الثلاثاء، 8 أكتوبر 2013

معايشة ميدانية لواقع عمالة الأطفال في مدينة أربيل ... !! شه مال عادل سليم


اطفال بعمر الزهور , يرتدون ملابس مهترئه و رثّة , اجسادهم نحيفة و وجوههم شاحبة وعيونهم مليئة بالألام والحسرات , انهم ينتشرون في شوارع وطرقات مدن اقليم كردستان  لبيع العلكة او المحارم او السكاير ـ الدخان ـ او مواد بسيطة وصغيرة بحجم اياديهم الناعمة والمتشققة من جور وقسوة الحياة او من تنظيف زجاج سيارات او مسح احذية على الارصفة ....وغيرها من الاعمال التي تشكل لهم مصدراً للدخل بعد صراع مرير ويومي على ارصفة الطرق وفي الشوارع او عند الاشارات المرورية لتكون الحصيلة اخر النهار بضعة الاف من الدنانير ....لا تسدّ الاّ جزءاً بسيطاً من احتياجات ومتطلبات عوائلهم الكثيرة ...

ان اطفالنا في العراق اليوم يعيشون البؤس والفاقة والحرمان ...وان نسبة كبيرة منهم قد تسربت من مقاعد الدراسة الى الشوارع لتعمل باي عمل حتى( التسول) وللأسف من اجل اعانة اهلهم وذويهم من اجل سد رمق الحياة في ظل دولة نفطية غنية كبلدهم ـ العراق ...!!


  ) أحاديث على قارعة الطريق ( :

قررت ان اعيش تجربة (سامان  بروفيشنال او سامان الصباغ  ) البالغ من العمر 11 عامأ, فانطلقت صباح يوم الاثنين المصادف( 14 ـ 8 ـ 2013 ) إلى المقهى ( مجكو ) بالقرب من الباب الرئيسي لقلعة أربيل التاريخية وجربت ان اعيش يوم من حياة صباغ الاحذية  تحت لهيب  الشمس الحارق......وعلى الرصيف الذي يضم اكثر من صباغ للاخذية ....

حملت مع ( سامان  وشقيه كارزان ) الصباغ صندوقهم المرصع بالنجوم وعلى جوانبه فرشات متنوعة الأحجام والألوان ... ومضينا  إلى مساحةٍ اعتادوا الجلوس فيها كل يوم وهم ينتظرون  أن تأتي من بعيد أصوات الأحذية تحمل معها قوت يومهم، هكذا يقضي  ( سامان وكارزان ) يومهم مع  رفاقهم وصناديقهم الخشبية وهم يتنافسون من اجل  كسب لقمة عيشهم الحلال .

يحدق (سامان)  الصباغ المعروف بـ( سامان بروفيشنال ) ،  بأحذية المتواجدين والمارة أمام (مقهى مجكو) في جو لايمكن وصفه من حيث شدة الحرارة وسخونة الأرض ويبادرهم بابتسامة طفولية بريئة وهو يقول: (  مامۆستا پێڵاوەکانت بۆیاغ کەم ) ...اي " أتريد أن أصبغَ حذاءك سيدي "   ؟


                                      (  سامان وكارزان اثناء العمل بالقرب من مقهى مجكو )

(جلست معهم  في انتظار الزبائن)  ....  !!

هكذا بدأ حديثه معي صديقي صباغ الأحذية ( سامان بروفيشنال ) الذي يصر على أن الظروف كانت وراء اختيار مهنته حيث قال: لقد توفي والدي وأنا صغير فوجدت نفسي ابحث عن عمل لتوفير لقمة العيش، حيث كان احد أصدقائي يعمل صباغ أحذية فأخذت أتعلم منه ثم صنعت صندوقي الخاص واشتريت أدوات الصبغ من الفرش الانكليزية المصنوعة من شعر ذيل الحصان والأصباغ الايطالية وقطع القماش لتلميع الاحذية والملمعات الاصلية ومنذ ذلك الوقت وأنا أمارس هذه المهنة مع شقيقي الاصغر( كارزان ) لأنها لا تحتاج الى شهادة ولا واسطة ......!!

 بينما قال شقيقه ( كارزان البالغ من العمر 9 عامأ  ) والذي اسودت اصابع يده الصغيرة  من صبغ الأحذية: اعمل مع شقيقي( سامان ) في هذه المهنة  منذ فترة ليست طويلة , وقد اصبحت معروفأ ولدي زبائن دائميين ... لان الكل يعرف بان الاصباغ والفرش التي استعملها هي اصلية وليس مغشوشة ..  ان هذه المهنة متعبة وشاقة، لكنها والحمد لله، تسد احتياجاتنا .....!!

 ان معظم صباغي الأحذية في اربيل ومدن اقليم كردستان الاخرى من الأطفال ، وهم يبدون غير مقتنعين بمهنتهم بسبب مخاطر الشارع  والنظرة الاجتماعية السلبية لهذه المهنة، لكنهم رغم ذلك مستمرون بممارستها تحت ضغط الحاجة.......وان الاغلبية منهم تركوا دراستهم واضطروا للعمل من اجل توفير المال واعالة عوائلهم ...

ان حال هولاء الاطفال لا يختلف عن غيرهم ممن اضطروا للعمل في هذه المهنة، فهناك في أسواق اربيل الشعبية الكثير ممن دفعتهم صعوبة توفير لقمة العيش الى الانخراط بهذه المهنة الشاقة ..... , بالاضافة الى الناحية الاخطر، وهي انحرافهم عن حياة اسرية سليمة بالمعنى العلمي والاجتماعي والصحي لمفهوم الاسرة ....

 

(على حكومة الاقليم ان تلتفت إلى معاناة هذه الشريحة المهمة في المجتمع الكردستاني) :

نعم ... يجب أن تحاط  هذه الشريحة بجميع أشكال الرعاية وبكافة الحقوق الإنسانية من حق التعليم والصحة الجسدية والنفسية، بعد ان  هجروا مقاعد الدراسة قسرأ  وتعرضوا إلى أنواع عديدة من نكران الحقوق والاحساس بالتشرد والضياع والاهانة والشعور بالنقص ، واضطروا إلى القيام بأعمال شاقة لتوفير لقمة عيش مغموسة بالألم لأنفسهم ولأهلهم ولمجتمعهم .

اخيرأ لم يبقى لي الا ان اسأل كل من يهمه امر هؤلاء الاطفال ـ شباب الغد ـ واقول :
الم يحن الوقت ان نقف بثبات ونقول كفى لسرقة طفولة اطفالنا وبيعهم بابخس الاثمان ؟
الم يحن الوقت لنقول نعم للبناء ..ولكن بناء البشر قبل الحجر؟
الم يحن الوقت لنعمل من اجل سعادة ورفاهية اطفالنا اليوم ـ شباب الغد ؟
نعم ان اعادة تاهيل اطفالنا هي التحدي الاكبر امام الحكومة العراقية والكردستانية وتحديدا في مسألة التنمية والتطور والتقدم لبناء عراق حر, ديمقراطي ومزدهر ...
ان اطفال العراق يتعرضون الى كارثة مروعة غير مسبوقة في تاريخ العراق الحديث  ... وان تحسين تلك الظروف وضمان مستوى معيشي لائق للاطفال وعوائلهم هو مسؤوليتنا المشتركة !! فعلينا تامين الظروف المناسبة والصحية لضمان عيش ملائم لأطفالنا ينعكس ايجابا على حياتهم وحيوات عوائلهم العامة ، الذي لاينعكس الاّ ايجابا حتماً على حياة مجتمعنا ككل ...في وقت ينشغل الكل باعطاء وعود بمستقبل زاهر للعراق والعراقيين و بالاهتمام ببرامج ورعاية الامومة والطفولة والايتام في عراقنا الجديد ......!!

نعم اعطاء وعود بمستقبل زاهر للعراق والعراقيين .....ولكن بلا تطبيق ؟!!

فأين واجبات الحكومة تجاه  رعاية الاطفال والطفولة  ...؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

أكدت منظمة أطفال الحرب "ورتشايلد" المعنية بالدفاع عن حقوق الأطفال حول العالم في تقريرها أن العراق أصبح واحدا من أسوأ الأماكن للأطفال في الشرق الأوسط .. مشيرا إلى أنه ثاني أكبر دولة في المنطقة من حيث صغر أعمار السكان، حيث يشكل الأطفال والشباب56% من سكان البلاد البالغ عددهم 33 مليون شخص, وأضاف التقرير أن هناك تراجعا في المستويات التعليمية للأطفال بالاضافة الى أنه لا توجد رعاية كافية للأجيال الأصغر سنا .

 

 

اربيل





 

 

 

.

 




 

.

العنف والعدوانية في زمن الكوليرا... مرتضى القزويني مثالا

 

كان اكثر الكتاب المناهضين للحكم الفاشي البعثي يصفون عهدهم بعهد الطاعون البعثي، لما سببه من خراب ودمار على مختلف الصعد بحق الانسان والوطن منذ الفتوى التي اباحت لهم قتل الشيوعيين والوطنيين العراقيين اثر انقلابهم الدموي الذي ادخل البلد الى نفق مظلم برضا المؤسسة الدينية ومباركتها لهم الى يومنا هذا. تلك المؤسسة التي لم تنسى حينها ولليوم الموقف الرجولي والبطولي لقادة ثورة تموز ضد حلفائها من عشائر واقطاع والاهم منهما موقف ثورة تموز ضد حلف السنتو وبريطانيا راعية الحركات الدينية في العالم الاسلامي ليومنا هذا، اضافة الى موقفها من الحبل السري للمؤسسة الدينية اي ايران سواء كانت شاهنشاهية ام خمينية والتي لازلت صوره "الخميني" بالحجم الكبير تحتل وسط بغداد برضا الحكومة الطائفية والمؤسسة الدينية والاحزاب الاسلامية الشيعية في عملية امتهان للوطن وقدسيته، اذ لايرى كل من يحمل ذرة من كرامة ووطنية سببا واحدا يدعو الى تقبيح وجه بغداد الخربة "القبيحة للاسف الشديد بآلاف الصور" بصور الخميني والخامنئي.

 

ونتيجة طبيعية لجنوح الاوضاع في البلد من سيء الى اسوأ منذ الاحتلال لليوم ولعدم استطاعة القوى الطائفية والقومية من تلك التي تمتلك القرار السياسي في ترسيخ دولة القانون لبناء وطن معافى من ادران البعث وطاعونه المميت، ولان العنف والارهاب قد افلتا من عقالهما ليدمرا بشكل ممنهج بقايا بلد وشعب كان يتوقع ان يلملم "ساسته" الجدد جراحه فان الطاعون البعثي بقي مستمرا بصيغته الطائفية القومية. ولكي نميز بين العهدين الكارثيين بالعراق من ناحية الوباء اللذان يحملانه اطلقنا اليوم صفة الكوليرا والتي اريدها اسلامية طائفية مقارنة بالطاعون البعثي الذي لازالت بعض مناطق العراق وخصوصا في المناطق "السنية" تحتضنه ومجرمي القاعدة ليهددا السلم الاهلي نتيجة ارهابهم الغير محدود، اضافة الى عجز الحكومة وافتقارها الى حلول سياسية لبناء اسس جديدة في العلاقات بين ابناء الوطن الواحد، تحد من العنف والعنف المضاد الذي ازهق لليوم حياة مئات الالاف من ارواح الابرياء اما لكونهم شيعة او لكونهم سنّة، حيث يقتل "الشيعي" بعدوانية وعنف "السنّي" ويقتل "السنّي" بعدوانية وعنف "الشيعي". ولم يقف الامر على قتل ابناء المذهبين لبعضهما البعض نتيجة الدور الغير واع للعديد من رجال دين الطائفتين والاحزاب الدينية الطائفية وعجز وفشل الحكومة فقط، بل تعداه الى قتل وتهجير ابناء الاديان والطوائف غير الاسلامية  وتدمير البنى التحتية وضرب مصالح الدولة وتفجير بيوت الله الذي يدّعون عبادته. وبدلا من ان يلتفت رجال دين الطائفتين لاصلاح امر دينهم بالحكمة والموعظة الحسنة نراهم يحرضون على العنف علانية فمنهم من يقف تحت منصات العار مهددا العملية السياسية برمتها وبالتالي السلم الاهلي  "كرجال الدين في تظاهرات المناطق "السنية"، ومنهم من يريد ان يستغل ضعف الوعي السياسي عند الجماهير وتعاطف الدولة معه بالتحريض على العنف لقتل الشيوعيين والعلمانيين في سابقة خطيرة قد تعيد مجازر شباط الاسود وبشكل اكثر عنفا الى واجهة الاحداث ثانية. ومن "رجال" الدين هؤلاء رجل دين ايراني يدعى مرتضى القزويني وقزوين محافظة ايرانية تقع الى الشمال الغربي من ايران وعاصمتها تحمل نفس الاسم. وقبل ان استطرد في مقالتي هذه ساعرج على لسان العرب لمعرفة المعنى اللغوي "للعنف" و"العدوان" الذي يتميز به العديد من رجال دين الطائفتين الذين قسموا المجتمع طائفيا اليوم وهم في طرقهم لتقسيم البلد .

 

العنف في اللغة:

 

يعرف معجم لسان العرب (العنف) بأنّه الخُرقُ بالأمر، وقلة الرفق به، وهو ضد الرفق. عَنُفَ به وعليه، يعنُفُ عنفاً وعنافة واعنفه وعنفه تعنيفاً، وهو عنيفٌ إذا لم يكن رفيقاً في مالا يُعطي على العنف.

والعنيف: الذي لا يُحسن الركُوب وليس له رفق بركوب الخيل واعنف الشيء: أخذه بشدة. واعتنف الشيء: كرهه.

والتعنيف: التعبير واللوم، التعنيف، التوبيخ والتقريع واللوم

وعنف: العين والنون والفاء، أصل صحيح يدل على خلاف الرفق وقول الخليل: العُنف ضد الرفق. تقول عَنفَ، يعنف عنفاً، فهو عنيف، إذا لم يرفق في أمره.

العدوان في اللغة:

 

هو الظلم الذي يتجاوز فيه الحدّ، وهو مصدر من عدا يعدو عدواوعدوّا وعدوانا وعداءالّتي تدل على تجاوز الشيء وتقدم لما ينبغيان يقتصر عليه، قال الخليل: التعدّي: تجاوز ما ينبغي ان يقتصر عليه، والعادي: الذي يعدو على الناس ظلما وعدوانا. ويقال: عدا فلان طوره، ومنه العدوان، قال: وكذلك العداء والاعتداء. قال: الظلّم الصّراح، والاعتداء مشتق من العدوان. اما حول تعريف العدوان اصطلاحا..

 فان المناوي يقول: العدوان أسوأ الاعتداء في قول او فعل او حال.

والجرجاني يقول: العداوة: ان يتمكن في القلب قصد الاضرار والانتقام.

اما الراغب بيقول: العدو هو الذي يتحرى اغتيال الاخر ويضادّه فيما يؤدي الى ضرره.

 

كما ويعرف العدوان بأنه كل فعل يتسم بالعداء تجاه الموضوع أو الذات ويهدف للهدم والتدمير، نقيضاً للحياة في  متصل من البسيط إلى المركب. ويكون العدوان مباشراً على فرد أو شيء هو مصدر الإحباط في صور مختلفة سواء باستخدام القوة الجسمية أو بالتعبير اللغوي أو الحركي.

أما (شابلين) فيعرف العدوان بأنه هجوم أو فعل معاد موجه نحو شخص ما أو شيء ما. كما يعني الرغبة في الاعتداء على الآخرين أو إيذائهم والاستخفاف بهم أو السخرية منهم بأشكال مختلفة بغرض إنزال أضرار عقوبة بهم أو إظهار التفوق عليهم(1).

ويعرف (دولارد وميللر) العدوان باعتباره فعلاً يكون هدفه إصابة الكائن(2).

أما السلوك العدواني فيعرف بأنه تهديد لحياة الآخرين.

ويعرف الغضب بأنه عدم الرضا عن شيء يجري(3).

وهنا يفرق المؤلف بين السلوك العدواني والغضب بقوله أن الأفراد العدوانيين، يمضون في عدوانيتهم حتى يصبحوا خطراً ويتمثل في سلوكهم العنف الخطير، أما الغضب فينتهي بانتهاء الموقف الذي أحدثه.

ويرى (برو كوفيتز)، أن السلوك العدواني يفترض انه مسبوق بوجود إحباط(4).

ولكن ليس دائماً، فربما يؤدي الإحباط المتكرر إلى استثارة السلوك نحو العدوان، وربما تكون ردة فعل تسمى أحياناً بالغضب، وخاصة إذا لم يتحقق للهدف استجابته النهائية .. فليس كل عدوان يكمن خلفه إحباط، وليس كل غضب يكمن خلفه دوافع للسلوك العدواني*.

 

ان تامين حياة الانسان وحقوقه سواء كان هذا الانسان فردا او جماعة او تنظيما سياسيا او نقابيا او غيره من اشكال التجمعات التي يكفلها الدستور هو الذي يترجم مفهوم سيادة دولة القانون وليس شيئ آخر. وهو الذي يمنع اي شكل من اشكال الاضطهاد والتعسف التي تقوم بها الدولة او الجماعات الكبيرة على التي اقل منها عددا، كما وعليها اي الدولة بمحاسبة من يدعو الى العنف والكراهية والعدوان وفقا للقانون سواء كان صادرا من حزب او منظمة او جماعة سياسية او غيرها، او كان صادرا من جهة اعلامية مرئية ام مسموعة ام مقروءة، او كان صادرا من شخص ما وبغض النظر عن المركز الاجتماعي والسياسي لهذا الشخص على اساس ان المواطنين سواسية امام القانون ومنهم كذلك المقيمون والاجانب الذين لاتوجد اتفاقات رسمية بين بلديهما تنص على افضليتهم بالتمتع بمحاسبة قانونية في بلدهم الاصلي عند ارتكابهم جرما يحاسب عليه القانون. وتعتبر الدعوة الى العنف والتحريض عليه من اولى اسس الانفلات الامني الذي يتطور بتجاهل الدولة له لاسباب مختلفة "تعتبر شريكا في هذه الحالة" الى ما يهدد السلم الاهلي والمجتمعي والذي يؤدي الى انتاج حرب اهلية تتحمل الدولة مسؤوليتها الاخلاقية فيه لعدم منع العنف واعتقال من دعا وروج اليه وفق القانون.

 

ان الدعوة والتحريض على القتل التي افتى بها المدعو مرتضى القزويني تعرضه وقناة الانوار الفضائية الى المسائلة القانونية  امام القضاء العراقي، حيث تقول المادة "170" من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 " يعاقب بالسجن مدة لاتزيد على عشر سنوات من حرض على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المواد 156 – 169 ولو لم يترتب على التحريض اثر" وهذا يعني معاقبة الذي اطلق التحريض والوسيلة التي اطلق تحريضه من خلالها ان كانت مقروءة او مسموعة او مرئية، وان لم تحدث جريمة نتيجة تحريضه لعدم قناعة احد بما جاء به . كما وينص القانون الجنائي العراقي على اعتبار من اطلق التحريض على القتل شريكا فيها حيث تقول المادة 48 من قانون العقوبات اعلاه " يعد شريكا في الجريمة من حرض على ارتكابها فوقعت بناء على هذا التحريض" اما المادة 49 من نفس القانون فانها تنص على " اعتبار المحرض فاعلا اصليا للجريمة اذا كان حاضرا اثناء ارتكاب الجريمة او ارتكاب اي فعل من الافعال المكونة لها". اما الدستور العراقي فانه ينص صراحة في المادة 29 رابعا" تمنع كل اشكال العنف والتعسف في الاسرة والمدرسة والمجتمع" . ان قناة الانوار الفضائية هي الاخرى تعتبر محرضة على الارهاب لبثها خطب وبيانات تحرض على العنف والكراهية ويجب معاملتها وفقا للقوانين الاعلامية العراقية التي اغلقت لنفس الاسباب قنوات فضائية عديدة ولعدة مرات كالجزيرة والبغدادية وغيرهما، لانهما كانتا تدعوان بشكل صريح الى الكراهية والقتل وخصوصا قناة الجزيرة ما يؤدي الى اشاعة الفوضى في المجتمع والمساس بامنه. ان التحريض على القتل اضافة الى انه مرفوض اخلاقيا وقانونيا، فانه مرفوض دينيا ايضا ولكن لمن يعرفون الدين وليس تجّاره من سارقي قوت الفقراء او المساهمين بسرقته لانه سيؤدي الى تكفير الاخرين واتهامهم بالمروق والخروج عن الدين ما يجعلهم عرضة للاذى الجسدي والمعنوي من مريدي رجل الدين ذاك او غيرهم ممن يوصفهم الادب الديني بالغوغاء، وهذا ما يتعارض مع القوانين العراقية السائدة اضافة الى القوانين الدولية التي وقع العراق عليها باعتباره عضوا مؤسسا للعديد من المنظمات الدولية التابعة للامم المتحدة والمهتمة بحقوق الانسان.

 

ان الذين يفجرون بيوت الله هم الطائفيون السنة والشيعة وليس الشيوعيين والعلمانيين يا مرتضى، ان الذين يسرقون المال العام دون ان تنبس وامثالك ببنت شفة هم الطائفيون من احزاب الاسلام السياسي وليس الشيوعيين والعلمانيين يا مرتضى، ان الفاسدين والمرتشين هم احزاب الحكومة التي انت جزء منها وليس الشيوعيين والعلمانيين يا مرتضى، ان من يسرق اموال الارامل والايتام ويجعلهم جوعى لسرقة بطاقتهم التموينية هي حكومتك الطائفية وليس الشيوعيين والعلمانيين يا مرتضى، ان من يرهن الوطن عند بدو الصحراء او ابناء جلدتك في طهران هم طائفيي المذهبين وليس الشيوعيين والعلمانيين يا مرتضى، ان الذي يقطع عن ابناء النهرين مياه الانهار هم حماة طائفيي السلطة في طهران وانقرة وليس الشيوعيين والعلمانيين يا مرتضى، ان الذين يسيئون لمقدسات المسلمين هم انتم ونظرائكم في الطائفة الاخرى وليس الشيوعيين والعلمانيين يا مرتضى. يا مرتضى انظر بضمير حي ان بقي لك منه شيئا الى من هم حولك من البائسين والمعدمين الذين سرقت وامثالك من المعممين والسلطة التي تتغاضى عن جرائمكم وقارنها بما تمتلك وامثالك من ثروات واعرضها على الدين لنرى ان كانت منه شيئا، يا مرتضى ان من حرّف القرآن هو انت وليس الشيوعيين والعلمانيين حين حرفت ما جاء في سورة آل عمران عندما اضفت آل محمد الى الآية التي تقول " ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالم اجمعين"، وسؤالي هنا موجه الى المرجعية الدينية في النجف وكل علماء الدين الاسلامي ان ما هو عقاب من يحرف كلام الله ويتهم الامام السادس عند الشيعة بقوله ان القرآن محرف لانهم "السنة" حذفوا عبارة آل محمد من الاية المذكورة.  

على الشيوعيين والعلمانيين في التيار الديموقراطي يامرتضى ان يقيموا عليك وعلى قناة الانوار دعوى قضائية بتهمة التحريض على القتل والترويج له، وان لم يفعلوا "لظروف قاهرة" فعلى العلمانيين والشيوعيين خارج العراق ان يتحركوا لتقديم شكاوى قضائية بحقك وحكومة العراق التي لاتحاسبك امام المحاكم الاوربية بتهمة التحريض على القتل العلني واشاعة الكراهية وتهديد السلم المجتمعي بالعراق لخطر الانزلاق الى حرب اهلية حيث سيذهب ضحيتها مئات الالاف من الابرياء. ختاما اود ان اقوللك يا مرتضى من انك لست برجل دين لان رجل الدين يدعو الى الالفة والتسامح او هكذا يجب ان يكون، لانك عبارة عن مشروع طائفي وجاهل ومتطرف وخبيث وفي خدمتك وسيلة اعلامية على الدولة اغلاقها قبل ان يسبق السيف العذل، مرتضى انك وباء بل انك الكوليرا بعينها.

 

 

ايها الشيوعيون العراقيون ايها العلمانيون من اين حشرت عليكم البهائم اليوم.

 

1-فرج عبد القادر طه، موسوعة علم النفس والتحليل النفسي، مصدر سابق، ص480.

2-  ت. أ أنسكو و. ج. سكوبلر، علم النفس الاجتماعي التجريبي، ترجمة عبد الحميد صفوت إبراهيم، مطابع جامعة الملك سعود/الرياض (1993)، ص380 .

3- ديانا هيلز وروبرت هيلز، العناية بالعقل والنفس، ترجمة عبد علي الجسماني، الدار العربية للعلوم، بيروت (1999)، ص218.4- 4 ت. أ. انسكو و ج. سكوبلر / مصدر سابق "غوغل"*.

 

زكي رضا

الدنمارك

25/8/2013

اضاءات في العقل نـــــــــــــــزار حيدر



   في واحدة من اعظم اقوال الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) استاذ ائمة كل المذاهب الاسلامية ومنها المذاهب الاربعة، والذي نعيش هذه الايام ذكرى استشهاده في الخامس والعشرين من شهر شوال (148 للهجرة) يقول عليه السلام {من كان له عقل كان له دين، ومن كان له دين دخل الجنة} وهو قول يستمده الامام من السلسلة الذهبية التي تبدا بجده رسول الله (ص) والذي قال {قوام المرء عقله، ولا دين لمن لا عقل له} او قوله (ص) {إنما يدرك الخير كله بالعقل، ولا دين لمن لا عقل له} وكذلك في قول امير المؤمنين عليه السلام {لا دين لمن لا عقل له} وقوله عليه السلام {ما آمن المؤمن حتى عقل}.

   هذا يعني ان العقل هو المحور وليس الدين، وان من يحاول فهم الحياة والدين والاخرة بلا عقل واهم وعلى خطا، ولعل سبب كل مصائبنا اليوم وكل هذا الاقتتال والقتل والذبج والتدمير والتكفير والغاء الاخر والكراهية وغير ذلك من الامراض العويصة التي ابتليت بها شعوبنا، سببه اننا نحاول ان نفسر الحياة بالدين او نهتدي اليها بالدين، او اننا نطل على الدنيا والدين والاخرة بلا عقل، اي بالدين المجرد عن العقل.

   فلو سالنا سائل، ترى ايهما اهم العقل ام الدين؟ لاجبناه مسترسلين، بالتاكيد هو الدين، فهو المحور وهو المبتدا والمنتهى، اما مدرسة اهل البيت عليهم السلام فتجيب نقيض ذلك، اذ يقول الامام الصادق (ع) مثلا، وكما مر آنفا، ان العقل هو الاساس، فبه يدرك الدين وبه تدرك الحياة وبه تدرك الاخرة، وكل شيئ.

   تعالوا معا نتدرج في فهم الموضوع لحساسيته، قبل ان نقبله او نرفضه، وذلك من خلال طرح السؤال التالي: ايهما خلق الله اولا، العقل ام الدين؟ اذا اجبنا على السؤال بشكل سليم يعتمد النص والمنطق، عندها سنعرف ايهما اهم وايهما هو المحور، لان المخلوق الاول هو الذي يهدي الى كل مخلوق آخر، اليس كذلك؟ اذ لا يعقل ان يهدينا المخلوق الثاني او الثالث او الرابع، مثلا، الى المخلوق الاول، فايهما خلق الله اولا؟.

   يقول تعالى في محكم كتابه الكريم {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} والعرض تزامن من خلق الانسان، ما يعني ان الله تعالى خلقه اولا، ثم تتالت بعثة الانبياء والرسل، لان في لحظة الخلق لم يرسل نبي او رسول بدين لاحد.

   يقول رسول الله (ص) {أول ما خلق الله العقل قال له: أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم علي منك، بك آخذ وبك أعطي وبك أثيب وبك أعاقب} وفي حديث آخر عنه (ص) {اول ما خلق الله العقل} وقول الصادق والكاظم عليهما السلام {ان الله جل ثناؤه خلق العقل وهو اول خلق خلقه من الروحانيين عن يمين العرش من نوره}.

   اما امير المؤمنين عليه السلام فيقول شارحا فسلفة بعثة الرسل والانبياء {فَبَعَثَ فِيهمْ رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إلَيْهِمْ أنْبِيَاءَهُ، لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِىَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ} وهذا يعني ان العقل كان مخلوقا عندما بعث الله الرسل والانبياء بالدين والرسالات، والدليل على ذلك هو وصفه عليه السلام بان الدين لاثارة العقل، ما يعني انه كان مخلوقا عند البعثة.

   كما ان الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام يقول في هذا الصدد {ان لله على الناس حجتين، حجة ظاهرة وحجة باطنة، فاما الظاهرة فالرسل والانبياء والائمة عليهم السلام، واما الباطنة فالعقول} وهي اشارة واضحة الى ان العقل، الحجة الباطنة، سبق الدين، الحجة الظاهرة.

   ولكل ذلك وردت النصوص الكثيرة التي تمجد بالعقل وانه محور الدين والعلم والفهم والحكمة والعمل الصالح وكل شيئ، منها على سبيل المثال لا الحصر{العقل اقوى اساس} {العقل صلاح كل امر} {العقل حسام قاطع} {العقل رسول الحق} {العقل افضل موجود} {لا غنى اخصب من العقل} {لا غنى اكبر من العقل} {اغنى الغنى العقل} {زينة الرجل عقله} {الجمال في اللسان، والكمال في العقل} {اصل الانسان لبه، وعقله دينه} {مثل العقل في القلب، كمثل السراج في وسط البيت} {لا يستعان على الدهر الا بالعقل}.

   تاسيسا على ذلك، نفهم بان العقل هو الاهم وهو المحور، ولذلك فان الله تعالى يحاسب بالعقل وليس بالدين، وهو الذي يتميز به كل انسان عن الاخر، فلقد ورد عن رسول الله (ص) قوله {اذا بلغكم عن رجل حسن حال فانظروا في حسن عقله، فانما يجازى بعقله} وعن انس بن مالك قال: اثنى قوم على رجل عند رسول الله (ص) فقال رسول الله (ص) كيف عقله؟ قالوا: يا رسول الله نخبرك عن اجتهاده في العبادة واصناف الخير، وتسالنا عن عقله؟ فقال: {ان الاحمق يصيب بحمقه اعظم من فجور الفاجر، وانما يرتفع العباد غدا في الدرجات وينالون الزلفى من ربهم على قدر عقولهم} وقوله {ان الرجل ليكون من اهل الجهاد، ومن اهل الصلاة والصيام، وممن يامر بالمعروف وينهى عن المنكر، وما يجزى يوم القيامة الا على قدر عقله} وكذلك ما اشار اليه الامام محمد الباقر عليه السلام في معرض ذكره للحديث القدسي الشريف عن الله تعالى انه اوحى الى موسى عليه السلام {انا أآخذ عبادي على قدر ما اعطيهم من العقل} وقوله عليه السلام {انما يداق الله العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا}.

   ولاولوية العقل، فان الله تعالى اوجب على الانسان ان يؤمن بالعقيدة عن عقل وليس عن تقليد، ولذلك حرم الله تعالى الايمان باصول الدين وهي، التوحيد والنبوة والمعاد،  بالاضافة الى العدل والامامة، بالتقليد، وانما فرض الايمان والاعتقاد بها بالعقل فقط.

   والان....لنعرف ما الذي يترتب على العقل؟ اي ما هي فائدة العقل، لا زال هو المحور؟.

   اولا: سرد التاريخ وقصص الامم الماضية للعاقل، فلا يستفيد منه الجاهل {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ* إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد} و {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.

   ثانيا: الايات للعاقل، اما الجاهل فلا تفيده في شيء {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ} و {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ}.

   ثالثا: وعي القرآن بالعقل {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}.

   رابعا: العبادة بالعقل وليس بالجهل {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}.

   خامسا: الانتاج في الحياة بالعقل {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ}.

   سادسا: القانون والنظام للعقلاء {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ* كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} و {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

   سابعا: الدين والانذار والاخرة (حسن العاقبة) للعقلاء {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ* وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}.

   ثامنا: وان افضل الحديث من العقلاء وللعقلاء {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}.

   تاسعا: الحكمة، التي تعني وضع الشيء في موضعه بالتدقيق في الزمان والمكان، للعقلاء {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}.  

   عاشرا: الوحدة بالعقل، اما الجاهل فيفرق الامة {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لّا يَعْقِلُونَ}.

   حادي عشر: سوء الخلق بانعدام العقل {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}.

   ثاني عشر: حسن الاختيار والتمييز بين الحق والباطل وبين الحسن والاحسن، بالعقل {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ* هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ}.

   ثالث عشر: التقليد والتحجر ورفض التطور في الفكر والرؤية سببه انعدام العقل {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ}.

   رابع عشر: التقوى بالعقل {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}.

   اذن، العقل اولا، ثم كل شيء آخر، فاذا غاب عن الحياة تحول الدين، مثلا، الى خطر عظيم يشرعن القتل والذبح والتدمير والتكفير والغاء الاخر وثقافة التمييز ويزرع الكراهية والتفرقة، ويحث على الجهل والتخلف والعبودية، وينشر ثقافة العصبية التي تعتمد مبدا احتكار الحقيقة، وهذا ما نراه شائعا اليوم في مجتمعاتنا.

   العقل، اذن، هو المحور، فهل هو كذلك اليوم على ارض الواقع؟. 

      بمرور سريع على الحال التي نمر بها، لا يبدو اننا اتخذنا من العقل محورا في حياتنا، فهو اما غائب او مغيب او تقوده العاطفة او يسيره الدين المؤطر بمصالحنا الذاتية واجنداتنا السياسية الانية، بعد ان تحول بالنسبة لكثيرين الى تجارة لتضليل البسطاء من اجل السيطرة على عقولهم وخيراتهم.

      اننا نقرا الدين بلا عقل، ونقرا التاريخ والقرآن الكريم بلا عقل، كما اننا نقرا النصوص ونطالع الكتب ونتلقى الفتوى ونستمع الى المحاضر، نفعل كل ذلك بلا عقل، وكاننا منحنا عقولنا اجازة مفتوحة وتركنا الاخرين يفكرون بالنيابة عنا، فتحولنا الى اجهزة استنساخ لا تعي ما تقرا ولا تفهم ما تسمع ولا تستوعب ما ترى، حتى بات حالنا كما وصفته الاية الكريمة {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} فندعي الدين ولا دين لنا.

   ولاننا كذلك، تحولنا الى امعات، ننفذ بلا وعي وبلا بصيرة، على عكس قول الله تعالى على لسان رسوله الكريم {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} او قول الصادق من اهل البيت عليهم السلام {العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا تزيده سرعة السير الا بعدا} لماذا؟ لان امتلاك البصيرة يشترط حضور العقل، فاذا غاب العقل غابت البصيرة، وان من يغيب العقل وهو يقرا النص او يستمع الى متحدث او يطلع على فتوى او يطالع كتابا او تفسيرا، انما هو يغيب البصيرة، فالاخيرة ليست نتاج القراءة او المطالعة او الاستماع بلا عقل، ابدا.

   لماذا سيطر الفكر التكفيري اليوم على الساحة؟ ولماذا تسلط علينا فقهاء البلاطات الحاكمة الذين يصدرون فتاواهم تحت طلب الحاكم الجائر؟ لماذا سيطرت على عقولنا ثقافة المنامات والخرافات؟ لماذا قادنا علماء السوء من جهلة وفساق وعملاء وانصاف العلماء؟ لماذا وظف المشبوهون دماءنا وارواحنا ومعاناتنا وخيراتنا وبلداننا لتحقيق سياسات مشبوهة راحت تدمر البلدان وتقتل الانفس وتزهق الارواح؟ لماذا قادنا المتطرفون اقتياد الشاة الى مسالخها؟ لماذا {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}؟.

   الجواب، وبكل بساطة، لاننا غيبنا العقل من حياتنا اليومية عندما تصورنا ان الدين يعوض عنه او ان النص او الفقيه او الخطيب او المفتي او التاريخ او السلف يمكن ان يكون كل ذلك بديلا عنه، فسقطنا في الفتنة ونحن نظن اننا خرجنا منها او ابتعدنا عنها، وشعارنا (اعصبها براس العالم واخرج منها سالما).

   ان تغييب العقل ينتج التقليد الاعمى الذي بدوره ينتج عبادة الشخصية، والتي تنتج بدورها عملية صناعة الطاغوت، والتي تفننا بها ايما فن، وتميزنا بها ايما تميز، والا لماذا لم تنتج شعوب الغرب طغاة مثلنا؟.

   لقد غيبنا العقل حتى بتنا اضحوكة في هذا العالم، غيبناه فقادتنا فتاوى مضحكة وخطب مهزلة وكلام مسخرة واجوبة على استفتاءات ما انزل الله بها من سلطان، غيبناه فتحولت حياتنا كلها الى خصومة في خصومة، نتخاصم مع ذباب وجوهنا اذا لم نجد من نخاصمه، وصدق الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) الذي يقول {اياكم والخصومة، فانها تشغل القلب، وتورث النفاق، ومن زرع العداوة حصد ما بذر، ومن لم يملك غضبه لم يملك عقله} فانظروا كيف غلب غضبنا عقولنا؟ غيبناه فتحولنا الى جيش من الجهلة والاميين، اذا من اخلاقنا، على حد وصف الامام الصادق (ع) {من اخلاق الجاهل، الاجابة قبل ان يسمع، والمعارضة قبل ان يفهم، والحكم بما لا يعلم} لماذا؟ لانه {لا عدو اضر من الجهل} على حد قوله (ع).

   ان العقل هو حاضر ومستقبل، ليس فيه ماض، الامر الذي يميزه عن الدين الذي هو ماض وحاضر ومستقبل، بمعنى آخر فان المرء يحتاج عقله لحاضر افضل ومستقبل احسن، كيف؟.

   ان العقل يهدي للتي هي اقوم بالتاكيد وبالشروط التالية وهي: ان لا يقدم عليه صاحبه شيئا، ليكون هو القائد ابدا، وان لا تقوده العاطفة او المصالح الضيقة، وان يتم تنشيطه باستمرار سواء بالنص او بعبر التاريخ او بالفكر الجديد، من اجل ان لا يركن الى السبات او الخلود، وان يفكر بتجرد وموضوعية بلا انانية، وان يقدم الصالح العام على الصالح الخاص، حتى الصالح الخاص المشروع يلزم ان ياتي في اطار الصالح العام، من اجل ان لا نفقد احد اثنين، الفرد والمجتمع، على حساب الاخر.

   عندها يمكن ان يكون العقل من اجل حاضر افضل ومستقبل احسن، وذلك من خلال:

   الف: بناء الشخصية، باء: بناء المجتمع، جيم: صناعة مقومات الحماية سواء من الجهل او الاستبداد او فتاوى التكفير والقتل او ما اشبه.

   ان تحسين الاداء في الحاضر، من اجل مستقبل افضل، يعتمد على العقل اولا واخيرا، من خلال:

   اولا: توظيفه في عملية الاختيار، فالعقل هو الوحيد القادر على ان يمحص الامور ليختار الافضل والاحسن، فمثلا، في القران الكريم كل شيئ وعلى كل الاصعدة، فمن الذي يختار من بين هذا الكم؟ انه العقل بكل تاكيد في اطار الحاجة الزمكانية، وكذلك، ففي التاريخ الكثير من العبر والتجارب والخبرات، فمن الذي يختار من بين كل هذا الكم ما يفيده في حياته اليومية؟ بعيدا عن الترف الفكري؟ انه العقل بكل تاكيد.

   لنضرب بسيرة ائمة اهل البيت (ع) مثلا في ذلك، فكلنا نعرف بان سيرتهم متعددة الادوار الا ان الهدف واحد لا غير، فمن الذي يختار من بين هذه الادوار الدور المناسب لهذه المرحلة او تلك؟ انه العقل بلا شك، فهو الذي يختار من بين عدة خيارات، فاذا غيبنا العقل تهنا في زحمة الخيارات ولم ننتفع بشيء.

   ثانيا: تحديد الاولويات، الفكرية منها والعملية، فيقدم ويؤخر حسب حاجة الزمان والمكان، ولا يحقق المرء ذلك الا بالعقل، فهو القادر على تحديدها، فيقدم امرا ويؤخر آخر، فاذا غاب العقل اختلطت الاولويات، وضاعت الاستراتيجيات وتشابكت علينا ملايين التكتيكات التي تضيع الجهود والزمن والثمار.

  ثالثا: العقلانية، والتي تعني الاختيار بين واجبين مثلا، او بين مستحبين، ولذلك قال امير المؤمنين عليه السلام {ليس العاقل من يعرف الخير من الشر، ولكن العاقل من يعرف خير الشرين} فمثلا، لقد منح الله تعالى الحق لذوي القتيل بالقصاص، وفي نفس الوقت شرع العفو، فمتى يختار ذوو القتيل القصاص ومتى يختارون العفو؟ ومن الذي يساعدهم على حسن الاختيار في اطار عقلانية موضوعية ليس فيها ضرر ولا ضرار؟ انه العقل فقط الذي يساعدهم على اختيار عقلاني متوازن لا يضر بالفرد ولا يضر بالمجتمع، انه اختيار صعب وفي نفس الوقت فانه اختبار للعقلانية، فلا القصاص، وهو حلال، نافع دائما وفي كل الظروف، ولا العفو، وهو جائز كذلك وممدوح، نافع ومفيد في كل الظروف.

   وهكذا بالنسبة للكثير من القيم والمفاهيم، كالعدل والاحسان، وهما خلقان من خلق الله تعالى، فمتى نختار هذا ومتى نختار ذاك؟ انه العقل الذي يساعدنا على حسن الاختيار في اطار العقلانية، فلولاه لاخترنا الخيار الصائب في الوقت الخطا، او ربما جاز لنا ان نقول اننا سنختار الخيار الخاطئ في الوقت الخطا.

   لقد قال احد الحكماء (حتى الشيطان يجد ضالته في الكتاب المقدس) لان في النص تبيان لكل شيئ، فلكل امرئ حاجة فيه وحجة، هذا، اذا ما غاب العقل او غيب لسبب من الاسباب، لذلك نرى مثلا ان الخوارج قاتلوا الامام امير المؤمنين عليه السلام بالقران، وان الامام قاتلهم بالقران كذلك، وعلى مر التاريخ فان الكل كفر الكل بالقران، وان كل (خلفاء المسلمين) حكموا بالشرعية بعد ان وجد لهم فقهاء البلاطات ما يبرر لهم ذلك في القران، فالقاتل والمقتول والمنحرف واللص وشارب الخمر والمنتهك لاعراض الناس والذي يلعب بالقرود وترقص بين يديه الغواني والحريم والغلمان، هؤلاء كلهم (خلفاء) حكموا بالشرعية بنص قرآني، لا يجوز لاحد ان ينتقدهم، بل انهم تحولوا اليوم لدى الكثير من الناس الى مصدر للشرعية، لاصدار الاحكام في القضايا السياسية والادارية وفي ممارسة الحكم والسلطة.

   لقد حدث هذا عندما غيبت الامة عقلها، فتحولت الى امعة تسير خلف الحاكم وفقيهه بلا وعي وادراك وتمييز وارادة، وان ما يجري اليوم هو استنساخ للماضي وللاسف الشديد، فنرى مثلا ان فقيها معتوها مخرفا كشيخ موزه وفقيهها، يتلاعب بمقدرات الامة بلا وازع من ضمير، من دون ان يساله احد او ينتقده او يستفسر منه او يحاسبه او ياخذ على يديه، يصدر فتاواه المتناقضة بالجملة بلا رقيب.

   وبصراحة اقول: فلو بقي العقل مغيبا فترة اخرى من الزمن، لتحولت بلداننا الى مسالخ للبشر، والى خربات ينعق فيها الغربان، اذ لا يبدو في الافق اي حل لحد الان، كما ان النفق مظلم كله، ليس فيه اي بصيص من نور في نهايته، وبالعقل وحده يمكن ان نفيق من هذه الماساة.

   وان العقل الذي يمكنه ان ينقذنا هو العقل الذي يتميز بما يلي:

   اولا: لا يتوقف عند التاريخ ولا يقدس الماضي ولا يستنسخ تفسير السلف، لا لنص ولا لحدث.

   ثانيا: يستفيد من التاريخ كدروس وعبر فقط، فلا يتعامل معه كشرعة للحاضر الا بعد ان يغربله بعقله، فلا يستنسخه استنساخا.

   ثالثا: يطور فهمه للماضي بما يخدم حاضره ومستقبله، فلا يأسر نفسه في سجن الماضي او يقولبها بقالبه.

   رابعا: لا يتعصب ولا يتطرف، بل يتميز بالتوازن والعقلانية والوسطية.

   خامسا: ان يلغي من قاموسه ثقافة الانتماء الى السلف او ما يسمى بـ (السلفية) فـ {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} اما ان نرد على كل من سألنا عن علة هذا الاختيار او ذاك بالقول {حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} و {إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} فان الحياة لا تستقيم بمثل هذه العقلية الخرافية المتحجرة والظلامية التي تنتمي الى الماضي ابدا.

   ليس كل ما شهده الماضي يمكن ان يكون مفيدا لحاضرنا، وليس كل ما كتبه السلف او عمل به او فهمه من كتاب الله تعالى او من سيرة الرسول الكريم (ص) يمكن ان ننتفع به اليوم، انها قراءات قديمة يمكن تحديثها وتطويرها بما ينسجم والواقع، فهي ليست قوالب ثابتة وجامدة ابدا.

   علينا ان نهتم بما يشغلنا اليوم وبهمومنا وما نحتاجه، وليكن التاريخ معينا لنا على ذلك لا بديلا عنه.

   ان تحول التاريخ الى سقف في الوعي والفهم والاستنباط يضر بنا اكثر مما ينفعنا، لانه سيحجر عقولنا.

   ان سر عظمة الاسلام هو انه يعتمد العقل، فاذا غاب العقل غاب الاسلام، وكذلك القران الكريم، فاذا غاب العقل غاب الاخير، وهذا يتطلب منا ان نتعامل مع السلف كبشر اصابوا واخطاوا، وانهم اخذوا من الدين والقرآن ما نفعهم، في ظل حاجتهم الزمكانية، وان علينا ان ناخذ منهما ما ينفعنا كذلك في ظل الزمكانية التي يحترمها الاسلام ايما احترام، والا لما كنا مسلمين اليوم، لانه لن يكون دينا خاتما وخالدا من دون ذلك.

   24 آب 2013

*ملخص المحاضرة التي القيت في مركز الامام علي (ع) في العاصمة الاميركية واشنطن بتاريخ السبت (24) آب 2013

عدنان الاسدي بين الترخيص والعجز

 
 

صديق لي نصحني يوما بان لا اتناول اية شخصية سياسية بشكل مباشر في مقالاتي لان هذا ليس في صالح العملية السياسية التي علينا ان ندعمها بكل الوسائل الممكنة كي يتجاوز الوطن المحنة التي يمر بها، ناسيا بأن المحنة التي يتحدث عنها عمرها تجاوز العشرة اعوام وان الذين يطيلون عمر المحنة هذه هم انفسهم الذين تصدوا لانهائها منذ اليوم الأول للاحتلال وليومنا وفشلوا في حلها فشلا ذريعا وان لا افق في حلها ما داموا متفقين فيما بينهم على توزيع المغانم من خلال سلال اتفاقياتهم، التي يعيدون ترتيبها دوما في مواسم الانتخابات عن طريق تأزيم الوضع السياسي والذي ينعكس بشكل كبير على الوضع الامني مما يساهم مساهمة كبيرة في الاستقطاب الطائفي الذي هم بحاجة ماسة اليه لتجاوز مرحلة الانتخابات بسلام.

 

وبدوري سألت صديقي هذا سؤالا حول ردة فعله وشعوره لو انه فشل في تأدية مهمة موكلة اليه بعد عشرات المحاولات ان لم تكن المئات ولسنوات ليس امام الاخرين بل امام نفسه وشكل ذلك الشعور. فأجابني وبمرارة بعد ان سحب نفسا عميقا كاد ان يحرقه انه سيشعر بالخجل ان لم يكن بالعار لفشله هذا لانه انسان واع ومتعلم وحتى لو كان اميا والكلام لازال له فعليه ان يتعلم من عدد المحاولات وطول المدة هذه شيئا ولو بسيطا على الاقل. عندها اجبته وردا على نصيحته "تحذيره" من انني كي لا اشعر بالعار قررت ان لا اخجل من نقد اي "سياسي" مهما كان حجمه ومركزه في المافيا لانهم جميعا لا يخجلون على الاطلاق، لذا تراهم يكذبون في كل الامور مهما كان حجمها ودون اي خجل لا من وازع اخلاقي لان الاخلاق اصبحت بضاعة بالية وكاسدة في عرف المافيا ولا من وازع ديني لان الدين تجارة ليس الا.

 

ولهذا السبب انتخبت عنوان مقالتي اليوم لتتناول شخصية لها ثقلها الكبير في السلطة "المافيا" العراقية اي الوكيل الاقدم لوزارة الداخلية عدنان الاسدي "ابو حسنين" وهو في الوقت نفسه قيادي من الصف الاول في حزب الدعوة الحاكم ويد المالكي وعينه في ضرب ومراقبة مناوئيه. وسبب تناولي اياه في هذه المقالة هما امران اثنان ومرتبطان ببعضهما بشكل كبير، وهما ترخيص وقبضة "امنية" والتي حوّرتها لتكون عجزا "امنيا" لانها بنظري هي الاقرب للحقيقة من كلمة قبضة "امنية" لغياب الامن حتى عن المنطقة المقدسة "الخضراء" احيانا.

 

 "كان" من المقرر ان تخرج مظاهرة دعت اليها منظمات شبابية واخرى من المجتمع المدني في 31 من الشهر الجاري ليس لاسقاط النظام ولا حتى لاصلاحه "لغياب العطار" بل لالغاء تقاعد البرلمانيين ونواب الجمعية الوطنية واعضاء مجالس المحافظات والاقضية والنواحي لما تسببه هذه الرواتب الخرافية من ثقل على كاهل الميزانية وبالتالي على كاهل المواطن. وعوضا عن ان يسارع الاسدي منح المتظاهرين التراخيص القانونية للتظاهرة وفق ما حدده الدستور العراقي كحق من حقوق المواطن خصوصا وانه يعيش في ظل دولة قانون حزب الدعوة من جهة، ولان التظاهرة ليست عدوانية ضده ولا ضد حزبه بل هي لسلب اللصوص حقهم بالسرقة مستقبلا من جهة اخرى، رأيناه يقف مستأسدا ورافضا منح منظمي التظاهرة الترخيص اللازم لها دون ذكر اية اسباب والتي بنظري لا تحتاج الى جهد كبير لمعرفتها بعد ان شاهدنا طريقة قمع قوات حزب الدعوة للتظاهرات التي سبقتها، والتزام نفس هذه القوات الصمت المطبق والغريب لمظاهرات الصدريين وعصائب اهل الحق وتلك التظاهرات التي خرجت لنصرة مختار العصر اي المالكي من دون اية موافقات رسمية وبحماية القوى الامنية لحزب الدعوة ، اضافة الى عجزه عن انهاء تظاهرات المنطقة "السنية" والتي استغلتها قوى ارهابية ومعادية للعملية السياسية لتجعل اسقاط النظام هدفا اساسيا لها!!

ان منع تظاهرة ال31 من آب القادمة عن طريق عدم ترخيصها رسميا او قمعها عن طريق الاعتقالات واحاطة ساحة التحرير والطرق المؤدية اليها بقوات حزب الدعوة والاسلاك الشائكة تعني من بين امور عدة، خوف السلطة من اية تظاهرة مطلبية تنطلق من ساحة التحرير تحديدا لما لها من رمزية نتيجة تغيير العديد من الحكومات في تظاهرات انطلقت من ساحات تحرير تلك البلدان، ومنها حماية السلطة للصوص وتأمينهم من اية محاسبة قانونية ليحتفظوا برواتبهم الخرافية لان رجال السلطة انفسهم هم مشاريع مستقبلية لنهب رواتب تقاعدية بنفس الحجم، كون عصابات الجريمة المنظمة قد تختلف فيما بينها حول نسب السرقة لكنها لا تختلف مطلقا حول مبدأ السرقة. ولا ادري الى متى يستطيع الاسدي وارباب نعمته من سجن المارد الجماهيري داخل قمقمه، والا يحسب حساب ذلك اليوم الذي ينزع المارد الحبيس لباسه الطائفي لينطلق في فضاء الوطن وليس غيره، هذا كان الامر الاول في المقالة .

 

اما الامر الثاني فانه يرتبط الى حد كبير بمنع التظاهرة نهاية آب الجاري ولكن بطريقة تضحك الثكلى بعد ان اكدت وزارة الداخلية التي يديرها "ابو حسنين" بالوكالة احكام قبضتها على الشارع. "يا الهي" عن اي قبضة  تتحدث الوزارة والخروقات الامنية والاغتيالات والتفجيرات وقتل الابرياء امام الكاميرات اصبحت سلعة عراقية يومية واصبحنا كما يقول المثل العراقي "فرجه للرايح والجاي"، هل تعي وزارة الداخلية ما جاء في بيانها من ترهات ؟، وهل تستطيع الوزارة ان تضحك على ذقون الناس الى هذا الحد ؟ ومن منحها هذا الحق الذي هو الباطل بعينه ؟.

ان الوزارة لا تريد ان ترى ابعد من ارنبة انفها في معالجة الملف الامني الذي يسوء يوما بعد يوم على الرغم من الامكانيات المادية والبشرية الهائلة التي خصصت لها.

السيد الاسدي ارى من الضروري منح وزارتكم ميدالية ذهبية بالفشل المزمن ولو كانت هناك ميدالية من نوع آخر اكبر من الذهب لكنتم قد حصلتم عليها.

احترموا عقولنا قليلا كي نحاول ان نحترمكم وقولوا ان بيانكم حول احكام قبضتكم على الشارع يعني منعكم لاية تظاهرة مطلبية وخوفكم منها، لانني واثق ان الخرق الامني الذي سيبدد تصريحاتكم ذات الوزن الثقيل والتي لا تتحمله كواهلكم قادم، ليس "لقوة" الارهابيين بل لضعفكم الذي لمسناه منذ سنوات.

 

هناك من يرى نفسه امام المتظاهرين اسد كبير وهناك من يراه الاخرون امام الارهابيين ارنب صغير

 

زكي رضا

الدنمارك

26/8/2013