات التسجيل".
واحدى القضايا الجوهرية في هذه السياسة هو التأكد من أن تكون بنوك الدولة لديها لمحة عامة عن ما هية تلك المشاريع التي ستمول بقروض منخفضة الفائدة. في بعض الحالات، تجري التطورات في الصين أسرع من أن يتصور الاستراتيجيين الصينين ذاتهم، احد الامثلة والمعروف على  نطاق واسع لدى الشركة المصنعة للكمبيوتر لينوفو في عام 2004 وهو اشبه بالانقلاب  وذلك من خلال شرائها قسم انتاج الكومبيوترات في شركة  آي بي إم.
لكن سياسة "زو جو كو"  او البحث في الخارج لها وجه اخر هو الفشل ففي عام 2005 ، منع الكونجرس الامريكى شركة الطاقة الصينية سينوك من شراء شركة النفط الامريكية يونوكال. واثارت القضية غضبا بين القادة في بكين. على الرغم من تلك الكبوات الا ان  الحزب الشيوعي يتمسك وبقوة في مساره ، وتماما تقترب معجزة البلاد الاقتصادية من التوتر  بين الواقع والتخطط  ، بين العقيدة الشيوعية والأعمال المزدهرة، وجزء من عمل او خطط المسؤولين في وزارة التجارة للمستقبل، هي اعدادهم لقائمة بالشركات التي يمكن ان تكون من شركات النخبة العالمية.

الاشباع السياسي:

 تخطط الصين ايضا لانتاج طائراتها النفاثة الخاصة التي تتسع لعدد كبير من الركاب ، وبالتالي اجبر الصينين  بوينغ وايرباص لتصنيع قطع غيار الطائرات الخاصة في المصنع ذاته  فى شيآن ،مقابل وعود صينية بشراء طائرات من ايرباص،كما أقنعت الحكومة الصينية  شركة الطيران الاوربية بان يتم تجميع نموذج طائرتها من طراز A320 في المستقبل في الصين هذا الاتفاق الذي يمنح شركة ايرباص بعض التوفيرات في التكاليف ، يتوقع أن تأمن الصين من خلاله خبرة قيمة ومذهلة في هذا المجال المهم الا وهو تصنيع الطائرات.
الطائرة من طراز A320 يتوجب البدء في تجميعها منذ عام 2008 كما هو متفق في مدينة تيانجين،والتي تقع  شمال شرق الصين  والتي فازت بهذا العقد بعد منافسة حامية مع  مدينتي شانغهاى وشيان ، وهذا الاسلوب بحد ذاته من وصفات نجاح الشيوعية حيث التخطيط  يتم في بكين ، و المحافظات والمدن تتنافس فيما بينها من اجل الحصول على فرص الاستثمار.

وانغ رونغ ، البالغ من العمر 48 عاما ، زعيم فرع الحزب في سوتشو ، تبعد ساعة ونصف تقريبا غرب شنغهاي.  كانت سوتشو سابقا معروفة في المقام الأول في جمالها وموقعها الجميل على نهر اليانغتسى على انها مدينة البندقية الصينية ، المشهورة بقنواتها الضيقة والجسور الحجرية. اما اليوم سوتشو مدينة صناعية تشهد نموا سريعا ، ويقطنها 10 مليون نسمة.
"
أنا لم احصل على ما يكفي من الطعام حين كنت طفلا" ، يقول وانغ ، الشكر، للاصلاحات التي قام بها دنغ شياو بينغ ،حيث ومنذ ذلك الوقت نجح في الحصول على التعليم الجامعي في هولندا، ومن خلال تجربة وانغ من الغرب، فهو لا يتحيز لا حد وبعيد عن الاحكام المسبقة، و يشبه مدير شركة خدمات حديثة " وظيفة الحزب هي مساعدة شركات العمل " يقول وانغ ".

وانغ رجل سياسي وهدفه الأساسي هو جذب الاستثمارات إلى منطقته ، ومشروعه الذي يحلم به،  بناء مجمع صناعي كبير، يظم شركات كبيره، يتم بنائها على يد خبراء من سنغافورة. ولدت فكرة المشروع في بكين، وبفضل حرض وانغ حصلت مدينة سوتشول على ذلك المجمع.  اليوم يمكننا ان نرى اسماء و شعارات لشركات كبيرة  مثل بوش ، وسامسونج و بينكيو على طول الشوارع والممرات العديدة والمستقيمة للمدينة ، وحيث كاميرات المراقبة تراقب حركة المرور في كل التقاطعات. وعلى امتداد الصين يعمل الموظفين المحليين في الحزب امثال وانغ من اجل ترويج وتشجيع التطور والتنمية ، ودائما هناك خطوات للامام وهذا ما يروق مدراء الشركات  .
واقع عمل بائس:
هناك ظاهرة اماكن العمل البائسة ، و تنتشر هذه الظاهرة على سبيل المثال فى غوانغ دونغ وشنتشن ، المدن التي بدأت فيها  المعجزة الاقتصادية الصينية منذ عام 1980 ، حيث وعلى طول الطريق الى هونغ كونغ هناك العشرات من مصانع النسيج والالكترونيات. كل العالم  كان يشتري بضائعه من هنا ، من "منطقة صادرات الصين الجنوبية"
 وقد اصبحت المنطقة في غاية  من الأهمية لشركة آي بي إم ، على سبيل المثال، والتي اختارت ان تنقل شعبتها العالمية للمشتريات الى شنتشن، المدينة التي يتقاطر عليها جيش من العمال النازحين، الذين  يتقاضون أجورا زهيدة ، بما في ذلك العديد من النساء الشابات اللواتي لا يمكن تمييزهن عن الأطفال لصغر حجمهن، يكدحن ليلا ونهارا في مصانع المنطقة ذات الاضاءة السيئة. هؤلاء العمال المهاجرون ينامون في مهاجع نوم مزدحمة بالقرب من المصانع، والتي، ولولا الغسيل المنشور خارج النوافذ ، لا يمكن تمييزها عن المصانع. العمال يجدون أنفسهم على ما يبدو في أي شيء تقريبا.  نادرا ما يرفضون العمل وعندما يحدث هذا الامر ، يكون ذلك للاحتجاج على المواد الغذائية غير الصالحة للأكل أو المساكن البائسة للغاية. في مثل هذه الحالات ، يتصل مديري المعامل  في الحزب على الفور ، ويقوم المسؤولين في الحزب بدورهم  بابلاغ الشرطة، وجدير بالذكر ان الاضرابات ممنوعة في الصين منذ عام 1982 ، حيث جرى ازالة حق الاضراب من الدستور .

مقاطعة غوانغ دونغ جنوب الصين تعتبر مثالا لاستغلال العمال الذي يجري في الصين، وهذا ليس راي نقابات العمال الغربية، وانما هو راي موظفي الحزب ، الذين يعتبرونها مرحلة تاريخية مؤقتة، لا مفر منها، ولابد من المرور بها ، تتطلب التضحية  الجماعية من اجل الارتقاء في الصين لتصبح قوة اقتصادية مستشهدين على ذلك في فلسفة كونفوشيوس التي تقول ان حكام البلاد دائما على حق.
 ولو مضينا وفقا  لرؤى رئيس الاستراتيجيين الصينيين ،فان غوانغ دونغ،وهذه المصانع  الكبيرة المغبرة والبالية  في المقاطعة  ستتحول في يوما ما الى مختبرات انيقة لصناعة التكنولوجيا العالية المزدهره، ولكن هذا يمكن ان  يحقق حلم جزء من السكان  في المقاطعة ، حيث يتعين على الحزب ان يوفير او يضمن وجود وظائف  للعمال الغير مهنيين النازحين الذين يتدفقون على المدن الكبرى عاما بعد عام.

ويسود الانقسام على طوال الوقت ،الحزب الشيوعي ، بين قصة نجاحة التاريخية من جانب ، والتحديات العالمية  وتلك التقاليد اللينينية من جانب اخر. الحزب يحكم بلدا فيه الفقر والغنى ، بلد فيه القليل من الناس يتمتعون بالضمان الاجتماعي ، بلد تحطمت طبيعته وبيئته، وما يفعله البعض من المسؤولين الفاسدين الذين يهدرون القدرات والثروات ،وهذا ما يدفع السكان لحالة هياج يوما بعد اخر. ويبقى من الصعب دائما حكم الصين ، على الرغم من أن هو جينتاو وغيره من كبار المسؤولين لازالوا يملكون قوة هائلة ،  ولازالوا يستطيعون ايضا فرض قوتهم وسلطتهم على  كل ركن من اركان الحزب.

المدرسة الحزبية:

وكي يتجنب القادة في بكين الدخول في  الصراعات او حدوث الانقسامات، وكي تتوسع دائرة وقوة الحزب ،فعلى القادة دوما اتخاذ التدابير والعمل على صقل الطاقات ومراجعة التوجهات. وكي يوسع الرئيس هو جينتاو  سلطاته  فهو يعمل على توظيف البعض من رفاقه في مناصب رئيسية. هذه ليست سوى بعض الطرق المستخدمة لضمان بقاء الناس داعمة او مساندة لخط الحزب. كما ان الواجب على جميع مسؤولي الحزب على مستوى عال المشاركة ، على الاقل في كل عام، بدورة حزبية لمدة اسبوع في مدرسة الحزب المركزية ، علما ان الحزب  يدير العديد من المدارس المنتشرة في جميع انحاء البلاد.

لم يتوقف الامر بحدود هذه الدورات ، بل ان روح التجديد قد شملت المدارس الحزبية  ايضا، وهذا يتم من خلال استضافة الاساتذة الكبار من الجامعات الاوربية مثل جامعة هارفارد كمحاضرين ضيوف في المدرسة الحزبية، بالاضافة الى ارسال مسؤولي الحزب وبانتظام لدورات تنشيطية ،في العلوم السياسية والاقتصاد، لاميركا وايضا لنخبة من الجامعات الفرنسية والبريطانية.  ويشعر البعض من المسؤولين وكانهم في منازلهم اثناء وجودهم في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في سويسرا قياسا بوجودهم في مكاتب الحزب في الصين.

واصبح اليوم الحق للتجار وغيرهم من العاملين في هذا الوسط في الحصول على عضوية الحزب قياسا الى ما سبق حيث كانت عضوية الحزب محصورة على العمال والفلاحين .

بهذه الخطوات يتكيف الحزب الشيوعي مع الواقع في الصين التي  انخفض عدد الشركات المملوكة للدولة  فيها من 238 الف شركة عام 1998 الى 150 الف شركة عام 2003، على الرغم من تلقي هذه الشركات 65% من القروض ، وبالمقام الاول من البنوك الحكومية ، فانها تشكل ربع حجم اجمالي الانتاج الصناعي في البلاد. كما وتعمل الشركات الخاصة على توظيف موظفي الحزب لديها، ففي مقاطعة شينغين الشرقية يتم توظيف المدراء المتقاعدين من مسؤولي الحزب، برواتب شهرية تتجاوز ال 12 الف دولار ، على امل الاستفادة من خبراتهم وعلاقاتهم  في الاتصال بمكاتب الحزب والحكومة.

تسلط الاضواء في الصين الان على تجربة جديدة ان جاز التعبير الا وهي ايجاد نظام جديد من الصفر، لا احد يمكنه ان يتنباء كيف سيبدو في المستقبل او كيف ستكون نتائجه، فالحزب الشيوعي الصيني ذاته منقسم او مشغول بالقضية الايديولوجية الاساسية، الى اي الحدود يمكن للصين ان تكون راسمالية ؟ والى اي الحدود تبقى اشتراكية او شيوعية ؟ وما هو مضمون تلك الفكرتين اليوم او محتوى تلك الفكرتين في يومنا الراهن؟ وهل على الحزب ان يحافظ على افكاره وسياسته؟

رفاهية للبيع:

من خلال وجهة نظر العالم الخارجي، هناك تساؤل كبير يطرح نفسه ، اذا تعلم الانسان من الصين، هل يتعلم الانسان الفوز؟

في بعض النواحي يمكن ان تكون البلد وبالتاكيد مثالا على تطور البلدان النامية . لقد انقذ الشيوعيون الصينيون حوالي 300 مليون انسان من الفقر " 10 اضعاف نفوس العراق او ما يقارب نفوس الولايات المتحدة الاميركية[4]" من خلال الاصلاحات التي قامو بها. وعلامات الازدهار واضحة في كل مكان، ليس فقط في شنغهاي وشين زين، حيث المحلات الفاخرة مثل  غوتشي، لويس فويتون وفيرساتشي والتي تجذب الطبقة الوسطى المتنامية.

 لقد اتسعت الطفرة الاقتصادية في الصين لتصل الى الاجزاء البعيد والاكثر حرمانا، الى اماكن مثل شينغ دو و شونغ غينغ، واخذت اعداد اصحاب الملايين بالدولار بازدياد مطرد، هناك 320 الف صيني  يملك كل واحد منهم خمسة ملايين دولار، واصبح الاغنياء ايضا من المقربين للحزب والمؤيدين له، لما له من دور في ضمان ثروتهم.

اما جيش العمال من المهاجرين من الارياف الى المدن الكبيرة ، لا يتامل منه ان يقوم بثورة او عصيان ضد الحزب لطالما هناك تحسن ولو طفيف في حياتهم وحياة عموم سكان الصين في كل عام، هذا ما سيبقي قيادة الحزب للصين قوية في الحكم ومتضامنه.

ماذا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية البيئة؟  النمور الاسيوية الاقتصادية ، مثل كوريا الجنوبية وتايلاند يجربون اساليبهم السلطوية في التحكم وضبط النظام ، لطالما هناك نمو اقتصادي للحفاظ على انتاجها  الكثيف من المنتجات مثل القمصان والتلفزيونات وكثرة  في الايدي العاملة  ومكافأت العمل،  فسيكون هناك حياة لانظمتهم.

 ولكن عندما بدأوا انتاج المزيد من منتجات التكنولوجيا العالية ،واصبحوا أكثر ارتباطا مع الشبكة العالمية ، اصبح لهذا من الصعب عليهم  ايضا إدارة الاقتصادات التي تزداد تعقيدا  من خلال المراسيم العليا او القرارات الفوقية.

المعجزة الاسيوية التي امتدحها  البنك الدولي ، تحطمت خلال الازمة الاقتصادية في اسيا عام 1997، وكما  هو الحال في الصين اليوم، فان بنوك الدولة هي التي كانت تحفز وتنشط بناء المصانع  والعقارات من خلال القروض الرخيصة ،ولهذا فان الخوف اصاب المستثمرين الغربيين انذاك ودفعهم لسحب اموالهم وهروبهم  من ما ينظر اليه على انه الراسمالية القائمة على المحسوبية والفساد، حينها اضطر صندوق النقد الدولي  باجبار النمور الاقتصادية الاسيوية  لرفع هياكلها المالية الى مستوى المعايير الغربية ، "وجدير بالذكر بان تلك الازمة الاقتصادية ادت الى سقوط حكومة سهارتو في اندونيسيا ".

المصارف والبنوك الحكومية في الصين لديها ايضا المليارات من الدولارات التي تعد قروض غير امنه، هذا يدفع بطرح سؤال، متى تنفجر الفقاعة؟ هذا هو جوهر المحادثات اليومية  في حانات الفنادق الفاخرة في بكين وشنغهاي، حيث لقاءات رجال الاعمال كل مساء، حين يجتمعون لتناول مشروبهم بعد نهاية يوم العمل . الا ان الصين عكس اقتصاديات النمور، لديها وضع افضل  لمواجهة المضاربين. بالاضافة الى ما تملك من المناطق الشاسعة غيرالمكتشفة والتي تقع تحت تصرفها، وعلى ضوء تلك الظروف يمكن التوقع للاقتصاد نظريا الاستمرار في النمو لعشرات السنوات القادمة  . 

لكن حتى لو حافظت الصين على نموها وتفادت ازمات خطيره، سيبقى على الستراتيجيين الشيوعين التعامل مع  سؤال بقائهم؟ حيث وكلما زادت الشركات الخاصة مثل شركة الكومبيوترات لونوفو وزاد الاعتماد عليها كلما قل الاعتماد على الحزب او الحاجة له، كما هو حال شركة سوني التي  حررت نفسها من الاعتماد على الصناعة اليابانية ووزارة التجارة  في اليابان.

تشانغ يون، استاذ الاقتصاد في جامعة فودان في شنغهاي ، لا يرى تناقضا بين  تخطيط الدولة والمبدء الاساسي لاستقلالية السوق،" ان دور الدولة مجرد اداة مساعدة للصين ،لاكمال التحول التاريخي الى اقتصاد السوق"، كما يرى تشانغ يون.

 

 



[1]  هذا التقدير او الرقم هو لعام 2007
[2]  دراسة اللغة او الاداب الصينية او التاريخ والثقافة الصينية sinologist   
[3]  "ترفع اصبعها" اي الاصبع الوسط من اليد! هو لفظ يدل على الاستهزاء من الاخر  بهذه المعنى يستخدم هنا في النص.
[4]  الملاحظة من المترجم
التوضيحات السابقة ادرجتها شخصيا للتوضيح.