الخميس، 27 يونيو 2013

من أشتم؟

                                                                   زكي رضا

الشتم في اللغة العربية يعني السب، وجاء في لسان العرب لابن منظور في شرح الشتم انه: شتم: الشتم: قبيح الكلام وليس فيه قذف. والشتم: السب، شتمه يشتمه ويشتمه شتما، فهو مشتوم، والأنثى مشتومة وشتيم، بغير هاء، عن اللحياني: سبه، وهي المشتمة والشتيمة.

وفي التاريخ الاسلامي امثلة عديدة وكثيرة عن الشتيمة لا اجد هنا مبررا لسوق العديد منها مكتفيا باثنتين نقلتا عن النبي محمد "ص" والامام علي "ع"، فقد نقل لنا الرواة حديثا عن النبي محمد "ص" يقول فيه (اذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية فاعضوه بهنّ ابيه ولا تكنوا) (واعضوه اي اشتموه اي قولوا له اعضض هنّ ابيك أي ذكره ولا تكنوا أي صرحوا) ويعتبر هذا الحديث على درجة عالية من الصحة لوروده في ثلاثة مؤلفات معتبرة عند اهل السنّة وهي، مسند احمد وصحيح البخاري وكبير الطبراني كما ورد في جمع الجوامع او الجامع الكبير للسيوطي في جزئه الاول. اما الامام علي "ع" فانه قال لاتباعه في حرب صفين "اني اكره أن تكونوا سبّابين" وهذا يدل على وجود فعل السب عند اصحابه ومن كان معه في تلك المعركة والا لما اورد حديثه هذا.

وفي مقالتي هذه اعني بالشتيمة شتيمة السلطة ورجالاتها تحديدا وليس الاشخاص الذين نختلف معهم لاسباب قد تنتفي اسسها بعد فترة من الزمن، وقد شتمت كما الملايين غيري من العراقيين سلطة البعث وزعيمها الارعن صدام حسين، واذكر يوما شتويا باردا وممطرا على قناة الجيش ببغداد نهاية سبعينات القرن الماضي كنت فيه انتظر مع العشرات من الاشخاص حافلة نقل الركاب لمدة تزيد على الساعة دون جدوى، لان السيارات والمدرعات وناقلات الجند كانت قد قطعت الطريق على اية مركبة مدنية. وعلى الرغم من حالة الغليان التي انتابتني ساعتها وغيري الا ان صوتا نشازا هتف قائلا انظروا الى "جيشنا الابي" ، فما كان مني ساعتها الا ان اقول اي جيش يا رجل فمبلغ دبابة واحدة ممكن ان نشتري 300 حافلة نقل ركاب. ولم تمر ايام الا وانا في المنظمة الحزبية البعثية في تحقيق مكثف "مع لوازمه" عن كيفية معرفتي بسعر الدبابة والحافلة.

وفي منفاي الدنماركي ومنذ نهاية الثمانينات وحتى بداية الالفية الثالثة كنت اشتم الدكتاتور وحزبه ومريديه، كلما ارى ذلك الفلاح العجوز صيفا وهو يقود جرّارّه الزراعي البالي ساحبا خلفه محراثا مرّة وحاصودة مرّة وماكنة لنشر البذور مرّة وعربة للسماد او جمع الحشائش لتكون علفا مرّة. لأتساءل عن ثمن دبابة بيعت بعد رحيل الدكتاتور خردة وكم جرّارّا زراعيا كان من الممكن شرائها بثمنها وكيف كان سيكون حال العراق زراعيا.

واليوم وقد رحل وحزبه الى مزبلة التاريخ فهل يحق لنا الاستمرار في الشتم والسباب؟ وان كان من حقنا ان نسب ونشتم، فمن هم الذين علينا سبّهم وشتمهم؟ ولو عدنا الى مقولة الامام علي "ع" من انه يكره لنا ان نكون سبّابين أو شتّامين، فهل يحب لنا ان نكون سارقي اموال الارامل واليتامى، وهل يحب لنا ان نكون مرتشين، وهل يحب لنا ان نكون بياعي وطن، وهل يحب لنا ان نكون طائفيين وقتلة، وهل يحب لنا ان نأوي المجرمين تحت منصات العار، وهل يحب لنا ان نهدر ثروة بلدنا التي هي ملك الاجيال القادمة، وهل وهل وهل.... ، فمنذ الاحتلال ولليوم دخلت الخزينة العراقية ارقام فلكية من العملة الصعبة فاين هي وماذا كان باستطاعتنا ان نفعل بها لو كان لدينا ساسة شرفاء؟ اليس من حقي ايها القاريء الكريم ان اشتم واسب هؤلاء الذي سرقوا اموال شعبنا كما كنت ولا زلت اشتم واسب البعثيين الذين اوصلوا العراق الى ما هو عليه اليوم؟

نعم اني اشتم واسب كل من يأوي حثالات الارهاب القادم من خلف الحدود ليقتلوا ابناء شعبنا.
نعم اني اشتم واسب كل من يدعو للطائفية النتنة في الجوامع والحسينيات ومؤسسات الدولة.
نعم اني اشتم واسب كل من لا يوفر الكهرباء لابناء شعبنا.
نعم اني اشتم واسب كل من لا يستطيع توفير الامن لمدننا.
نعم اني اشتم واسب كل لصوص المال العام.
نعم اني اشتم واسب كل من يستورد دواءا وغذاءا واجهزة فاسدة.
نعم اني اشتم واسب كل من يسرق اصوات الناخبين .
نعم اني اشتم واسب البعثيين والطائفيين والتكفيريين.
نعم اني اشتم واسب كل من يعمل على افراغ العراق من ابنائه.
نعم اني اشتم واسب كل من يكره اطفال العراق.
نعم اني اشتم واسب من قتل مدرب فريق كربلاء الكروي واتعجب لصمت الحكومة عن هذه الجريمة البشعة وغير الاخلاقية، ولكن عجبي يزول عندما اعرف الجهة القاتلة وممن تستلم اوامرها.
نعم اني اشتم واسب اصحاب الرواتب الخرافية التي نستطيع ان نشتري بجزء منها مئات الجرّارّات الزراعية لننهض بواقعنا الزراعي المزري.

يقول سيبويه "كل شيء ولا شتيمة حر" ووالله اني لا ارى في طائفيي العراق حرّا كي لا اشتمه.

 


26/6/2013
الدنمارك
 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق