الثلاثاء، 8 أكتوبر 2013

مرحبا بكم في الصين الشركة المساهمة - ترجمة كريم الربيعي



الصين ومن خلال طرق او اساليب برنامجها الاقتصادي ، تسير في طريقها للسيطرة على  جزء كبير من السوق العالمية . فالى جانب روح المنافسة فان الاقتصاديون مندهشون من التطور والنمو المطرد الذي تشهده البلاد باتجاه تحولها لقوة اقتصادية عالمية . هذا يطرح سؤال : هل ان الشيوعية مازالت مع ذلك فاعلة ؟

المترجم:  بهذه السطور جرى التقديم لهذا التقرير  الطويل حول  تطور الصين الاقتصادي . كمنت رغبتي بالاحتفاظ بهذا التقرير منذ ذلك التاريخ 2007  وليومنا،  لما احتواه من معلومات قيمة ، لا اريد القول بسلبها وايجابها وانما على تنوعها وتعارضها ايضا، اقدمه الان للقاريء متمنيا ان يكون دافعا للتامل ببعض السلوكيات والاساليب سواء في التفكير او العمل  في هذا البلد الذي يفوقنا بالنفوس والمساحة فنفوسه  40 مرة ضعف نفوس العراق وبالتاكيد فان المشاكل وغيرها ايضا مضاعف .

المقال مترجم من الالمانية للدنمركية  من قبل  توني بيدرسن ونشر في جريدة البوليتكن " السياسة " الدنمركية في 6 ايار 2007 اي قبل  اربع سنوات .نشر للمرة الاولى في جريدة  دير شبيغل الالمانية  وحمل اسم الصحفيين  اندريس لونس و ويلاند ويكنر .

الرجال التسعة:

تسع رجال ببدلاتهم السوداء يلتقون خلف  الجدار الاحمر العالي .مكان لقاءاتهم السري وسط بكين و يسمى" زونغ نان هاي" او  الجزيرة الوسطى. يقع زونغ نان هاي  في الجزء الممنوع او المحظور من المدينة سابقا، وكان مكان للقيصر يقضي وقته في النظر في قضايا المحاكم ومكان لمحظياته بالاضافة الى الذين يعملون في المحاكم الاميرية .

لازالت بعض البنايات صامدة، منذ العهد الاقطاعي،  جنبا الى حنب مع البيوت المخصصة لموظفي الحكومة ، ذات الالوان الرمادية والبيضاء ، والتي شيدت ، حين اسس الحزب الشيوعي الصيني مكاتبه الرئيسية في بكين.

الرجال التسعة يشكلون ما يسمى اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب ، وهي من اللجان التي لها الكثير من الصلاحيات السياسية  النافذه او القوية في البلاد، هؤلاء التسعة، يلتقون  في نهاية الطرف الجنوبي من هذا الملاذ. حيث تجري لقائاتهم في مقرهم هذا باجواء  غاية من المهنية. اعضاء المجموعة او اللجنة لم يجري انتخابهم من الشعب،  وليس لديهم الرغبة او الاهتمام ان تجري مشاهدتهم او ملاحظتهم خلال اجتماعاتهم تلك، فالكاميرات ممنوعة وليس هناك شيء من المرح اوالربت على الاكتاف او الوجوه المبتسمه التي يمكن رؤيتها في الاخبار التلفزيونية.

لا احد يعرف كاريزما  الاعضاء في هذا التجمع الكئيب . الرئيس هو جينتاو 64 عام، رئيس البلاد وسكرتير الحزب الشيوعي  الصيني ورفاقه الثمانية الاخرين يعدون من كبار التكنوقراط" شيوخ التكنوقراط" هكذا لو ترجمت حرفيا .

الرئيس هو جينتاو  ابن لتاجر شاي من مقاطعة جيانغسو، درس هندسة الطاقة الكهرومائية  والاخرين درسوا  المعادن او الجيولوجيا.

المناقشات التي تحصل والقرارات التي تتخذ  في هذه الاجتماعات  تجد صداها او تاثيرها على مليار و300 مليون مواطن صيني، وبدرجة اعلى ايضا على بقية انحاء العالم. ان لم يكن هذا الغنى او المملكة الغنية ،بلدا ، لكان من الممكن ان نسميها "  شركة الصين الشيوعية المساهمة"  وعليه ستكون اللجنة الدائمة للمكتب السياسي بمثابة الهيئة الادارية  العليا للشركة.  وان لم يكن الرئيس هو جينتاو  شيوعيا لاطلقنا عليه اسم المدير العام للشركة التجارية، وبالتاكيد سيحصل على الكثير من عروض العمل ومن جميع انحاء العالم. المتنافسون في الغرب يحلمون بالتاكيد فقط بهكذا نجاح كما هو نجاح هو جينتاو وتلك القيادة الشيوعية  للحزب  الشيوعي الصيني وماحققته.

لم يمر يوما الا وحمل مفاجات وارقام جديدة، تدهش من هذه القوة الاسيوية. في الوقت الذي يحاول به العديد من زعماء العالم من جورج بوش  في اميركا وميركل في المانيا للعمل بانفراد على  القيام باصلاحات خاصة في اقتصاديات السوق التقليدية لبلدانهم ، يميل العالم الراسمالي وبحسد الى النمو الاقتصادي الحاد للصين، وهذا يطرح السؤال  التالي : هل ان الشيوعية مازالت مع ذلك فاعلة ؟.

 

الاغاني الصينية من القمر:

 يثير نمو الصين الاقتصادي المطرد وتحولها لقوة اقتصادية عالمية  القلق في الكثير من البلدان والاوساط في هذا  العالم، فالبلدان الصناعية الغربية ، قلقه من فقدان اماكن العمل ، ولدى السياسيين يتجسد القلق ؛ بالخوف من تغيير موازين القوى ، واخيرا وليس اخرا  لدى الاقتصاديين  بسبب صعوبة فهم هذه الظاهرة" اي الظاهرة الصينية".

تقوم النظرية الاقتصادية على الافتراض التالي؛ ان قوى السوق الصرفة فقط هي التي  تدفع النمو الاقتصادي،ويكمن دور الدولة فقط في تامين المنافسة دون ان يسيء احد استخدام قوى السوق بشكل غير ملائم. هؤلاء الاقتصاديين تعززت قناعاتهم اكثر فاكثر بعد سقوط جدار برلين  واصبحت لديهم ادله وافرة على ان افتراضاتهم  تلك كانت صحيحة.  وهم يرون ان الاقتصاديات المخططة في بلدان الكتلة الشرقية كانت فاشلة وتركت خلفها الفقر بدلا من الازدهار والاراضي البور الغير منتجه.  بينما وعلى العكس من تلك الافتراضات،  تقوم الصين على المزج ما بين الاقتصاد المخطط والراسمالية الجامحة ، وهذا ما لم يرد ذكره في كتب التعليم الاقتصادي، وبهذا الاسلوب ، فان الصين على وشك غزو اسواق العالم، واقتصادها ينمو10%  ، ان لم يكن اكثر، عاما بعد عام. وكأن  كل شي يلمسه الرئيس الصيني هو جينتاو و اعضاء اللجنة الدائمة  للمكتب السياسي ، يتحول الى ذهب ،  ويمكن مقارنة بلدهم بشركة تجارية تمتاز بانخفاض اسعار سلعها، الامر الذي مكن الصين بالفعل من توفير احتياطي للعملات الصعبة  بمبلغ 1000 مليار دولار[1] .

 ان جمهورية الصين الشعبية وعلى اية حال ، قد أخذت مكان لها في مقعد القيادة، جنبا الى جنب  مع الولايات المتحدة الاميركية ، القوة الاقتصادية العظمى في العالم ، وهذا ما سيمكنها من المشاركة  اليوم في تحديد مصير قيمة الدولار .

لقد تجاوزت الصين  في عام 2005 كلا من  فرنسا وبريطانيا، واصبحت رابع اكبر دولة اقتصادية في العالم ، هذا الموقع وصلت له من خلال النجاحات التي حققتها القيادة الشيوعية ، وفي خضم جميع هذه المؤشرات الايجابية من مؤشرات النمو، الا انه جرى وببساطة نسيان احتساب ما يشكله قطاع الخدمات الهام  في  الاحصاءات الاقتصادية الصينية . ان ذلك النمو اثار اعجاب الاميركي " رودرك  ماكفاركهار" المختص في  الصينولوجيا"[2] " فهو معجب لتلك النتائج التي حققتها الصين  " لم يحدث  ان تحقق وفي وقت قصير من قبل هذا الغنى الكبير بين الكثير من الناس " كما يقول.

ان استمرارعملية النمو الاقتصادي على ذات الوتيره سيدفع الصين  لتجاوز المانيا  التي تعد القوة الاقتصادية الثالثة في العالم  خلال سنتين " اي ان هذا يفترض ان يكون قد تم عام 2009"  وليس من المستبعد ، ان تقدم الولايات المتحدة الاميركية موقعها الاول للصينيين يوما ما. لقد كانت الصين مزود  البضائع الثاني للسوق الاميركية بعد اليابان عام 2005 ، الا ان الستراتيجيين في بكين غير سعداء للمرتبة الثانية هذه ، ولذلك فهم يعملون  ويطورون وسائلهم وبرامجهم من اجل اغراق السوق العالمية بالبضائع الرخيصة الثمن  مثل  الملابس" التي شيرتات" ومحركات الاقراص  وبدرجة عالية  التكنلوجيا الصينية عالية الجودة. ففي خطته الخمسية للسنوات القادمة وضع الحزب الشيوعي الصيني  لنفسه هدفا طموحا ، الا وهو وضع الصين  في الصدارة العالمية  في مجال البحث  والتكنلوجيا، كما وتنص الخطة الخمسية على ارسال مركبة فضاء صينية  الى القمر بالاضافة الى بث او ارسال صوتي من الفضاء الى الارض من خلال ارسال 150 اغنية بوب منها اغنية صينية بعنوان"  نحن نحب بلدنا الصين".

الحزب الماركسي:

لم يحصد النجاح هذا، الحزب الشيوعي الصيني فقط ، وانما  المدن الصينية  الكبيرة حيث الحياة فيها اكثر امنا  من مدن كثيرة  مثل ساو باولو في البرازيل  وبوغوتا في كولومبيا  وهي اكثر تنظيما ونظافة من مدن اخرى مثل  العاصمة الكينية نايروبي  وسويتو في جنوب افريقيا. اما الحياة الثقافية في بكين وشنغهاي فهي حياة غنية ،  والاتصالات واسعة النطاق حيث صلات الانترنت السريعة  التي تغطي المدن وكذلك التغطية للتلفونات الخلوية التي  وصلت تغطية شبكاتها  الى المدن الريفية الصغيرة .

زعيم الحزب هو جينتاو ورفاقه في المكتب السياسي ، اسماء لامعة في  تنظيم الحزب،وهم يمثلون قمة الهرم ، ليس وحدهم من يقف خلف هذا التحول الكبير وانما  الجميع ساهم ويساهم به من خلال المسؤولية التضامنية التي يبدونها على تلك الستراتيجيات التي تقف خلف هكذا معجزة اقتصادية. ويتشاور المكتب السياسي  دائما وبانتظام مع  المستشارين  والخبراء للحصول على المشورة والتقارير عن احدث التطورات في مجال البحوث والصناعة ؛ ويمكن ان تكون تلك التقارير حول كل شيء من التكنلوجيا الحيوية الى  التامين الصحي".تلك المشاورات  تسمى ايضا حلقات دراسية وحيث انها تحصل في بلد شيوعي، فانها تتضمن بشكل طبيعي بعض المفردات الاساسية مثل محاضرات  حول تاريخ الثورة الصينية  وعن النظرية الماركسية.

الحكومة الصينية ومجلسها الاستشاري  يقودها المدرس المثال  ذو 64 عام  وين جيا باو رئيس وزراء الصين ، الذي يقف مسؤلا عن النشاط اليومي للحكومة والتي تجتمع ثلاث مرات شهريا على اقل تقدير وفي مبنى  يقع على مرمى حجر من مكاتب المكتب السياسي، وتقوم على خدمة تلك الاجتماعات نساء جميلات  في ملابسهن الحمراء والقفازات البيضاء  ويقدمن للمجتمعين الشاي الاخضر القادم من حقول  منطقة  واي وان  الواقعة في مقاطعة جين اكسي.

وبالاضافة الى وين جيا باو تتكون الحكومة المصغرة من اربع  نواب لرئيس الوزراء  و خمسة اعضاء من المكتب الاستشاري الحكومي منهم امين السر والسكرتير العام.  الفريق يتالف من ثماني  رجال و ثماني نساء ، يقومون على تنظيم وادارة العمل في 28 وزراة وهيئة منها البنك الوطني  ومكتب الرقابة المالية . وتمتد مسؤولية الحكومة ايضا على  وكالة الانباء الصينية  شينخوا واكاديمية العلوم ودائرة الجمارك ومعهد الارصاد الجوي  وكذلك ادارة المباني الحكومية  التي تقدم  المساكن لكبار المسؤولين  مع السيارات بالاضافة الى اماكن قضاء الاجازات. جميع هذه المهمات مجموعة بيد  لون جياو باو ومكتبه الاستشاري والتي تشكل  " شركة الصين الشيوعية المساهمة "،  حيث يدير المكتب الاسشاري الحياة اليومية  في الصين من خلال كم هائل من الخطط والمراسيم والمذكرات والاجراءات والتدخلات. وتعد الخطط الخمسية والقرارات والاوامر والانظمة الاخرى وجها من وجهي العملة  في الصين الغنية ، التي يشكل وجهها الثاني  الرسمالية الجامحة التي عينها على الارباح ، عندما يتعلق الامر بتحقيق الارباح فليس هناك افضل من مصلحة الشيوعيين الصينين .القاعة الشعبية الكبرى في بكين  مثال جيد على ذلك ، قبيل التئام  المؤتمر الوطني لنواب الشعب وقبيل استقبال الرئيس هو جينتاو لضيوفه الاجانب في ذلك البناء المذهل ، الذي يضم اكثر من 300 غرفة و قاعة، تلك القاعات التي زينت جدرانها باللوحات الفنية العملاقة من مشاهد الثورة –قامت الحكومة و ببساطة بتاجيرهذه القاعة ، ففي الاونة الاخيرة  استاجرت شركة فورد الاميريكية لصناعة السيارات  القاعة من اجل عرض احدث انواع السيارات التي صنعتها،  وهكذا الحال بالنسبة  لسلسة مطاعم كنتاكي فرايد تشكين فقط اختارت ركنا هادئا في قاعة الشعب لتعقد  مؤتمرا لاكثر من 2100 من  رؤساء مطاعمها في الصين.

غريبة لكنها فعالة:

يوصي  اقتصاديي اوربا و اميركا  بالاسواق المفتوحة مع القليل من التنظيم والضبط من اجل مواكبة العولمة   والتصدي للتحدي القادم من الصين، وقد يكون هذا صحيحا ، على الرغم من انه  يبدو متناقض ظاهريا ، في ان الحزب الماركسي الللينيني ، الذي يحكم الصين، منطقيا  يستغل وباستمرار جميع مزايا الراسمالية  وبذات الوقت يرفض  التخلي عن  الادارة الحكومية او التخطيط الحكومي  للاقتصاد.

ان البنك الاكبر في الصين  هو بنك " ICBC"  اجرى مؤخرا اولى نشاطاته في البورصة ، هي الاكبر من اي وقت مضى، عندما عرض اسهم بقيمة 22 مليار دولار في اسواق الاوراق المالية في هونغ كونغ وشنغهاي. وهنا يجري الحديث عن  النصر للشيوعيين الصينيين، حيث ارتفعت قيمة البنك  الى اكثر من 200 مليار دولار ، في ذات الوقت الذي تحتفظ به الحكومة في بكين في  سيطرتها وتحكمها على هذا البنك " ICBC".

كما ان الدولة تملك اكبر ثلاث شركات للاتصالات السلكية واللاسلكية في البلاد، وقد نفذت الحكومة منذ عامين تنقلات بين كبار المدراء والمسؤولين في تلك الشركات وعلى عموم البلاد. فهل الصين واحدة من اكثر البلدان الغير ديمقراطية!! وهي على وشك ان تكون مثالا  يحتذى به بالنسبة للبلدان الديمقراطية  عندما يتعلق الامر في الاساليب الفعالة  لحل المشاكل؟ ان الصين ترفع اصبعها [3]" اصبع نجاحها" لجميع المشككين والمنتقدين  الذين يعتقدون  ان الماركسية اللينينية  والراسمالية  غير متوافقة او تتعارض  مثل الماء والنار؟

الصين تسمي نظامها العجيب ب"اقتصاد السوق الاشتراكي ذو الخصائص الصينية" وهو الاسم الذي يشير الى مرونة ايديولوجية هائلة. وعلى العكس من ذلك  قد لا يكون اقتصاد السوق اشتراكي  والخاصية تلك قد تكون وهم ليس الا  .

الا ان الحزب الشيوعي اثبت مهارة  وقدرة عالية  لاعادة  اختراع او اكتشاف افكاره الجيدة وباستمرار  واستخدامها في وقت الحاجة. انه لحزب مرن جدا ويشبه بستان الخيزران اثناء العاصفة  ،لقدرته على التدقيق والتعديل والتحديث الدائم لشعاراته.

لقد احتفظ باسم الحزب الشيوعي  كواجهة مالوفة خلف قادة البلاد  الذين ومنذ وقت طويل يعيدون تعريف الاهداف والسياسة المركزية للحزب ، ويبقى هدفهم اليوم هو بناء الصين الكبيرة والقوية  والامة التي لا يمكن ان تخضع للعالم الخارجي  والتي عليها ان  تلعب دورا مهما في الحياة الدولية " وبغض النظر،عن اي الاسماء  يتسمى الحزب بها،  فان الوظيفة الاساسية والهدف المهم  كان دائما  هو الانتقال بالبلد من العصور  الوسطى الاقطاعية  الى مجتمع عصري" كما يقول الخبير الاقتصادي  شي شاومين من مؤسسة الاصلاحات الاقتصادية الصينية .

النضال الطبقي الثوري ، الذي كان فيما مضى العمود الفقري للحزب، يجري تنقيته" تجميله"،منذ فترة طويلة،  من الخطاب الرسمي الجديد، ففي خطاب الرئيس هو  يشير دائما وعلى العكس  الى " المجتمع المتناغم "  الذي يجب ان لا يضايق او يزعج احد بانه استعار  ذلك من مفهوم كونفوشيوس الفيلسوف العظيم الذي كانت  أفكاره تحترم في أوقات الإقطاعية ، بينما نظر إليه على أنه زنديق في عهد ماو.

اجواء التنقيب عن الذهب:

النظرية حول الزعماء او النواب  الثلاث  والتي كتبت من قبل  رئيس مجلس النواب السابق جيانغ تسمين،فتحت الباب امام دخول  اصحاب الاعمال كاعضاء في الحزب ، وبدلا من الصراع الطبقي ، هناك اليوم قائمة من المفردات مثل الديمقراطية  والمساواة والعدالة والاستقامة  والصدق  وقوة الحياة  والمجتمع القانوني".

هناك ما يزيد عن 70 مليون عضو اليوم في الحزب الشيوعي الصيني، الذي يعد من اكبر الاحزاب في العالم، ويحكم خمس سكان العالم، لكنه وعلى اية حال لا يزال تنظيم سري يتكون من عدد لا يحصى من قادة المجموعات  وفرق الادارة  والمفوظين ومراكز البحوث  والمكاتب المركزية  وجزء من اللجنة المركزية لحماية الاسرار . ويعد الترابط مابين الحزب الشيوعي والمؤسسات الحكومية  والبلديات ، وثيق جدا، ويتمتع اعضاء الحزب فيه بنفس امتيازات  الموظفين الرسميين  من المعاشات الى التامين الصحي.

 يمكن للمرء الاعتقاد بان اقتصاد السوق سوف يمر بظروف صعبة  في النظم الخاضعة لرقابة مشددة، ولكن الامر عكس ذلك في الصين ، البلد الذي وكانه مصاب  بحمى التنقيب عن الذهب  تشابه ما مرت فيه الولايات المتحدة الاميركية  في ايام الرواد. وعلى الرغم من ان الحزب والحكومة  المركزية تنظم او تضع الخطط  الا ان هؤلاء ال 70 مليون من اعضاء الحزب والمواطنين الصينيين  يملكون دائما الحرية لايجاد المبادرات الجديدة التي تحفز وتدعم المعجزة الاقتصادية للصين. وطالما استمر النمو ، فهذا يعني ان هناك تقريبا ضمان، في ان الحزب يستطيع  ان يحافظ على قبضته  الحديدية على السلطة.

ان تجربة الصين الراسمالية استهدفت في بدايتها بعض المناطق المختارة، ولكن منذ عام 1990 اتسعت التجربة لتشمل جميع انحاء البلاد. ان الستراتيجية الشيوعية في بكين حافظت  دائما على عين يقظة امام جميع الاحداث لضمان ان لا يفقد الحزب  السيطرة على الثورة الصناعية  في البلاد .وقد لعبت الادارة القيادية  لهيئة التنمية الوطنية والاصلاح  دورا محوريا في هذه العملية.

 صباح كل يوم  ومنذ الساعة 08:00 يحتشد 890 من المفوظين في احدى المباني الرمادية ذات السقوف الصينية التقليدية. ما كاى ، رئيس اللجنة ومساعديه يصلون في سيارات الاودي السوداء. ، اما الآخرين، فمنهم من يأتي سيرا على الأقدام أو بواسطة الدراجات الهوائية ، والعديد منهم يرتدي ملابس مريحة. وقبل أن يذهبوا  إلى مكاتبهم توزع عليهم بعض الرسالة الترويجية عن بعض الباعة المتجولين الذين يبيعون بطاقات الانفاق المصرفية الوهمية بـ  6دولار فقط وبخصم 13 دولار تقريبا.

 هذه المفوضية  لها هيبة  بين الشركات الاجنبية ورجال الاعمال ، لانها صاحبة الكلمة الاخيرة  في منح الاجازات للمشاريع الكبيرة . وفد من شركة هونغ كونغ ، التي تريد التنقيب عن النفط في شمال الصين ، ينتظر خارج البوابة الرئيسية التي يحرسها  رجال الشرطة، وعادة ما يجلب رجال الاعمال معهم ملفاتهم او مجلدات سميكة من الوثائق التي يأملون في ان تقنع اللجنة بأن مشاريعهم لن تشكل تهدد على المصالح الوطنية للصين.

الاميرة الحمراء:

وزيرة التجارة الصينية ذات 57 عاما ، بو شي لاي، يقع على راس جدول اعمالها ، التخطيط والرصد، بو تنحدر من عائلة شيوعية ، وقف والدها شي لاي  في اكتوبر 1949 الى جانب ماو تسي يونغ  في ساحة تيانانمين في بكين حين اعلن  ماو عن قيام جمهورية الصين الشعبية. هذا يجعل من بو  واحدة من الامراء الحمر ، وهو مصطلح لرفاق الحزب الكبار، الذين بالاضافة لتاريخهم الحزبي ، هناك تاريخ نضالي ايضا لاوليائهم ، مما يدفع بهم لتولي مناصب عليا في الحزب وفي الشركات المملوكة للدولة.
لقد ساهمت بو شي لاي ايضا من خلال مجهودها الكبير  لتحقيق ذلك النجاح. فقد كانت رئيسة لحكومة مقاطعة ليونينغ شمال شرق الصين، المقاطعة التي لديها العديد من مصانع الدولة المتصدعة ، ولكن بو تمكنت  من سحب شركة بي ام دبليو الألمانية لصناعة السيارات للعمل في المقاطعة، و كجزء من الصفقة اتفقت مع شركة  بي ام دبليو بان تقوم الاخيرة على تقديم المساعدة للشركاء المحليين في مصنع بريليانس لصناعة السيارات لانجاح مشروع تصنيع سيارة تشونغ هوا الوطنية.
لقد كان شعار حكومة بكين ومنذ عام 1990  هو 'زو جوكو' الذي يمكن ترجمة الى " البحث في الخارج" ، والهدف منه هو المحاولة لتحفيز الاقتصاد الصيني من خلال توفير الخبرات والشركاء من خارج الصين.  بو ووزارتها وزارة التجارة لديها نشرة كاملة من المبادئ التوجيهية التي تسهل تحقيق شعار " زو جوكو" من خلال ضمان المعلومة والمعرفة  لكل مدير في الحياة التجارية في الصين ، بالاماكن التي يجب عليه التسوق منها . احدى تلك الأماكن هي ألمانيا ، حيث تريد الحكومة ان تستثمر الشركات الصينية في  مجال صناعة الالكترونيات ، ومصانع الأدوية وشركات الشحن" التخزين، الارسال، والتصاريح الكمركية او بيانات التسجيل".
واحدى القضايا الجوهرية في هذه السياسة هو التأكد من أن تكون بنوك الدولة لديها لمحة عامة عن ما هية تلك المشاريع التي ستمول بقروض منخفضة الفائدة. في بعض الحالات، تجري التطورات في الصين أسرع من أن يتصور الاستراتيجيين الصينين ذاتهم، احد الامثلة والمعروف على  نطاق واسع لدى الشركة المصنعة للكمبيوتر لينوفو في عام 2004 وهو اشبه بالانقلاب  وذلك من خلال شرائها قسم انتاج الكومبيوترات في شركة  آي بي إم.
لكن سياسة "زو جو كو"  او البحث في الخارج لها وجه اخر هو الفشل ففي عام 2005 ، منع الكونجرس الامريكى شركة الطاقة الصينية سينوك من شراء شركة النفط الامريكية يونوكال. واثارت القضية غضبا بين القادة في بكين. على الرغم من تلك الكبوات الا ان  الحزب الشيوعي يتمسك وبقوة في مساره ، وتماما تقترب معجزة البلاد الاقتصادية من التوتر  بين الواقع والتخطط  ، بين العقيدة الشيوعية والأعمال المزدهرة، وجزء من عمل او خطط المسؤولين في وزارة التجارة للمستقبل، هي اعدادهم لقائمة بالشركات التي يمكن ان تكون من شركات النخبة العالمية.

الاشباع السياسي:

 تخطط الصين ايضا لانتاج طائراتها النفاثة الخاصة التي تتسع لعدد كبير من الركاب ، وبالتالي اجبر الصينين  بوينغ وايرباص لتصنيع قطع غيار الطائرات الخاصة في المصنع ذاته  فى شيآن ،مقابل وعود صينية بشراء طائرات من ايرباص،كما أقنعت الحكومة الصينية  شركة الطيران الاوربية بان يتم تجميع نموذج طائرتها من طراز A320 في المستقبل في الصين هذا الاتفاق الذي يمنح شركة ايرباص بعض التوفيرات في التكاليف ، يتوقع أن تأمن الصين من خلاله خبرة قيمة ومذهلة في هذا المجال المهم الا وهو تصنيع الطائرات.
الطائرة من طراز A320 يتوجب البدء في تجميعها منذ عام 2008 كما هو متفق في مدينة تيانجين،والتي تقع  شمال شرق الصين  والتي فازت بهذا العقد بعد منافسة حامية مع  مدينتي شانغهاى وشيان ، وهذا الاسلوب بحد ذاته من وصفات نجاح الشيوعية حيث التخطيط  يتم في بكين ، و المحافظات والمدن تتنافس فيما بينها من اجل الحصول على فرص الاستثمار.

وانغ رونغ ، البالغ من العمر 48 عاما ، زعيم فرع الحزب في سوتشو ، تبعد ساعة ونصف تقريبا غرب شنغهاي.  كانت سوتشو سابقا معروفة في المقام الأول في جمالها وموقعها الجميل على نهر اليانغتسى على انها مدينة البندقية الصينية ، المشهورة بقنواتها الضيقة والجسور الحجرية. اما اليوم سوتشو مدينة صناعية تشهد نموا سريعا ، ويقطنها 10 مليون نسمة.
"
أنا لم احصل على ما يكفي من الطعام حين كنت طفلا" ، يقول وانغ ، الشكر، للاصلاحات التي قام بها دنغ شياو بينغ ،حيث ومنذ ذلك الوقت نجح في الحصول على التعليم الجامعي في هولندا، ومن خلال تجربة وانغ من الغرب، فهو لا يتحيز لا حد وبعيد عن الاحكام المسبقة، و يشبه مدير شركة خدمات حديثة " وظيفة الحزب هي مساعدة شركات العمل " يقول وانغ ".

وانغ رجل سياسي وهدفه الأساسي هو جذب الاستثمارات إلى منطقته ، ومشروعه الذي يحلم به،  بناء مجمع صناعي كبير، يظم شركات كبيره، يتم بنائها على يد خبراء من سنغافورة. ولدت فكرة المشروع في بكين، وبفضل حرض وانغ حصلت مدينة سوتشول على ذلك المجمع.  اليوم يمكننا ان نرى اسماء و شعارات لشركات كبيرة  مثل بوش ، وسامسونج و بينكيو على طول الشوارع والممرات العديدة والمستقيمة للمدينة ، وحيث كاميرات المراقبة تراقب حركة المرور في كل التقاطعات. وعلى امتداد الصين يعمل الموظفين المحليين في الحزب امثال وانغ من اجل ترويج وتشجيع التطور والتنمية ، ودائما هناك خطوات للامام وهذا ما يروق مدراء الشركات  .
واقع عمل بائس:
هناك ظاهرة اماكن العمل البائسة ، و تنتشر هذه الظاهرة على سبيل المثال فى غوانغ دونغ وشنتشن ، المدن التي بدأت فيها  المعجزة الاقتصادية الصينية منذ عام 1980 ، حيث وعلى طول الطريق الى هونغ كونغ هناك العشرات من مصانع النسيج والالكترونيات. كل العالم  كان يشتري بضائعه من هنا ، من "منطقة صادرات الصين الجنوبية"
 وقد اصبحت المنطقة في غاية  من الأهمية لشركة آي بي إم ، على سبيل المثال، والتي اختارت ان تنقل شعبتها العالمية للمشتريات الى شنتشن، المدينة التي يتقاطر عليها جيش من العمال النازحين، الذين  يتقاضون أجورا زهيدة ، بما في ذلك العديد من النساء الشابات اللواتي لا يمكن تمييزهن عن الأطفال لصغر حجمهن، يكدحن ليلا ونهارا في مصانع المنطقة ذات الاضاءة السيئة. هؤلاء العمال المهاجرون ينامون في مهاجع نوم مزدحمة بالقرب من المصانع، والتي، ولولا الغسيل المنشور خارج النوافذ ، لا يمكن تمييزها عن المصانع. العمال يجدون أنفسهم على ما يبدو في أي شيء تقريبا.  نادرا ما يرفضون العمل وعندما يحدث هذا الامر ، يكون ذلك للاحتجاج على المواد الغذائية غير الصالحة للأكل أو المساكن البائسة للغاية. في مثل هذه الحالات ، يتصل مديري المعامل  في الحزب على الفور ، ويقوم المسؤولين في الحزب بدورهم  بابلاغ الشرطة، وجدير بالذكر ان الاضرابات ممنوعة في الصين منذ عام 1982 ، حيث جرى ازالة حق الاضراب من الدستور .

مقاطعة غوانغ دونغ جنوب الصين تعتبر مثالا لاستغلال العمال الذي يجري في الصين، وهذا ليس راي نقابات العمال الغربية، وانما هو راي موظفي الحزب ، الذين يعتبرونها مرحلة تاريخية مؤقتة، لا مفر منها، ولابد من المرور بها ، تتطلب التضحية  الجماعية من اجل الارتقاء في الصين لتصبح قوة اقتصادية مستشهدين على ذلك في فلسفة كونفوشيوس التي تقول ان حكام البلاد دائما على حق.
 ولو مضينا وفقا  لرؤى رئيس الاستراتيجيين الصينيين ،فان غوانغ دونغ،وهذه المصانع  الكبيرة المغبرة والبالية  في المقاطعة  ستتحول في يوما ما الى مختبرات انيقة لصناعة التكنولوجيا العالية المزدهره، ولكن هذا يمكن ان  يحقق حلم جزء من السكان  في المقاطعة ، حيث يتعين على الحزب ان يوفير او يضمن وجود وظائف  للعمال الغير مهنيين النازحين الذين يتدفقون على المدن الكبرى عاما بعد عام.

ويسود الانقسام على طوال الوقت ،الحزب الشيوعي ، بين قصة نجاحة التاريخية من جانب ، والتحديات العالمية  وتلك التقاليد اللينينية من جانب اخر. الحزب يحكم بلدا فيه الفقر والغنى ، بلد فيه القليل من الناس يتمتعون بالضمان الاجتماعي ، بلد تحطمت طبيعته وبيئته، وما يفعله البعض من المسؤولين الفاسدين الذين يهدرون القدرات والثروات ،وهذا ما يدفع السكان لحالة هياج يوما بعد اخر. ويبقى من الصعب دائما حكم الصين ، على الرغم من أن هو جينتاو وغيره من كبار المسؤولين لازالوا يملكون قوة هائلة ،  ولازالوا يستطيعون ايضا فرض قوتهم وسلطتهم على  كل ركن من اركان الحزب.

المدرسة الحزبية:

وكي يتجنب القادة في بكين الدخول في  الصراعات او حدوث الانقسامات، وكي تتوسع دائرة وقوة الحزب ،فعلى القادة دوما اتخاذ التدابير والعمل على صقل الطاقات ومراجعة التوجهات. وكي يوسع الرئيس هو جينتاو  سلطاته  فهو يعمل على توظيف البعض من رفاقه في مناصب رئيسية. هذه ليست سوى بعض الطرق المستخدمة لضمان بقاء الناس داعمة او مساندة لخط الحزب. كما ان الواجب على جميع مسؤولي الحزب على مستوى عال المشاركة ، على الاقل في كل عام، بدورة حزبية لمدة اسبوع في مدرسة الحزب المركزية ، علما ان الحزب  يدير العديد من المدارس المنتشرة في جميع انحاء البلاد.

لم يتوقف الامر بحدود هذه الدورات ، بل ان روح التجديد قد شملت المدارس الحزبية  ايضا، وهذا يتم من خلال استضافة الاساتذة الكبار من الجامعات الاوربية مثل جامعة هارفارد كمحاضرين ضيوف في المدرسة الحزبية، بالاضافة الى ارسال مسؤولي الحزب وبانتظام لدورات تنشيطية ،في العلوم السياسية والاقتصاد، لاميركا وايضا لنخبة من الجامعات الفرنسية والبريطانية.  ويشعر البعض من المسؤولين وكانهم في منازلهم اثناء وجودهم في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في سويسرا قياسا بوجودهم في مكاتب الحزب في الصين.

واصبح اليوم الحق للتجار وغيرهم من العاملين في هذا الوسط في الحصول على عضوية الحزب قياسا الى ما سبق حيث كانت عضوية الحزب محصورة على العمال والفلاحين .

بهذه الخطوات يتكيف الحزب الشيوعي مع الواقع في الصين التي  انخفض عدد الشركات المملوكة للدولة  فيها من 238 الف شركة عام 1998 الى 150 الف شركة عام 2003، على الرغم من تلقي هذه الشركات 65% من القروض ، وبالمقام الاول من البنوك الحكومية ، فانها تشكل ربع حجم اجمالي الانتاج الصناعي في البلاد. كما وتعمل الشركات الخاصة على توظيف موظفي الحزب لديها، ففي مقاطعة شينغين الشرقية يتم توظيف المدراء المتقاعدين من مسؤولي الحزب، برواتب شهرية تتجاوز ال 12 الف دولار ، على امل الاستفادة من خبراتهم وعلاقاتهم  في الاتصال بمكاتب الحزب والحكومة.

تسلط الاضواء في الصين الان على تجربة جديدة ان جاز التعبير الا وهي ايجاد نظام جديد من الصفر، لا احد يمكنه ان يتنباء كيف سيبدو في المستقبل او كيف ستكون نتائجه، فالحزب الشيوعي الصيني ذاته منقسم او مشغول بالقضية الايديولوجية الاساسية، الى اي الحدود يمكن للصين ان تكون راسمالية ؟ والى اي الحدود تبقى اشتراكية او شيوعية ؟ وما هو مضمون تلك الفكرتين اليوم او محتوى تلك الفكرتين في يومنا الراهن؟ وهل على الحزب ان يحافظ على افكاره وسياسته؟

رفاهية للبيع:

من خلال وجهة نظر العالم الخارجي، هناك تساؤل كبير يطرح نفسه ، اذا تعلم الانسان من الصين، هل يتعلم الانسان الفوز؟

في بعض النواحي يمكن ان تكون البلد وبالتاكيد مثالا على تطور البلدان النامية . لقد انقذ الشيوعيون الصينيون حوالي 300 مليون انسان من الفقر " 10 اضعاف نفوس العراق او ما يقارب نفوس الولايات المتحدة الاميركية[4]" من خلال الاصلاحات التي قامو بها. وعلامات الازدهار واضحة في كل مكان، ليس فقط في شنغهاي وشين زين، حيث المحلات الفاخرة مثل  غوتشي، لويس فويتون وفيرساتشي والتي تجذب الطبقة الوسطى المتنامية.

 لقد اتسعت الطفرة الاقتصادية في الصين لتصل الى الاجزاء البعيد والاكثر حرمانا، الى اماكن مثل شينغ دو و شونغ غينغ، واخذت اعداد اصحاب الملايين بالدولار بازدياد مطرد، هناك 320 الف صيني  يملك كل واحد منهم خمسة ملايين دولار، واصبح الاغنياء ايضا من المقربين للحزب والمؤيدين له، لما له من دور في ضمان ثروتهم.

اما جيش العمال من المهاجرين من الارياف الى المدن الكبيرة ، لا يتامل منه ان يقوم بثورة او عصيان ضد الحزب لطالما هناك تحسن ولو طفيف في حياتهم وحياة عموم سكان الصين في كل عام، هذا ما سيبقي قيادة الحزب للصين قوية في الحكم ومتضامنه.

ماذا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية البيئة؟  النمور الاسيوية الاقتصادية ، مثل كوريا الجنوبية وتايلاند يجربون اساليبهم السلطوية في التحكم وضبط النظام ، لطالما هناك نمو اقتصادي للحفاظ على انتاجها  الكثيف من المنتجات مثل القمصان والتلفزيونات وكثرة  في الايدي العاملة  ومكافأت العمل،  فسيكون هناك حياة لانظمتهم.

 ولكن عندما بدأوا انتاج المزيد من منتجات التكنولوجيا العالية ،واصبحوا أكثر ارتباطا مع الشبكة العالمية ، اصبح لهذا من الصعب عليهم  ايضا إدارة الاقتصادات التي تزداد تعقيدا  من خلال المراسيم العليا او القرارات الفوقية.

المعجزة الاسيوية التي امتدحها  البنك الدولي ، تحطمت خلال الازمة الاقتصادية في اسيا عام 1997، وكما  هو الحال في الصين اليوم، فان بنوك الدولة هي التي كانت تحفز وتنشط بناء المصانع  والعقارات من خلال القروض الرخيصة ،ولهذا فان الخوف اصاب المستثمرين الغربيين انذاك ودفعهم لسحب اموالهم وهروبهم  من ما ينظر اليه على انه الراسمالية القائمة على المحسوبية والفساد، حينها اضطر صندوق النقد الدولي  باجبار النمور الاقتصادية الاسيوية  لرفع هياكلها المالية الى مستوى المعايير الغربية ، "وجدير بالذكر بان تلك الازمة الاقتصادية ادت الى سقوط حكومة سهارتو في اندونيسيا ".

المصارف والبنوك الحكومية في الصين لديها ايضا المليارات من الدولارات التي تعد قروض غير امنه، هذا يدفع بطرح سؤال، متى تنفجر الفقاعة؟ هذا هو جوهر المحادثات اليومية  في حانات الفنادق الفاخرة في بكين وشنغهاي، حيث لقاءات رجال الاعمال كل مساء، حين يجتمعون لتناول مشروبهم بعد نهاية يوم العمل . الا ان الصين عكس اقتصاديات النمور، لديها وضع افضل  لمواجهة المضاربين. بالاضافة الى ما تملك من المناطق الشاسعة غيرالمكتشفة والتي تقع تحت تصرفها، وعلى ضوء تلك الظروف يمكن التوقع للاقتصاد نظريا الاستمرار في النمو لعشرات السنوات القادمة  . 

لكن حتى لو حافظت الصين على نموها وتفادت ازمات خطيره، سيبقى على الستراتيجيين الشيوعين التعامل مع  سؤال بقائهم؟ حيث وكلما زادت الشركات الخاصة مثل شركة الكومبيوترات لونوفو وزاد الاعتماد عليها كلما قل الاعتماد على الحزب او الحاجة له، كما هو حال شركة سوني التي  حررت نفسها من الاعتماد على الصناعة اليابانية ووزارة التجارة  في اليابان.

تشانغ يون، استاذ الاقتصاد في جامعة فودان في شنغهاي ، لا يرى تناقضا بين  تخطيط الدولة والمبدء الاساسي لاستقلالية السوق،" ان دور الدولة مجرد اداة مساعدة للصين ،لاكمال التحول التاريخي الى اقتصاد السوق"، كما يرى تشانغ يون.

 

 



[1]  هذا التقدير او الرقم هو لعام 2007
[2]  دراسة اللغة او الاداب الصينية او التاريخ والثقافة الصينية sinologist   
[3]  "ترفع اصبعها" اي الاصبع الوسط من اليد! هو لفظ يدل على الاستهزاء من الاخر  بهذه المعنى يستخدم هنا في النص.
[4]  الملاحظة من المترجم
التوضيحات السابقة ادرجتها شخصيا للتوضيح.

حذار من خريف قاسي


تقرير خاص بالمخالفات و الخروقات يوم الاقتراع العام انتخاب برلمان اقليم كوردستان ج1


 

بالتعاون مع شبكة الانتخابات في العالم العربي

سلسلة تقارير مراقبة العملية الانتخابية في العراق
2013

انتخاب برلمان اقليم كوردستان

تقرير خاص بالمخالفات و الخروقات يوم الاقتراع العام

21 أيلول 2013
 


رصد مراقبو شبكة شمس في يوم الاقتراع العام (364) خرقاً منها (31) حمر بموجب تقاريرهم الأولية السريعة. و مع هذا فأن الشبكة  تعتقد بأن الخروقات التي تم رصدها لم تؤد إلى حرف إرادة الناخبين العامة في أختيار ممثليهم أو تزويرها، و هي من هذا المنطلق و وفقاً لنظام المفوضية و المعاير الدولية تعتقد بأن الإنتخابات تمت بشكل جيد و إنسيابية ملحوظة تفوق ما كانت عليه في الإنتخابات السابقة، و حتى  قياساً بالتصويت الخاص في هذه الإنتخابات، وفي التالي الخروقات  بحسب المحافظات و المراكز و المحطات:

 

السليمانية : تم تسجيل (120) حالة
 
أربيل: تم تسجيل (155) حالة
 
دهوك :تم تسجيل ( 89) حالة
 
ملاحظة. : بسبب حجم الملف تعذر نشره على المدونة لمن يرغب في الحصول على التقرير  يمكنه القيام بزيارة صفحة منظمة شمس او ارسال رساللة للمدونة مع ذكر عنوانه البريدي  كي يمكن ارسال التقرير له.
 
 

قراءة أولية في كتاب "نبوة محمد" للكاتب الدكتور محمد محمود





كاظم حبيب

اسم الكتاب: نبوة محمد – التاريخ والصناعة – مدخل لقراءة نقدية
اسم الكاتب: محمد محمود (أكاديمي من السودان)
دار النشر: مركز الدراسات النقدية للأديان
مكان النشر: لندن ، بريطانيا
سنة النشر: ط 2 /2013
عدد صفحات الكتاب: 474 صفحة

المدخل:
يتضمن البحث العلمي المميز لذي أنجزه الباحث الأكاديمي والكاتب السوداني الدكتور محمد محمود مقدمة قصيرة ولكنها تكشف عما يمكن أن يواجهه هذا الكتاب من المتشددين والمتطرفين والجهلة من محاولات للتشويه والإقصاء والتشكيك بكل ما هو علمي وخاضع للتحليل المادي التاريخي والمصاعب التي يواجهها البحث العلمي عموماً في هذه المرحلة التي بدت وكأنها صعود للفكر غير التنويري الغائص في الأساطير والخرافات والخزعبلات الفكرية والرافض للفكر النقدي من جهة، ويشعرنا من جهة أخرى بأهمية الخوض في مثل هذه الأبحاث مستنداً إلى الحكمة التي طرحها أبن خلدون في كتابه "المقدمة" إذ كتب ما يلي: "إنه لا يكفي أن تصف موج البحر، وظهور السفن، حين تريد أن تتكلم عن حياة البحر .. لا بد لك أن تفهم ما في القاع.. قاع البحر المليء بالغرائب والتيارات والوحوش… وقاع السفينة حيث يجلس عبيد وملاحون إلى المجاديف أياماً كاملةً، يدفعون بسواعدهم بضائع تحملها السفن، وثروات وركاباً .. وينزفون عرقاً، وتتمزق أجسامهم تحت السياط.. أجل، ينبغي أن تعطيني صورة كاملة، عندما تريد أن تقنعني بأمر من الأمور". ثم يضيف الدكتور محمد محمود مسألة مهمة جداً تمس استقلالية وجدية البحث العلمي حين يؤكد ضرورة رفع القدسية عن كل شيء حين يراد التعمق حتى القاع في البحث العلمي بهدف الوصول إلى الحقائق الصلدة وليس برؤية مسبقة، ولكن بافتراضات علمية يسعى البحث للتيقن منها أو رفضها, أي البحث بهدف الوصول إلى الاستنتاجات العلمية التي يصعب دحضها من خلال إيراد الأساطير التي تناقلتها المجتمعات البشرية منذ العهود السومرية والأكدية والآشورية والكلدانية وعموماً البابلية أو الفرعونية أو غيرها كالتوراة والإنجيل والتلمود والمدراش ...الخ والمسطرة من جديد وبصيغ وأساليب أخرى في القرآن.

حين كنت أدرس في الجامعة المستنصرية كان الأستاذ الكبير إبراهيم كبة يدرس تاريخ الفكر والمذاهب الاقتصادية. وكنت في حوار معه حول الدين الإسلامي والفكر الديني عموماً فأشار بما معناه: عزيزي أبا سامر، أنا أعالج في محاضراتي نقد الدين والفكر الديني المسيحي بشكل مباشر وواضح، وهذا يتوجه مباشرة إلى الدين والفكر الإسلامي، فهما في الجوهر واحد، ولكن الأوضاع وهيمنة الفكر الديني المتخلف لا تسمح بتوجيه النقد المباشر للإسلام أو الفكر الإسلامي". هكذا كان وهذا هو واقع العراق والدول العربية في الموقف من الدراسات والأبحاث العلمية في الدين والفكر الديني، وهي المشكلة التي عانى منها اليهود والمسيحيون في القرون الوسطى وبعدها بفترة غير قصيرة, ولكن فترة التنوير والتطور الرأسمالي، وخاصة المجتمع البرجوازي الصناعي لعبا دورهما في تغيير اتجاه التفكير والعقل في أوروبا والولايات المتحدة وكند واستراليا على وجه الخصوص، رغم إن المدارس الدينية فيها ما تزال تمارس أسلوبا مقارباً للماضي مع تفتح نسبي أفضل وعجز عن مواجهة الدراسات والبحوث العلمية. في حين إن الإسلام ما يزال يعيش الفترات التي عاشتها منذ قرون الديانة المسيحية وقبل ذاك الديانة اليهودية. (
بعد سقوط الدكتاتورية الصدامية بالعراق دعيت لإلقاء محاضرة في نادي اتحاد الأدباء والكتاب في العراق وقد تطرقت إلى أهمية نقد الدين والفكر الديني. وبعد الانتهاء من المحاضرة قدم أحد مسؤولي الاتحاد نقداً لي بشأن نقد الدين وقال يفترض أن نتحدث عن نقد الفكر الديني. أدركت حينها المصاعب التي تواجه الاتحاد من قبل قوى الإسلام السياسي المسيطرة على السلطة السياسية ولم ارغب وأنا الضيف والزائر أن أخلق مصاعب إضافية للاتحاد، فقلت نعم كما تريد نقد الفكر الديني، في حين كنت أقصد بالتحديد نقد الدين والفكر الديني الكثير من المقالات قبل ذاك, كاظم حبيب).

كما يتضمن الكتاب الذي نحن بصدده ثلاثة عشر فصلاً وخاتمة. بحث في الفصل الأول بزوغ النبوة في الإسلام وأساسها الفعلي المنطلق من أرضية الإيمان اليهودي المسيحي بوحدانية الله والمرتبطة أيضاً بالحنيفية التي كانت منتشرة في حينها في مكة والمنطقة بأسرها، والتي كانت بدورها توحيدية الإله ورفضت كثرة الآلهة كما عرفها العرب والتي تجلى وجودها في "بيت ألآلهة أو "الكعبة".
وركز الفصل الثاني على البيئة الاجتماعية والفكرية والسياسية العامة والديانات التي برزت حينذاك والتي أثرت في نبوة محمد. أما الفصل الثالث فيبحث في نبوة محمد ولحظته التأسيسية لدينه الجديد الذي لم يكن مفاجئاً للكثير من العرب حينذاك بسبب معرفتهم لهذه الظاهرة الإنسانية وولهم تجارب مع الديانتين اليهودية والنصرانية وقبل ذاك مع الحنيفية. أما الفصل الرابع فيتطرق بتفصيل وعمق إلى مرحلة النشوء الأولى في مكة والمصاعب الكبيرة التي واجهته من القوى التي انحدر منها وتبنى فكرها وعقيدتها وآمن بآلهتها ولم يثقوا باحتمال أن يكون نبياً أو مرسلاً من إله واحد أحد، في ما عدا قلة من القريبين منه وممن لم تكن فكرة الإله الواحد غريبة عنهم. لقد عانى أتباع محمد الكثير في مكة، وكان المؤمنون بدين محمد مسالمين ولم يكونوا عنيفين في مواجهة مناهضيهم. وخصص الباحث الملتزم بعلمية عالية الفصلين الخامس والسادس للمرحلة الجديدة، لفترة الهروب إلى المدينة وبدء خلق التضامن والتآخى بين المهاجرين والأنصار في يثرب وبناء دولته (دولة المدينة) التي لم يكن غيره فيها نبياً ومشرعاً ومسؤولاً عن الدعوة للحروب والغزوات والاقتصاد وترتيب معيشة قواته المتنامية التي نشطت لديهم الرغبة في التوسع على حساب مناطق أخرى وللحصول على المزيد من الأموال والأسلاب والرقيق والجواري. وهنا نتابع معاركه المستمرة ضد اليهود والمذابح التي نظمت ضدهم وخاصة بني قريظة. لقد كرس محمد سلطته وسيطرته على المدينة وعلى أتباعه وبدأ سعيه الجديد للعودة إلى مكة التي بدأ بها دعوته وفشل في إقناع أهلها واجبر على الهروب منها.

الفصلان السابع والثامن يعالجان المعارضة المستمرة له في مكة حتى بعد عودته إليها ونجاحه في العودة. ويحلل هنا قوى المعارضة في مكة، في حين يخصص الفصل الثامن للمعارضة اليهودية والمسيحية في المدينة. وإذ يبدو إن محمداً في عداء مستحكم ضد اليهود، فإنه كان قليل الشدة في مواجهة أتباع الديانة المسيحية. لقد تحول محمد أثناء وجوده في المدينة بالمقارنة مع فترة وجوده الأولى في مكة إلى ساع للحروب والتوسع والقتل لنشر الدعوة وكسب المؤيدين والحصول على المزيد من الأراضي الخصبة والثمار والأموال والعبيد. لقد تميزت الفترة بالعنف الصاعد الذي اقترن ليس بالحروب فحسب، بل وبالاغتيالات والتمثيل بالموتى أو حتى أثناء قتلهم، ولكن في مرحلة لاحقة حرم المثلة بالميت، كما جاء في القرآن.

وخصص الكاتب الفصل التاسع لمواجهة المنافقين, أي مواجهة الأوس والخزرج وغيرهم ممن لم يؤمنوا بدين محمد إيماناً صحيحاً، وكان عليهم شديداً، أدى إلى قتل الكثير منهم، وفيه التعبير الصارخ عن حالة إقصاء الآخر ليستتب له ولدينه الأمر في المدينة وحاوليها.

أما الفصول الأربعة التالية فتبحث في الرسالة المحمدية وما بثه من الشعائر كالصلاة والصوم والآذان، وكذلك في الأخلاق التي تقترب جداً من الوصايا العشر الواردة في الديانتين اليهودية والمسيحية، أو التي لا تختلف عنها إلا بالصياغة والأسلوب ولكنها واحدة في المضامين. وهنا يأتي الموضوع المهم والبارز في الفصلين الثاني عشر (صناعة محمد من البداية إلى الكلمة) والثالث عشر (الفعل والصفات الخصوصية) حيث يبحث الكاتب بعناية كبيرة، كما في الفصول السابقة، صناعة محمد وصناعة الجماعة والمجتمع للنبوة ومن ثم دور السلطة في هذه الصناعة وفي نشر الدين. ويتجه صوب ثلاث مسائل جوهرية هي :

1) خصوبة خيال محمد وتجربته واطلاعه على الديانتين اليهودية والمسيحية وعلى الحنيفية وقدرته على استخدام هذا الخيال في صناعة القصص والأساطير أو إعادة صياغة القديم منها وتقديمه لأتباعه.

2) دور الصناعة الجمعية المجتمعية للنبوة من جانب أتباعه الذين ساهموا في نشر الدعوة والترويج لها وخيالهم في ابتداع معجزات عند محمد لم يحققها ولم يسجلها لنفسه، بل من عنديات أتباعه مقترنة بسياسة التوسع على الأرض وكسب المزيد من الناس للدين الجديد، الإسلام.

3) أما القوة الثالثة التي لعبت دوراً في صناعة النبوة فهي السلطة، تلك السلطة الفعلية التي تمتع بها محمد ومن هم حوله. وكان النبي محمد يمسك بيديه عمليا ما اصطلح عليه حديثاً بالسلطات الثلاث السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، بما فيها المالية، وسلطة القضاء أو إنزال العقاب بمن يخالف ما جاء به ونص عليه. فهو صاحب القرآن حيث التشريع, وهو صاحب القرار في الحروب والسلام وتوزيع الأسلاب والأموال والأسرى أو العبيد وهو القضاء في حسم الخلافات وإنزال العقاب والثواب. لقد أضافت السلطة السياسية عملياً الخيال الثالث لصناعة النبوة ونشرها بقوتين قوة الإقناع وقوة السيف، فمن لم يقتنع بالحجج التي يقدمها المريدون يأتي دور السيف، ولهذا يرفع المسلمون في أعلامهم السيف، كما هو الحال في السعودية، أو كما عبر عنه العرب في تقاليدهم وثقافتهم :

السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب

والسيف، أي القوة والعنف، هو الذي ساهم في التوسع على الأرض في فترة وجود محمد وفي زمن الخلفاء الراشدين ومن ثم في الدول التي تبنت الإسلام للتوسع، سواء أكانت الدولة الأموية أم الدولة العباسية أم الدولة العثمانية أم الدول الأخرى أينما وحيثما نشأت على دين محمد وديدنه في الحكم.

ثم يتضمن الكتاب خاتمة مهمة تلخص النتائج التي توصل إليها الكاتب والتي ستجد الكراهية والحقد والإساءة من المتطرفين والمتشددين وأشباه المثقفين ممن لا يعون أهمية البحث العلمي وضروراته. ويبرز أمامي في هذا الصدد مقال خالد موسى ممثل النظام الإسلامي الاستبدادي السوداني في ألمانيا والمعبر عن هذا الموقف الإقصائي لكل من يفكر بعقلانية وعلمية، فعنده التفكير لا يبتعد عن قاعدة "لا تفكر لها مدبر!" وكفى الله المؤمنين شر القتال. أما الرأي والرأي الآخر فلا مكان لدى هؤلاء الناس الذين تعلموا في الكتاتيب ولم يغادروها فكراً وممارسة.

أين تكمن قوة كتاب نبوة محمد؟
إنها على وفق قناعتي تكمن في النقاط التالية :

1. في معرفته الممتازة لأصول وأسس وقواعد الأديان التي سبقت التوحيدية ومن ثم التوحيدية قبل الإسلام ومن ثم الدين الإسلامي المستلهم منها بسبب دراساته المقارنة وتدريسه لها، وبالتالي فهو يتحدث عن معرفة معمقة وموسوعية في مجال الديانات عموماً والدين الإسلامي خصوصاً.

2. استخدامه للمنهج العلمي النقدي والشفاف في دراسة الأديان الثلاثة التي يطلق عليها بالسماوية، اليهودية والمسيحية والإسلام، والتحري عن أصولها المشتركة وتفرعاتها والتمايز في ما بينها، سواء في مكان ظهورها أو زمن هذا الظهور أو الظروف التي أوجبت بروزها، إضافة إلى فعل وتأثير الديانتين وكتابيهما على القرآن وعلى عملية جمعه فيما بعد.
3. استخدامه لأبرز وأكثر المصادر العربية والإسلامية والأجنبية التي بحثت في تاريخ نشوء وتطور الإسلام والتي يشهد لها بأنها الأكثر إلى الصواب في ما نقلته أو تحدثت به، إضافة إلى تحليل أساليب وأدوات نشر الدعوة الإسلامية وصناعة النبوة الجمعية الاجتماعية.

4. في جرأته وصراحته في الكشف عن الحقائق الصلدة دون اعتبار لتلك القوى التي ستسعى بعد نشر الكتاب إلى نهشه. فالحقائق رغم نسبيتها صخور صلدة من لا يعترف بها يصطدم رأسه بها ويتحطم، كما يقول المثل الانجليزي. لقد كشف عن طبيعة النبوة وكونها نابعة من خيال خلاق للإنسان وبالتالي فالنبوة صناعة إنسانية وليست صناعة إلهية، وبالتالي فأن الله لم يصنع الإنسان كما إنه لم يصنع النبوة والمرسلين أو الأنبياء بل الإنسان والأنبياء هم الذين صنعوا إلههم الواحد الأحد.

5. وكان الكاتب محللا دقيقاً ومدققاً وواضحاً جداً في تشخيص العوامل التي دفعت محمد إلى التحول في حالات ثلاث جوهرية هي:
أ. من دين كان موجهاً لأهل مكة ومن فيها إلى دين موجه للمدينة ومكة ومن ثم للعالم.
ب. من الموقف السلمي في نشر الدعوة، إلى موقف يتميز بالعنف والسادية المرضية في الحروب والقتل والتعذيب والاغتيال والتمثيل ورفض الآخر والدعوة إلى مقاتلته.
ج. من الدعوة لدين جديد هو الإسلام إلى العمل من أجل الحكم والسيطرة والتوسع على حساب الغير. وما يرتبط بهذا التحول من متطلبات اقتصادية، أي من غزو وسلب للأرض والأموال والثمار من أجدل تأمين التوسع في القوات والمزيد من حروب الغزو أو "الفتح" الإسلامي.

6. الأسلوب الذي انتهجه النبي محمد في إقصاء الآخر سواء أكان الدين وثنياً أم يهودياً ومن ثم مسيحياً. فرغم إنه اعترف بها وبوجودها ولكنه أكد أنها بنشوء الإسلام انتهى دور الأديان الأخرى ولا بد أن يكون الجميع في صفوف المسلمين، وأنهى عملياً "لكم دينكم ولي دين". ولم يكن هذا الطرح دفعة واحدة بل تدرج بها ليصل في المحصلة النهائية إلى عدم صلاحيتها, والإسلام هو للجميع. كما بشر بأن دين محمد أو دين الإسلام هو آخر دين ينزله الله لبني البشر وأغلق الباب على كل من يريد أن يدعي النبوة. كما إن روح الإقصاء استمر فعلها لدى شيوخ المسلمين والأحزاب الإسلامية السياسية حتى الآن وبعد مرور أكثر من 14 قرناً على بدء ظهور الإسلام. ويبرز هذا الإقصاء في حينها صارخاً في تهديم الأوثان وفي محاربة اليهود وقتل عدد كبير يصل إلى 600 رجل في بعض الروايات و3000 رجل في روايات أخرى مع سبي النساء والأطفال وتحويلهم إلى عبيد وصوب الإسلام، كما حصل هذا مع بني قريظة المؤمنين بالديانة اليهودية، أو ما حصل مع الأوس والخزرج وغيرهم.

(ملاحظة: استوطنت في يثرب قبل ظهور الإسلام بعدة قرون ثلاث قبائل آمنت بالديانة اليهودية وهي بنو قريظة، وبنو قَيْنُقاع وبنو النضير. طرد محمد قبيلة بني قينقاع وبني النضير من يثرب بعد أن تعززت سيطرته حين رفضوا الإسلام ديناً بديلاً عن دينهم وليكون درساً لبني قريظة، التي تعرضت فيما بعد للمذبحة الرهيبة التي ذكرتها في أعلاه رغم حفاظها على العهد ولم تدعم قوى الأحزاب المكية ضد محمد والمسلمين. ك. حبيب).

أورد الكاتب صلاح يوسف في مثال له بعنوان "الأسباب الحقيقية للتكفير... بعض الآيات القرآنية التي تدلل على رفض محمد والإسلام للديانات الأخرى في الفترة الثانية التي تميزت بالتحول صوب العنف وعدم التسامح مع أتباع تلك الأديان: "يقول محمد في القرآن ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون )، كما يقول ( يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ) كما يضيف ( وإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ) كما يقول ( كتب عليكم القتال ) ويقول أيضاً ( اقتلوهم حيث ثقفتموهم ) !! القرآن إذن يضج بالأوامر ( الإلهية ؟ ) التي تحرض المؤمنين على قتل الكفار وقطع رؤوسهم كما فعل محمد بقبيلة بني قريظة التي ذبح رجالها وسبى نسائها واسترق أطفالها ونهب أموالها .. لماذا ندفن رؤوسنا بالرمال ولا نجرؤ على البوح بالكلمة الحرة الصادقة ؟؟!" (
الحوار المتمدن, صلاح يوسف, الأسباب الحقيقية للتكفير, العدد 4420 بتاريخ 19/9/2013).

7. ويستخلص الكاتب محمد محمود بدقة سليمة إن الانغلاق الفكري على البحث العلمي والتفكير العقلاني قد دفع بالدين الإسلامي والمسلمين إلى الأزمة الحضارية الراهنة، فهم يعيشون في حضارة القرن الحادي والعشرين من حيث استخدام أعلى مستويات منتجات ومنجزات الثورة العلمية والتقنية وثورة الأنفوميديا من جهة، ولكنهم يعيشون في ما يشبه القرون الوسطى من حيث الفكر ومستوى العقلية والحرية والحياة الديمقراطية، بما في ذلك حرية البحث الأكاديمي وحرية المرأة ...الخ من جهة أخرى. إنها المحنة والتناقض الذي يدفع بالمسلمين باتجاهات عدمية ومتطرفة. فهم يعتقدون بالقدرة على العودة إلى الماضي السلفي في الفتح والتوسع وإقامة دولة الله على الأرض بعد مرور 1434 سنة هجرية، ويحق لهم استخدام الحروب والغزوات والعنف كما استخدم في سالف الزمان ليعودوا إلى حكم الخلافة حتى لو مات الملايين من البشر، وهو ما يشاهده ويعيشه الناس في العمليات الإرهابية والقتل الواسع النطاق لتنظيم القاعدة والتنظيمات الإسلامية السياسية المتطرفة والإرهابية، وهي نتاج للتثقيف والتربية الدينية في المملكة السعودية وإيران والسودان والعراق وغيرها، أو في محاولات قوى إسلامية سياسية تسمى معتدلة ولكنها في المحصلة النهائية تصل إلى نفس العواقب السيئة والسلبية كما حصل في مصر على أيدي جماعة الأخوان المسلمين أو ما يجري في العراق والسودان وغيرها.

إن الاستنتاج الأساسي الذي سجله الدكتور محمد محمود والذي أثار ويثير غضب المهووسين بمناهضة البحث العلمي والعلمانية والمتشبثين بقدسية الدين والفكر الديني هو الافتراض الذي طرحه في مقدمة الكتاب وبرهن عليه على امتداد الفصول الـ 13 والقائل: " وننطلق في كتابنا هذا في النظر لنبوة محمد وللنبوة عامة من افتراض أولي مؤداه أن النبوة ظاهرة إنسانية صرفة، وأن الإله الذي تتحدث عنه النبوة لم يحُدِث النبوة ويصنعها وإنما النبوة هي التي أحْدَثَت إلهها وصنعته." (
المقدمة صفحة ح).

وبهذا المعنى فالنبوة فعل إنساني خلاق، خيال نشط وإبداعي فردي، ولكنه يخلق معه خيال مجتمعي جمعي يلتزمه ويدعو له ويعزز وجوده، ثم يكرسه خيال سلطوي تسلطي يذود عنه ويشرع له. يومكن أن نتابع ذلك في الدول ذات الأكثرية الإسلامية التي تتحدث عن الدين باعتباره دين الدولة وتكرسه في دساتيرها وتمنع أي بحث في نقد الدين أو الفكر الديني كما في المادة 126 من الدستور السوداني السيئ الصيت أو دساتير أخرى بالدول العربية.

إذن نحن أمام حقيقة علمية مهمة قيلت قبل قرون من الفارابي وبن رشد وغيرهما في أن الإنسان هو الذي خلق إلهه وليس الإله من خلق الإنسان، وليس الإله من خلق النبوة، بل النبوة هي التي خلقت الإله.

لم يكن محمد هو النبي الثالث في التوحيديين, بل كان هناك 25 ألف نبي في هذا العالم الفسيح وجلهم أن لم يكونوا كلهم في هذه المنطقة من المشرقين الأدنى والأوسط. وعلى وفق رأي محمد وما ورد في القرآن فأن هناك 25 نبياً يحتلون الصدارة وقد وضعت في نص على النحو التالي كما كنا نتعلمه في المدرسة أو في البيت والذي حفظناه عن ظهر قلب أو في الصدر:

خــمــس وعشرون فخذ بياني
هـم آدم إدريـــس نــوح هود *** يــونــس إليــاس يــسع داودُ
ثــــم شــعــيــب صالح أيوب *** إســحـــاق ثم يوسف يعقوب
هارون إبراهيم لوط موسى *** ذو الكفل يحيى زكريا عيسى
ثــم ســلــيــمـان وإسماعيل *** خــاتــمــهــم مـحـمـد الـخـليلُ

ولكن الكثير من الأنبياء الذين ظهروا وأعلنوا عن نبوتهم في العالم لم يسعدهم الحظ لبناء دين جديد، والكثير منهم كان كبقية الأنبياء من الذين تبنوا أفكاراً إصلاحية بغض النظر عن النتائج التي وصلت إليها في المحصلة النهائية تلك الأفكار والأديان.