السبت، 8 نوفمبر 2014

ملاحظات حول قانون حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي


انتهى البرلمان خلال هذه الايام من المناقشة الاولى لمسودة قانون حرية الراي و التعيير والتظاهر السلمي وينتظر المشروع المناقشة الثانية والثالثة ليحصل بعدها على صفة قانون، نخضع له جميعا. ان مشكلة تشريع القوانين في العراق تعاني الكثير من السلبيات وتقف في صدارة تلك السلبيات، اخضاع تلك القوانين للثقافة الطائفية والمذهبية والعرقية ان لم يكن القبلية ايضا والامر الثاني وهو وعلى الرغم من ان البرلمان يسمى" البرلمان الاتحادي" الا ان تلك القوانين ليس لها اي اليات للتطبيق على اقليم كردستان ايضا، وبسبب ذلك يساهم هذا الامر باضعاف المناقشة لمحتوى تلك القوانين من جهة وبالتالي معارضتها من جهة اخرى.
لم يحظى حق التمتع بحرية الرأي والتعبير في العراق اي كفاله او صيانة قانونية او سياسية من قبل الحكومات المتعاقبة على العراق بشكل عام، وهو امر خلف تربة سيئه،  لتشمل ايضا الاحزاب السياسية والنقابات والجمعيات وغيرها من المؤسسات، ورغم الحديث عنه والشعارات التي تطلق هنا وهناك والتغني به الا انه كان حبل الاعدام الذي يلتف على رقبة البشر في عموم العراق ، ولم تتخلص " القوى التي عارضت وانتقدت" النظام الاستبداي السابق من ذات العقدة ، عقد الخطاب وترديد الاغاني، من خلال ما شرعته حتى الان في الكثير من القوانين التي تخص الحياة اليومية السيايسة والاقتصادية والاجتماعية والحقوق الاساسية للسكان. لقد جرى تشريع قوانين عديدة منها قانون حقوق الصحفيين، قانون تشكيل الجمعيات المدنية وغيرها العديد، تلك القوانين التي افرغت الحقوق من محتواها ،وابقتها مجرد كلمات تردد مثقلة باجراءات عقابية كثيره بالاضافة الى ما ينص عليه قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل .
لقد نصت مواد كثيرة من الدستور العراقي على صيانة الحريات ومنها المادة 2/ اولا – ب / لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية " والمفهوم هنا من الديمقراطية هي بالاضافة للانتخابات والاحتكام لصندوق الاقتراع فهي احترام حقوق الانسان ودولة المؤسسات التي تقوم على المواطنة". و ج منها / لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور. وكذلك ما نصت عليه المادة 38 من الباب الثاني - الفصل الثاني " الحريات " وغيرها من المواد الواردة في الباب الثاني - الفصل الاول – الحقوق والحريات وكذلك الفصل الثاني من ذات الباب والخاص بالحريات " والذي حول بفضل هذه القوانين الى باب "الحوريات" .
لقد كان العراق من الدول التي ساهمت في مناقشات الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948 ومن الدول الموقعة على اعلانة انذاك وبحكم توقيع العراق وانضمامه ايضا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدينة والسياسية والاخر الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من المواثيق والعهود الدولية الخاصة بحقوق الانسان والقانون الدولي وبشكل خاص ميثاق الامم المتحدة فهذا يحتم على المشرع العراقي حين التشريع ان يخضع القوانين الوطنية للاتفاقات التي التزم بها العراق دوليا، وبالاعتماد على ما نصت علية القوانين الدولية التي سبقت تشريع الدستور العراقي لعام 2005 ،والدستور العراقي،  فان مسودة قانون حرية الراي والتعبير والتظاهر السلمي تتعارض في الكثير من موادها مع تلك المواثيق والاعلانات الدولية ومع الدستور العراقي ايضا ومع الاوضاع التي كانت سببا اساسيا في انتشار المقابر الجماعية والحروب والقتل العشوائي والاغتيالات والاختطافات والتغييب القسري الذي انتشر في العراق منذ عقود طويلة ولازال.. تلك الافعال الشنيعة التي الغت بشكل مؤسف اي قيمة للانسان العراقي.
وهنا لنا تساؤل للمشرع العراقي اليس النظام والاداب العامة من جرى على اساسها قمع واعدام الالاف من البشر واغرقت البلاد بالمقابر الجماعية؟؟ والتغييب والتهجير ؟؟ وهي التي على اساسها علقت رؤوس النساء على ابواب البيوت؟ وهي التي على اساسها جرى شن الحروب التي شوهت اعز ما يملكه الانسان الا وهو العقل!!
اليس اسس وقواعد النظام والاداب العامة هي التي حكمت وتحكم بها المليشيات وغيرها من الجماعات الارهابية؟ في تغييب البشر والذبح وسبي النساء وجهاد النكاح واعادة البشر لمراحل العبودية والرق؟؟ 
فاما ان تتمسكوا بهذه الاسسس من الاداب العامة والنظام !!! وعليه تعلنون البيعة للخليفة !!! واما تعلنوا القطيعة معها وتفويض امر البشر والفصل فيما بينهم للقضاء فقط ، والالتزام بالنص الدستوري الذي ورد في المادة (14): العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي. وعلى اسا هذا النص كل من يتجاوز على حريات الاخرين وعلى العقد الاجتماعي يتولى امره القضاء، اي لا يخضع لحكم هذا المفتي وذاك الشقاوة.
لقد نصت المادة 20 الباب الثاني الفصل الاول من الدستور العراقي على التالي" المادة (20): للمواطنين رجالاً ونساءً، حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح." ان هذا الحق، حق المشاركة في الشؤون العامة" لا يمكن بلوغة دون حق حرية الراي والتعبير،وصيانته قانونيا ، ودون اي قيود او رتوش او معوقات.ويترابط هذا الحق ذاته بحق الحصول على المعلومات والتي كفلها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 19 منه ثانيا ونصها" المادة 19: 2- لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
ان النوايا خلف تشريع القوانين تختلف من دولة لاخرى...فمنها من يريد ان يحافظ على امن الشعب ويقدم الخدمة الجيدة له ولهذا تاتي القوانين هنا لحماية الفعل اولا و الصالح العام ثانيا، وهناك حكومات تريد من القوانين حماية نفسها!! وهذا ما تقع فيه حكومات المنطقة، وابرز مقياس لهذه القوانين هو القمع الذي تحمله وحجم العقوبات والتهديدات فيها. ان مثال سريع على حق التظاهر في العديد من البلدان مضمون دستوريا ويقوم من يريد القيام بمظاهرة حزبا كان او جمعية او منظمة او نقابة او شخص او ايا كان... بتقديم معلومات للشرطة عن تاريخ المظاهرة وسببها والعدد التقريبي للحضور وهل سترفع لافتات ام لا ، هل هي متحركة ام ثابته وهل سيتخدم بها شموع او كهرباء او غيرها ، وان كانت متحركة ماهو الطريق الذي تتحرك فية ... وتمنح الترخيص بعد 24 ساعه من ذلك والاجراءات تاتي اولا للعمل على تسهيل حركة سير المركبات وغيرها في الطرق العامة اولا ولحماية المصالح العامة الاخرى ثانيا ولأمن المتظاهرين ثالثا، فيما في العراق فالقانون ياتي ليس لصالح الناس وانما لحماية الحكومة وامنها فقط لهذا تنص المادة على التقدم بطلب قبل يوم التظاهر بخمسة ايام وتعيين لجنة للمظاهرة، واللجنة تتحمل كامل المسؤولية عن ما يحصل ... الخ، في الوقت الذي تكون مهمة الشخص الذي يطلب باسمه الترخيص هي عملية تنسيق بين المتظاهرين والشرطة ، اي ابلاغ الشرطة مثلا بحالة توقف المظاهرة او حصول امر ما للفت الانتباة وهكذا من قبلها الشرطة تبلغه باجراءاتها ليبلغ هو الاخرين. مع احتفاظ الشرطة بحقها بفض اي تظاهرة ان كانت تشكل خطر على الحياة العامة المحيطة .... وهنا نتحدث عن جهاز شرطة له شيء من الاستقلالية وليس مربوطا بهذا الحزب او ذاك او هذه المليشيا او تلك.
ان تفاصيل مواد مسودة القانون الاخرى حقيقة تتخالف نصا وروحا مع المواثيق والعهود الدولية التي وقعها العراق قبل كل شي ، والاهم من تلك العقود ومن الدستور فهي تتعارض مع واقعنا الذي عشناه في ظل جميع الحكومات ذلك الواقع المشبع بالقمع والاختزال للانسان والذي انتج اشباه بشر ومقابر جماعية وقتل يومي وفساد لا يعرف له العالم مثيلا ولا العراق على امتداد تاريخة ، ان التشريعات التي تغيب روح وقيمة الانسان ساهمت وتساهم بتغذية جميع انواع التغييب والارهاب والقمع التي تحصل في المجتمع.. لهذا على جميع جمعيات المجتمع المدني والقوى الحية في العراق وممثل الامين العام للامم المتحدة بذل الجهود والضغط من اجل ايقاف هذا القانون ومحاولة تقديم المساعدات القانونية والخبرة كذلك من اجل تشريعات تخرج البلد من دائرة الظلام والدمار التي يعيشها الشعب العراقي.
ك. الربيعي
25-10-2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق