الجمعة، 22 فبراير 2013

خارج اوقات العمل الرسمية// بشرى الهلالي


 
   اتصل بي صديق خارج اوقات العمل الرسمية ليسألني سؤالا بدا غريبا لأول وهلة.. قال: مالذي يجب ان نقدمه للشهداء، وأي منهم هو الشهيد؟ الذي كان شهيدا في زمن النظام السابق ليصبح عميلا الآن، أم الذي كان عميلا آنذاك فأصبح شهيدا الآن؟ وهل كان لاستشهادهم فائدة لنا نحن الذين نحلم بالتغيير؟

هممت بأن اقول له بأنهم منحوه (تويوتا ياباني ام التبريد) ومبالغ مالية، والآن توجد مؤسسة الشهداء تمنح عائلته 500 الف دينار راتبا وقطعة ارض حصل بعضهم عليها والبعض... قاطعني قبل أن أنطق: اعلم بما ستقولين ولاأظن بأنه كاف.

حقا.. لقد تحولت (التويوتا) الآن الى ركام وتم ترحيلها بعد ان غزت السيارات (الصينية) الصنع شوارع البلد. وانفق المال الذي كان ثمن رؤوس (حراس البوابة الشرقية)، لكن ابن الشهيد مازال حيا دون أب، بل حتى انهم سلبوا والده لقب (الشهيد). أما من مزقت اجسادهم المفخخات والحروب الطائفية فما زال اهاليهم يلهثون خلف التعويضات.

وماذا ان وقف الشهيد بين يدي ربه يسأله عن معنى استشهاده، معظمهم لم يكن مخيرا، وحتى من كان مخيرا او مسيرا او مجبرا فقد دفع دمه قربانا لهذا الوطن وترك أما ثكلى او اطفالا أيتام أو زوجة أرملة. مالذي سيطلبه الشهيد لو قيض له الوقوف بين يدي الرب، هل سيكون فرحا بالسيارة والمال وقطعة الارض والتعويضات؟

نساء، رجال، اطفال، اشلاء كلهم سيصرخون: ليس هذا ثمن دماؤنا، نريد ثمنا افضل يعادل الشهادة.. نريد حياتا افضل لمن بعدنا.. حلمنا بالتغيير من اجل مدارس افضل لابناءنا.. وظائف.. سكن.. حياة تشبه حياة ابناء البلدان المجاورة في اغنى بلد في العالم.

...ثم استدرك بغضب: قضيت نصف شبابي في الحرب.. عشت الحصار.. وها انذا دون عمل ومستقبل وقد تجاوزت الخمسين.. حتى وان غدا البلد يابانا أخرى بعد سنوات.. ليهنأ اولادي ولكن ماذا عني.. لم اجرب الحياة بعد.. قولي لهم اني اريد أن أعيش فلم يتبقى لي الكثير..

من سيجيب ان كان لا أحد يصغي؟ اضم صرختي الى صرخة الشهداء؟ أسأل الرب؟

ربما استجاب الرب لصرخة الشهداء، بكى لبكائهم.. فقرر الانتقام .

وقبل أيام.. أرسل شهابا مذنبا قيل ان له قوة تدميرية تعادل 30 مليون طن من النابالم.. فهو اشارة. خبير تحدث من على قناة CNN وقال: انه تحذير من الطبيعة يشير الى ان الارض في خطر، فان مر بقربها هذه المرة دون اضرار فقد لايبقي منها ولا يذر في المرة القادمة.

لكن ساسة هذا البلد لم يفهموا الاشارة.. بعضهم هلل لقدوم المذنب كونه احد علامات الساعة التي تسبق ظهور (الامام المهدي)، لكنه لم يفكر بتوزيع بعض مما جمعه (صدقة) فما زال هنالك وقت طويل قبل أن تقوم الساعة. وبعضهم خشي أن يصدع الكويكب كرسيه فقرر أن يستغفر ربه ويتوجه نحو الشعب فيوفر له الخدمات والوظائف والحياة الرغيدة، واقسم البعض ان ينبذ الخلافات والطائفية ويحرق اسلحته ويعلن توبته عن الفساد وسرقة مال الفقراء والمؤامرات. بينما ترقب بعضهم الاخبار وفي نفسه شماتة ورغبة بأن لايكتفي الكويكب بالمرور قرب الكويت والسعودية بل يلقي ببعض شرره على أراضيهن. 

وبمجرد ان انتهت ساعات الترقب ورحل الكويكب جارا اذيال الخيبة واليأس من أن يستطيع اصلاح هذا البلد او غيره.. تنفس الساسة الصعداء وعادوا ليضربوا اقدامهم بقوة على الأرض التي امتلكوا ناصيتها، فركعتا صلاة لبعضهم كانت كافية لشكر الرب.

.. وبعد يومين فقط من هروب الكويكب خائبا، تسلل الموت بسياراته المفخخة ليخطف ارواح العشرات.. وصعد الى الرب شهداء جدد انضموا الى السابقين وقبل ان تبرد دماؤهم سألوا الرب: ماهو الثمن الذي يعادل هذه الدماء؟ لانريد مال ياسيدي، نريد حـــــــــــــــــــــياتا افضل لمن بعدنا، نريد حـــــــــــــــــــــياتا افضل لمن بعدنا...

 أطرق الرب حزينا، استحالت دماؤهم الى نهر دموع.. هدر صوته مواسيا: لم يفهموا الاشارة يا أبنائي..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق