الجمعة، 4 فبراير 2011

سنابل العدد 29 الجزء الثاني

يبقى الوضع كما عليه الى حين البت بالقضية"!! -   ايمن لازم
كتب الكثير عن مواطن الضعف في  الدستور قبل وبعد التصويت عليه عام 2005 . وكثرت الاتهامات لمن لم يصوتوا على الدستور ومن وجه الانتقاد له  !! الى حد وصفهم ببقايا النظام الصدامي! على الرغم من ان الكثير منهم كان ولا يزال من معارضي الدكتاتورية ومصادرة الراي،  وهذا كله جرى ويجري على ارضيتين بين من هم معارضة للنظام انذاك وبين من يطلبون الثأر من النظام، وبحكم الفرق بين طالبي الثأر والمعارضة ، وهو الفرق  بين من يثار من الاخر وبين من يعارض الاخر، وهذه الصفة التي يمتاز ولازال بها الكثير من الذين انتقدوا الدستور العراقي لعام 2005 ومواده المفككة والملغومة بذات الوقت، اي انهم كانو ضد فكر الدولة التعسفي المتفرد ، ضد دولة الاقرباء اولى بالمعروف ضد دولة كم الافواه وكبت الحريات والوصاية تحت اي مسمى كان.
لم يمضي زمنا طويل حتى ظهرت التصريحات تلو الاخرى "بضرورة تعديل الدستور وبضعف الكثير من مواده" ، من ذات الالسن التي اتهمت الاخرين في الامس،  وعليه شكلت لجنة للتعديلات تقدمت بمقترحات تعديل ، للكثير من المواد، وهذه التعديلات بحاجة الى تعديلات حقيقية هي الاخرى، وبهذه اللجنة والتصريحات من اجل تعديل الدستور مسح الساسة، ايديهم  من تلك الاتهامات التي كالوها للغير في الامس،  اولئك الساسة الذين قسموا اغلظ الايمان بان عدم التصويت على الدستور سيزيد الارهاب والعنف في الشارع العراقي!!  وقد صوت الشارع بالتهديد  والوعيد   والتزوير على الدستور عام 2005 وتحقق الامن والهدوء والسكينة !!!الذي تجسد في اعوام 2005 ذاتها و2006 و2007 الى الحد  الذي يترك به  العراقي بابه مفتوح ليلا ونهار مطمئنا على ملكه وحاله وعرضه، لطالما ملات الشوارع تنظيمات جند الله وثار الله وعدوان الله وقدر الله والامر بالمثقب والنهي بالرصاص!! وهكذا ثبتت نبوءة الساسه في " ان زراعة البطاطا في شوارع بغداد ستوفر الظل للماره وتقيهم من حرارة الشمس " !!
ان المواد التي خصصت للحديث عن الحريات والحقوق من جانب ومن جانب اخر ما لا يتعارض مع الدين والشريعه، كتب عنها الكثير . وتكرار الكتابة عنها ما هو الا امل في التعبير عن اننا بشر ولنا الحق في حياة كريمه خالية من المفخخات واهدافها ومقاصدها السياسية والدينية والتوسعية الخ .ولكن هل تلك النخب تعتقد بالدستور والقوانين وهل نحن على وعي بها ونصبو للالتزام بها واحترامها !!
الكثير منا حين ينتقد حالة في مشهد الحياة العراقية اليوم يذهب الى الدستور ويطالب الالتزام به وانا منهم ايضا!! ولكن هل نصوص الدستور نصوص محكمة .. منصفة؟ وهل هي غير متناقضة؟ وهل حقا نحن كنظام سياسي عراقي وشعب واحزاب منذ العشرينات، اي منذ القانون الاساسي والتشريعات الدستورية انذاك وليومنا ! نلتزم بالمواد التي يحتويها الدستور؟؟ ونتوق لحكم القانون وليس لحكم الشيخ والعشيرة والاغا ورئيس الحزب والمختار والسركال وغيرها من تلك التسميات؟؟؟ نلتزم بالقوانيين التي تشرع على اساس الدستور؟؟ خصوصا في مجال الحريات والحقوق؟؟؟ الجواب ورب الكعبة  كلا والف لا.
ان عودة سريعة للنصوص من جانب وتامل واقعنا من جانب اخر سيكتب الجواب الذي دونته " ورب الكعبة كلا والف لا" . لقد نص القانون الاساسي دستور 1925 في الباب الاول حقوق الشعب المادة السابعة " الحريات الشخصية مصونة لجميع سكان العراق من التعرض والتدخل ولا يجوز القبض على احدهم او توقيفه او معاقبته او اجباره على تبديل مسكنه وتعريضه لقيود او اجباره على الخدمة في القوات المسلحة الا بمقتضى القانون اما التعذيب ونفي العراقيين الى خارج المملكة العراقية فممنوع منعا بتاتا" وكان الافضل ان تختم الجملة بـ بطاطا وليس بتاتا!!  الا يعطي هكذا نص وفهم منذ العشرينات  باننا في القرن الحادي والعشرين بان مدارسنا خالية من الضرب!! وليس شوارعنا ومقرات منظماتنا المدنية !! او الشرطة وغيرها ، وليس هناك حماية وزير تقوم بضرب صحفية في الشارع العام وهي في طريقها الى عملها!! او قوات تفتش وتعبث بمحتويات جمعية مدنية!! او مسؤولا يضع جميع الكتاب والادباء وغيرهم من المثقفين في سلة المهملات!! او فسادا اصبح اكبر من الديناصورات   !!. او سجناء مر عليهم 10 سنوات دون محاكمة !! او صحفيين يجري اعتقالهم! او وكثيرة هي !!
لقد احتوت تلك الدساتير، جميعها دون استثنماء، على اجمل الصياغات تغزلا بالحقوق  و الحريات وصيانة الحرمات، لا تقل حدة عن تلك التي تتغزل بالوطن والذود عنه وحبه !! والتي يخيل للقاريء او السامع ان اولئك الساسة يمضون وقتهم في كتابة القصائد وذرف الدموع حبا بالوطن والحريات!!
ان ما مر على شعبنا من حروب وقمع وقتل وتشريد وتهجير وعوز بسبب الحصار من جانب وتبديد الثروات من جانب اخر، وما جلبته الاحزاب من خيبات دفع ثمنها العراق ومواطنيه اولا واخيرا، كان يجب ان يدفعنا، هذا الواقع الذي مررنا به ، يدفعنا لابل يجبرنا للتفكير، لماذا نقتل بعضنا البعض ؟ لماذا نقف الى جانب من يريد قتل الاخر اليوم باسم الحزب او القائمة او الطائفة او الدين او المفتي او اي صفة دموية اخرى؟ لماذا ونحن الذين لم تجف عظام موتانا في المقابر الجماعية بعد؟ لماذا ونحن الذين لم يعود مهجرينا منذ الستينات الى قراهم وبيوتهم بعد؟؟ لماذا ونحن الذين لدينا اخوات واخوه مروا بالمعتقلات وجرى تعذيبهم بالقناني والكهرباء والدريل وقلع الاظافر والكي  وغيرها من صنوف التعذيب ؟ لماذا ؟ لماذا ؟ هل تكرار ذلك دليل وعي اجتماعي ام تغييب اجتماعي؟ ام انها حالة تثبت بان المجتمع تحكمه الشعوذة والدجل والنفاق ورجال التقليعة  وحب الرضيعة وليس الشريعة!!
ان الخلاف ليس بين الحريات والدين، ولكن الخلاف بين الحريات ووكلاء الرب على الارض الذين يملكون وكالات خاصة ويريدون بها سحق العباد!! ان انتقادهم او العمل على وضعهم في مكانهم ومعاقبتهم لا يعني اننا لا نحترم الدين، ولايعني اننا ضد الدين!! لان  الدين وما جاء به شيء وهؤلاء الذين يريدون ان يصادروا عقل الانسان باسم الدين وتحت عباءة " التقليعة في حب الرضيعة" شيء اخر، ان بقائهم وسلطتهم مرهونا ببقاء الجهل والفقر والامية والمرض بيننا، فالدين اتى لخدمة الانسان ، وهم يريدون ان يخدمهم الانسان .
ان تصريحات البعض ممن تلبس عباءة " التقليعة في حب الرضيعة" حول الحريات والذي عزز بالهجوم على المراة ومشاركتها في الحياة العامة في ظل صمت مطبق للبرلمان الاتحادي او برلمان الاقليم او مجالس المحافظات وكذلك ايضا مجلس الرئاسات الثلاث ، دليل على ضعف السلطات التنفيذية والتشريعية ومنها القضائية ايضا ، في وضع حد للكثير من الجهلة والغوغاء الذين تلبسوا الدين في فوضى " ديمقراطية " العراق اليوم.
ان الذي نحتاجه اليوم هو ثورة على العقلية التي تتحكم في روابط المجتمع منذ دهور، تلك العقول التي تربط المجتمع دائما وتشده للخلف ، للظلام  كي يبقوا هم ، ويغيب الانسان والحرية والدين وغيرها من القيم التي تدفع الانسان نحو الابداع والتقدم.
ان مهزلتنا هي اننا لم نشرع قانوننا بالتراضي بل كان دائما يوضعه المحتل والشيخ الذي يسبح بحمده والذين ليس لهم هم الا النفط وهذا ما حصل في العشرينات وماحصل في 2005.اليس القول بان التاريخ اذا اعاد نفسه يصبح مهزلة ، فكيف هو الحال اذن في دساتيرنا التي اعادت نفسها مرات ومرات! هل هي انعكاس لنا ام نحن انعكاس لها؟؟
ان اي قضية الان ترفع ضد الذين يحرضون من اجل منع المراة من المشاركة في الحياة العامة او الذين اتهموا الادباء والمثقفين العراقيين في الامس ، سيضع  القضية بين مادتين دستوريتين "ما لايتعارض مع الدين" من جانب ،ومن جانب  "ما لايتعارض مع الديمقراطية والحريات" ، وبالتاكيد سيكون القرار " يبقى الوضع كما عليه الى حين البت بالقضية"!! لهذا نحن بحاجة للعمل من اجل احترام الدين  وذلك بفصله عن الشؤون السياسية للدولة، وتشريع قانون يمنع من يعملون في دور العبادة بعدم التدخل في الشؤون السياسية والحقوق والحريات الشخصية للاخر، والا ستبقى دعواتهم قنبلة مدفونه  في المجتمع لاثارة القمع والعنف  وسلب الحريات وتكرار للماضي وللمأسي.

ماذا بعد اسقاط نظام بن علي ..؟  د. صالح بكر الطيار
 لا أحد ينكر ان الشعب التونسي تمكن من اسقاط نظام الرئيس زين العابدين بن علي خلال ايام قليلة من انتفاضة قام بها ضد الفساد والبطالة وغلاء المعيشة دون ان يكون لأي تنظيم او نقابة او جمعية او تيار الفضل في ذلك . كما لا احد ينكر ان سقوط نظام زين العابدين بن علي في الشارع هو الأول من نوعه في العالم العربي فيما كانت الأنظمة تسقط في السابق عبر انقلابات عسكرية . ولكن السؤال الأن هو ماذا بعد سقوط النظام ؟ . للإجابة على هذا السؤال حري التنويه هنا أن لا أحد كان يتوقع سقوط نظام بن علي بهذه السرعة إذ كانت الإنتفاضة الشعبية تكبر يومياً مثل كرة الثلج الى حد انها عمت كل المدن والمناطق دون خشية من القوى الأمنية التي مارست شتى انواع العنف والترهيب حيث ذهب ضحية ممارساتها عشرات القتلى والجرحى من المواطنين العزل . لا بل ان القوى الدولية والإقليمية كانت تظن ان الإنتفاضة ستدوم بضعة ايام يصار بعدها الى ايجاد تسوية على قاعدة تقديم وعود بإيجاد فرص عمل ، او عبر إقالة الحكومة وإعتبارها المسؤولة عما يجري في البلاد ، او اقالة بعض القيادات الأمنية وجعلها كبش محرقة ، وخير دليل على ذلك الموقف الرسمي الفرنسي في بداية الإنتفاضة الذي كان مؤيداً بالكامل لنظام بن علي . كما حري بالتنويه أن أي حزب سياسي او تنظيم نقابي ممن كان يعارض النظام لم يكن يملك تصوراً عن البديل فيما لو اطيح بالنظام القائم ، لا بل جل ما قامت به المعارضة انها كانت تصدر بيانات الدعم والتأييد من منطلق تعاطيها مع حدث فرض نفسه على الساحة السياسية التونسية وليس من موقع المحرك لهذا الحدث والمتحكم بمساراته . ولهذا ما إن كبرت الإنتفاضة وأجبرت بن علي على مغادرة البلاد حتى دبت الفوضى وكثرت عمليات النهب والسلب والتخريب للمؤسات العامة والخاصة ، كما شاعت عمليات الإنتقام الشعبية ممن بقي من رموز السلطة في تونس ولم يتوفر له الوقت الكافي للهرب كما فعلت عائلة الرئيس بن علي وأصهرته وأقربائه الذين كانوا من اكبر المستفيدين من خيرات الدولة وثرواتها .ولقد لعب الجيش دوراًهاماً في هذه الظروف التاريخية الى حد انه دخل في مواجهة مع قوى امنية موالية للسلطة ، ولكن ليس بإمكان الجيش ان يضع جندياً امام باب كل مبنى ، كما ليس بإمكان الجيش ان يعيد الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية الى طبيعتها لأن ذلك من مهمة المؤسسات الدستورية المتبقية ومن مسؤولية القوى الحزبية والنقابية التي كانت اساساً تحتل مساحة على الساحة التونسية . وإذا كان هناك من مساعي الأن تبذل من اجل تشكيل حكومة ائتلافية جديدة برئاسة محمد الغنوشي بعد ان تسلم رئيس البرلمان سدة الرئاسة إلا ان هناك بالمقابل خلاف حول من يتمثل في هذه الحكومة . هل تأتي من المعارضة فقط ، او من المعارضة بالتعاون مع تنظيمات كانت موالية للسلطة ، او من هؤلاء جميعاً إضافة الى ممثلين عن تنظيمات معارضة لم يكن معترفاً بها ؟ . من هنا يبرز التنافس الأن بين وجوه بارزة من أحزاب المعارضة القانونية، خصوصا تلك التي كانت محرومة من التمثيل النيابي والدعم الحكومي، إلى جانب شخصيات سياسية معروفة بوطنيتها ونزاهتها، تمثل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، والمجتمع المدني، والمستقلين، يضاف اليهم في نفس الوقت الأحزاب غير المعترف بها، والتي كانت تمثل ما يعرف بالمعارضة الراديكالية، مثل حركة النهضة الأصولية المتطرفة، و حزب العمال الشيوعي، والمؤتمر من أجل الجمهورية والحزب الوطني الديمقراطي وحزب تونس الخضراء.
وفي حال تم التوافق على تشكيل الحكومة فماذا سيتضمن برنامجها الإصلاحي ، ومتى ستقر موعداً لإنتخابات جديدة في البلاد ، وهل ستحاكم اركان النظام السابق ، وهل ستطالب بإستعادة الأموال المسلوبة التي تم تهريبها الى خارج البلاد ، وهل تصر على محاكمة بن علي ، ومن هي الشخصية القادرة على تخليص تونس من ازماتها ومعاناة شعبها ، وما هي الإمكانيات المتوافرة ؟ . قد يكون من المبكر الرد على كل هذه الأسئلة لأن المعروف في تاريخ كل دول العالم ان اسقاط نظام قد يكون اسهل بكثير من إعادة تركيب نظام جديد ، ولهذا من المنتظر ان تدوم الفوضى على كل المستويات لفترة زمنية ومن ثم تبدأ الأمور تتخذ منحى التهدئة شرط ان لا تستغل قوى خارجية الوضع الحالي لإحداث المزيد من التأزم ..  * رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي


سيف المحبة لـ "ساكو" يلتقي غيرة الياسري
نحن بحاجة الى تنقية وطنيتنا…. سمير اسطيفو شبلا
هكذا كان الجليل د. لويس ساكو رئيس اساقفة كركوك دقيقاً كعادته في التعبير عن خلجاته امام زواره الكرام من عشائر الجنوب عندما قلدوه سيفاً من الفضة تقديراً لجهوده الكبيرة في ارساء قواعد العيش المشترك بين مكونات الشعب العراقي الاصيل دون تفرقة،(راجع الرابط 1) مؤمناً بالتنوع والتعدد وقبول الاخر، لذا قُلِدَ وسام السلام 2010 من قبل منظمة السلام المسيحي العالمية، للتفاصيل را/الرابط 2، وقد سبقه تكريم الفاتيكان له بوسام حقوق الانسان، اذن نحن امام شخص التآخي والتعايش السلمي عندما رد على ضيوفه من عشائر الجنوب عندما قال: سيفنا هو "سيف المحبة" أي سيف الله الذي هو المحبة! وكان حقاً لقاء المحبة الاخوية الوطنية العراقية الاصيلة، انها العدالة والمساواة ايها العزيز سلام الياسري
من هذه النقطة بالذات التقت غيرة "الياسري" مع محبة المطران ساكو من خلال مقاله "الى الرفاق في المنطقة الخضراء،،، لا تخافوا من احداث تونس الخضراء" حيث اكد على(لاتخافوا .. انا شيعي ولن اصالح السني ابدا .
لاتخافوا ... انا سني ولن اسامح ولا اصالح الشيعي ابدا .
لاتخافوا .. انا كردي ولن اصالح ولا اسامح العربي ابدا حتى ولو اصبحت عبدا عند مسعود البرزاني .
لا تخافوا .. انا تركماني ولن اتفق ولا اعمل مع الكورد ابدا .
لا تخافوا .. انا اشوري لن اعمل مع الكلداني ابدا .
لاتخافوا ... انا كلداني لن اتفق مع الاشوري ابدا) للتفاصيل تابع الرابط3
هذه الغيرة الوطنية هي التي تجمعنا جميعاً، لان سقفها شامخ وعال بحيث تنظر كل من الطائفية والمذهبية الى اعلى وهي واقفة مبهورة وهي غير مصدقة بوجود مثل هذه المحبة وسيفها البتار الذي يقص بحرارة قيمه واخلاقه وسلوكه باتجاه الخير بادراك وشعور سليم نحوحقوق وامن وامان شعبه، لذا تكون رجال ونساء حقوق الانسان هم الذين يكرسون السلام الداخلي الحقيقي وبذلك يقلقون مضاجع الشر بحبهم واخلاصهم وتفانيهم من اجل العراق وكرامة شعبه الاصيل اينما وجدوا ومهما ابتعدوا، لذا لابد من تكاتف الجهود الخيرة التي تعمل من اجل السلام ولا تكتفي بالدعوة الى!!! لانقاذ العراق من ثعالب المرحلة الانتقالية التي لم تدخر جهداً من اجل الابقاء على هذه المرحلة لان في تجاوزها هو اكتشاف عورة (حواء وآدم) العراق الجديد
نحن بحاجة لتنقية وطنيتنا
يتكلمون عن الخيانة بكل اشكالها وانواعها واتجاهاتها ولكن الكثيرين منا لا ينتبهون الى خيانة الذات! خيانة النفس! خيانة الروح! خيانة العهد! خيانة الذات كانسان هي اخطر وابشع من جميع اشكال الخيانة، لانه عندما اخون ذاتي بارادتي الحرة معناها اني بعتُ حريتي كمواطن، وبالعكس عندما ادافع عن بلدي وشعبي بارادتي الحرة كمواطن هذا يعني ايضاً انني تخليتُ عن ارادتي كشخص من اجل مصلحة الجماعة التي هي هنا (الوطن والارض والشعب)
نعم انا كلداني واعترف ان الارض واحدة باقية وكذلك ديني باق وستبقى الاديان الاخرى، اذن الثابت تكون السيادة الوطنية لانها تكون الاولوية عند انسان حقوق الانسان واشخاص السلام! اما المتحرك الذي يحتاج الى تنقية النفس والروح هي (كلدانيتي التي تلغي اشورية الاشورين وسريانية السريانيين وشيعية الشيعة وسنية السني وخاصية اليزيدي ومعمذانية الصابئي وعهدية اليهود) اي قوميتي هي الاعلى والمقدسة، طائفتي الوحيدة التي باركها الله لان معظم افرادها لايشربون الخمر بل الحشيشة فقط ويتاجرون بالافيون لشراء المفخخات من الكفار، ومذهبي هو الوحيد المقرب الى الله لاني اعرف عفواً لا اعرف ان كان المسيح كلدانياً:كاثوليكياً- ام اشوريا ام سريانياً ام بروتستانتياً/انجيلياً – ام ارثودكسياً،،ام كان المسيح فقط! والا هل كان نبي الاسلام محمد (ص) شيعياً ام سنياً ام اشعري/شافعي/حنفي/حنبلي/مالكي/ام ماذا؟ لذا تكون النتيجة لصالح العام – الاولوية /ستبقى للدين والاديان والوطن والارض والشعب، التنوع والتعدد، لذلك وجوب تنقية روحية خواصنا :الكلدانية والاشورية والسريانية والشيعية والسنية وعدم جعلها فوق الوطن والارض، والا نخسر وطننا وارضنا وشعبنا عندها نخسر ذواتنا كبشر، لذا وجوب تنقية وطنيتنا من الادران العالقة الغريبة بالصابون والطين العراقي الحر
العمود 35 www.icrim1.com

حقوق الإنسان ثقافة إنسانية    -   محمد ناجي
     على الرغم من كثرة ترديد مفهوم حقوق الإنسان ، إلا انه لم يترسخ بعد في المجتمع والعقل العراقي والعربي ، لأسباب عديدة عملت ولا زالت لصالح سيادة ثقافة السلطان . فلا يزال المجتمع يعيش ويتحرك على أساس أن (السلطان ظل الله في الأرض) . والسلطان ، كما هو معروف ، له أتباع وجلاوزة من الكتّاب والشعراء وغيرهم يدافعون عن سياساته ويروجون أفكاره ويزينوها للناس ، وهؤلاء يسميهم الكواكبي (المتمجدين) ، وهم ذات الذين تحدث عنهم الدكتور علي الوردي في كتابه (وعاظ السلاطين) .
 تحالف المصلحة والمنفعة المتبادلة بين الطغاة ، كبروا أم صغروا ، ووعاظهم له دور مؤثر وحاسم في تشويه مفهوم وثقافة حقوق الإنسان ، وفي إشاعة كل ما ينفر ويبعد الناس عن هذا المفهوم والثقافة . ومن جملة ما أشاعوه ، مثلا ، أن حقوق الإنسان مفهوم غربي يتعارض مع ثقافتنا وتقاليدنا وديننا ، وهذا كلام غير صحيح ومردود عليهم ، ففي موروثنا الثقافي ما يؤيد أنها ثقافة إنسانية عالمية ، وأننا كعرب ومسلمين وشرقيين لنا دور ومساهمة في هذه الثقافة ، نجح الحكام ووعاظ السلاطين بمهارة في التعتيم عليه وتهميشه وتغييبه في خزائن موصدة الأبواب ، والويل لمن يجرأ على الإشارة إليه والخوض في تفاصيله .
 إن ثقافة حقوق الإنسان المعاصرة ، التي يمثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 10/12/1948 ، وبقية المواثيق والعهود والإتفاقيات التي تبعته ، ركيزتها الأساسية ، لم تظهر فجأة أو من الفراغ ، بل مرت بمراحل وتطورت مع تطور البشرية . والمتابع يجد إرهاصاتها لدى شعوب وحضارات العالم القديم ، وفي دياناتهم السماوية وغير السماوية ، فكانت على شكل أفكار وتعاليم وحِكَمْ ، دعت إلى الحق والعدل والمساواة بين البشر والحرية ومكارم الأخلاق ، تبلورت لاحقا في نصوص مدونات وشرائع ، وبعدها وثائق وإعلانات ، وصولا إلى نصوص قانونية واضحة تحدد شكل العلاقة ليس بين أفراد المجتمع فقط  ، بل أيضا بين السلطة والمواطن ، تضمنتها دساتير الدول وقوانينها ، وأصبحت ملزمة لحكوماتها ، ومنها حكومات الدول العربية ، التي وقعت كلها من دون استثناء ، على الأقل ، على أحد مواثيق حقوق الانسان .
ففي الصين القديمة كانت هناك تعاليم كونفوشيوس قبل 2500 ق. م. والتي قال فيها ((  لا تفعل مع الآخرين ما لا تريد أن يفعلوه معك )) . وفي سومر وبابل وجدت تعاليم أوركاجينا ، حاكم مدينة لجش ، التي وردت فيها كلمة " الحرية " لاول مرة في تاريخ البشرية ، كما سن قوانين حمى فيها الضعفاء من ضروب الابتزاز ، ووضع الشرائع التي تحول دون اغتصاب الأموال والأملاك .  وجاءت (قوانين حمورابي) (2130- 2088) ق. م. واعطت الزوجة (مثلا) حقوقاً عديدة ، من بينها حقها في طلب الطلاق من زوجها ، وحقها في التجارة وتملك المال . وقد نصت المادة 148 (( ليس للزوج أن يطلق زوجته المريضة بل عليه أن يعيلها طالما هي على قيد الحياة ولكن له أن يتزوج بأمرأة أخرى )) . ومن النصوص المميزة ماورد في المادة 175 : (( يحق للعبد أن يتزوج امرأة حرة ويكون أبناؤهما أحراراً )) .
 وإذا كانت شرائع بابل قد إفتقرت إلى ما يفيد وجود حق للفرد على الحاكم والدولة ، ولم يوفر القانون للناس الحماية السياسية ، فقد وفر لهم في عدد من المواد الحماية الاقتصادية : (( إذا ارتكب رجل جريمة السطو وقبض عليه ، حكم على ذلك الرجل بالإعدام . فإذا لم يقبض عليه كان على المسروق منه أن يدلي ، في مواجهة الإله ، ببيان مفصل عن خسائره ؛ وعلى المدينة التي ارتكبت السرقة في داخل حدودها والحاكم الذي ارتكبت في دائرة اختصاصه أن يعوضاه عن كل ما فقده . فإذا أدى السطو إلى خسارة في الأرواح دفعت المدينة ودفع الحاكم تعويضا إلى ورثة القتيل )) .
وفي مصر الفرعونية كانت مدونة أو (قانون بوخوريس) ، أحد ملوك الأسرة الرابعة والعشرين (718 – 712 ) ق. م. التي ورد فيها حق المرأة المتساوي مع الرجل في وجوب الموافقة والقبول في عقد الزواج ، والحق المتساوي في طلب الطلاق ، والمساواة في الإرث دون تمييز بين الذكر والأنثى ، وأيضا على إلغاء نظام إسترقاق المَدين بسبب الدَيْن ، وجعله مسؤولا عن دَيْنه في ماله فقط دون جسمه .
 ويرى بعض المؤرخين أن بوخوريس قد تاثر بمدونات بلاد الرافدين ولاسيما شريعة حمورابي ، وأن (قانون سولون) اليوناني قد تأثر بمدونات مصر القديمة ولاسيما مدونة بوخوريس . وتبعه قانون (الألواح الإثنى عشر) الروماني الذي تأثر (بقانون سولون) واخذ منه .
 وفي بلاد فارس هناك مدونة يعدها الكثيرون ، وفقا لما ذكرته الأمم المتحدة في الذكرى 60 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، أول وثيقة لحقوق الإنسان ، وهي الوثيقة المسماة (مرسوم كورش) 529 ق.م. ورد فيها : (( الآن وقد وضعت فوق رأسي تاج مملكة فارس وبابل وأمم الأقطار الأربعة بعون من مازدا أعلن ما يلي : .... سوف احترم أديان وعادات ومعتقدات الشعوب التي نصبت ملكا عليها ، ولن أسمح أبدا لأي من حكامي والتابعين لي أن يتعالى على الآخرين أو يؤذيهم .... لن أفرض حكمي أبدا على أية أمة طوال حياتي .... وإذا كان هناك شخص ضعيف أو مضطهد فسوف أدافع عنه وسوف أسترد له حقه وأنزل العقاب بالمضطهِد .... لن أسمح ابدا لأي شخص أن يستولي على ممتلكات الآخرين بالقوة أو بأي وسيلة ظالمة أخرى دون تعويض مناسب ، إنني اعلن اليوم إن كل إمرؤ حر في إختيار الدين والعادات التي يفضلها وأن يحيا أينما شاء ، وأن يعبد ما يؤمن به ، وأن يقوم بخدمة معتقداته ، وأن يشغل وظيفته بشرط أن لا ينتهك أبدا حقوق الآخرين .... وطالما أنا على قيد الحياة لن اسمح لأحد أن يتاجر في الرجال والنساء كعبيد ، لابد من وضع حد لهذا العمل في العالم كله ....))
أما بالنسبة للعرب ، فكان لديهم (حلف الفضول) الذي أبرمته القبائل العربية في حوالي عام 590 الميلادي ، والذي ورد ذكره في أحد وثائق الأمم المتحدة كأول التحالفات المتعلقة بحقوق الإنسان . وقد ذكر حلف الفضول إبن الأثير في الكامل في التاريخ ، واليعقوبي في تاريخه وايضا جواد علي في المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام . وإذا كان هناك خلاف حول مناسبة وسبب التسمية فإن هناك إتفاق على إن المتحالفين قد إتفقوا (( على أن لا يظلم أحد بمكة ، وأن ينصروا المظلوم ويأخذوا له حقه ممن ظلمه)) ، وقال فيهم عمرو بن عوف الجرهمي :
                     إنَّ الفضول تحالفوا وتعاقدوا …. ألا يُقرّ ببطـن مكـة ظالمُ
                    
أمرٌ عليه تعاهدوا وتواثقوا  …..  فالجارُ والمعترُّ فيهم سـالمُ
وقد قال الرسول الكريم محمد (ص) في حلف الفضول ، بعد البعثة النبوية : (( حضرت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما يسرني به حمر النعم ، ولو دعيت إليه اليوم لأجبت)) .      وقد تطورت هذه الثقافة بعد ظهور الإسلام ، رغم أن بين حكام اليوم ورجال الدين ومثقفي الإسلام السياسي من يريد أن يضعه بالضد من هذه الثقافة والحركة ، أو يرونه سابق عليها وأكثر شمولا منها ، ويضعونه فوقها ، وهم في الواقع اليومي لا يؤمنون ولا يلتزمون حتى بما يدّعون ، بل يستخدمون هذا الإدعاء كمبرر لتجهيل المواطن ، وغطاء للتجاوز عليه وإنتهاك حقوقه ! فما ورد في كثير من آيات القرآن الكريم ، تدعو لإحترام الإنسان  وكرامته والى العدل والمساواة ، وهي في الأعم الأغلب لا تتناقض مع المواثيق الدولية التي تحولت إلى نصوص قانونية محددة ، منها على سبيل المثال (( ولقد كرمنا بني آدم)) و(( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة )) و (( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم)) وأيضا (( من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)) وكذلك ((  لا إكراه في الدين )) و (( إدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) و (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان )) ......وللرسول الكريم مواقف وأحاديث كثيرة تعزز هذا الإتجاه منها : (( الناس سواسية كأسنان المشط )) وأنه (( لا فرق بين عربي وأعجمي إلاّ بالتقوى )) و (( لا فضل لابن البيضاء على ابن السوداء إلاّ بالحق )) و (( ما آمن بالله من بات شبعانا وأخوه جائع )) و (( لن‏ تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع )) و (( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )) وايضا (( عدل ساعة خير من 60 سنة عبادة )) .وتبعه الخلفاء الراشدون فجاء في خطبة أبي بكر عند توليه الخلافة سنة 11 هج ((  أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوموني ، الصدق أمانة ، والكذب خيانة ، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله ، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله ...)) . وبعده عمر بن الخطاب ومقولته

الشهيرة لعمرو بن العاص : (( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟))  وكذلك عهده لأبي موسى الأشعري 14هج المتضمن شروط القضاء : ((أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فافهم إذا أدلي إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له ،  وأس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك ، حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك . البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ....)) .
  أما علي فيعجز هذا المقال عن الإحاطة بمواقفه التي مثلت مدرسة للعدل والحق والإنصاف . وقد إشتهر بأكثر من قول وموقف ، منها ما تضمنته رسالته إلى مالك الأشتر حين ولاه على مصر ، والتي أصطلح على تسميتها - عهد الأشتر- والتي سماها جورج جرداق ( دستور ابن ابي طالب ) ومما جاء فيها : (( وأشعر قلبك الرحمة للرعية ، والمحبة لهم والالفة اليهم ، ولا تكن عليهم سبعاً ضارياً تغنم أكلهم فانهم صنفان : إما أخ لك في الدين أو نظير في الخلق .... وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها ، وإنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع ، وسوء ظنهم بالبقاء ، وقلة انتفاعهم بالعبر ..... إياك والدماء وسفكها بغير حلها ، فإنه ليس شي‏ء أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى ‏بزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها والله سبحانه ‏مبتدى‏ء بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة . فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه بل ‏يزيله وينقله . وإياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة ، والتغابي عما يعنى ‏به مما قد وضح للعيون فإنه مأخوذ منك لغيرك . وعما قليل ‏تنكشف عنك أغطية الأمور وينتصف منك للمظلوم . املك ‏حمية أنفك ، وسورة حدك ، وسطوة يدك ، وغرب لسانك )) . وله أيضا في إحدى خطبة : (( أيها الناس إن آدم لم يلد عبدا ولا أمه ، فالناس كلهم أحرار )) . وورد قوله أيضا : (( من أقر عن تجريد او حبس او تخويف او تهديد فلا حد عليه )) .
 وعلى هذا النهج سار علي بن الحسين (زين العابدين) ، حفيد علي بن ابي طالب (ت95 هج) ، وتميز عن غيره بنص خاص يسمى (رسالة الحقوق) ضمنها 50 حقاً تبدأ بحق الله الأكبر وتنتهي بحق أهل الذمة ، الذي ختمه بذكر الحديث الشريف (( من ظلم معاهدا كنت خصمه)) .  وله غير هذا مواقف ومقولات تؤكد على قضية الحق والعدل منها : (( العامل بالظلم والمعين له ، والراضي به شركاء ثلاثة )) !
 بمثل هذا وغيره الكثير ، تتواصل هذه الثقافة إلى ما كتبه أعلام (عصر النهضة) خاصة الشيخ الأزهري رفاعة الطهطاوي الذي ذهب في بعثة إلى فرنسا عام 1826 ، فكتب في (تخليص الإبريز في تلخيص باريز) عن الدستور الفرنسي : (( السجل المكتوب فيه الأحكام المقيدة ، فلنذكره لك ، وإن كان غالب ما فيه ليس في كتاب الله تعالى ، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، لتعرف كيف قد حكمت عقولهم بان العدل والإنصاف من أسباب تعمير الممالك وراحة العباد ، وكيف إنقادت الحكام والرعايا لذلك ، حتى عمرت بلادهم ، وكثرت معارفهم ، وتراكم غناهم ، وإرتاحت قلوبهم ، فلا تسمع فيهم من يشكو ظلما أبدا ، والعدل أساس العمران )) . ثم يذكر عدد من مواد الدستور : ((  المادة الأولى – سائر الفرنساوية متساوون قدام الشريعة . المادة الرابعة – ذات كل واحد منهم يستقل بها ، ويضمن له حريتها ، فلا يتعرض له إنسان إلا ببعض حقوق مذكورة في الشريعة وبالصورة المعينة التي يطلبه بها الحاكم . المادة الثامنة – لا يمنع إنسان في فرنسا أن يظهر رأيه وأن يكتبه ، ويطبعه بشرط أن لا يضر ما في القانون فإذا أضر أزيل)) . ثم يعود الطهطاوي ويكتب (( ولنذكر هنا بعض ملاحظات فنقول :
قوله في المادة الأولى : سائر الفرنسيس مستاوون قدام الشريعة ، معناه سائر من يوجد في بلاد فرنسا من رفيع ووضيع لا يختلفون في اجراء الأحكام المذكورة في القانون حتى ان الدعوى الشرعية تقام على الملك وينفذ عليه الحكم كغيره ، فانظر إلى هذه المادة الأولى فانها لها تسلط عظيم على إقامة العدل وإسعاف المظلوم ، وإرضاء خاطر الفقير بأنه كالعظيم نظرا إلى إجراء الأحكام )) . وللأفغاني والكواكبي ومحمد عبدة وعلي عبد الرازق والشيخ محمد حسين النائيني ، وغيرهم كتابات لا تقل أهمية أكدت على مفاهيم العدالة والحرية والدستور وضمان الحقوق ، كان لها وقعها وتأثيرها ، رغم كل التهميش والتعتيم الذي مورس ضدها وضد رموزها .
 في العقود الأخيرة ، وبتأثير التغيرات السياسية في المنطقة والعالم ، وتطور تكنولوجيا المعلومات ، التي حولت العالم بالفعل إلى قرية صغيرة ، تواصلت حركة وثقافة الحريات وحقوق الإنسان مع مثيلاتها في مختلف بقاع العالم ، ورغم ضعفها الذاتي ، فإنها ألقت بظلها على أكثر المتشددين والمعارضين لها ، الذين ليس لديهم غير إستخدام العنف ضدها حينا ، ورفع شعار الإسلام كلافته لا أكثر ، حينا آخر ، كمن رفع القرآن على رؤوس الرماح ! وهذا البيان الختامي للمؤتمر الخامس للفكر الإسلامي الخاص بحقوق الإنسان في الإسلام المنعقد في طهران شباط/فبراير 1987 ، نراه يتنقل بين التقليل من شان الحركة وبين إستخدام مفهومها والسعي للحاق بها ، في مفردات وفقرات طغى عليها بوضوح تأثير المكان والظرف السياسي ، وهو يعلن في التوصية (( اولا : لما كان الإسلام هو الدين الذي يوفر للمسيرة الحضارية سبيل سعادتها وحصولها على حقوقها كاملة – الأمر الذي لم توفره من قبل إعلانات حقوق البشر الأخرى – فإن المؤتمر يدعو كافة العلماء والمفكرين والمصلحين الإنسانيين لدراسة الإسلام دراسة متكاملة ليعوا الأسس الحقيقية للحقوق الإنسانية في الإسلام ، كما يهيب بالمجامع العلمية الدينية في البلاد الإسلامية وغيرها لفتح أقسام تحت هذا العنوان ويحبذ إنشاء معهد إسلامي عالمي لحقوق الإنسان في الإسلام )) . ويظهر هذا التأثير أكثر وضوحاً وإيجابية في توصيات ندوة حقوق الإنسان في الإسلام لمجمع الفقه الإسلامي – جدة 1996 ، حين توصي (( 1- التأكيد لأهمية مشاركة العالم الإسلامي بواسطة ممثليه وخبراءه في الملتقيات التي تتناول موضوع حقوق الإنسان ، للإسهام في صياغتها بصورة اساسية دون الإكتفاء بالنقد أو التعليق على التصورات الدولية بشأنها )) . والتوصية (( 9 – دعوة منظمة المؤتمر الإسلامي إلى النظر في إستصدار ملحقات لإعلان القاهرة الذي صدر عن المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية سنة 1990 ، والذي حظي بالموافقة في مؤتمر القمة الإسلامي السادس بدكار ، ومؤتمر القمة الإسلامي السابع بالدار البيضاء ، تتناول تلك الملحقات الآليات والحقوق التي لم ترد فيه ولا في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، مما يثبت تميز الإسلام وشموله واستيعابه لمراعاة الحقوق الإنسانية كافة)) . وعلى المستوى القومي العربي فقد صدر الميثاق العربي لحقوق الإنسان بموجب قرار من مجلس الجامعة العربية في 15 أيلول/سبتمبر 1997 ، وهو من 43 مادة وبخطاب وصياغة تقترب كثيرا جدا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
وإذ وصلنا إلى قضية صياغة وكيفية صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، فإن السجل التاريخي يكشف إن مسودة الإعلان قد حظيت بنقاشات جدية ومستفيضة شارك فيها عدد كبير من الدبلوماسيين من دول عديدة من بينها مصر والسعودية وسوريا ولبنان والباكستان والفليبين وكوبا وبولونيا والصين والهند والإتحاد السوفييتي . وكان شرف تقديم مقترح ميثاق حقوق الإنسان إلى الأمم المتحدة يعود إلى ريكاردو الفارو ، ممثل بنما في الجلسة الإفتتاحية للأمم المتحدة عام 1945 ، وحضر ومعه مسودة قانون للحقوق الدولية إقترح دمجه مع ميثاق الأمم المتحدة ، إلا أن الرأي إستقر على إصدار إعلان دولي للحقوق ، فتشكلت لجنة برئاسة اليانور روزفلت في كانون الثاني/يناير 1947 وعضوية 18 شخص من بينهم اللبناني شارل مالك ، مقرر اللجنة . وقامت اللجنة بتعديل نص المسودة وتدقيقه وتقديمه لمندوبي الدول للنقاش في جلسات يومية ، وتمت مناقشة كل تعديل ، وتم تقديم كل مادة في المسودة للتصويت المنفصل . وقد إمتد النقاش حول المادة الأولى مثلا لمدة 6 أيام ، والسجل الرسمي لمناقشات اللجنة يضم 900 صفحة ! وبعد سنتين أكملت اللجنة عملها في أوائل كانون الأول / ديسمبر 1948 ، وأحالت الإعلان العالمي إلى الجلسة الشاملة للجمعية العامة للأمم المتحدة لإجراء مراجعة إضافية قبل التصويت ، الذي حصل ليلة 10/12/1948 . وقد تم قبول 23 مادة من مواد الإعلان الثلاثين بالإجماع ، في حين إمتنعت دول جنوب افريقيا والمملكة العربية السعودية والكتلة السوفيتية عن التصويت ، وصوتت عليه بالتاييد 48 دولة ، ولم تعترض أي دولة عليه . وكما تكتب سوزان ولتز الأخصائية في حقوق الإنسان والشؤون الدولية في جامعة ميشيغان (( وإذ لم يلبّ مشروع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أحلام المتفائلين ، فإنه تجاوز توقعات المتشائمين )) .
 ولم يكن العراق بعيدا عن هذه الحركة ، فقد كان حاضرا في جلسات النقاش والتصويت على الإعلان العالمي عام 1948 ، ووقّعت مختلف الحكومات العراقية على عدد من المواثيق الدولية ، آخرها إتفاقية مناهضة التعذيب عام 2008 . كما إن الدستور العراقي الذي تصدرته الآية الكريمة (( ولقد كرمنا بني آدم )) ، تضمّن الحقوق والحريات في 32 مادة وردت في الباب الثاني ، من المادة 14 ولغاية المادة 46 .
     ومن نافلة القول فإن وجود المواثيق الدولية ومواد الدستور لا يعني وجود الحريات فعليا ، كما لا يشكل ، بحد ذاته ، ضمانة للحقوق ، بل لابد من آليات وحضور فاعل ، كأفراد ومنظمات ، لديها القدرة على الضغط ومواجهة نزعات التسلط وإنتهاك الحقوق ، التي يمكن أن تتغير حسب الظروف ، وتأخذ مسارات ومبررات متنوعة ، وطنية - قومية - دينية ، وحتى دستورية ، ولكنها حتما لن تتوقف ..... فالمال - والحق - السائب يعلم السرقة ويدعو للفساد والطغيان !

حقوق الإنسان ... مراوحة في المكان !  /// محمد ناجي
دأبت منظمة العفو الدولية على متابعة وإصدار بيانات ومناشدات وتقارير عن حالة حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم ، ومنها عن العراق ، حيث أصدرت مؤخرا تقريرا من 60 صفحة ، معزز بالوقائع والصور ، بعنوان (نظام جديد والانتهاكات نفسها) . وقد أثار التقرير رد فعل سلبي واستياء المسؤولين العراقيين ، حيث أكد وكيل وزارة العدل بوشو إبراهيم في حديث لإذاعة العراق الحر :(( عدم صحة تقرير المنظمة ... )) ، كما صرحت وزيرة حقوق الإنسان لنفس الإذاعة : (( إن المعلومات التي وردت في تقرير منظمة العفو الأخير تنطوي على مبالغة في الأعداد والتوصيف ...)) ، أما المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء علي الموسوي فلم يكن متحفظا كزملائه ، الذين يعرفون تماما طبيعة عمل المنظمة ومدى مصداقية تقريرها ، فذهب بعيداً (( حيث شكك بالدوافع والغايات التي تقف وراء تقرير منظمة العفو الدولية ، مشددا على إن الأرقام التي تضمنها التقرير لا تقترب من الواقع ، بحسب رأيه )).
إن المختصين والمتابعين لعمل المنظمة ، وحتى الحكومات التي تنتقد المنظمة ، تعرف بأنها تتعامل ، مع ما تحصل عليه من معلومات ووثائق ، بمهنية ومسؤولية وحيادية صارمة ، وهي ، دائما ، وكما في تقريرها الأخير ص 7 (( تستند إلى طيف عريض من الأبحاث ، بما في ذلك زيارة لتقصي الحقائق قام بها مندوبون عن منظمة العفو الدولية إلى إقليم كردستان العراق ما بين 30 مايو/أيار و 10 يونيو/حزيران 2010  حيث زاروا سجوناً تخضع لسيطرة "أسايش" - قوات الأمن الكردي- في أربيل ودهوك ، وتحدثوا إلى العديد من المعتقلين ، وكذلك إلى مدراء سجون وموظفين كبار في"أسايش . "وأجريت بعض المقابلات مع السجناء دون حضور موظفين ، بينما أجريت مقابلات أخرى بحضور الحراس.  وتحدث مندوبو المنظمة كذلك إلى العديد من النازحين العراقيين الذي فروا من العنف ، وكذلك إلى ناشطين بشأن حقوق الإنسان ومنظمات نسائية وصحفيين وممثلين عن هيئات مختلفة للأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية ، كما أثاروا حالات فردية وبواعث قلق عامة أثناء اجتماعهم مع وزير الداخلية .))
وبعد ذلك فهي تقدم ملاحظاتها ، موثقة بالإسم والتاريخ ، إلى المسؤولين وتنتظر إجاباتهم قبل النشر ، كما تشير في أكثر من مكان ومناسبة ومنها في ص 22 (( وقد أكدت وزارة الداخلية العراقية في كتاب خطي تلقته أسرة عبد الله العاني أنه ما زال معتقلاً إثر قبض قوات الولايات المتحدة عليه في 10 يوليو/تموز 2008 ، ولكن "قوات الولايات المتحدةالعراق" لم ترد بعد على طلب منظمة العفو الدولية توضيح أسباب نقله إلى حجز قوات الأمن التابعة للسلطات الكردية ووضعه القانوني الراهن ومكان وجوده .)) وكذلك في ص 37 (( وقد نشرت منظمة العفو الدولية عدة تقارير توثِّق استخدام التعذيب على نطاق واسع في العراق ، وأثارت بواعث قلقها في هذا الصدد في مراسلات مكتوبة مع السلطات العراقية )) .
والذي يقرأ التقرير يجد إن منظمة العفو إعتمدت في جزء كبير منه على معلومات موثقة وأرقام وإحصائيات صادرة من الجهات الرسمية العراقية نفسها ، وفي المقدمة منها تقارير وزارة حقوق الإنسان العراقية . وهي تذكر ذلك مثل ما ورد في  ص 18((  لاحظ التقرير السنوي لوزارة حقوق الإنسان العراقية  للعام 2009 أن العديد من المعتقلين محتجزون في مراكز اعتقال تخضع لسيطرة وزارتي الدفاع والداخلية ، حيث يجري استجوابهم من قبل ضباط التحقيق بصورة روتينية دون حضور محامين ، ما يزيد من احتمالات تعرضهم للتعذيب . ويشير التقرير إلى رسالة بعثت بها "نقابة المحامين " إلى وزارة حقوق الإنسان في7  يوليو/تموز 2009 تحث فيها الوزارة على التدخل لدى وزارتي الدفاع والداخلية كيما تزيلا العقبات التي يواجهها المحامون الذين يحاولون الاتصال بمعتقلين محتجزين في مرافق تخضع لسيطرة الوزارتين )).
 وأيضا ص 32 (( وقد وثَّقت وزارة حقوق الإنسان العراقية 574 من مزاعم التعذيب خلال 2009  ، منها  327 ضد موظفي وزارة الدفاع و 56 ضد  "البيشماركة  " ، ولكن هذا لا يمثل بالتأكيد سوى رأس جبل جليد ضخم . ))
وكذلك في ص 36 (( وفي منتصف يونيو/حزيران 2009 ، ذكر عضو في البرلمان العراقي أن ما يربو على 21 معتقلاً من الذكور ، بمن فيهم 11 محتجزون في سجن الرصافة و 10 محتجزون في سجن الديوانية في جنوب العراق ، قد تعرضوا لاعتداءات جنسية عليهم من قبل منتسبين لقوات الأمن.  واعترف موظف كبير في وزارة الداخلية بأنه قد ارتكبت " انتهاكات وتجاوزات ضد المعتقلين في سجون الوزارة" .
واتهمت هيئة لحقوق الإنسان تابعة لمحافظة الديوانية قوات الأمن العراقية بتعذيب المعتقلين أثناء استجوابهم لانتزاع اعترافات منهم . وتمكن محققون تابعون لوزارة الداخلية من تحديد وجود كدمات على أجسام 10 من 170 سجيناً في سجن الديوانية قالوا إنها يمكن أن تكون قد تسببت عن التعذيب أو غيره من صنوف سوء المعاملة .))
وأيضا ما ورد في ص 40 عن حادثة وفاة 7 معتقلين (( وفي 15 مايو/أيار ، نُقل عن وزيرة حقوق الإنسان قولها إنه يتعين تقديم المسؤولين عن وفاة هؤلاء إلى ساحة العدالة)) .
... وغير هذا ورد في أكثر من صفحة في التقرير .
لا نريد هنا أن نستعرض التقرير الذي تضمن انتهاكات عديدة ومتنوعة لحقوق الإنسان ، ضمنها الدستور والقوانين العراقية والمواثيق الدولية التي وقعت عليها الحكومات العراقية ، وآخرها اتفاقية مناهضة التعذيب التي وقعت عليها حكومة المالكي عام 2008 ، بل نود الإشارة إلى أن المنظمة تتمتع باحترام ومصداقية عالية في المنظمات والمجتمع الدولي . وهي تدافع عن حقوق الإنسان ، بغض النظر عن لونه وعرقه وجنسه ودينه وانتمائه ورأيه أو نظامه السياسي . وسبق لها ودافعت عن حقوق الإنسان العراقي ، في أكثر من مناسبة ، وحيثما توفرت لها الوثائق ، وخاصة حين سمح لها النظام البائد بالزيارة اليتيمة للعراق عام 1983 ، حيث قدمت على إثرها تقريرا فضحت فيه ممارسات النظام القمعية وطالبته بحل مؤسساته غير القانونية ومحاكمه الاستثنائية ، مثل محكمة الثورة سيئة الصيت ، وكذلك "نضالها" لإدانة النظام البائد عن جريمة حلبجة في جلسات وأروقة الأمم المتحدة .
وهي اليوم ، كعادتها ، تقدم تقريراً مهماً يتضمن انتهاكات جسيمة وصلت حد القتل ، لا يمكن معها التساهل وقبول "تطنيش" المسؤولين ، والسماح بتمريرها بحجة الحالة الاستثنائية والوضع الحرج للعراق . ولذا نرى من غير المناسب أن يكرر المسؤولون في النظام "الديمقراطي" الجديد ، الذي تتصدر دستوره الدائم الآية الكريمة ((ولقد كرمنا بني آدم)) نفس مزاعم وأساليب النظام الدكتاتوري البائد الذي كان همه الأول والأخير " أمن الحزب والثورة " فسحق الإنسان ودمر البلد ، وعليهم التعامل بجدية مع ما ورد من انتهاكات وتفنيد ما يعتقدون أنه غير دقيق بالوثائق والأرقام ، وبمهنية تتناسب ومستوى التقرير ، والحالة الحرجة والمزرية لحقوق الإنسان في العراق ، بعيداً عن التصريحات الصحفية الفضفاضة ، والتي لا يؤمن بها حتى أصحابها ، والتي تشير إلى فجوة واضحة ، وفاضحة ، بين الشعارات والإجراءات الشكلية البروتوكولية والواقع المر ! 
ولابد من الإشارة إلى مسؤولية أصحاب الأقلام والكلمة الحرة ودعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان ، وضرورة أن يرفعوا أصواتهم في فضح هذه الانتهاكات ، التي ترتكز على ثقافة الاستبداد ، المتجذرة في الشارع العراقي ، والتي تعيق قيام نظام ديمقراطي حقيقي ، يحفظ حقوق وكرامة الإنسان .
وكما تؤكد المنظمة بحق فـ((  إن السجل الزاخر بضآلة الإجراءات أو بعدم اتخاذ أي منها للرد على انتهاكات حقوق الإنسان ما انفك يفاقم ثقافة الإفلات من العقاب التي ما برحت قوات الأمن العراقية تستظل بها لوقت طويل . ولا بد من اتخاذ خطوات عاجلة ذات مغزى لضمان إمكان تقدم العراق نحو حقبة جديدة من عدم التساهل بشأن انتهاكات الحقوق الأساسية للبشر . )) .... وكما هو معروف وملموس ، منذ عقود ، في العراق فإن الإفلات من العقاب يؤدي لتكرار الجريمة .muhammednaji@yahoo.com
تقرير مركز بابل لحقوق الإنسان والتطوير المدني لوضع حقوق الإنسان في عام 2010 في بابل //  مها الخطيب
اصدر مركز بابل لحقوق الإنسان والتطوير المدني تقريره السنوي حول واقع حقوق الإنسان في المحافظة استنادا على التقارير الخاصة بمنظمات المجتمع المدني والتقارير الصحفية والمصادر الخاصة بالناشطين في مجال حقوق الإنسان وكانت النقاط كلاتي:-
1. فيما يخص الطفولة فقد سجل المركز الملاحظات التالية:-
لازالت الطفولة في بابل تحتاج إلى الكثير من العمل من اجل تحسين واقعهم الصحي والتعليمي والثقافي والاقتصادي حيث سجل المركز وجود أكثر من 3000 طفل من أطفال الشوارع يحتاجون إلى الدعم المباشر من قبل الحكومة العراقية ومنظمات المجتمع المدني لانتشالهم من واقعهم الخطير كما سجل المركز في مجال العنف الموجه ضد الأطفال من قبل الإفراد والعوائل استمرار تعرض الأطفال إلى الضرب والتعنيف النفسي والجسدي وبنسبة لا تقل عن 6 أطفال من كل عشرة أطفال وحسب تقرير نشره المركز استنادا على استطلاع رأي بين الأطفال كما لا زال هنالك بعض الأطفال يتعرضون إلى العنف الناتج عن الإعمال العسكرية والأمنية وكان منها تعرض طفل في شهر حزيران الماضي الى التوقيف بالرغم من ان عمره لم يتجاوز الشهر مع والدته للضغط على والده لتسليم نفسه في منطقة الحصوة (القرية العصرية) 50 كم شمال الحلة كما ان المركز سجل مقتل 24 طفل بحوادث عنف وانفجارات داخل المحافظة وخاصة في مناطق شمال بابل. كما ينظر المركز وبقلق الى ازدياد عمالة الأطفال دون سن 15 سنة وفي مهن شاقة وتتنافى مع حجم وقوة الطفل كالبناء والعمل بورش الحدادة وتعرضهم للعنف والاستغلال الجسدي والمالي من أرباب إعمالهم كما ينظر المركز بقلق الى ظاهرة زواج الفتيات دون سن 13 وبشكل خارج المحكمة وما يلحقه من إضرار جسدية ونفسية للفتيات.
2. وفيما يخص واقع المرأة في المحافظة فقد سجل عام 2010 تسلم سبعة نساء مناصب لهن في مجلس المحافظة الجديد وأربعة نساء الى مجلس النواب العراقي كما شهد وفي نفس الوقت فعالية من بعض منظمات المجتمع المدني للدعم واقع المرأة في المحافظة الا ان المركز سجل بعض الانتهاكات التي تخص واقع المرأة في المحافظة فلازالت المرأة تعاني من التعرض الى العنف الجسدي والنفسي من قبل العائلة وخاصة في منطقة جنوب بابل حيث أدخلت اكثر من 250 امرأة خلال العام 2010 الى المستشفيات بحجة تعرضهن للحوادث ناتجة عن السقوط ورفضن أقامت دعاوى ضد أقاربهن كما سجل المركز قتل أكثر من 20 امرأة في عموم المحافظة ومعظمها لأمور عشائرية تتعلق بالشرف ولم يتوصل التحقيق في معظمهن الى معرفة القاتل كما أشار المركز في تقاريره الى وجود تسرب في تعليم البنات في المراحل الدراسية في عموم المحافظة ولاسيما في منطقة شمال بابل بسبب الحوادث الأمنية التي تشهدها المنطقة وتواجد المجموعات المسلحة فيها كما تعرضت المرأة الى القتل والإصابة بسبب الإعمال الإرهابية والقتل على يد الأجهزة الأمنية خلال العام الحالي 2010 حيث سجل المركز تعرض 21 امرأة للإصابة بنيران الأسلحة المختلفة في حوادث منفصلة شمال وجنوب بابل كان نصيب شمال بابل منها 11 والباقي في انحاء المحافظة المختلفة . كما أدانت المحكمة الجنائية في بابل أكثر من 10 نساء لاشتراكهن في عصابات خاصة بالخطف والسرقة بالتعاون مع عدد من الذكور.
3. فيما يتعلق بالواقع الخدمي في المحافظة لا زالت المحافظة تعاني من نقص في الخدمات وتردي في البنى التحتية فيها حيث أشار مصدر في مديرية ماء بابل بان 200 قرية بالمحافظة لا زالت تفتقر الى وجود الماء الصافي فيها كما لا زالت أكثر من 30 قرية تفتقر إلى وجود الكهرباء بها ولا زالت الطرق في داخل وخارج المحافظة تحتاج إلى إعادة تأهيل ولاسيما بان معظم مناطق المحافظة وخاصة في مركزها لم تشهد ترميم وإعادة بناء منذ فترة الثمانينات من القرن الماضي ولا زالت أكثر من 80% من مناطق المحافظة تفتقر الى وجود خدمات المجاري فيها .
4.  فيما يخص حقوق الإنسان الخاصة بالسجناء فيشعر المركز بالقلق من وجود حالات من استخدام العنف الموجه من قبل القائمين على التحقيق مع الموقوفين والسجناء  فقد سجل المركز تعرض 7 موقوفين للوفاة خلال فترة احتجازهم ثلاثة منهم توفوا في مقر التحقيقات الجنائية في المحافظة التابعة لقيادة شرطة بابل ولأسباب مجهولة كما ان المركز يسجل قلقه من الظروف التي يتم فيها احتجاز الموقوفين حيث ان معظم المواقف تفتقر إلى مولدات كهربائية ووسائل التبريد وخاصة    في موسم الصيف الحار كما تشهد المواقف انقطاع التيار الكهربائي المستمر كما سجل المركز افتقار السجن الإصلاحي الكبير إلى خدمات الماء الصافي وانقطاعه المستمر وخاصة في موسم الصيف في شهري تموز وأب كما سجل المركز في تقاريره احتجاز أعداد كبيرة من السجناء وفوق طاقة السجن الاستيعابية علما بان السجن مخصص للمنطقة الفرات الأوسط.
5. وفي مجال الاعتقالات التعسفية ومن دون أمر قضائي لا زال المركز يسجل عدد من الحالات التي يتم فيها اعتقال أشخاص من دون أوامر قضائية فقد سجل المركز سبعة حالات في ناحية الإسكندرية وأربعة في قضاء المسيب وستة في ناحية جبلة وعدد من الحالات الأخر في باقي المحافظة ويطالب المركز الأجهزة الأمنية بضرورة احترام الدستور العراقي وتطبيق مواده كما يطالب الأجهزة الأمنية بالالتزام  بالاتفاقات الدولية التي وقع عليها العراق.
6. كما تذبذبت حالات انخفاض والارتفاع في عدد ضحايا العنف من جرحى وقتلى خلال العام الحالي 2010 فقد أدت إعمال العنف في المحافظة خلال العام المذكور الى قتل 435 شخص وجرح 645 شخص بينهم 65 شخص يعملون في الأجهزة الأمنية من جيش وشرطة .
7. وفي مجال حرية الرأي والتعبير فالمركز يسجل قلقله من وجود حالات لانتهاكات في مجال حقوق الرأي ابتداء من منع الحكومة المحلية لعدد من التظاهرات السلمية منها تظاهرات حاولت القيام بها منظمات المجتمع المدني في شهري أيلول وتشرين الأول للمطالبة بتشكيل الحكومة كما تعرض عدد من الصحفيين للتقييد في اداء عملهم ونقل الإحداث من قبل الأجهزة الأمنية ومدراء الدوائر الخدمية حيث تعرض مراسل ومصور الغدير في شهر كانون الثاني للمنع والطرد من قبل شرطة الكفل من القيام بعملهم في تغطية احدى الفعاليات الدينية بالرغم من وجود موافقات أمنية بها كما تعرض مصور ومراسل الفرات في شهر أيار للمنع من التصوير والإبعاد بالقوة من خلال نفس الجهة وتعرض كادر قناة الحرية في شهر كانون الأول الى الطرد من تغطية أحدى النشاطات من قبل مدير احدى الدوائر الخدمية في بابل والعديد من الحالات الأخر التي تمثل انتهاكا واضحا للدستور العراقي واتفاقية الحقوق الخاصة بالإنسان واتفاقية العهد الدولي السياسية والمدنية وباقي الاتفاقات الدولية التي تتعلق بحماية الصحفيين ونشطاء حرية الرأي وفي هذا المجال يطالب مركز بابل لحقوق الإنسان والتطوير المدني البرلمان العراقي الجديد بالمصادقة على قانون حماية الصحفيين كنوع من تطبيق تاكييد حماية الرأي والتعبير.
المركز العربي الاوربي لحقوق الانسان يبدأ حملته لنصلي معا من كنيسة الارمن    بغداد – 6 يناير 2011
بدأ المركز العربي الاوربي لحقوق الانسان حملته الكبرى (لنصلي معا) بزيارة كنيسة الارمن لمشاركة ابناء الطائفة الارمنية احتفالاتهم بمناسبة عيد رأس السنة الارمنية. وقال ممثل المركز العربي الاوربي لحقوق الانسان في العراق كاظم البيضاني ان هذه الحملة تهدف الى تعزيز اللحمة الوطنية بين ابناء الشعب العراقي بمختلف اطيافهم وتوجهاتهم بعيدا عن لغة السياسة ، واضاف البيضاني متحدثا من كنيسة الارمن الواقعة في منطقة الباب الشرقي ببغداد , ان هناك روابط مشتركة بين المسيح والاسلام تجلت منذ القدم بالتعايش السلمي والاخوي بين ابناء الديانتين ، مشيرا الى ان الاسلام والمسيحية ديانتان تدعوان الى المحبة والالفة وصيانة كرامات الانسان ، منوها الى ان مشروع المركز (لنصلي معا) سيمتد ليشمل جميع ابناء الطوائف المختلفة في العراق. من جهته عبر الاب خوري ناريك راعي كنيسة الارمن الارثذوكسي في بغداد عن شكره وامتنانه للمركز العربي الاوربي لهذه الخطوة التي ستسهم في تعزيز روابط الاخوة بين ابناء البلد الواحد ، مضيفا ان مخطط استهداف المسيحيين في العراق هو مخطط خارجي يهدف الى الفرقة وزرع بذور الفتنة بين الاخوة.  يذكر ان حملة (لنصلي معا) التي اطلقها قناة الحياة المصريــة  وشارك المركز العربي الاوربي و عدد من نشطاء حقوق الانسان والمجتمع المدني في العراق.
المكتب الاعلامي للمركز العربي الاوربي لحقوق الانسان  //مكتب العراق
م/ شكوى:                               بسم الله الرحمن الرحيم
إلى / المحكمة الاتحادية
السيد رئيس مجلس النواب المحترم
السيد رئيس مجلس محافظة ميسان المحترم
استجابة لنداء جماهير محافظة ميسان ومؤسسات المجتمع المدني فيها للمطالبة بتطبيق القانون واحترام الدستور ومن اجل رفع الغبن الذي وقع على المحافظة والتعدي الواضح والسافر على حقها الانتخابي وعلى أرادة الجماهير وانتهاك أهم الأسس والتقاليد الديمقراطية المعروفة والمتداولة في العالم وذلك ان مجلس النواب اصدر قراراً يتضمن اعتبار احد السادة عضواً في مجلس النواب بدلاً عن احد النواب الذي تولى وزارة في التشكيلة الحالية وان الإجراء المذكور مخالف لقانون الانتخابات لسنة 2005 المعدل وخصوصاً نص المادة 3 أولا (بان يكون الترشيح بطريقة القائمة المفتوحة أن كل نائب يمثل مائة إلف ناخب ) كما أن نص المادة 2 من القانون النافذ نصت على (تكون كل محافظة وفقاً للحدود الإدارية الرسمية دائرة انتخابية واحدة تختص بعدة مقاعد متناسبة بعدد السكان في المحافظة حسب أخر الإحصائيات المعتمدة) إي إن تعويض المقعد الشاغر يكون من المحافظة نفسها أي من الدائرة الانتخابية نفسها حتى يكون تمثيل عدد المقاعد متناسباً مع عدد السكان في المحافظة حسب نص المادة أعلاه أن إشغال المقعد من غير سكان المحافظة سيكون مخالفاً لنص القانون المذكور لذا يكون الترشيح القانوني والشرعي هو من أبناء المحافظة وللعضو الذي يليه في الترتيب من القائمة في المحافظة نفسها وان هذه المخالفة واضحة لنصوص الدستور وقوانين الانتخابات وكما شرع البرلمان في قانون استبدال أعضاء مجلس النواب رقم (6) لسنة 2006 الذي أكد بشكل لا يقبل اللبس فيه آلية الاستبدال وفصل بين المقاعد التعويضية إذ نصت المادة (2) الفقرة (2) من هذا القانون على ما يلي ( إذا كان المقعد الشاغر ضمن مقاعد المحافظة التي حددها القانون الانتخابي فيعوض من الكتلة التي ينتمي إليها العضو المشمول ضمن قائمة المحافظة)  .
وعليه نطالب المحكمة الاتحادية ومجلس النواب بإسقاط عضوية البدلاء والرجوع إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لتقديم أسماء المرشحين البدلاء للمقاعد الشاغرة حسب محافظاتهم وللخاسر الأكبر.
 أسماء منظمات المجتمع المدني الموقعة :
1.    امجد كاظم الدهامات . مركز الإمام الصادق (ع)
2.    حكيم زاير . منظمة الأحرار لحقوق الإنسان
3.    حيدر عبد فلحي . مؤسسة الهدى للدارسات الاستراتيجية
4.    أيمان عبد الحسين . رابطة الأمل المستقلة
5.    أياد ياسين النوري . مؤسسة السلام العراقية
6.    سهام العقيلي . مؤسسة المرأة العراقية
7.    احمد ستوري . مكتب حقوق الانسان
8.    علي حميد . الجمعية العراقية للتغير
9.    عباس خالد عبد الحسن . اعلامي
10.      شاكر داخل . رابطة ثقافة الحوار
11.      سعد البطاط . رابطة الخير الانسانية
12.      مهند حميد الهاشمي . منظمة الصحفيين والمثقفين الشباب
13.     حيدر جاسب عربيي . منظمة الميزان لحقوق الإنسان
14.     حسين جلاب محيسن . ناشط في المجتمع المدني
15.     مؤيد جاسم . اعلامي
16.     عبد الحسين عاتي . مجلس اهوار ميسان
17.     مجيد شايع . منظمة ابناء النازحين
18.     حسنين عبد اللطيف . منظمة اكادميوا العراق الجديد
19.     مزهر الهاشمي . الجمعية الثقافية المستقلة
20.     عبد الستار الشمري . جمعية البوساء الانسانيه
تشكيلة الحكومة العراقية الجديدة وكلها وزارات دولة: ماجد سكر
وزارة شكو ماكو والله ماكو شي اي بعد شكو
وزارة الدولة لشؤون الهواء
وزارة الدولة لشؤون الأمطار
وزارة الاستنكار والتنديد
وزاره الشباب و البواري
وزارة الدولة لشئون المتسولين والمفلسين
وزارة الدولة  لشئون الحلوين والحلوات
وزارة الدولة لشؤون الزواج عن حب
وزارة حب تالي العمر لشوؤن شباب فوق الأربعين
وزارة شؤون الأزبال لمحافظات العراق
وزارة الدولة لتطوير الصمون الحجري
وزارة الدولة لتخطيط التجاوزات على أراضيها
وزارة الدولة لشؤون الحدائق والمحدقين والمحدقات
وزارة الدولة لشئون ازدحامات الطرق
وزارة حب جكاير علج
وزراة شؤون المخضر والفاكهة
وزارة الحرس الوطني الي ميكعد راحة
وزارة الدولة لبث مباريات الدوريات الاوربية مجانا
وعلى القناة الرسمية
وزارة الدولة لمشجعي نادي الريال وبرشلونة
وزارة الدولة لتحمل خيبات المنتخب الوطني
وزارة الدولة لادارة شؤون الفايس بوك
وزارة الدولة لمعالجة فايروسات اللابتوب
وزارة الدولة لازالة صورالمرشحين
وزارة الدولة لشؤون القطع المبرمج
وزارة الدولة لشؤون الواسطات
وزارة الدولة لمحاربة السواق ضاربي السرة
وزارة الدولة لشؤون اقارب السادة المسؤولين
وزارة الدولة  لشؤون الوزارات
كما نقترح شطر وزارة النقل الى وزارة النقل البحري والنقل الجوي والنقل البري ونقل الباسكلات ونقل الماطورات ( الدراجات الناريه ) حتى نرضي جميع الاخوه الجوعانين
 

هذا مخطط بايدن .. حجنجلي بجنجلي
2010/12/28 شاعر مجهول
حجنجلي       بجنجلي
هذا الك   هذا الي
امريكا ما تقبل بعد
يبقى الوطن سالم
خلي نقسمة ياربع
خلي نوزعه ياهلي
وزير الك  وزير الي
فراش الك   فراش الي
صخله الك   نعجه الي
جبل الك   والهور الي
شيعي الك   سني الي
 حجنجلي      بجنجلي
 البصرة الك   واربيل الي
النفط الك    والغاز الي
كردي الك   عربي الي
المسيحي والصبي شرد
يبقى الايزيدي مبتلي
هذا مخطط بايدن  الماينفذه يبتلي















سنابل العدد 29 الجزء الثالث

محمود محارب*
المقالات الصهيونية المدسوسة في الصحف اللبنانية والسورية (1936 – 1939)
تكشف هذه المقالة الجهد المتمادي الذي بذلته الوكالة اليهودية في ثلاثينيات القرن العشرين للتأثير في الرأي العام العربي، ولا سيما في لبنان وسورية، ولتوجيهه نحو الاهتمام بمشكلات جانبية تحرف انتباهه عن فلسطين. وتميط هذه المقالة اللثام عن عشرات المقالات التي كتبها موظفون ومسؤولون في الوكالة اليهودية، وجرى نشرها في صحف بيروت ودمشق لقاء مبالغ مالية دُفعت لأصحاب تلك الصحف ورؤساء تحريرها، وبوعي كامل منهم. وقد استند الكاتب في مقالته هذه إلى تقارير جهاز الاستخبارات التابع للدائرة السياسية في الوكالة اليهودية، وخصوصاً تقارير إلياهو ساسون المحفوظة اليوم في الأرشيف الصهيوني. وتتضمن هذه المقالة أسماء بعض الصحف وبعض الصحافيين ممن ساهموا في نشر تلك المقالات المسمومة.


مقدمة
أولت الدائرة السياسية للوكالة اليهودية، والتي قادت السياسة الصهيونية في اتجاه الأقطار العربية، أهمية كبيرة لرأي النخب العربية، وللرأي العام العربي، وسعت للتأثير فيهما. فالقادة الصهيونيون تنبهوا مبكراً إلى دور الصحافة العربية، وأدركوا أنها تحتل مكانة مهمة في التأثير في الرأي العام في تلك الأقطار، وقد ازداد إدراكهم هذا في إثر ثورة البراق في فلسطين في سنة 1929، إذ غطت الصحافة العربية هذه الثورة، وأوصلت ما يدور من أحداث في فلسطين إلى الرأي العام العربي، وساهمت في بلورته وحشده لمناصرة الشعب العربي الفلسطيني.
وتهدف هذه الدراسة إلى كشف النقاب عن مساعي الدائرة السياسية للوكالة اليهودية من أجل التأثير في مواقف الصحافة العربية، في ثلاثينيات القرن الماضي، من القضية الفلسطينية والصهيونية، وكذلك إلى تسليط الضوء على المقالات الصهيونية المدسوسة، وعلى الأخبار التي زرعتها الوكالة اليهودية في الصحف اللبنانية والسورية في أثناء الثورة الفلسطينية الكبرى خلال الفترة 1936 – 1939. فخلال العامين الأخيرين من هذه الثورة زرع جهاز الاستخبارات التابع للدائرة السياسية للوكالة اليهودية ما لا يقل عن 280 مقالاً مدسوساً في الصحف اللبنانية والسورية، نُشرت إمّا باسم هيئات تحرير تلك الصحف، وإمّا بأسماء عربية مستعارة، وإمّا على شكل تقارير كأنها من مراسلي الصحف، وكل ذلك من أجل إخفاء كاتبها الحقيقي.
استندت هذه الدراسة إلى مصادر أولية وفي مقدمها تقارير مسؤولي جهاز الاستخبارات التابع للدائرة السياسية للوكالة اليهودية، والمحفوظة في الأرشيف الصهيوني المركزي، وخصوصاً تقارير إلياهو ساسون الذي كان مسؤولاً عن نشر هذه المقالات المدسوسة، كما قامت بذكر أسماء الصحف العربية اللبنانية والسورية التي نشرت المقالات المدسوسة، بالإضافة إلى تاريخ نشر تلك المقالات، وكذلك الموضوعات التي طرحتها وعالجتها، وذلك من أجل إتاحة الفرصة أمام القارئ والباحث المختص للعودة إليها إذا أراد التوسع في هذا الموضوع.
إن الوثائق التي اعتمدتها الدراسة، والتي كانت سرية للغاية في حينه، إذ لم يتيسر لجمهور الباحثين الاطلاع عليها إلاّ بعد مرور عقود طويلة، وفرت لنا فرصة مهمة للولوج إلى داخل ذهنية قيادة الوكالة اليهودية في تلك الفترة، كما أنها فتحت الباب للإطلال مباشرة على الأهداف التي سعت الدائرة السياسية للوكالة اليهودية لتحقيقها، وعلى الوسائل التي اتبعتها، وعلى النقاشات الداخلية التي كانت تجري بين قادتها بشأن أنجع الطرق لتحقيق الأهداف الصهيونية، وعلى مدى الجهود التي بذلتها من أجل تحقيق أهدافها، وعلى كيفية إغوائها كثيراً من الصحافيين وأصحاب الصحف العربية ومحرريها، وغيرهم، للعمل لمصلحتها في لبنان وسورية في تلك الفترة.
وحرصت الدراسة على عرض الموضوعات التي طرحتها وعالجتها المقالات المدسوسة، والتي مثلت بدورها سياسة الوكالة اليهودية تجاه القضية الفلسطينية والقضايا العربية الأُخرى. فمن خلال عرض تلك الموضوعات، يتضح أن الدائرة السياسية للوكالة اليهودية لم تكتف بطرح وجهة النظر الصهيونية ومفهومها وأجندتها، ولا بالعمل على تشويه النضال الوطني الفلسطيني، أو بطرح أجندات بديلة للقضية الفلسطينية فحسب، بل شوهت الحقائق أيضاً، وزرعت أخباراً مختلقة هدفت من ورائها إلى تأسيس رأي عام عربي يقف ضد الحقوق القومية للشعب العربي الفلسطيني، ويتقبل إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
علاوة على ذلك، أظهرت الدراسة كيف استعملت الدائرة السياسية للوكالة اليهودية المقالات المدسوسة في الصحف اللبنانية والسورية لتحقيق أغراض سياسية أُخرى، ففي كثير من الأحيان، أعادت هذه الدائرة نشر المقالات المدسوسة، كاملة أو مختصرة، في "وكالة الشرق"، وفي صحيفة "دافار" العبرية، وفي صحف بريطانية وفرنسية، كما قامت في العديد من الحالات، بإيصالها إلى متخذي القرار في لندن وباريس، كأنها من بنات أفكار محرري صحف عربية يمثلون شريحة مهمة من الرأي العام العربي في لبنان وسورية.
*  *  *
في أعقاب ثورة البراق في فلسطين في سنة 1929، بذل مسؤولو الدائرة السياسية للوكالة اليهودية وجهاز استخباراتها جهوداً مكثفة من أجل التأثير في الصحافة العربية. وفي هذا السياق، زار حاييم كالفارسكي، مسؤول جهاز الاستخبارات في الدائرة السياسية للوكالة اليهودية، بيروت في كانون الثاني/يناير 1930، وقد أفضت زيارته إلى تشكيل لجنة في بيروت مكونة من أربعة ناشطين يهود لبنانيين، وذلك للتنسيق مع جهاز استخبارات الوكالة اليهودية بشأن التأثير في الصحف اللبنانية والسورية لاتخاذ مواقف موالية للصهيونية.(1)  ومنح جهاز الاستخبارات التابع للدائرة السياسية في الوكالة اليهودية هذه اللجنة 150 جنيهاً فلسطينياً لتمكينها من القيام بمهماتها.(2)  وأشار كالفارسكي في تقرير له إلى أن هذه اللجنة تمكنت من تغيير مواقف بعض الصحف العربية في لبنان مثل صحيفة "الأحوال"، وصحيفتي "لوريان" و"لو – سيري" الصادرتين في بيروت باللغة الفرنسية،(3)  وأنه في أثناء وجوده في بيروت اجتمع بخير الدين الأحدب، محرر صحيفة "العهد الجديد"، والذي أصبح لاحقاً رئيس وزراء لبنان. وقد أسهب كالفارسكي خلال الاجتماع، في حديثه عن ضرورة "التفاهم بين العرب واليهود"، وطلب من خير الدين الأحدب تقديم المساعدة للوكالة اليهودية بواسطة نشر مقالات موالية للصهيونية في صحيفته، ثم سأله في نهاية الاجتماع عن المبلغ الذي يريده في مقابل خدمته هذه، فأجابه هذا أنه يريد "400 جنيه فلسطيني في السنة، وهو مبلغ اعتقدت أنه مبالغ فيه، ثم اتفقنا على 200 جنيه فلسطيني تدفع بأقساط كل ثلاثة أشهر."(4)
وفي الوقت الذي كان كالفارسكي ينشط خلاله في بيروت، زار دافيد يلين، أحد المسؤولين في جهاز الاستخبارات التابع للدائرة السياسية في الوكالة اليهودية، القاهرة، ثم تبعه الكولونيل فريدريك كيش رئيس الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية، وقد التقى كل منهما العديد من المسؤولين في مصر، وكذلك قادة الطائفة اليهودية فيها. ووفقاً لتقرير كيش، حققت زيارتهما النتائج التالية:
أولاً، تنظيم مجموعة من اليهود المصريين للقيام بنشاطات في الصحافة المصرية كي تتخذ مواقف مناصرة للصهيونية؛ ثانياً، مصادرة الحكومة المصرية كراسات مناهضة للصهيونية نشرت في مصر؛ ثالثاً، تنظيم مجموعة من المخبرين للعمل لمصلحة جهاز الاستخبارات التابع للدائرة السياسية في الوكالة اليهودية.(5)
وشهدت الدائرة السياسية تطوراً ملحوظاً في نشاطها تجاه العرب بعد تولي حاييم أرلوزوروف، أحد أبرز قادة مباي، رئاستها في سنة 1931 عقب استقالة فريدريك كيش، فقد أولى السياسة الصهيونية تجاه الأقطار العربية اهتماماً كبيراً، وسعى لبناء جهاز استخبارات عصري يكون أداة فعالة لدى الدائرة السياسية للوكالة اليهودية لتحقيق أهدافها.(6)  وتوجه أرلوزوروف إلى جيل الشباب، فاستقطب موشيه شرتوك (شاريت)،(7)  وعيّنه سكرتيراً للدائرة السياسية للوكالة اليهودية، ثم استقطب رؤوفين زيسلني (شيلواح)(8)  عندما كان طالباً في قسم الدراسات الشرقية في الجامعة العبرية بالقدس، وأرسله إلى بغداد، في سنة 1931، لعام واحد، وذلك بهدف التجسس على العراق، كما جند الطالب إلياهو إبشتاين (إيلات) عشية سفره إلى بيروت لنيل درجة الماجستير في الجامعة الأميركية في بيروت، كي يقوم بنشاط تجسسي في لبنان وسورية، ويقدم تقريراً أسبوعياً للدائرة السياسية عن الأوضاع في البلدين.(9)  ولم يُكتب لأرلوزوروف أن يرى ثمار ما شرع في عمله منذ تبوئه رئاسة الدائرة السياسية للوكالة اليهودية، إذ اغتيل في تل أبيب في سنة 1933، على خلفية احتدام الصراع بين التيار العمالي والتيار اليميني في الحركة الصهيونية،(10)  فحل مكانه في السنة نفسها، موشيه شرتوك الذي ظل في منصبه هذا حتى سنة 1948 حين أصبح وزيراً للخارجية في الدولة العبرية، ثم رئيساً للوزراء، وقد قام هو ودافيد بن – غوريون الذي تولى منذ سنة 1935 منصب رئيس إدارة الوكالة اليهودية وأصبح أول رئيس وزراء في إسرائيل، ببلورة السياسة الصهيونية وقيادتها في اتجاه الأقطار العربية في ثلاثينيات القرن الماضي وأربعينياته.
واستمر موشيه شرتوك في سياسة سلفه في استقطاب الكوادر الشابة، ففي سنة 1933 وظّف إلياهو ساسون في جهاز الاستخبارات التابع للدائرة السياسية،(11)  كما وظف في نهاية العام نفسه، وفي الجهاز نفسه، كلاً من عاموس لندمان الذي كان طالباً في الجامعة الأميركية في بيروت، والطالبة أفيفا توروفسكي التي كانت تدرس في الجامعة الأميركية في بيروت لنيل درجة الماجستير، وقد اختارت أن تكون "الحركة القومية العربية" موضوعاً لدراستها، وذلك كي يتسنى لها شرح اهتمامها بالسياسة والسياسيين السوريين واللبنانيين؛ وفي أثناء دراستها ونشاطها في بيروت تزوجت عاموس لندمان، فشكلا معاً بؤرة تجسس على لبنان وسورية لعدة أعوام.(12)
"وكالة الشرق"
في سياق السعي لاختراق الصحف العربية والوصول إلى الرأي العام العربي، أسست الدائرة السياسية للوكالة اليهودية في القاهرة وكالة أنباء باللغة العربية، ففي كانون الثاني/يناير 1934، أنشأ ناحوم فيلنسكي عميل الوكالة اليهودية، وكالة أنباء أطلق عليها اسم: "وكالة الشرق – شركة تلغرافية لإذاعة الأنباء السياسية والاقتصادية والمالية"، وقام بتسجيلها رسمياً في القاهرة.(13)  ومنذ إنشاء هذه "الوكالة"، ظلت الوكالة اليهودية تزودها بالمواد الصهيونية الدعائية الإعلامية لنشرها وتوزيعها، وخصوصاً على الصحف الصادرة في البلاد العربية. وطلب موشيه شرتوك من ناحوم فيلنسكي، مسؤول "وكالة الشرق"، وكان مقره في القاهرة، الانتباه وأخذ الحيطة والعمل بحذر وإخفاء العلاقة كلياً بين "وكالة الشرق" والوكالة اليهودية، والتظاهر بالحيادية وإبراز الأرقام والحقائق فيما يتعلق بتطور المشروع الصهيوني، وذلك "كي لا تتعرض وكالة الشرق للمقاطعة من جانب الصحافة العربية." وأضاف شرتوك: "علينا إغواء ونيل رضى" الصحف العربية بتزويدها أخباراً مثيرة وحيوية متعلقة بما يحدث في عالم الشرق الأوسط السياسي، لكن "عندما نكون معنيين بتحويل موضوع ما إلى موضوع مثير، فإنك ستقوم بذلك بحذر وتكتيك كما تصرفت حتى الآن."(14)
ووضع ناحوم فيلنسكي نصب عينيه هدفاً سياسياً كبيراً، كما ذكر في أحد تقاريره، هو منع قيام جبهة عربية موحدة ضد الصهيونية، وذلك بإيجاد شرخ واسع بين الحركة الوطنية الفلسطينية والأقطار العربية، وبخلق مصاعب أمام الحركة الوطنية الفلسطينية في الشرق كافة.(15)  ففي ضوء تمسك قادة الصهيونية المستمر بإقامة وطن قومي يهودي في فلسطين على حساب الشعب الفلسطيني، وكذلك تعاظم تدفق الهجرة اليهودية إلى فلسطين في تلك الفترة، والرفض الصهيوني الدائم لاستقلال فلسطين، وفي ضوء ازدياد التعاطف الشعبي العربي مع الشعب العربي الفلسطيني، اقترح ناحوم فيلنسكي القيام بحملة سلام إعلامية في الصحف العربية لترويج انطباع عن الصهيونية في الرأي العام العربي، مغاير لماهيتها ومناقض لأهدافها، ولإظهارها كأنها تحب السلام وتسعى لتحقيقه. فقد اقترح فيلنسكي، في تقريره إلى موشيه شرتوك، الشروع في "هجوم سلام كبير"، وذلك عبر نشر مقالات في الصحافة اليهودية في فلسطين تدعو إلى السلام مع العرب كي تقوم "وكالة الشرق" بترجمتها ونشرها في الصحافة في الأقطار العربية. واعتقد ناحوم فيلنسكي أن هذه الحملة يجب أن تتوجه إعلامياً ليس إلى الفلسطينيين فحسب، بل أيضاً إلى البلاد العربية التي يمكن أن تتأثر بها، وكذلك إلى الدوائر الأوروبية المهتمة بفلسطين.(16)
واستمر نشاط "وكالة الشرق" أعواماً طويلة زرعت خلالها المعلومات الهادفة إلى الإساءة إلى الحركة الوطنية الفلسطينية، وإلى إيجاد الصراعات العربية – العربية وتغذيتها، وإلى غرس أوهام بشأن سعي الصهيونية لتحقيق السلام. علاوة على ذلك، فإن كثيرين من قادة جهاز الاستخبارات التابع للوكالة اليهودية، خلال زياراتهم المتعددة للعواصم العربية في تلك الفترة، وفي مقدمهم إلياهو ساسون وإلياهو إبشتاين، استخدموا صفة "مراسلي وكالة الشرق" للتغطية على عملهم التجسسي ضد العرب.(17)
تكثيف النشاط خلال الفترة 1936 – 1939
مع تصاعد الكفاح الوطني الفلسطيني المسلح، والذي وصل إلى إحدى ذراه باغتيال حاكم لواء الجليل أندروز ومساعده في 26/9/1937، صعّدت سلطات الانتداب البريطانية بطشها بالشعب الفلسطيني وحركته الوطنية، فأقدمت، بعد خمسة أيام من مصرع أندروز، على حل اللجنة العربية العليا واللجان القومية في فلسطين، وأصدرت أمراً بعزل المفتي الحاج أمين الحسيني من رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى، وشنت حملة اعتقالات واسعة شملت قادة الحركة الوطنية الفلسطينية وكوادرها. وقد لجأ المفتي الحاج أمين الحسيني إلى المسجد الأقصى تجنباً لاعتقاله، ثم غادر القدس سراً إلى لبنان.
وكانت سورية ولبنان ساحتين مهمتين لدعم الثورة الفلسطينية منذ اندلاعها في سنة 1936، لكن بعد لجوء الحاج أمين الحسيني إلى لبنان في تشرين الأول/أكتوبر 1937، ازدادت أهميتهما، وشكلتا مركزاً وقاعدة إسناد مهمة للثورة الفلسطينية.
وأدركت قيادة الوكالة اليهودية أهمية كل من لبنان وسورية بالنسبة إلى الثورة في فلسطين، فتابعت عن كثب توجهات رأي النخب والرأي العام في البلدين. وتكشف الوثائق الإسرائيلية، وخصوصاً تقارير إلياهو ساسون وإلياهو إبشتاين، أن الوكالة اليهودية اهتمت جداً بالصحافة اللبنانية والسورية في أثناء ثورة 1936 – 1939 الفلسطينية، وبذلت جهوداً كبيرة للتأثير فيها. ففي كانون الثاني/يناير 1937، اجتمع كل من إلياهو ساسون وإلياهو إبشتاين بوديع تلحوق، المحرر في صحيفة (الإنشاء) السورية، في فندق أمية في دمشق، وبحثا معه في إمكان أن يقوم بنشر مقالات في الصحافة السورية تشرح المشروع الصهيوني في فلسطين، وتمخض هذا الاجتماع عن موافقة وديع تلحوق على القيام بهذا الدور، شرط أن تزوده الوكالة بمواد معتدلة.(18)  وبعد أن عاد ساسون وإبشتاين من دمشق إلى القدس، أرسل هذا الأخير إلى وديع تلحوق "مقالة تبحث في العلاقات الاقتصادية بين فلسطين وسورية مبنية على أرقام ووقائع معتدلة كل الاعتدال في أسلوبها ومبناها"، ورجاه أن يقوم "بنشرها في صحيفة (الإنشاء)، أو في إحدى الصحف الكبرى في دمشق"، وطلب منه أن يرسل إلى الوكالة اليهودية ثلاثة أعداد، أو أربعة، وأخبره أنه سيرسل إليه قريباً مقالات أُخرى. ولم ينس إبشتاين أن يعلمه أنه "لكم الحرية في إدخال قلمكم على المقالات وجعلها عند الضرورة ملائمة للنشر بالجرائد السورية بدون أن يحصل لكم بسبب ذلك أي وجع راس."(19)
في ضوء تفاقم الأوضاع في فلسطين في خريف سنة 1937، شدد إلياهو ساسون مجدداً، على أهمية دور الصحافة اللبنانية والسورية في التأثير في الرأي العام في البلدين. ففي تقرير له من بيروت في بداية تشرين الأول/أكتوبر 1937، ذكر أنه "رأى بأم عينيه الناس وهم يركضون وراء بائعي الصحف ويختطفون الصحف كي يقرأوا الأخبار حول الوضع في فلسطين"، وأن اهتمام الجمهور اللبناني بالوضع في فلسطين يفوق كثيراً اهتمامهم بمعركة الانتخابات للبرلمان اللبناني، والتي كانت تجري في تلك الأيام.(20)  وفي أثناء وجوده في دمشق في تلك الفترة، ومن خلال متابعته الوضع في سورية عن كثب، لاحظ في تقرير له من دمشق، أن عادل العظمة ونبيه العظمة والدكتور صبحي أبو غنيمة وشكيب أرسلان والشيخ كمال القصاب يؤيدون الثوار الفلسطينيين، ويضغطون بشدة على الحكومة السورية كي لا تعرقل نشاط أولئك الثوار. وذكر في تقريره أن الحكومة السورية في وضع صعب بسبب النزاعات بينها وبين مناطق عديدة في سورية، وكذلك بسبب رفض فرنسا المصادقة على الاتفاقية الفرنسية – السورية، ولذلك فإنها لا تتجرأ على منع الناشطين السوريين والفلسطينيين من أن ينشطوا داخل سورية.(21)  وبعد أن قام ساسون بتحليل الوضع في سورية، قدّم إلى الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية خطة اقترح فيها أن تقوم الوكالة اليهودية بجملة من الخطوات كي تؤثر في الوضع في سورية، أبرزها:
1 – الاتصال بباريس، وحثها على الضغط على الحكومة السورية كي توقف الدعاية المناهضة للصهيونية في الصحف السورية.
2 – حث باريس على عدم المصادقة على الاتفاقية الفرنسية – السورية، فهذا سيرغم الحكومة السورية على أن تضبط نفسها تجاه القضية الفلسطينية، كما أنه سيزيد في معارضة الشعب السوري للحكومة السورية، الأمر الذي سيؤدي إلى إضعاف تلك الحكومة، وإلى التقليل من اهتمام السوريين بالقضية الفلسطينية.
3 – نشر مقالات في الصحف السورية يومياً تقريباً، تدعم الطروحات الصهيونية المركزية إزاء الوضع في فلسطين وسورية.
4 – إثارة مسألة لواء الإسكندرون في الصحف ونشر مقالات بشأنه، وكذلك نشر الخطب جميعها التي ألقاها القادة السوريون بشأن هذا اللواء في كتيبات، وذلك كي ينصب اهتمام السوريين عليه، ويكفوا عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية.
وأضاف ساسون أنه توجد في حلب معارضة قوية ضد الحكومة يمكن استغلالها بسهولة، وأن صحف حلب ستكون على استعداد لنشر مقالات تهاجم الحكومة السورية و"الكتلة الوطنية" لإهمالهما مسألة لواء الإسكندرون.
5 – إثارة الصحف الإنكليزية وحثها على مهاجمة حكومتي سورية وفرنسا لأنهما تسمحان للصحافة السورية وللسوريين بالتدخل فعلياً في قضية فلسطين.(22)  وفيما يتعلق بالصحافة في لبنان، اقترح إلياهو ساسون في رسالته إلى برنارد جوزيف، نائب رئيس الدائرة السياسية للوكالة اليهودية، إرسال رسالة شخصية إلى رئيس الجمهورية اللبنانية إميل إده، ولفت انتباهه إلى ما تنشره الصحف اللبنانية، وإلى ردات فعلها الشديدة على ما يجري في فلسطين، وأن يعرب برنارد جوزيف في رسالته عن أمله بـ "أن تقوم الحكومة اللبنانية التي حافظت خلال تلك الفترة كلها على حيادها تجاه القضية الفلسطينية، بالطلب من الصحافة اللبنانية الكف عن التدخل في القضية الفلسطينية."(23)
إلياهو ساسون
في بداية تشرين الأول/أكتوبر 1937، كثف إلياهو ساسون نشاطه لنشر مقالات في الصحف السورية، فأرسل إلى عميل الوكالة اليهودية في دمشق الصحافي ع. ع. ثلاثة مقالات لنشرها. ونشر هذا العميل مقالين في صحيفتين دمشقيتين، أمّا المقال الثالث فنشره في صحيفة "الدستور" الصادرة في حلب. وقد أثار هذا المقال الثالث حين نُشر بتاريخ 3 تشرين الأول/أكتوبر 1937 ضجة كبيرة في حلب، إذ جاء على شكل افتتاحية في الصفحة الأولى بعنوان: "نحن أولى بلجنة دفاع عن سورية من لجنة دفاع عن فلسطين وباقي بلاد العرب"، ذُكر فيها: "... أن ينصرف السوريون مثلاً – وهم في حالتهم الحاضرة المليئة بالفقر المدقع والاضطراب والاختلافات والتحزبات – إلى معالجة المشكلة الفلسطينية وغيرها وهم على ما هم عليه من تفكك وخور، فذلك فضلاً عن أنه يؤخرهم عن تدارك أمرهم الذي قد يؤدي إلى الهلاك والدمار، فهو يؤدي أيضاً إلى الهزء منهم والاستخفاف بهم من جانب الأجانب الطامعين... فنحن والحالة هذه أولى بلجنة دفاع عن سورية منا عن لجنة دفاع عن أية بقعة من بلاد العرب العزيزة... ولا نظن أن عاقلاً مهما بلغ منه التهور والتطرف يترك باب داره مفتوحاً أمام عصابات اللصوص المحدقة به من كل صوب، ويهبّ لمساعدة جاره المنكوب بدوره بهؤلاء اللصوص..."(24)
وفي 10 تشرين الأول/أكتوبر 1937 أرسل إلياهو ساسون تقريراً من بيروت إلى برنارد جوزيف نائب رئيس الدائرة السياسية للوكالة اليهودية، ذكر فيه أنه أنهى كتابة 12 مقالاً لنشرها في الصحف اللبنانية والسورية، وأنه طلب من عميل الوكالة اليهودية الصحافي ع. ع. القدوم من دمشق إلى بيروت لمساعدته في إيصال المقالات التي خصصها ساسون للصحف البيروتية، إلى محرري هذه الصحف. وبعد أن قام الاثنان بالمهمة، غادرا بيروت وتوجها إلى حلب، ومن هناك أرسل ساسون تقريراً إلى برنارد جوزيف أخبره فيه أنه نجح في أثناء زيارته حلب، في الاتفاق على نشر سبعة مقالات في صحيفتين تصدران في حلب هما "الدستور" و"الجهاد". وجاء في التقرير أيضاً، أن المقالات المنشورة في الدستور تهاجم لجنة الدفاع عن فلسطين، وتطالب الحكومة السورية بمصادرة الأموال كلها التي جمعتها اللجنة لمصلحة فلسطين، وبتوزيعها على فقراء سورية وعمالها الذين يتضورون جوعاً، بينما تنتقد المقالات المنشورة في صحيفة "الجهاد" الحكومة السورية والشعب السوري لأنهما أهملا مسألة لواء الإسكندرون، وتدعو إلى إيقاظ الشعب السوري وتأسيس لجان دفاع عن هذا اللواء. وأضاف ساسون في تقريره هذا أنه وعد الصحيفتين بأن يرسل إليهما مقالات جديدة لنشرها، وأردف: "كما ترى، هذا عمل ثمنه قليل ونتائجه كبيرة." ثم طلب في ختام تقريره من برنارد جوزيف الإيعاز إلى مدير "وكالة الشرق" ناحوم فيلنسكي بأن ينشر تلخيصاً للمقالات في "وكالة الشرق"، وبأن ينشر المقالات المدسوسة بكاملها في صحيفة "دافار" كي "يثبت للعرب والإنكليز أنه ليس كل السوريين يتضامنون مع عرب فلسطين."(25)
في 14 تشرين الأول/أكتوبر 1937 أرسل ساسون إلى برنارد جوزيف تقريراً من دمشق أرفقه بنسخ من المقالات المدسوسة التي نشرت في الصحف السورية في اليوم ذاته، وجاء فيه أن المقالات جميعها تطرقت إلى مسألة لواء الإسكندرون، وأن بعضها انتقد موقف الحكومة من هذه المسألة، في حين شدد بعضها الآخر على الخطر التركي الذي يتربص بهذا اللواء، وأن المقالات المدسوسة ناشدت الشعب والحكومة السورية بذل كل ما في وسعهم للدفاع عن عروبته. وأشار ساسون إلى أن أهمية المقال الذي نشر في صحيفة "القبس" تعود إلى كون "القبس" صحيفة حكومية.(26)
في كانون الأول/ديسمبر 1937، استأنف ساسون نشاطه في نشر المقالات المدسوسة، ففي الرابع عشر من هذا الشهر أرسل تقريراً من بيروت إلى موشيه شرتوك أخبره فيه عن نجاحه في نشر خمسة مقالات في صحف عربية تصدر في بيروت ودمشق، وقد أرفق تقريره بنسخ عن هذه المقالات.(27)  وذكر ساسون في تقريره أنه نشر مقاله الأول في صحيفة "بيروت"، وأن موضوعه عالج ضرورة محاربة "الدعاية الأجنبية" في البلاد العربية والمتمثلة أساساً في الدعاية الألمانية والإيطالية، بينما جاء مقاله الثاني الذي نشره في صحيفة "لسان الحال" الصادرة في بيروت، على شكل تقرير من فلسطين تناول مقتل شرطيين عربيين مسيحيين بالقرب من عكا، وذلك بهدف إثارة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين. أمّا المقال المدسوس الثالث فنشره ساسون في صحيفة "فتى العرب" الصادرة في دمشق، وقد عالج فيه الوضع في لواء الإسكندرون، وشدد على أن واجب العالم العربي تجاه قضية هذا اللواء يسبق واجبه تجاه قضية فلسطين. ونشر ساسون المقال الرابع في صحيفة "صوت الأحرار" على شكل تقرير من فلسطين، سعى فيه لإظهار الارتباك في صفوف العرب والتناقض بين موقف القيادات الفلسطينية من ناحية، وموقف ملوك العرب من ناحية أُخرى، كما استعرض العوامل التي شجعت "لجنة بيل" البريطانية على التوصية بتقسيم فلسطين، وحاول إثبات أنه لا طريق أُخرى أمام العرب لحل القضية الفلسطينية سوى التفاهم مع اليهود، أو قبول تقسيم فلسطين. أمّا المقال الخامس، فنشره في صحيفة "البلاد" تحت اسم مستعار، فبدا كاتب المقال كأنه ناشط سياسي عربي فلسطيني يسكن في بيروت. وقد نسب المقال سلبيات وعيوباً كثيرة إلى النضال الفلسطيني، وتحدث عن عدم كفاءة القيادة الفلسطينية، وعن عدم توفر الأمن، وعدم تحلي القيادات الفلسطينية بالشجاعة للإقدام والتفاوض مع الوكالة اليهودية، ووسم الثورة في فلسطين بأنها "حرب عنصرية في فلسطين"، ودعا إلى إقامة علاقات صداقة بين الإسلام واليهودية، وحذر من مخاطر محاولة الفلسطينيين استغلال التناقض بين إيطاليا وألمانيا من ناحية، وفرنسا وبريطانيا من ناحية أُخرى. وأشار ساسون في نهاية تقريره، إلى أنه نشر منذ قدومه إلى بيروت حتى الآن ثمانية مقالات، وأنه ما زال هناك عشرون مقالاً آخر، يأمل بنشرها خلال أسبوع.(28)
في 15 كانون الأول/ديسمبر 1937 نشر إلياهو ساسون ثلاثة مقالات مدسوسة في الصحف اللبنانية،(29)  هاجم في المقال الأول الذي نشره في صحيفة "صوت الأحرار" على شكل تقرير من القدس، وفي الثاني الذي نشره في صحيفة "بيروت"، "الإرهابَ" العربي في فلسطين. أمّا المقال الثالث، والذي نشره في صحيفة "النهضة"، فهاجم فيه "مكتب الدعاية والنشر" في دمشق وصاحبه فخري البارودي الذي كان يزود الصحافة العربية بمعلومات وتحليلات مناصرة للشعب الفلسطيني. وأشار ساسون في تقريره إلى شرتوك، إلى أنه نشر حتى الآن أحد عشر مقالاً في الصحف اللبنانية والسورية، وأنه لم يتوقع مثل هذا النجاح، إذ لم يكن يتوقع أن تقبل الصحيفتان "الأكثر انتشاراً" وهما صحيفتا "بيروت" و"صوت الأحرار"، نشر مقالات تدين "الإرهاب" العربي في فلسطين، وتطالب بوقفه، وتهاجم قادته، وتبرر سياسة القبضة الحديدية البريطانية ضده. وطلب ساسون من شرتوك قراءة المقال الذي نشره في صحيفة "صوت الأحرار" لرؤية كم هو منطقي وقوي، وأضاف أنه يمكن استغلال هذا المقال في صحف مصر وإنكلترا وفرنسا، وفي مكاتب "كي دورسي" و"داونينغ ستريت" في لندن. وأكد ساسون في تقريره وجود صحف عدة في سورية ولبنان "مستعدة لأن تنشر المواد التي نزودها بها"، وأنه يجب عدم تفويت هذه الفرصة. وقال إن نشر هذه المقالات هو أفضل الطرق "للحرب ضد الإرهاب، ولإظهار فشل قادته وإهانتهم أمام العالمين الشرقي والغربي"، ولذلك يتوجب عدم التوقف الآن عن نشر المقالات كي لا تخسر الوكالة اليهودية الصحف التي اخترقتها، وكي لا تسمح للرأي العام بالانجرار وراء الفلسطينيين. وذكر ساسون أنه سيخصص وقته في الأيام القادمة لكتابة مقالات في مختلف الموضوعات، وسيقوم بنشرها في صحف متعددة، ثم ختم تقريره بطمأنة شرتوك بتأكيده أن "ذلك لن يكلفنا كثيراً، فأنا لا أدفع أكثر من جنيهين فلسطينيين في مقابل نشر كل مقال. وهناك صحف تكتفي بأقل من ذلك، بجنيه ونصف جنيه فلسطيني، أو بجنيه فلسطيني فقط، في مقابل المقال."(30)
واستمر ساسون في نشر مقالاته المدسوسة بهمة ونشاط، ففي تقريره إلى شرتوك من بيروت في 16 كانون الأول/ديسمبر 1937، ذكر أنه ظهرت في صباح ذلك اليوم، أربعة مقالات له في أربع صحف تصدر في دمشق وبيروت.(31)  وقد نُشر المقال الأول في صحيفة "لسان الحال" الصادرة في بيروت، وجاء على شكل تقرير من القدس هاجم بشدة "أعمال العنف" التي يقوم بها الفلسطينيون، معرباً عن الدهشة من صمت رجال الدين الإسلامي عن هذه الأعمال، كما تحدث عن إدانة القادة اليهود "لعمليات الانتقام" التي ينفذها "العديد من صغارهم"، وحمّل القادة العرب الفلسطينيين مسؤولية الوضع القائم في فلسطين. ونُشر المقال الثاني في صحيفة "فتى العرب" الدمشقية، وكان موضوعه "الاتهامات الخطيرة" التي توجهها الصحف البريطانية إلى المسؤولين السوريين فيما يتعلق بموقفهم من القضية الفلسطينية. وجاء في المقال أن سفر رئيس وزراء سورية، جميل مردم، إلى الخارج، هدف إلى نفي التهم التي تعرقل مصادقة فرنسا على الاتفاقية الفرنسية – السورية، كما حذر المقال الحكومة السورية وأعضاء البرلمان والصحافيين السوريين من مغبة التطرق إلى القضية الفلسطينية في الوقت الراهن. وأشار ساسون في تقريره إلى أن هذا المقال هو أحد المقالات التي كان ساسون قرأها على شرتوك في حينه. أمّا المقال الثالث، فنُشر في صحيفة "الإنشاء" الدمشقية، وقد هاجم "السياسة السلبية" التي اتخذها القادة الفلسطينيون خلال 17 عاماً، واتهمهم بإغلاق الطريق أمام "السياسة الإيجابية". ودعا المقال جميع الذين يتبنون "السياسة الإيجابية" في البلاد العربية، إلى الظهور على الملأ والعمل من أجل تحقيق سياستهم. وظهر مقال ساسون الرابع لهذا اليوم في صحيفة "صوت الأحرار" البيروتية، وجاء على شكل تحقيق تناول قرار حكومة فلسطين الانتدابية "الحاسم" إعادة الهدوء والنظام إلى فلسطين بمختلف الوسائل، وأكد تصميمها على تنفيذ تقسيم فلسطين وفق توصية لجنة بيل، إذا ما فشلت بريطانيا في إقناع العرب واليهود بقبول التقسيم. ووصف المقال العرب الذين يقومون "بأعمال عنف" بأنهم أشخاص فقدوا وعيهم وعقولهم، كما فقدوا التمييز بين الصالح والطالح، وشن هجوماً على القادة الفلسطينيين، وانتقد الدعاية الأجنبية "التي تستغل الوضع وتصب الزيت على النار"، ودعا حكومة فلسطين الانتدابية إلى السماح "للقادة الفلسطينيين"، الذين لم يبعدوا ولم يسجنوا، باستلام قيادة الشعب العربي الفلسطيني من أجل وضع حد لـ "الإرهاب"، وللوضع غير العادي السائد في فلسطين. ودعا ساسون، في ختام تقريره، شرتوك إلى أن يقرأ المقالات كي يكوّن صورة كاملة، ويدرك مدى تأثيرها في القارئ، وأخبره أنه نشر منذ وصوله إلى بيروت حتى الآن 15 مقالاً، وأنه يأمل بـ "أن يُدخل اليوم مقالاً في (النهار) وآخر في (الاتحاد) كي يكون الاحتلال كاملاً."(32)  ونشر ساسون في أثناء مكوثه في بيروت ودمشق أحد عشر يوماً، في كانون الأول/ديسمبر 1937، 28 مقالاً مدسوساً في إحدى عشرة صحيفة، بثمن معدله 1.75 جنيه فلسطيني للمقال الواحد.(33)
النقاش بين شرتوك وساسون
بعد عودته إلى القدس اجتمع إلياهو ساسون بموشيه شرتوك الذي بلّغه أمرين مهمين: أولاً، أن ميزانية الدائرة السياسية للوكالة اليهودية لا تسمح باستمرار نشر المقالات في الصحف السورية واللبنانية بوتيرة مرتفعة؛ ثانياً، أن نشر 28 مقالاً خلال أحد عشر يوماً هو وتيرة عالية، ولا بد من أن يثير الشكوك ويقود إلى كشف المقالات المدسوسة. وبناء على ذلك، قرر شرتوك الموافقة على نشر مقالين فقط في الأسبوع في الصحف اللبنانية والسورية.(34)  وأثار قرار شرتوك امتعاض ساسون، لكنه لم يستسلم، وإنما أرسل إليه رسالة مطولة شرح فيها الأسباب المهمة التي توجب استمرار نشر المقالات في الصحف السورية واللبنانية بوتيرة عالية، وليس مقالين في الأسبوع كما قرر شرتوك.(35)  فبعد أن أشار إلى التحديات المهمة التي تواجهها الصهيونية من النواحي الأمنية والسياسية، وإلى "الدعاية الفلسطينية المكثفة" في الصحف السورية واللبنانية، أكد ضرورة الاستمرار في نشر المقالات، وحاجج ضد قرار شرتوك، وأورد العوامل والأسباب التالية لإقناعه بالعدول عن قراره:(36)
أولاً: إن المقالات تعالج موضوعات متنوعة ومهمة، ولم تحصر ذاتها في معالجة موضوع واحد فقط.
ثانياً: لا يمكن للقارئ أن يدرك أو يشك في أن هذه المقالات مشبوهة أو مدسوسة من جانب يهود، لأن قسماً منها نشر على شكل تقارير، كأنها من مراسلي الصحف في فلسطين، وقسم آخر تم توقيعه بأسماء عربية مستعارة. علاوة على ذلك، كانت المقالات واضحة وعميقة ومطلعة على قضايا العرب الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين، وكُتبت كأنها تحرص على مصالح العرب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ثالثاً: لو كان يصدر في لبنان وسورية ثلاث صحف، أو أربع فقط، لكان من الممكن الاكتفاء بمقالين في الأسبوع، واحد في بيروت وآخر في دمشق، لكن تصدر في كليهما 27 صحيفة يومية باللغة العربية، 18 في بيروت و9 في دمشق، وكل صحيفة لها قراؤها وجمهورها. وأضاف ساسون أن معظم هذه الصحف، إن لم يكن كلها، يكتب "يومياً مقالات سامة مناهضة للصهيونية تتناول مؤامراتنا وتطلعاتنا الاستعمارية في فلسطين والبلاد المجاورة." وفي هذه الحالة لن يكون هناك تأثير لمقالين اثنين.
رابعاً: لو كان الهدف من نشر المقالات التصدي للدعاية الأجنبية فقط، لتم الاكتفاء بمقالين، لكن "هدفنا لا ينحصر في معالجة موضوع واحد، وإنما في كثير من الموضوعات وجميعها جدي ومهم ومستعجل: (الإرهاب)، ودعم الدول العربية له؛ الدعاية الأجنبية؛ تدخل البلاد العربية في القضية الفلسطينية؛ التقسيم؛ التفاهم المتبادل؛ إبراز قوة الييشوف في فلسطين؛ الحرب ضد المفتي الحاج أمين الحسيني وأنصاره؛ قضايا البلاد المجاورة وتأثيرها في شؤون فلسطين؛ إلخ."
خامساً: لقد تغيرت الأوضاع كثيراً في الفترة الأخيرة، الأمر الذي يقتضي تكثيف نشر المقالات، فسورية باتت قاعدة للحركة الوطنية الفلسطينية، وتقوم بدور بالغ الأهمية في القضية الفلسطينية، كما أن الدعاية الأجنبية تكثفت في سورية ولبنان.
سادساً: إن نشر مقالين اثنين في الأسبوع، واحد في دمشق وآخر في بيروت، لن ينجح، فأي صحيفة سورية أو لبنانية، لن توافق على أن تنفرد في موقفها ضد "المتطرفين" و"القوميين" بنشر مقال واحد عندها. كما أن نشر مقالين في صحيفتين فقط، من شأنه أن يكشفهما ويثير الشكوك فيهما، وهذا ليس من مصلحة الوكالة اليهودية. وفي ختام رسالته طلب إلياهو ساسون من موشيه شرتوك رئيس الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية، إعادة النظر في قراره.(37)
وفي أعقاب رسالة ساسون إلى شرتوك، وبعد أخذ وردّ بينهما، تخلى شرتوك عن موقفه السابق والقاضي بنشر مقالين اثنين فقط في الأسبوع في الصحف اللبنانية والسورية. وفي إثر ذلك، قدم ساسون، في أواخر كانون الأول/ديسمبر 1937، برنامج عمل إلى موشيه شرتوك، أوضح في مقدمته أن تأثير هذه المقالات في النخب والرأي العام في سورية ولبنان لن يظهر على الفور، وإنما بعد سنة، أو على الأقل بعد نصف سنة، شرط أن تستمر عملية نشر المقالات بثبات وانتظام. ومن أجل تحقيق ذلك، اقترح ساسون، وبناء على تجربته ومعرفته بأصحاب ومحرري الصحف السورية واللبنانية وعلاقاته بهم، وآخذاً بعين الاعتبار مدى انتشار الصحف، نشرَ المقالات المدسوسة في سبع صحف، ثلاث سورية هي "فتى العرب" و"الإنشاء" و"الأيام"، وأربع لبنانية هي "صوت الأحرار" و"بيروت" و"لسان الحال" و"النهار".(38)  وأشار ساسون إلى أنه عند الحاجة، أو عند عدم القدرة على نشر المقالات في أي من الصحف المذكورة، فإنه سيستعمل صحفاً أُخرى. وأضاف أنه من الأفضل نشر مقالات في الصحف السورية أكثر من الصحف اللبنانية؛ غير أن الصحف السورية، وفقاً لمعرفته وتجربته، تدقق جداً في مضمون المقالات واتجاهها، كما أنها في بعض الأحيان ترفض نشرها حتى في مقابل ثمن مرتفع، وسبب ذلك في رأيه، يعود إلى اهتمام الصحف السورية بما أطلق عليه "البرستيجا"، وإلى علاقاتها بالقيادات الفلسطينية الموجودة في سورية ولبنان، وإلى الدعم المالي الذي كانت تحصل عليه من كل من الحكومة السورية والقيادة الفلسطينية وحكومات أجنبية. لكنه ذكر أن الصحف اللبنانية، ولا سيما الصحف المذكورة أعلاه، هي أكثر انتشاراً في فلسطين والبلاد العربية الأُخرى من الصحف السورية، وأضاف أن "بعض الصحف اللبنانية معني، لأسباب سياسية واقتصادية، بوقف الإرهاب في فلسطين، وبالحرب ضد الدعاية الأجنبية، وبتطور المشروع الصهيوني."(39)  ورأى ساسون، فيما يتعلق ببرنامج عمله، أن تكون وتيرة النشر مقالاً واحداً في الأسبوع في كل صحيفة من الصحف السبعة، أي 28 مقالاً في الشهر، فهذه الوتيرة، في نظره، ليست مرتفعة، وخصوصاً في ضوء "نشاطات المفتي الحاج أمين الحسيني والدعاية الأجنبية" في هذا المضمار، كما أنها تمكّن الوكالة اليهودية من معالجة مختلف الموضوعات، وتستجيب في الوقت نفسه، لمطالب الصحف المالية، وتبعد الشبهات عن صحيفة أو صحيفتين إذا ما انفردتا بنشر هذه المقالات. علاوة على ذلك، رأى ساسون، وبناء على تجربته السابقة، ضرورة رصد 60 جنيهاً فلسطينياً في الشهر لدفعها إلى الصحف المذكورة في مقابل نشر المقالات، وأنه يجب استغلال هذه المقالات وإعادة نشرها في الصحافة الإنكليزية والأوروبية، والإشارة إليها في "وكالة الشرق". ومن أجل نجاعة العمل وإغنائه ومناقشة موضوعات المقالات، اقترح ساسون عقد اجتماع أسبوعي لكبار المسؤولين في جهاز الاستخبارات التابع للوكالة اليهودية يشارك فيه، بالإضافة إلى ساسون نفسه، كل من إلياهو إبشتاين وأهارون حاييم كوهين.(40)
ويتضح من تقارير ساسون أنه واصل نشر المقالات المدسوسة في الصحف السورية واللبنانية، وأنه حاول زيادة عدد الصحف التي ينشر فيها هذه المقالات، ففي تقرير أرسله إلى موشيه شرتوك ذكر أنه نشر سبعة مقالات في الصحف اللبنانية والسورية، وقد أرفق التقرير بنسخ عن أعداد هذه الصحف. ويستدل من هذا التقرير أن ساسون نشر ثلاثة مقالات في صحيفة "الرابطة" في 14 و16 و19 تموز/يوليو 1938، ومقالين في 20 من الشهر نفسه، واحداً في "الحديث" وآخر في "الاتحاد"، كما نشر في اليوم التالي مقالين أحدهما في "الاتحاد" وثانيهما في "الرابطة". ونشر ساسون أغلبية هذه المقالات كمقالات رئيسية من جانب هيئات تحرير الصحف، وقد عالج معظمها المؤتمر البرلماني لنواب الدول العربية والإسلامية، والذي كان من المزمع عقده في القاهرة لمناصرة الشعب الفلسطيني.(41)
في 22 تموز/يوليو 1938، نشر ساسون مقالين مدسوسين في "الاتحاد" و"الحديث" الصادرتين في بيروت، وذكر في تقريره أن أحد هذين المقالين، والذي كان من نسج خياله، يتحدث عن عزم المسلحين الفلسطينيين إلقاء قنابل على المسجد الأقصى، ثم اتهام اليهود بأنهم هم من قاموا بذلك. أمّا المقال الثاني فيدعو إلى عدم مشاركة أعضاء البرلمان اللبناني في المؤتمر البرلماني لنواب الدول العربية والإسلامية المزمع عقده في القاهرة. واختتم ساسون تقريره بطلبه من المسؤول في الدائرة السياسية، نشر ملخص هذين المقالين في صحيفة "دافار" العبرية، كي يرى العالم "مؤامرة" المسلحين الفلسطينيين، ولإثبات أن لبنان يقف ضد المشاركة في المؤتمر البرلماني المزمع عقده في القاهرة.(42)
وفي سياق نشاط ساسون لكسب صحف جديدة، أشار في أحد تقاريره إلى أنه اجتمع في دمشق، في 29 آب/أغسطس 1938، ولثلاث ساعات، بتوفيق جانا صاحب صحيفة "الاستقلال العربي"، وذلك في بيت عميل الوكالة اليهودية، وبحضور عضو البرلمان السوري عن الطائفة اليهودية، يوسف لنيادو، وأن جانا وافق على الشروط التي كان ساسون اتفق بشأنها مع صاحب صحيفة "الحديث" الياس حرفوش، وصاحب صحيفة "الأحوال" سمعان سيف، وهي نشر مقالات لمصلحة الصهيونية في مقابل 12 جنيهاً فلسطينياً في الشهر، وأنه اتفق معه على أن يبدأ النشر في بداية أيلول/سبتمبر 1938.(43)  وفي 5 أيلول/سبتمبر من تلك السنة، اجتمع ساسون بنصوح بابيل صاحب صحيفة "الأيام"، وأحد رموز المعارضة في سورية آنذاك، ومع أن هذا الاجتماع لم يكن الأول بينهما، إذ إن ساسون اعتاد لقاء بابيل قبل هذا الاجتماع وبعده، لكن يمكن القول إن ما ميز هذا اللقاء هو أنه عمّق تعاون بابيل معه في عدة قضايا. فوفقاً لتقرير ساسون، جاء هذا الاجتماع بمبادرة من ساسون نفسه، وقد استمر ثلاث ساعات تحدث هذا الأخير في مستهله عن أن هناك ضرورة ملحة في أن تقوم الصحافة السورية بعمل مكثف من أجل تهدئة الأوضاع السورية الهائجة والمؤيدة لنضال الشعب العربي الفلسطيني، وذلك "خدمة للمصالح السورية ومصالح اليهود في فلسطين"، وأنه طلب من بابيل المساعدة في تهدئة الأوضاع في سورية.(44)  وبحسب تقرير ساسون، شكك بابيل في إمكان أن يصغي الصحافيين السوريين إلى الوكالة اليهودية، وذلك لأن المفتي الحاج أمين الحسيني يدفع المال إلى معظمهم. ويضيف ساسون أن بابيل بلّغه في هذا الاجتماع أنه "هو نفسه استلم من المفتي في الأشهر الثلاثة الماضية، ومن دون أن يطلب، وذلك على حد قوله، مبلغ مئة جنيه فلسطيني، كي يدفع إلى العاملين في الجريدة، العاطلين عن العمل، خلال إغلاق الجريدة في الأشهر الثلاثة الماضية." ويقول ساسون إن بابيل بلّغه أن لا فائدة من شراء صحيفة أو صحيفتين، وأن المنفعة لن تكتمل حتى إذا اشترت الوكالة اليهودية الصحف السورية كلها، ما دام "مكتب الدعاية والنشر" التابع لفخري البارودي، ناشطاً وفاعلاً. واستطرد بابيل قائلاً إنه لن يكون في الإمكان إسكات ذلك المكتب بواسطة المال، لأن الحاج أمين الحسيني يدفع إليه شهرياً كثيراً من المال، وإنه فقط بواسطة الضغط في باريس ولندن يمكن إسكاته ومعالجة هذا الوضع. وفي ختام الاجتماع وافق نصوح بابيل على أن تساهم صحيفة "الأيام" في تهدئة الوضع الهائج في سورية والمؤيد لنضال الشعب العربي الفلسطيني، وذلك في مقابل مبلغ مالي.(45)
وكثف ساسون، عشية عقد المؤتمر البرلماني لمناصرة الشعب الفلسطيني في القاهرة، نشاطه واتصالاته بالصحافيين، وبمحرري الصحف اللبنانية والسورية وأصحابها، وبجهات لبنانية وسورية عديدة، وذلك بهدف عرقلة المؤتمر، والعمل على أن يقاطعه أكبر عدد ممكن من أعضاء البرلمانين اللبناني والسوري. وفي تقريره إلى موشيه شرتوك، يذكر أنه خلال مكوثه أربعة أيام في بيروت، من أواخر أيلول/سبتمبر حتى بداية تشرين الأول/أكتوبر 1938، التقى كثيرين من الصحافيين ومحرري الصحف وأصحابها في بيروت ودمشق، وقد برز من تلك اللقاءات اجتماعه بالياس حرفوش صاحب صحيفة "الحديث" الذي اجتمع به ثلاث مرات، كما أنه التقى سمعان سيف محرر صحيفة "الأحوال" مرتين، وأسعد عقل محرر صحيفة "البيرق" مرة واحدة، وأنه سافر، في أثناء ذلك، إلى دمشق ثلاث مرات اجتمع خلالها بتوفيق جانا صاحب صحيفة "الاستقلال العربي"، وبشخصيات سورية أُخرى.(46)  وبحث ساسون مع جميع مَن التقاهم في كيفية عرقلة مشاركة أعضاء البرلمانين اللبناني والسوري في المؤتمر البرلماني، واتفق مع كثيرين من أصحاب ومحرري الصحف على أن تقوم صحفهم بنشر مقالات باسم هيئات التحرير تدعو إلى عدم مشاركة أعضاء هذين البرلمانين في ذلك المؤتمر. ويضيف ساسون في تقريره أنه خلال الأيام الأربعة المذكورة أعلاه، ونتيجة جهوده، نشر ثمانية مقالات في صحف بيروت: "الأحوال" و"الاتحاد" و"لسان الحال" و"صوت الأحرار"، ضد مشاركة أعضاء البرلمان اللبناني في المؤتمر البرلماني المزمع عقده في القاهرة في تشرين الأول/أكتوبر 1938. وقد شددت المقالات على أن كل من يشارك في المؤتمر البرلماني يذهب إليه باسمه الشخصي، وأن لا حق له في التحدث باسم لبنان، ولا التزام أي أمر كان باسم لبنان أيضاً، كما طالبت صحيفة "صوت الأحرار"، في مقال رئيسي طويل، المؤتمر البرلماني باتخاذ قرار بضرورة وقف "أعمال الشغب" في فلسطين، وبإجراء مفاوضات بين الأطراف من أجل التوصل إلى حل مقبول للقضية الفلسطينية.(47)  ويضيف ساسون في تقريره أن "الياس حرفوش وعد بأن يقوم اليوم بزيارة كل من إميل إده رئيس الجمهورية اللبنانية، و(كيبر) مدير القسم السياسي في الممثلية [الفرنسية] العليا، لحثهما على الإشارة إلى أعضاء البرلمان الذين يعتزمون المشاركة في المؤتمر، بالانسحاب وعدم الذهاب، وذلك من أجل الحفاظ على حيادية لبنان، وعدم إثارة سخط الإنكليز واليهود." ويشير ساسون، في تقريره، إلى أن الياس حرفوش التزم أن ينشر خلال اليومين المقبلين مقالين شديدي اللهجة ضد المؤتمر وأهدافه عامة، وضد أعضاء البرلمان اللبناني الذين يعتزمون المشاركة في المؤتمر خاصة، وسيقول إنهم حصلوا على دعم مالي من نبيه العظمة للمشاركة فيه من أجل إظهار تضامن لبنان مع الثوار الفلسطينيين.(48)  علاوة على ذلك، يذكر ساسون أنه تمكن من تجنيد العديد من الشخصيات اللبنانية والسورية للتأثير مباشرة في أعضاء البرلمان بعدم المشاركة في المؤتمر البرلماني، فقد تمكن بمساعدة خير الدين الأحدب، رئيس وزراء لبنان السابق، من التأثير في موسى نمور، الذي كان سيرئس الوفد البرلماني اللبناني، بالامتناع من المشاركة في المؤتمر، كما تمكن بمساعدة الياس حرفوش من التاثير في عضوي البرلمان فريد الخازن وأيوب كنعان بالانسحاب من المشاركة فيه.(49)
ولم تكن المبادرة إلى نشر مقالات مدسوسة مؤيدة للصهيونية في الصحافة اللبنانية والسورية تأتي دوماً من جانب الوكالة اليهودية، وإنما جاءت في العديد من الحالات، من أشخاص من هذين البلدين. ففي رسالة بعثها ساسون إلى موشيه شرتوك يتضح أن الصحافي م. ن. بادر إلى الاتصال بالوكالة اليهودية بغرض نشر مقالات مؤيدة للصهيونية في الصحف السورية واللبنانية، وقد ذكر ساسون في هذه الرسالة: "اجتمعت اليوم وفقاً لتعليماتك بـ م. ن. وتحدثت معه عن اقتراحه نشر مقالات في صحف بيروت ودمشق." وقدم م. ن. في هذا الاجتماع، بعد تلقيه توضيحات وتوجيهات من ساسون، اقتراحاً إلى الدائرة السياسية للوكالة اليهودية بأن ينشر كل ثلاثة أشهر، 75 مقالاً مؤيداً للصهيونية، وذلك في أربع صحف، ثلاث منها في بيروت وهي "النهار" و"الأحوال" و"الحديث"، وواحدة في دمشق هي "الاستقلال". وطلب م. ن. في اقتراحه أن يتقاضى جنيهين فلسطينيين في مقابل كتابة كل مقال ونشره، وكذلك الحصول على مبلغ 12 جنيهاً فلسطينياً مع انقضاء دورة كل ثلاثة أشهر. وتضمن اقتراحه أيضاً نشر هذه المقالات باسم هيئات تحرير الصحف المذكورة، أو باسم صحافيين معروفين، وأن تعالج موضوعات سياسية واقتصادية واجتماعية، تحددها له أسبوعياً الدائرة السياسية للوكالة اليهودية.(50)  ويضيف ساسون أنه وعد م. ن. بأن يعطيه جواباً من شرتوك في خلال أيام قليلة، وقبل أن يغادر م. ن. القدس. ويظهر من التقارير الأُخرى(51)  أن م. ن. باشر العمل وفق الصيغة التي اتفق بشأنها مع ساسون، لكن بوتيرة نشر أقل.
شراء الصحف
يكشف ساسون في تقرير له أن "القسم العربي" في الدائرة السياسية للوكالة اليهودية اشترى لفترة قصيرة صحفاً عربية في سنة 1938، إذ يذكر أنه "علاوة على عملية نشر مقالات في الصحف العربية، قام القسم العربي بعملية أُخرى، تفوق في أهميتها نشر المقالات، وهي شراء صحف عربية في سورية ولبنان. لقد نجحنا في صيف سنة 1938 في شراء ما يتراوح بين ثلاث وخمس صحف في بيروت، واثنتين في دمشق، وكان في إمكاننا شراء عدد آخر من الصحف، لكن لم يكن لدينا الميزانية المطلوبة لذلك، كما أننا اضطررنا، وللسبب نفسه، إلى وقف العلاقة، بعد وقت قصير، بالصحف التي كنا اشتريناها."(52)  ويستعرض ساسون مهمة الصحف التي اشترتها الوكالة اليهودية، فيقول في تقريره: "كانت وظيفة الصحف التي اشتريناها نشر المقالات والأخبار التي زودناها بها، والامتناع من نشر مواد الطرف الآخر المعادية للصهيونية ومواد الدعاية الأجنبية، والتقريب بين وجهات النظر العربية واليهودية، وإدانة الإرهاب العربي في فلسطين، واتخاذ موقف مؤيد لليهود في كل ظاهرة سياسية. وقد أيدت هذه الصحف حرب اليهود ضد الكتاب الأبيض، وهاجمت في الأساس قانون الأراضي."(53)  ولاحظ ساسون في تقريره أن المقالات المدسوسة والصحف التي اشترتها الوكالة اليهودية في تلك المرحلة المهمة من التاريخ الفلسطيني، أدت دوراً مهماً في التأثير في الساحة الفلسطينية، إذ يقول في تقريره: "من المهم الإشارة إلى أن المقالات ضد الإرهاب العربي، وضد المؤامرات والتطلعات الفردية للمفتي ورجاله، والتي نشرت في الصحف التي اشتريناها، وفي الصحف الأُخرى، أعطت حزب النشاشيبي، وبصورة غير مباشرة، دفعة للخروج في حرب مكشوفة ضد اللجنة العربية العليا وقيادة الإرهاب."(54)
علاوة على شراء الصحف والمقالات المدسوسة، أصدر "القسم العربي" في الدائرة السياسية للوكالة اليهودية، منذ بداية سنة 1938، نشرة "أخبار يهودية" كانت تصدر خمس مرات في الأسبوع، وكان يطبع منها 300 عدد ترسل إلى الصحف المهمة والوزارات والقيادات السياسية في سورية ولبنان والبلاد العربية الأُخرى.(55)  كما أصدر "القسم العربي" في الدائرة السياسية للوكالة اليهودية كتيّبين في بيروت في صيف سنة 1938، وبأسماء عربية مستعارة، تناولا "البَرَكة الاقتصادية" التي جلبها اليهود إلى فلسطين، وكذلك المقاطعة العربية للمنتوجات اليهودية في فلسطين. ونشر "القسم العربي"، عدة مرات في هذه الفترة أيضاً، وباللغة العربية وتحت أسماء عربية مستعارة، آلاف المناشير "ضد الإرهاب العربي في فلسطين"، وقد جرى توزيعها مرات عديدة في سورية ولبنان وعواصم عربية أُخرى.(56)
الخلاصة
عالجت هذه الدراسة موضوعاً مهماً لم يتم التطرق إليه من قبل، كما تناولت موضوعات المقالات المدسوسة التي سعت لتحقيق الأهداف السياسية للحركة الصهيونية في إبان الثورة الفلسطينية الكبرى. إن نجاح ناشطي جهاز الدائرة السياسية للوكالة اليهودية في اختراق الصحافة اللبنانية والسورية، في تلك الفترة، وبهذه السهولة، وشراءهم خمس صحف منها، ونشرهم ما لا يقل عن 280 مقالاً مدسوساً(57)  في الصحف اللبنانية والسورية الأكثر انتشاراً، لم تكن نتيجة تمتعهم بمهارات خارقة، أو امتلاكهم أموالاً طائلة، وإنما كان سببها ضعف المجتمع العربي، وهشاشة نخبه وفساد بعضها، واحتدام الصراعات بينها على أسس عشائرية وطائفية وجهوية. ومن اللافت للانتباه أن أولئك الذين مكنوا الوكالة اليهودية من اختراق الصحافة اللبنانية والسورية، بهذه السهولة، هم أنفسهم الذين كانوا يتحدثون، وباحتجاج، عن نفوذ وسطوة اليهود والصهيونية على الصحافة في الدول الغربية.<


(*)   دائرة العلوم السياسية – جامعة القدس.
المصادر
(1)   Col. F. H. Kisch, Letter to the Chairman of the Political Commission, XVIIth Zionist Congress to the Chairman of the Political Commission, 2nd Assembly of the Council of the Jewish Agency for Palestine, accompanied by a report on the work of the Joint Bureau for Arab Relations, 1931, p. 28.
(2)   "تقرير حاييم كالفارسكي بتاريخ 12/1/1930"، ملف 3562/25S، "الأرشيف الصهيوني المركزي".
(3)   المصدر نفسه. (4)              المصدر نفسه.
(5)   Kisch, op. cit.
(6)   إلياكيم روبنشتاين "هطيبول بشئيلاه هاعرفيت بشنوت هعسريم فهشلوشيم: هيبطيم موسدييم" ("معالجة المسألة العربية في العشرينيات والثلاثينيات: نظرة مؤسساتية")، "هتسيونوت"، الجزء الثاني عشر، 1987.
(7)   المصدر نفسه.
(8)   أدى رؤوفين شيلواح دوراً مهماً في تأسيس وبلورة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وقد ترأس جهاز الموساد بعيد إقامة إسرائيل. للمزيد، أنظر: حغاي إيشد، "موساد شل إيش أحاد: رؤوفين شيلواح أفي هموديعين هيسرائيلي" ("الموساد لرجل واحد: رؤوفين شيلواح أبو الاستخبارات الإسرائيلية") (القدس: عيدنيم، 1988).
(9)   إلياهو إيلات، "شيبات – تسيون فعراف" ("عودة صهيون والعرب") (تل أبيب: دفير، 1974)، ص 11.
(10) عبد الحفيظ محارب، "هاغاناه، إتسل، ليحي، العلاقات بين التنظيمات الصهيونية المسلحة 1987 – 1948" (بيروت: مركز الأبحاث الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، 1981)، ص 40.
(11) روبنشتاين، مصدر سبق ذكره. ولد إلياهو ساسون في دمشق في سنة 1902، وهاجر في سنة 1920 إلى فلسطين، وكان يكتب ويتحدث العربية بطلاقة.
(12) يوآب غيلبر، "شورشي هاحفتسيليت: هموديعين بييشوف، 1918 – 1948" ("جذور الزنبقة: الاستخبارات في الييشوف، 1918 – 1948") (تل أبيب: وزارة الدفاع، 1992)، ص 128.
(13) روبنشتاين، مصدر سبق ذكره.
(14) المصدر نفسه.
(15) رسالة فيلنسكي إلى إبشتاين بتاريخ 15/12/1934، ملف 3135/25S، "الأرشيف الصهيوني المركزي".
(16) رسالة فيلنسكي إلى موشيه شرتوك بتاريخ 9/12/1934، ملف 3135/25S، "الأرشيف الصهيوني المركزي".
(17) روبنشتاين، مصدر سبق ذكره.
(18) إلياهو ساسون، "بديرخ إيل هاشلوم" ("الطريق إلى السلام") (تل أبيب: عام عوفيد، 1978)، ص 48. ويخفي هذا الكتاب كثيراً من تقارير إلياهو ساسون ورسائله، كما حُذفت من التقارير المنشورة في هذا الكتاب، اتصالات إلياهو ساسون وعلاقاته بـ "زبائنه" ذوي الصلة الاستخباراتية.
(19) رسالة إلياهو إبشتاين إلى وديع تلحوق بتاريخ 24/1/1937، ملف 22229/25S، "الأرشيف الصهيوني المركزي" (بالعربية).
(20) ساسون، مصدر سبق ذكره، ص 78.
(21) المصدر نفسه، ص 80.
(22) المصدر نفسه، ص 80 – 81.
(23) المصدر نفسه، ص 82.
(24) نسخة هذا العدد عن صحيفة "الدستور"، والتي تحتوي المقال المدسوس المذكور، موجودة في ملف 22210/25S، "الأرشيف الصهيوني المركزي".
(25) ساسون، مصدر سبق ذكره، ص 85.
(26) المصدر نفسه.
(27) تقرير إلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، من بيروت، بتاريخ 14/12/1937، ملف 22179/25S، "الأرشيف الصهيوني المركزي".
(28) المصدر نفسه.
(29) تقرير إلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، من بيروت، بتاريخ 15/12/1937، ملف 22179/25S، "الأرشيف الصهيوني المركزي".
(30) المصدر نفسه.
(31) تقرير إلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، من بيروت، بتاريخ 16/12/1937، ملف 22179/25S، "الأرشيف الصهيوني المركزي".
(32) المصدر نفسه.
(33) رسالة إلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، من القدس، بتاريخ 22/12/1937، ملف 22179/25S، "الأرشيف الصهيوني المركزي".
(34) المصدر نفسه.
(35) المصدر نفسه.
(36) المصدر نفسه.
(37) المصدر نفسه.
(38) رسالة إلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، من القدس، بتاريخ 29/12/1937، ملف 22179/25S، "الأرشيف الصهيوني المركزي".
(39) المصدر نفسه.
(40) المصدر نفسه.
(41) تقرير إلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، من بيروت، بتاريخ 21/7/1938، ملف 4550/25S، "الأرشيف الصهيوني المركزي".
(42) تقرير إلياهو ساسون بتاريخ 22/7/1938، ملف 4550/25S، "الأرشيف الصهيوني المركزي".
(43) تقرير إلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، من بيروت، بتاريخ 30/8/1938، ملف 4550/25S، "الأرشيف الصهيوني المركزي".
(44) تقرير إلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، من القدس، بتاريخ 7/9/1938، ملف 5568/25S، "الأرشيف الصهيوني المركزي".
(45) المصدر نفسه.
(46) تقرير إلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، من بيروت، بتاريخ 2/10/1938، ملف 22211/25S، "الأرشيف الصهيوني المركزي".
(47) المصدر نفسه.
(48) المصدر نفسه.
(49) المصدر نفسه.
(50) رسالة إلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، من القدس، بتاريخ 13/5/1938، ملف 5568/25S، "الأرشيف الصهيوني المركزي".
(51) رسالة من دافيد لوزيه (من قادة الطائفة اليهودية في دمشق، وعميل جهاز الاستخبارات في الدائرة السياسية للوكالة اليهودية) إلى إلياهو ساسون، من دمشق، بتاريخ 6/12/1938، ملف 22835/25S، "الأرشيف الصهيوني المركزي".
(52) تقرير إلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، من القدس، بتاريخ 19/7/1938، ملف 22210/25S، "الأرشيف الصهيوني المركزي".
(53) المصدر نفسه.
(54) المصدر نفسه.
(55) المصدر نفسه.
(56) المصدر نفسه.
(57) المصدر نفسه.