الثلاثاء، 8 أكتوبر 2013

معايشة ميدانية لواقع عمالة الأطفال في مدينة أربيل ... !! شه مال عادل سليم


اطفال بعمر الزهور , يرتدون ملابس مهترئه و رثّة , اجسادهم نحيفة و وجوههم شاحبة وعيونهم مليئة بالألام والحسرات , انهم ينتشرون في شوارع وطرقات مدن اقليم كردستان  لبيع العلكة او المحارم او السكاير ـ الدخان ـ او مواد بسيطة وصغيرة بحجم اياديهم الناعمة والمتشققة من جور وقسوة الحياة او من تنظيف زجاج سيارات او مسح احذية على الارصفة ....وغيرها من الاعمال التي تشكل لهم مصدراً للدخل بعد صراع مرير ويومي على ارصفة الطرق وفي الشوارع او عند الاشارات المرورية لتكون الحصيلة اخر النهار بضعة الاف من الدنانير ....لا تسدّ الاّ جزءاً بسيطاً من احتياجات ومتطلبات عوائلهم الكثيرة ...

ان اطفالنا في العراق اليوم يعيشون البؤس والفاقة والحرمان ...وان نسبة كبيرة منهم قد تسربت من مقاعد الدراسة الى الشوارع لتعمل باي عمل حتى( التسول) وللأسف من اجل اعانة اهلهم وذويهم من اجل سد رمق الحياة في ظل دولة نفطية غنية كبلدهم ـ العراق ...!!


  ) أحاديث على قارعة الطريق ( :

قررت ان اعيش تجربة (سامان  بروفيشنال او سامان الصباغ  ) البالغ من العمر 11 عامأ, فانطلقت صباح يوم الاثنين المصادف( 14 ـ 8 ـ 2013 ) إلى المقهى ( مجكو ) بالقرب من الباب الرئيسي لقلعة أربيل التاريخية وجربت ان اعيش يوم من حياة صباغ الاحذية  تحت لهيب  الشمس الحارق......وعلى الرصيف الذي يضم اكثر من صباغ للاخذية ....

حملت مع ( سامان  وشقيه كارزان ) الصباغ صندوقهم المرصع بالنجوم وعلى جوانبه فرشات متنوعة الأحجام والألوان ... ومضينا  إلى مساحةٍ اعتادوا الجلوس فيها كل يوم وهم ينتظرون  أن تأتي من بعيد أصوات الأحذية تحمل معها قوت يومهم، هكذا يقضي  ( سامان وكارزان ) يومهم مع  رفاقهم وصناديقهم الخشبية وهم يتنافسون من اجل  كسب لقمة عيشهم الحلال .

يحدق (سامان)  الصباغ المعروف بـ( سامان بروفيشنال ) ،  بأحذية المتواجدين والمارة أمام (مقهى مجكو) في جو لايمكن وصفه من حيث شدة الحرارة وسخونة الأرض ويبادرهم بابتسامة طفولية بريئة وهو يقول: (  مامۆستا پێڵاوەکانت بۆیاغ کەم ) ...اي " أتريد أن أصبغَ حذاءك سيدي "   ؟


                                      (  سامان وكارزان اثناء العمل بالقرب من مقهى مجكو )

(جلست معهم  في انتظار الزبائن)  ....  !!

هكذا بدأ حديثه معي صديقي صباغ الأحذية ( سامان بروفيشنال ) الذي يصر على أن الظروف كانت وراء اختيار مهنته حيث قال: لقد توفي والدي وأنا صغير فوجدت نفسي ابحث عن عمل لتوفير لقمة العيش، حيث كان احد أصدقائي يعمل صباغ أحذية فأخذت أتعلم منه ثم صنعت صندوقي الخاص واشتريت أدوات الصبغ من الفرش الانكليزية المصنوعة من شعر ذيل الحصان والأصباغ الايطالية وقطع القماش لتلميع الاحذية والملمعات الاصلية ومنذ ذلك الوقت وأنا أمارس هذه المهنة مع شقيقي الاصغر( كارزان ) لأنها لا تحتاج الى شهادة ولا واسطة ......!!

 بينما قال شقيقه ( كارزان البالغ من العمر 9 عامأ  ) والذي اسودت اصابع يده الصغيرة  من صبغ الأحذية: اعمل مع شقيقي( سامان ) في هذه المهنة  منذ فترة ليست طويلة , وقد اصبحت معروفأ ولدي زبائن دائميين ... لان الكل يعرف بان الاصباغ والفرش التي استعملها هي اصلية وليس مغشوشة ..  ان هذه المهنة متعبة وشاقة، لكنها والحمد لله، تسد احتياجاتنا .....!!

 ان معظم صباغي الأحذية في اربيل ومدن اقليم كردستان الاخرى من الأطفال ، وهم يبدون غير مقتنعين بمهنتهم بسبب مخاطر الشارع  والنظرة الاجتماعية السلبية لهذه المهنة، لكنهم رغم ذلك مستمرون بممارستها تحت ضغط الحاجة.......وان الاغلبية منهم تركوا دراستهم واضطروا للعمل من اجل توفير المال واعالة عوائلهم ...

ان حال هولاء الاطفال لا يختلف عن غيرهم ممن اضطروا للعمل في هذه المهنة، فهناك في أسواق اربيل الشعبية الكثير ممن دفعتهم صعوبة توفير لقمة العيش الى الانخراط بهذه المهنة الشاقة ..... , بالاضافة الى الناحية الاخطر، وهي انحرافهم عن حياة اسرية سليمة بالمعنى العلمي والاجتماعي والصحي لمفهوم الاسرة ....

 

(على حكومة الاقليم ان تلتفت إلى معاناة هذه الشريحة المهمة في المجتمع الكردستاني) :

نعم ... يجب أن تحاط  هذه الشريحة بجميع أشكال الرعاية وبكافة الحقوق الإنسانية من حق التعليم والصحة الجسدية والنفسية، بعد ان  هجروا مقاعد الدراسة قسرأ  وتعرضوا إلى أنواع عديدة من نكران الحقوق والاحساس بالتشرد والضياع والاهانة والشعور بالنقص ، واضطروا إلى القيام بأعمال شاقة لتوفير لقمة عيش مغموسة بالألم لأنفسهم ولأهلهم ولمجتمعهم .

اخيرأ لم يبقى لي الا ان اسأل كل من يهمه امر هؤلاء الاطفال ـ شباب الغد ـ واقول :
الم يحن الوقت ان نقف بثبات ونقول كفى لسرقة طفولة اطفالنا وبيعهم بابخس الاثمان ؟
الم يحن الوقت لنقول نعم للبناء ..ولكن بناء البشر قبل الحجر؟
الم يحن الوقت لنعمل من اجل سعادة ورفاهية اطفالنا اليوم ـ شباب الغد ؟
نعم ان اعادة تاهيل اطفالنا هي التحدي الاكبر امام الحكومة العراقية والكردستانية وتحديدا في مسألة التنمية والتطور والتقدم لبناء عراق حر, ديمقراطي ومزدهر ...
ان اطفال العراق يتعرضون الى كارثة مروعة غير مسبوقة في تاريخ العراق الحديث  ... وان تحسين تلك الظروف وضمان مستوى معيشي لائق للاطفال وعوائلهم هو مسؤوليتنا المشتركة !! فعلينا تامين الظروف المناسبة والصحية لضمان عيش ملائم لأطفالنا ينعكس ايجابا على حياتهم وحيوات عوائلهم العامة ، الذي لاينعكس الاّ ايجابا حتماً على حياة مجتمعنا ككل ...في وقت ينشغل الكل باعطاء وعود بمستقبل زاهر للعراق والعراقيين و بالاهتمام ببرامج ورعاية الامومة والطفولة والايتام في عراقنا الجديد ......!!

نعم اعطاء وعود بمستقبل زاهر للعراق والعراقيين .....ولكن بلا تطبيق ؟!!

فأين واجبات الحكومة تجاه  رعاية الاطفال والطفولة  ...؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

أكدت منظمة أطفال الحرب "ورتشايلد" المعنية بالدفاع عن حقوق الأطفال حول العالم في تقريرها أن العراق أصبح واحدا من أسوأ الأماكن للأطفال في الشرق الأوسط .. مشيرا إلى أنه ثاني أكبر دولة في المنطقة من حيث صغر أعمار السكان، حيث يشكل الأطفال والشباب56% من سكان البلاد البالغ عددهم 33 مليون شخص, وأضاف التقرير أن هناك تراجعا في المستويات التعليمية للأطفال بالاضافة الى أنه لا توجد رعاية كافية للأجيال الأصغر سنا .

 

 

اربيل





 

 

 

.

 




 

.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق